(الصفحة 360)
بعينه فاللازم تقديمه على الحج و لا يجوز صرفه اى صرف مقدار الخمس او الزكوة فى
غيرهما من دون فرق بين القول بالاشاعة فيهما المقتضية للتشريك في عين المال
واصله و بين القول بالتشريك في المالية و بين القول بكونهما حقا متعلقا بالمال
لانه في جميع الفروض لا يكون المجموع متعلقا بالميت جائزا له التصرف فيه مطلقا.
و اما لو كان الخمس او الزكوة متعلقا بالذمة كما في الدين الذى يكون تعلقه بها
دائما فالمشهور بينهم ان التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس و
عن الحدائق الميل الى تقديم الحج و عن جواهر القاضى احتماله.
و دليل المشهور ثبوت الجميع على العهدة و عدم الترجيح لبعض على الاخر فمقتضى
القاعدة التوزيع على الكل.
و اما ما يدل على تقديم الحج فروايتان دالتان على تقديمه على الزكوة:
احديهما: صحيحة معاوية بن عمار قال قلت له:
رجل يموت و عليه خمسمأة درهم من الزكوة و عليه حجة الاسلام و ترك ثلاثمأة درهم
و اوصى بحجة الاسلام و ان يقضى عنه دين الزكوة قال: يحج عنه من اقرب ما يكون و
يرد الباقى في الزكوة.(1)
ثانيتهما: صحيحته الاخرى عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) في رجل مات و ترك ثلاثمأة درهم و عليه من الزكوة سبعمأة درهم و
اوصى ان يحج عنه قال: يحج عنه من اقرب المواضع و يجعل ما بقى في الزكوة.(2)
و لكن الظاهر اتحاد الروايتين و عدم تعددهما بمعنى وقوع السؤال من معاوية بن
عمار مرة واحدة و الجواب كذلك غاية الامر انّ الاختلاف انما هو فى النقل عنه و
هو لا يقتضى تعدد الرواية و عليه فالاشكال في سند الثانية كما في الجواهر على
تقدير
-
1 ـ ئل ابواب المستحقين للزكوة الباب الواحد و العشرون ح ـ 2
-
2 ـ ئل كتاب الوصايا الباب الثانى و الاربعون ح ـ 1
(الصفحة 361)
ثبوته و الاغماض عن جوابه لا يوجب الاشكال في سند الرواية بعد صحة سند الاولى
فلا مجال للاشكال من ناحية السند.
و اما من ناحية الدلالة فالظاهر ان المتفاهم العرفى من الجواب هو تقديم الحج
غاية الامر من اقرب المواضع و قوله يرد الباقى في الزكوة ليس معناه لزوم ابقاء
شىء من المال لاجل الزكوة حتى يكون ظاهرا في التوزيع بل معناه لزوم رد الباقى
في الزكوة على تقدير بقاء شىء بعد الحج و عليه فلا مجال لحملهما على التوزيع و
بالجملة لا خفاء في ظهور الجواب في لزوم تقديم الحج و ان كان مستوعبا لجميع
التركة بحيث لم يبق شىء للزكوة بعد الحج.
ثم ان هاتين الروايتين و ان كانتا واردتين في مورد الزكوة الا ان الظاهر جريان
الحكم فى الخمس ايضا اما لكونه عوضا عن الزكوة و اما لظهور كون الزكوة اهم من
الحج و ذلك لعطفها على الصلوة في كثير من الموارد في الكتاب العزيز و لما توعّد
به من العذاب على تركها و عليه فالاشكال باختصاص الروايتين بالزكوة لا مجال له
اصلا.
ثم ان مقتضى بعض الروايات تقدم الحج على دين الناس و حقوقهم و هى صحيحة بريد
العجلى المتقدمة الواردة في رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في
الطريق، المشتملة على قوله (عليه السلام): و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم
جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو
للورثة ان لم يكن عليه دين.(1) بناء على تعلق قوله: ان لم يكن عليه
دين بقوله فهو للورثة فان مفاده حينئذ تقدم الحج على الدين و الدين على الارث و
اما لو كان متعلقا بقوله: جعل جمله و زاده...فمفاده تقدم الدين على الحج و على
اى تقدير فالرواية مخالفة للمشهور حيث انهم يقولون بالتوزيع بالنسبة من دون
تقدم للحج
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 362)
على غيره و لا تأخر كما ان صحيحة معاوية بن عمار ايضا مخالفة لهم فان قلنا بان
اعراض المشهور عن رواية يوجب الوهن و القدح فيها و لو كانت في كمال الصحة و
التمامية فاللازم رفع اليد عنهما لاجل الاعراض و قد صرح بذلك السيد (قدس سره)
في العروة تبعا لصاحب الجواهر (قدس سره) و ان لم نقل بذلك فاللازم الفتوى على
طبق الروايتين و الحكم بتقدم الحج على غيره من الخمس و الزكوة و الدين.
ثم: انه بناء على التوزيع بالنسبة ـ كما هو
المشهور ـ لا يبقى مجال لفرض كون حصة الحج وافية به اصلا فانه مع قصور التركة
عن الوفاء بالجميع و التوزيع بنسبة المصرف و المقدار لا محالة تكون حصة الحج
غير وافية به دائما و لاجله يستشكل على المتن و العروة لوقوع هذا الفرض فيهما
نعم لو كان التوزيع بنحو التساوى يمكن تحقق هذا الفرض احيانا و لكنه غير مراد
لتصريحهم بان التوزيع في المقام انما هو كالتوزيع في غرماء المفلس و من الواضح
كونه بالنسبة لا بالتساوى و عليه فاللازم سقوط الحج بالمرة مع التوزيع الا ان
تكون حصته بمقدار الحج فقط او العمرة فقط ففيه بحث سيأتى.
و بالجملة: مع عدم وفاء حصة الحج به كما هو
لازم التوزيع دائما لا مجال لتوهم لزوم صرف حصته في ابعاضه لعدم مشروعية شىء من
الابعاض و الاجزاء وحده فالوقوف وحده لا يكون كذلك و الوقوفان وحدهما ايضا كذلك
و هكذا نعم في خصوص الطواف قام الدليل على مشروعيته و رجحانه فيجوز الاتيان به
استحبابا و في الرواية المعروفة: الطواف بالبيت صلوة و لاجله يجوز تعلق النذر
به ايضا كتعلقه بالنافلة من الصلوة الا ان وقوعه جزء للحج الواجب او العمرة
الواجبة مع خلوه عن سائر الابعاض و الاعمال لم تثبت مشروعيته بوجه و بعبارة
اخرى وقوعه واجبا بالاصل كوجوب اصل الحج لم يقم دليل عليه و قاعدة الميسور لا
تجرى في مثل المقام من الاعمال الارتباطية و العبادات التى يرتبط بعض اجزائها
ببعض و عليه فاللازم سقوط
(الصفحة 363)
الحج بالمرة و صرف حصته في غيره هذا مع عدم وفاء التركة الا ببعض الاجزاء و
الاعمال و اما مع وفائها بالحج فقط او العمرة فقط بمعنى وفائها لاحدهما فالكلام
يقع تارة فى حج القران و الافراد و اخرى في حج التمتع.
اما الاول فهل يكون مخيرا بين الحج و العمرة
نظرا الى وجوب كل واحد عليه مستقلا كما اختاره السيد (قدس سره) في العروة و ان
احتاط بعده بتقديم الحج او ان الحج مقدم على العمرة كما اختاره الماتن (قدس
سره) وجهان و الظاهر هو الثانى و الوجه فيه اما اهمية الحج بالاضافة الى العمرة
لاختصاصه ـ بعد الاشتراك مع العمرة في جميع مناسكها ـ بما لا يوجد فى العمرة
كالوقوفين و اعمال منى و من الواضح اقتضاء ذلك للاهمية و اما تقدمه على العمرة
في حج القران و الافراد و هو يقتضى صرف التركة فيه كما في الصلوة إذا علم
المصلى بانه لا يقدر الا على القيام في ركعة واحدة فان اللازم عليه صرف هذه
القدرة في الركعة الاولى لتقدمها اذ صرفها في غيرها من الركعات يوجب ان يكون
ترك القيام في الركعة الاولى بلا عذر موجب له و هذا بخلاف العكس كما لا يخفى
فالظاهر بمقتضى الوجهين ترجيح الحج كما في المتن.
و اما الثانى فهل الحكم فيه السقوط و الصرف
في الدين و غيره او التخيير او ترجيح الحج لاهميته او العمرة لتقدمها في هذا
الحج عليه او ينتقل حج التمتع الى الافراد؟وجوه مقتضى القاعدة هو الوجه الاول
لان مقتضى الادلة ان حج التمتع عمل واحد مرتبطة عمرته بحجه و كذا العكس و ان
كان يتوسط الاحلال بينهما لكنه لا يخل بوحدته و ثبوت الارتباط بين عمرته و حجه
و عليه فوفاء التركة باحدهما انما هو كوفائه بخصوص الطواف او الوقوف او غيرهما
في الفرض المتقدم فلا يبقى مجال للتفكيك مع وصف ثبوت التمتع و عليه فاللازم صرف
الحصة في غيره من الدين و مثله.
نعم هنا رواية ربما يستفاد منها الوجه الاخير و هو الانتقال الى حج الافراد
(الصفحة 364)
و هى رواية على بن مزيد (فرقد ـ كا) صاحب السابرى قال اوصى الىّ رجل بتركته
فامرنى ان احج بها فنظرت في ذلك فاذا هى شىء يسير لا يكفى للحج فسئلت ابا حنيفة
و فقهاء اهل الكوفة فقالوا تصدق بها عنه الى ان قال فلقيت جعفر بن محمد في
الحجر فقلت له رجل مات و اوصى الى بتركته ان احج بها فنظرت في ذلك فلم يكف للحج
فسئلت من عندنا فقالوا تصدق بها فقال ما صنعت؟قلت تصدقت بها قال: ضمنت الا ان
لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فان كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك
ضمان و ان كان يبلغ ما يحج به من مكة فانت ضامن.(1) و الاستدلال بها
على الانتقال الى حج الافراد متوقف على تمامية الرواية من حيث السند اولا و على
تماميتها من حيث الدلالة على حكم المقام ثانيا بدعوى كون الحج الموصى به هو حج
التمتع و انه لا فرق بين صورة الوصية و بين غيرها الذى هو محل البحث في المقام
و ان المراد من الحج من مكة هو حج الافراد الذى يكون احرامه من مكة مع ان
الرواية ضعيفة من حيث السند لان على بن مزيد ـ او فرقد ـ مجهول و الموصى به و
ان كان هو حج التمتع لان الظاهر كون الموصى من اهل الكوفة و الكوفيون يجب عليهم
التمتع لبعدهم كالايرانيين و اما عدم الفرق بين صورة الوصية و بين غيرها فربما
يناقش فيه نظرا الى ان العمل بالوصية مرغوب فيه مهما امكن فان لم يمكن العمل
بنفس الوصية فالاقرب و الاقرب و لا شك ان الحج وحده اقرب الى نية الموصى.
و لكن الظاهر بطلان المناقشة خصوصا مع ما عرفت في بعض الروايات المتقدمة
الواردة في الوصية بالحج الدالة على لزوم اخراجه من اصل التركة معللة بان الحج
بمنزلة الدين الواجب فان مقتضى هذا التعليل ان الوصية لا مدخل لها في ذلك بل
الوجه فيه هو كونه بمنزلة الدين الواجب و هو لا فرق فيه بين صورة الوصية و
غيرها و عليه فاللازم في المقام اجراء الحكم في غير
-
1 ـ ئل كتاب الوصايا الباب السابع و الثلاثون ح ـ 2