(الصفحة 344)
و مثلها: رواية هرون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات
و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم احق
بميراثه ان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(1)
و منها: صحيحة بريد العجلى قال سئلت ابا
جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق
قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأ عنه حجة الاسلام، و ان كان مات و
هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل
من ذلك شىء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت ارأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم
مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟قال يكون جميع ما
معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه او يكون اوصى بوصية فينفذ
ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلثه.(2)
و اما التقييد من الجهة الثانية الراجعة الى الاختصاص بالمستطيع الذى استقر
عليه الحج فيدل عليه صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئلنى
رجل عن امرئة توفيت و لم تحج فاوصت ان ينظر قدر ما يحج به فان كان امثل ان يوضع
في فقراء ولد فاطمة (عليها السلام)وضع فيهم و ان كان الحج امثل حج عنها فقلت
له: ان كان عليها حجة مفروضة فان ينفق ما اوصت به في الحج احب الىّ من ان يقسم
في غير ذلك(3) فان الظاهر من قوله: احب هو اللزوم و المحبوبية
التعينية كما في قوله تعالى: و اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض و عليه فمفاد
الرواية لزوم قضاء الحج عنها إذا كان عليها حجة مفروضة و من الواضح اختصاص هذا
العنوان بخصوص المستطيع الذى
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و الستون ح ـ 4
(الصفحة 345)
استقر عليه الحج لان الموت مع عدم الاستقرار كاشف عن عدم الوجوب و عدم كون
الحجة مفروضة.
فقد ظهر من جميع ذلك ان مقتضى الجمع بين الروايات لزوم قضاء الحج عمن استقر
عليه الحج و الظاهر انه لا فرق في ذلك بين من تمكن من الاتيان بالحج و لم يأت
به عصيانا كما هو المفروض في المقام او حرجا و بين من لم يتمكن من الاتيان به
اصلا كما ان الظاهر صحة التبرع عنه لانه بعد فرض كون الحج بمنزلة الدين الواجب
و قد عرفت ظهور تعبير الاية في ذلك يجرى عليه حكم الدين من هذه الجهة ايضا فيصح
التبرع عنه كما في الدين فتدبر مضافا الى دلالة بعض الروايات على صحة التبرع.
المقام الثانى: فيما يتحقق به الاستقرار و
الظاهر كما حكى عن المدارك ان عنوان الاستقرار لا يكون في شىء من الروايات بل
هو اصطلاح فقهى و قد وقع الخلاف فيما يتحقق به على اقوال:
منها: ما هو المشهور ـ نقلا و تحصيلا كما في
الجواهر ـ من ان ما يتحقق به الاستقرار الذى يترتب عليه احكامه عبارة عن مضى
زمان يمكن فيه الاتيان بجميع افعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثانى عشر
من ذى الحجة.
و منها: ما اختاره في المهذب و احتمله
الشهيد من انه مضى زمان يمكن فيه الاتيان بالاركان جامعا للشرائط فيكفى بقائها
الى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى.
و منها: ما احتمله العلامة في محكى القواعد
من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الاحرام و دخول الحرم.
و منها: ما ذكره السيد (قدس سره) في العروة
بقوله: و ربما يقال باعتبار بقائها الى عود الرفقة.و ربما يستفاد ذلك مما ذكره
في التذكرة من ان من تلف ماله قبل
(الصفحة 346)
عود الحجاج و قبل مضى امكان عودهم لم يستقر الحج في ذمته لان نفقة الرجوع لا بد
منها في الشرائط.
و منها: ما هو ظاهر المدارك و صريح المفاتيح
و شرحه و استقر به صاحب المستند على ما حكى عنهم من كفاية وجودها حين خروج
الرفقة فلو اهمل استقر عليه و ان فقدت بعد ذلك لانه كان مأمورا بالخروج معهم.
و منها: ما اختاره الماتن (قدس سره) و السيد
(قدس سره) في العروة من انه يتحقق الاستقرار ببقائها الى زمان يمكن فيه العود
الى وطنه بالنسبة الى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية و اما بالنسبة الى
مثل العقل فيكفى بقائه الى آخر الاعمال.
و الظاهر ان المراد بمثل العقل هى الحيات.
اقول: اما القول بكفاية وجود الشرائط حين
خروج الرفقة معللا بانه كان مأمورا بالخروج معهم فيرد عليه ان الجامع للشرائط
الى حين الخروج تارة يعلم ببقائها الى آخر الاعمال و الفراغ عنها و اخرى يعلم
بانتفائها ـ كلا او بعضا ـ في اثناء الاعمال و ثالثة يشك فى البقاء و الانتفاء
ففى الصورة الاولى يكون امره بالخروج مع الرفقة امرا واقعيا مقدميا على القول
بوجوب المقدمة و ثبوت الملازمة بينه و بين وجوب ذى المقدمة و في الصورة الثانية
لا يكون مأمورا بالخروج اصلا لانه يعلم بعدم وجوب الحج عليه فكيف تجب مقدمته و
هى الخروج و في الصورة الثالثة يكون مأمورا بالخروج امرا ظاهريا مقدميا لان
وجوب ذى المقدمة انما هو مستند الى استصحاب بقاء الشرائط و عدم انتفائها في
اثناء الاعمال فهو وجوب ظاهرى فوجوب الخروج ايضا كذلك.
و حينئذ نقول ـ بعد كون المفروض في كلام القائل هى الصورة الثالثة ـ انه ان كان
المراد بالاستقرار الذى يتحقق عند القائل بما ذكره هو الاستقرار الواقعى فيرد
عليه ان الامر الظاهرى بالخروج لا يحقق الاستقرار الواقعى، و ان كان المراد هو
(الصفحة 347)
الاستقرار الظاهرى فيرد عليه ان الاستقرار الظاهرى لا يترتب عليه الاثر لان
الملاك فى الاستقرار الذى يوجب الحج و لو متسكعا و القضاء عنه بعد الموت هو
استكمال الشرائط و استجماعها ثم الاهمال و المسامحة و من الواضح انه لا بد من
الرجوع الى ادلة الشرائط و الوصول الى مفادها و الظاهر ان ادلة الشرائط تدل على
جهتين:
احديهما: ان الشرائط المعتبرة امور واقعية و
لها مع هذا الوصف مدخلية في الوجوب و التكليف و عليه فاجتماعها بمقتضى
الاستصحاب لا يؤثر الاّ في ثبوت الوجوب الظاهرى
ثانيتهما: ان الشرائط دخيلة في التكليف
حدوثا و بقاء و لا يتحقق التكليف الواقعى بمجرد حدوثها فقط و عليه فاذا لم يخرج
مع الرفقة و زالت الشرائط ـ كلا او بعضا ـ بعد خروجها قبل زمان الحج او في
اثناء الاعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب بحسب الواقع لما عرفت من مدخليتها في
البقاء كالحدوث فلا وجه لوجوب الحج عليه بعد ذلك مع التسكع و لا لوجوب القضاء
عنه بعد الموت كما انه يظهر ان مخالفته للامر بالخروج لا تكون الاّ مجرد التجرى
من دون ان يكون بحسب الواقع مأمورا بالخروج فهذا القول لا مجال للالتزام به
اصلا.
و اما: ما احتمله العلامة في القواعد من انه
عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الاحرام و دخول الحرم فان كان مستنده القواعد و
ادلة اعتبار الشروط فقد عرفت ان مقتضاها اعتبار بقاء الشرائط الى آخر الاعمال و
تمامية الحج و لا يستفاد منها خصوصية للاحرام و دخول الحرم، و ان كان مستنده
الروايات الدالة على ان من مات بعد الاحرام و دخول الحرم يجزى ذلك عن حجة
الاسلام كصحيحتى بريد العجلى و ضريس المتقدمتين ففيه ان موردهما كما مر الكلام
فيه خصوص من استقر عليه الحج قبل ذلك و لا تشملان من لم يستقر عليه بقرينة
التعبير بالاجزاء و القضاء فيهما فلا ارتباط لهما بالمقام مع انه على فرض
العموم و الشمول يختص ذلك بالموت و لا يتعدى منه الى غيره فهل زوال الاستطاعة
بعد الاحرام و دخول الحرم لا ينافى اتصاف الحج
(الصفحة 348)
بكونه حجة الاسلام؟!من المعلوم انه لا يمكن الالتزام به فهذا الاحتمال لا مجال
له ايضا
و اما: ما اختاره في المهذب و احتمله الشهيد
فيرد عليه ـ مضافا الى ان عدّ طواف النساء من جملة الاركان مع ان اصل جزئيته
محل اشكال فضلا عن ركنيته لا وجه له ـ ان تخصيص اعتبار بقاء الشرائط بخصوص
الاركان لا دليل عليه فان مقتضى ادلة الشرائط اعتبار بقائها في مجموع العمل و
لا خصوصية للاركان من هذه الجهة بعد عدم قيام الدليل عليه.
و اما ما ذكره المشهور فالظاهر ان الحد
المذكور في الذيل و هو الى اليوم الثانى عشر من ذى الحجة لا يكون مذكورا في
كلام المشهور بل انما اضاف اليه مثل السيد (قدس سره) في العروة نظرا الى ان
تمامية الحج انما تتحقق في اليوم المذكور و عليه فلو لم يكن المبيت بمنى من
افعال الحج لا يكون ذلك اشكالا على المشهور فانهم ذكروا ان ما يتحقق به
الاستقرار عبارة عن مضى زمان يمكن ان يقع فيه الحج مستجمعا للشرائط في حال
الاختيار و اللازم ملاحظة اعمال الحج و ان اىّ عمل يكون جزء له و اىّ عمل لا
يكون كذلك.
و الظاهر ان كلام المشهور مطابق للقاعدة و ادلة الشرائط من دون فرق بين الحياة
و العقل و بين غيرهما من الشرائط كالاستطاعة بانواعها الاربعة و ذلك لما عرفت
من ظهورها في اعتبارها في جميع افعال الحج و لا فرق بين الاركان و غيرها و اما
نفقة العود و الاياب بناء على اعتبارها فاللازم و ان كان وجودها حين الاعمال
الا انه لا دليل على اعتبار بقائها بعد تمامية الحج بحيث لو تلفت قبل عود الحاج
يكشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه من الاول و كذا لو مرض بعد الفراغ عن الحج مرضا
يشق معه السفر و لذا اعترض صاحب المدارك على ما قاله العلامة في التذكرة من
العبارة المتقدمة بان فوات الاستطاعة بعد الفراغ من افعال الحج لم يوثر في
سقوطه قطعا و الا لوجب اعادة الحج مع تلف المال في الرجوع او حصول المرض الذى
يشق معه السفر