(الصفحة 354)
و ربما يقال بانه تعارض هذه الروايات صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام)في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال
انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة
الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم احق بما ترك فان شاؤا
اكلوا، و ان شاؤا حجوا عنه(1) و الرواية و ان كان موردها الوصية و
البحث انما هو مع عدمها لكن التعليل بقوله (عليه السلام) انه بمنزلة الدين
الواجب عام يشمل صورة عدم الوصية ايضا كالدين.
و قد اجيب عن التعارض بوجهين:
احدهما: ما في «المستمسك» من وجود التعارض
في نفس الرواية بين صدرها و ذيلها فان صدرها صريح في اخراجه من الاصل و ذيلها
ظاهر في خلاف ذلك فلا بدّ من طرحه او تأويله.
ثانيهما: ما في شرح بعض الاعلام على العروة
من ان المراد من الذيل بقرينة الصدر الصريح في اخراجه من الاصل ان ما تركه من
المال لا يفى بمصارف الحج و انما يفى بمقدار الحمولة و اجرة الحمل و الركوب فح
لا يجب القضاء عنه لعدم وفاء المال فيرجع المال الى الورثة فان شاؤا حجوا عنه
من مالهم.
و لكن الظاهر بطلان كلا الوجهين و الوجه فيه عدم الوصول الى معنى الرواية
اما الوجه الاول فقد عرفت فيما سبق ان مورد
ذيل الرواية بقرينة الجملتين الاولتين صورة عدم الاستقرار و عدم الاستطاعة فلا
تعارض بين الصدر الصريح في وجوب القضاء و الذيل الظاهر في عدم الوجوب اصلا.
و اما الوجه الثانى فالظاهر ان المراد من
قدر نفقة الحمولة هو قدر نفقة الحج و الشاهد عليه ـ مضافا الى ان الظاهر من
قوله: «ان شاؤا حجوا عنه» هو الحج عنه من
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 4
(الصفحة 355)
ماله لا من اموالهم رواية هارون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)
في رجل مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال هم
احق بميراثه ان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(1) و لو ابيت الا عن
كون المراد من قدر نفقة الحمولة غير قدر نفقة الحج فيقال على هذا الوجه بوقوع
المعارضة بين هذه الرواية و الروايات المتقدمة و لكن الحق ما عرفت من عدم وقوع
التعارض بوجه لاختلاف الموردين و من الواضح ان كون ما ترك بمقدار نفقة الحج لا
يلازم الاستطاعة في حال الحيوة كما لا يخفى.
الفرع الثانى: ما لو اوصى بحجة الاسلام من
غير تعيين كونها من الاصل او من الثلث و حكمه ـ كما في المتن ـ كالفرع الاول و
هو القضاء عن اصل التركة و يدل عليه ـ مضافا الى امكان دعوى الاولوية فانه فيما
إذا لم يكن هناك وصية إذا كان الواجب الاخراج من الاصل لكان ثبوت هذا الحكم مع
الوصية المطلقة بطريق اولى ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه
السلام) في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال: ان كان صرورة فمن جميع المال انه
بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه الى آخر الحديث.(2) ثم
لا يخفى اتحاد هذه الرواية مع صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الوسائل بعد
هذه الرواية مع فصل رواية اخرى و لا تعدد بين الروايتين قال فيها: معاوية بن
عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)قال سئلت عن رجل مات و اوصى ان يحج عنه قال
ان كان صرورة حج عنه من وسط المال و ان كان غير ضرورة فمن الثلث.(3)
بل الظاهر اتحادها مع الرواية الفاصلة و هى رواية حارث بيّاع الانماط انه سئل
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 4
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 6
(الصفحة 356)
ابو عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اوصى بحجة فقال ان كان صرورة فهى من صلب
ماله انما هى دين عليه و ان كان قد حج فهى من الثلث.(1) وجه الاتحاد
ظهور كون السائل المجهول فى هذه الرواية هو معاوية بن عمار في الروايتين و
بالجملة الحكم في الفرع واضح.
الفرع الثالث: ما لو اوصى باخراج حجة
الاسلام من الثلث فتارة يكون مع الحج وصايا اخرى مستحبة كالصدقة و بناء المسجد
ـ مثلا ـ و اخرى لا يكون و على كلا التقديرين فتارة يكون الثلث وافيا بما اوصى
به و اخرى لا يكون.
فان كان وافيا فلا اشكال في الحكم و انه يجب العمل بالوصية و الاخراج من الثلث
و ان لم يكن وافيا ففيه صورتان:
الاولى: ما إذا كان مع الحج وصايا اخرى
مستحبة و البحث فى حكمه تارة من جهة ان مقتضى القاعدة ماذا و اخرى من جهة
الروايات الواردة في المقام.
اما من جهة القاعدة فربما يقال بان مقتضاها لزوم تقسيم الثلث بينها بالسوية و
ما دل على خروج الحج من اصل المال انما هو فيما إذا لم يوص به و اما إذا اوصى
به و بغيره كالصدقة و العتق يخرج الحج من الثلث و يصرف ثلث الثلث و هو التسع في
الحج فان الصرف تابع لجعل الموصى فان كان ثلث الثلث غير واف بالحج يكمل من اصل
المال فكانه بالنسبة الى الحج لم يوص و ليس المقام من باب المزاحمة حتى نقول
بتقدم الحج لاهميته بل وجوبه من باب الايصاء.
كما انه ربما يقال بان مقتضى القاعدة هو تقديم الحج و ان كان متأخرا عن ساير
الوصايا في الذكر لان حجة الاسلام لما كانت يجب اخراجها على كل حال و ان لم
يسعها الثلث لم تصلح المستحبات لمزاحمتها التى لا يجب اخراجها إذا لم يسعها
الثلث لان النسبة بينهما من قبيل نسبة الواجب المطلق الى المشروط يكون الاول
رافعا للثانى.
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 5
(الصفحة 357)
و الظاهر ان الرواية الآتية كما انه يستفاد منها حكم هذه الصورة يستفاد منها ـ
بملاحظة التعليل المذكور ـ مقتضى القاعدة و الا يلزم ان يكون التعليل بامر
تعبدى على خلاف القاعدة و هو خلاف ظاهر التعليل فانتظر.
و اما من جهة الرواية فمقتضى الروايات الكثيرة التى ذكرها في الوسائل في كتاب
الحج و في كتاب الوصايا تقديم الحج على غيره من الوصايا المستحبة اما ما اورده
في كتاب الحج فروايتان لمعاوية بن عمار و الظاهر اتحادهما و ان كان بينهما
اختلاف من جهة نقل تمام القصة و بعضها و المشتملة على التمام ما رواه الشيخ
باسناده عن موسى بن القاسم عن زكريا المؤمن عن معاوية بن عمار قال: ان امرأة
هلكت و اوصت بثلثها يتصدق به عنها و يحج عنها و يعتق عنها فلم يسع المال ذلك
فسئلت ابا حنيفة و سفيان الثورى فقال كل واحد منهما: انظر الى رجل قد حج فقطع
به فيقوى به، و رجل قد سعى في فكاك رقبته فبقى عليه شىء فيعتق و يتصدق بالبقية
فاعجبنى هذا القول و قلت للقوم يعنى اهل المرأة انى قد سئلت لكم فتريدون ان
اسئل لكم من هو اوثق من هؤلاء قالوا: نعم، فسئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام)
عن ذلك فقال: ابدء بالحج فان الحج فريضة فما بقى فضعه في النوافل قال: فاتيت
ابا حنيفة فقلت انى قد سئلت فلانا فقال لى: كذا و كذا قال: فقال: هذا و اللّه
الحق و آخذ به، و القى هذه المسئلة على اصحابه، و قعدت لحاجة لى بعد انصرافه
فسمعتهم يتطار حونها فقال بعضهم بقول ابى حنيفة الاول فخطأ من كان يسمع هذا و
قال سمعت هذا من ابى حنيفة منذ عشرين سنة.(1) و لا مجال للخدشة في
سند الرواية لان زكريا المؤمن قد وثق بالتوثيق العام لوقوعه في اسناد كتاب كامل
الزيارات و اما دلالتها فمضافا الى تصريحها بلزوم البدئة بالحج مع كون الوصية
من الثلث يكون التعليل بكون الحج فريضة ظاهرا
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثلاثون ح ـ 1
(الصفحة 358)
فى ان مقتضى القاعدة ايضا ذلك فان المراد بالفريضة ليس كونه فريضة على الميت
ضرورة انه مع فقد الحياة لا يبقى مجال لبقاء التكليف بل الظاهر من الفرض كونه
واجبا على الوارث الاخراج و لو لم يكن هناك وصية كما عرفت في الفرع الاول و ما
كان حاله هكذا لا يصلح الوصايا المستحبة للمزاحمة معه فالوجوب من قبل الوصية و
ان كان متساوى النسبة الى الجميع و لا فرق فيه بين الحج و غيره الا ان اهمية
الحج باللحاظ المذكور لكونه فرضا مع قطع النظر عن الوصية دون ساير الوصايا
تقتضى ترجيحه و صرف الثلث فيه و لا مجال للتوزيع و التقسيم بالسوية كما لا
يخفى.
فالرواية كما انها تدل على اصل الحكم ترشد الى مفاد القاعدة بلحاظ التعليل لما
عرفت من عدم كونه بامر تعبدى على خلاف القاعدة فتدبر.
الصورة الثانية ما إذا لم يكن مع الحج وصية
اخرى و الحكم فيه ـ كما في المتن ـ من صرف الثلث في الحج و لزوم التكميل من
بقية المال و الوجه فيه انه مقتضى الجمع بين ما يدل على وجوب الاخراج من اصل
التركة خصوصا مع ما في بعض الروايات من التعليل بانه بمنزلة الدين الواجب و بين
ما يدل على نفوذ الوصية و بعبارة اخرى الوصية باخراج الحج من الثلث انما تكون
نافذة بالاضافة الى جهة الاثبات و اما بالنسبة الى جهة النفى و هو عدم صرف ما
زاد على الثلث فيه فلا مجال لنفوذها فمقتضى الجمع بين الدليلين المذكورين ما
ذكرنا.
الفرع الرابع: حج النذر و الحكم فيه ـ على
ما في المتن ـ هو الاخراج من اصل التركة ايضا كما في حجة الاسلام و قد استدل
على ذلك بوجوه:
الاول: انه دين اللّه كما في سائر التكاليف
الالهية و الوظائف الشرعية و قد عبر عن حجة الاسلام كما عرفت مرارا باللام و
على في الاية الشريفة و في رواية الخثعمية المتقدمة التعبير عن الحج بانه دين
اللّه و الظاهر وقوع التعبير عن الصلوة بذلك في بعض الروايات فاذا ثبت كونه
دينا فاللازم اخراج ذلك من الاصل ايضا.