(الصفحة 383)
من الكوفة و ان لم يسعه فمن المدينة مع تحقق مسافة بعيدة بين ذلك.
و يرد عليه ـ مضافا الى ان الراوى قمى لا خراسانى و يمكن ان لا يكون السؤال في
خراسان بل في الطريق اليه من المدينة كما لا يخفى و على تقديره فلا دلالة له
على كون الموصى بلده خراسان لان السؤال في بلد لا دلالة له على كون مورده ذلك
البلد ـ ان الجواب الاصلى الذى افاده الامام (عليه السلام) بصورة الضابطة و
القاعدة الكلية هو قوله (عليه السلام): «على قدر ماله» الذى يكون مقتضاه البلد
و الاقرب اليه فالاقرب و اما ما ذكره بعد ذلك فهو يشبه المثال و لا دلالة له
على لزوم الترتيب المذكور فيه فالمناقشة من حيث الدلالة غير واردة بل الرواية
ظاهرة في الترتيب بين البلد و الاقرب اليه فالاقرب
و منها: ما اورده في الجواهر بعنوان صحيحة
الحلبى عنه (عليه السلام) قال و ان اوصى ان يحج عنه حجة الاسلام و لم يبلغ ماله
ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت و الظاهر انه اعتمد فى ذلك على نقل صاحب المدارك
عن تهذيب الشيخ (قدس سره) مع ان الموجود في التهذيب هو ذكر هذا الكلام بعد
صحيحة الحلبى و الدقة فيه تقتضى عدم كونه ذيلا للصحيحة بل هو اما من كلام الشيخ
و عبارته و اما من كلام المفيد (قدس سره) في المقنعة التى يكون التهذيب شرحا
لها و كيف كان لا تكون رواية اصلا و يدل عليه عدم تعرض صاحب الوسائل لهذه
الرواية في الباب الذى اورد فيه سائر الروايات الواردة في المسئلة بل و لا في
غيره ظاهرا و لو كانت كذلك اى رواية لكانت دلالتها على اعتبار البلد مع سعة
المال اظهر من جميع روايات الباب و منها رواية ابى سعيد (سعيد في بعض الطرق)
عمن سئل ابا عبد اللّه (عليه السلام)عن رجل اوصى بعشرين درهما في حجة قال يحج
بها (عنه) رجل من موضعه.(1)
و منها: رواية ابى بصير عمن سئله قال قلت له
رجل اوصى بعشرين دينارا في حجة فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه.(2)
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 5
-
2 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 8
(الصفحة 384)
و الظاهر اتحاد الروايتين غاية الامر ان المذكور في احد الطريقين ابا سعيد و في
الاخر ابا بصير و الظاهر ان احدهما تصحيف و يؤيده ان الراوى عن كليهما هو ابن
مسكان و عنه محمد بن سنان كما انه يظهر ان المسؤل في الرواية الثانية هو ابو
عبد اللّه ـ (عليه السلام) ـ و ذكر الدرهم في احديهما و الدينار في اخرى لا يدل
على التعدد.
و منها: رواية عمر بن يزيد قال قال ابو عبد
اللّه (عليه السلام) في رجل اوصى بحجة فلم تكفه من الكوفة، تجزى حجته من دون
الوقت.(1)
و منها: رواية اخرى لعمر بن يزيد قال قلت
لابى عبد اللّه (عليه السلام) رجل اوصى بحجة فلم تكفه قال فيقدمها حتى يحج دون
الوقت.(2) و من الواضح اتحاد الروايتين و ان جعلهما في الوسائل
متعددا.
و منها: ما رواه ابن ادريس في اخر السرائر
نقلا من كتاب مسائل الرجال بسنده عن عدة من اصحابنا قالوا: قلنا لابى الحسن
يعنى على بن محمد (عليهما السلام) ان رجلا مات في الطريق و اوصى بحجة و ما بقى
فهو لك، فاختلف اصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت فهو او فر للشىء ان يبقى
عليه و قال بعضهم: يحج عنه من حيث مات فقال: (عليه السلام)يحج عنه من حيث مات.(3)
و المراد من قوله (عليه السلام) من حيث مات يحتمل ان يكون لاجل كون اللازم في
قضاء الحج عنه في مورده هو الاستنابة و النيابة من البلد الذى يكون المعيار فيه
هو بلد الموت و يحتمل ان يكون لاجل كون المورد و هو الموت في الطريق و اللازم
بمقتضى الرواية هى النيابة عنه من حيث مات ليكمل الحج من بلد الاقامة و
الاستيطان و على الثانى لا تكون الرواية مرتبطة بالمقام الا من جهة دلالتها على
كون المراد هو الحج من البلد.
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 6
-
2 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 7
-
3 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 9
(الصفحة 385)
و في مقابل هذه الروايات رواية زكريا بن آدم قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام)
عن رجل مات و اوصى بحجة ايجوز ان يحجّ عنه من غير البلد الذى مات فيه؟فقال: اما
ما كان دون الميقات فلا بأس.(1) و دلالتها على عدم لزوم النيابة من
البلد مع سعة المال للاستنابة منه ظاهرة و لكن سندها ضعيف بسهل بن زياد.
فان اغمضنا عن ضعف سند الرواية فاللازم الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة و
ما قيل في مقام الجمع امور:
احدها: حمل تلك الروايات على استحباب الحج
من البلد بقرينة رواية زكريا الصريحة في عدم الوجوب و كفاية الحج من الميقات.
و يرد عليه ان دلالة كثير من الروايات المتقدمة على وجوب الحج البلدى انما كانت
بالمفروغية عند السائل و تقرير الامام (عليه السلام) له و لا يمكن حمله على
الاستحباب و ليس فيها مثل هيئة «افعل» الظاهرة في الوجوب القابلة للحمل على
الاستحباب إذا كان في مقابلها ما هو اظهر.
ثانيها: التفصيل بين حجة الاسلام و بين
غيرها لورود مثل صحيحة ابن رئاب في خصوص حجة الاسلام و اطلاق رواية زكريا لان
الموصى به هو مطلق الحجة فيحمل على غير حجة الاسلام.
و هذا الجمع و ان كان اقرب من الوجه السابق الا ان حمل الاطلاق في رواية زكريا
على غير حجة الاسلام مع كون المصداق الظاهر لمطلق الحجة هى حجة الاسلام بعيد
فتدبر.
ثالثها التفصيل بين ما إذا كانت الوصية
بالحج بمقدار معين من المال و عدمه بوجوب الحج عنه في الاول من المكان الذى يفى
به المال و عدم وجوبه عنه في الثانى الا من الميقات و الشاهد عليه خبرا ابى
سعيد و ابى بصير الواردان في خصوص
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 4
(الصفحة 386)
الوصية بمال معين.
رابعها: التفصيل بين صورة سعة المال و صورة
عدمها فيقال بان ما دل على وجوب الحج البلدى مختص بصورة سعة المال و وفائه بذلك
و مع عدم السعة فمن الاقرب اليه فالاقرب حتى ينتهى الى الميقات و الظاهر ان هذا
الوجه احسن الوجوه و اظهرها هذا و لكن ورود هذه الروايات باجمعها في مورد
الوصية يمنع عن الاستدلال بها في المقام و هو صورة عدم الوصية لعدم دليل على
عدم الفرق و احتمال دخل خصوصية المورد.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض في هذه الصورة في مقابل القاعدة التى
ليس مقتضاها الا الحج عنه من بعض المواقيت الاقرب فالاقرب الى مكة ما يدل على
وجوب الحج عنه من البلد و لو كان المال واسعا في غاية الوسعة فاللازم متابعة
المشهور كما في المتن.
نعم استحباب الاحتياط بالاخراج من البلد ثم من الاقرب اليه فالاقرب بحاله مع
احتساب التفاوت بين البلد و الميقات من سهم الكبار فقط و لا ينبغى الارتياب فيه
الصورة الثانية: ما إذا كان هناك وصية فتارة
يعين الموصى البلد او الميقات و اخرى لا يعين شيئا منهما و في الثانية قد يكون
هناك انصراف الى البلدية بنظر العرف و ما هو المتداول بين اهله او تكون قرينة
قائمة على ارادتها و قد لا يكون شىء من الانصراف و قيام القرينة.
ففيما إذا اطلق و لم يعين شيئا و لم يكن
انصراف و لا قرينة ففى المتن «كفت الميقاتية» و ذكر بعض الاعلام انه في باب
الوصية بالحج لم يرد نص معتبر يعتمد عليه فلا بد من الرجوع الى ما تقتضيه
القاعدة.
و الظاهر وجود النص المعتمدة و هو بعض الروايات المتقدمة كصحيحة على بن رئاب
الواردة في الوصية المطلقة بحجة الاسلام الدالة على مفروغية لزوم الحج
(الصفحة 387)
من البلد مع سعة المال و اقتضاء التركة له عند السائل و تقرير الامام (عليه
السلام) له على ذلك.
و موثقة ابن بكير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) انه سئل عن رجل اوصى بماله في
الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال فيعطى في الموضع الذى يحج به عنه،
بناء على كون الموصى به صرف جميع امواله في الحج و كون اللام في «له» مكسورا و
جزء لكلمة «ما» و المراد به هو المال و اما بناء على كون «ما» موصولة و «اللام»
مفتوحة فيكون المراد صرف ما يتعلق به من الثلث في الحج و عليه فلا دلالة لها
على لزوم الحج البلدى مع عدم وفاء الثلث به.
هذا و لكن الظاهر هو الاحتمال الاول و عدم ثبوت الاجمال في الرواية اذ على
تقدير الاحتمال الثانى كان اللازم اضافة مثل قوله: «من الثلث» بعد قوله:
«بماله» ، و على تقدير الاجمال تكون صحيحة على بن رئاب رافعة لاجمالها و
ابهامها حيث صرح فيها بانه لم يبلغ جميع ما ترك الا...فهى تدل على ان النظر
انما هو الى جميع المال لا خصوص الثلث.
فمقتضى الروايتين لزوم كون الحج من البلد في صورة الوصية نعم في مقابلهما ما
يدل على ان الوصية مطلقا انما هى من الثلث و ما زاد يحتاج الى اجازة الورثة لكن
حيث ان النسبة هى الاطلاق و التقييد فاللازم تقييد الاطلاق بغير مورد الوصية
بالحج الثابت على عهدة الموصى نظرا الى الروايتين.
و اما ما في المتن من كفاية الميقاتية في صورة الاطلاق فالظاهر ان منشأه ما ذهب
اليه صاحب الجواهر (قدس سره) من تعارض الروايات المتقدمة و تساقطها و الرجوع
الى القاعدة التى عرفت ان مقتضاها كفاية الحج من الميقات هذا كله في صورة
الاطلاق.
و اما مع التصريح من الموصى بالحج من البلد فمقتضى ما اخترناه في صورة الاطلاق
لزوم الحج البلدى بطريق اولى فان مورد الروايات و ان كان هى الوصية