(الصفحة 387)
من البلد مع سعة المال و اقتضاء التركة له عند السائل و تقرير الامام (عليه
السلام) له على ذلك.
و موثقة ابن بكير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) انه سئل عن رجل اوصى بماله في
الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال فيعطى في الموضع الذى يحج به عنه،
بناء على كون الموصى به صرف جميع امواله في الحج و كون اللام في «له» مكسورا و
جزء لكلمة «ما» و المراد به هو المال و اما بناء على كون «ما» موصولة و «اللام»
مفتوحة فيكون المراد صرف ما يتعلق به من الثلث في الحج و عليه فلا دلالة لها
على لزوم الحج البلدى مع عدم وفاء الثلث به.
هذا و لكن الظاهر هو الاحتمال الاول و عدم ثبوت الاجمال في الرواية اذ على
تقدير الاحتمال الثانى كان اللازم اضافة مثل قوله: «من الثلث» بعد قوله:
«بماله» ، و على تقدير الاجمال تكون صحيحة على بن رئاب رافعة لاجمالها و
ابهامها حيث صرح فيها بانه لم يبلغ جميع ما ترك الا...فهى تدل على ان النظر
انما هو الى جميع المال لا خصوص الثلث.
فمقتضى الروايتين لزوم كون الحج من البلد في صورة الوصية نعم في مقابلهما ما
يدل على ان الوصية مطلقا انما هى من الثلث و ما زاد يحتاج الى اجازة الورثة لكن
حيث ان النسبة هى الاطلاق و التقييد فاللازم تقييد الاطلاق بغير مورد الوصية
بالحج الثابت على عهدة الموصى نظرا الى الروايتين.
و اما ما في المتن من كفاية الميقاتية في صورة الاطلاق فالظاهر ان منشأه ما ذهب
اليه صاحب الجواهر (قدس سره) من تعارض الروايات المتقدمة و تساقطها و الرجوع
الى القاعدة التى عرفت ان مقتضاها كفاية الحج من الميقات هذا كله في صورة
الاطلاق.
و اما مع التصريح من الموصى بالحج من البلد فمقتضى ما اخترناه في صورة الاطلاق
لزوم الحج البلدى بطريق اولى فان مورد الروايات و ان كان هى الوصية
(الصفحة 388)
المطلقة الا ان لزوم الحج البلدى فيه يقتضى لزومه مع التقييد بالبلد بالاولوية
القطعية كما لا يخفى.
و اما بناء على مختار المتن فمقتضى الجمع بين رعاية القاعدة المقتضية للحج من
الميقات و بين ما يدل على لزوم العمل بالوصية في محدودة الثلث احتساب ما زاد
على اجرة الميقاتية من الثلث فان و في بالحج من البلد فاللازم الاستيجار منه و
اما اجرة الميقاتية اى الاجرة من الميقات فهى محسوبة من اصل التركة.
ثم انه على تقدير عدم وفاء التركة بالحج من البلد ـ بناء على المختار ـ و على
تقدير عدم وفاء الثلث بالحج من البلد ـ بناء على مختار المتن ـ هل ينتقل الى
الميقات او الى الاقرب فالاقرب من البلد فقد احتاط في المتن بالثانى و رعاية
الاقرب فالاقرب و الظاهر ان مقتضى الجمع بين الروايات المتقدمة من هذه الجهة هو
الحكم به و انه مع امكان الاقرب لا يجوز الانتقال الى الميقات سيما مثل موثقة
عبد اللّه بن بكير المتقدمة المؤيدة برواية محمد بن عبد اللّه المتقدمة ايضا.
ثم انه في كلتا الصورتين من المسئلة ـ صورة الوصية و صورة عدمها ـ لو لم يمكن
الاستيجار الا من البلد يجب ذلك و يخرج من اصل التركة من دون فرق بين القول بان
الواجب في صورة الامكان هو الحج من البلد و بين القول بان الواجب هو الحج من
الميقات و ذلك للزوم قضاء الحج عن الميت فاذا لم يمكن الاستيجار الا من البلد
فاللازم ذلك من باب المقدمة و منه يظهر انه لا يكون للبلد خصوصية فاذا لم يمكن
الاستيجار الا من موضع ابعد من البلد فاللازم ذلك بل لو لم يمكن الا من اقصى
نقاط العالم يجب ذلك لاجل ما ذكر.
بقى الكلام في هذه المسئلة في امر لم يقع له
التعرض في المتن و هو المراد بالبلد و فيه اقوال:
الاول: ما اختاره في الجواهر من ان المراد
به هو بلد الاقامة و الاستيطان حيث
(الصفحة 389)
قال: و كيف كان فالمراد بالبلد ـ على تقدير اعتباره ـ بلد الاستيطان لانه
المنساق من النصوص و الفتوى خصوصا من الاضافة فيهما سيما خبر محمد بن عبد
اللّه.
الثانى: ما اختاره صاحب المدارك (قدس سره)
قال: «الظاهر ان المراد من البلد الذى يجب الحج منه على القول به محل الموت حيث
كان كما صرح به ابن ادريس و دل عليه دليله».و وافقه على ذلك السيد (قدس سره) في
العروة نظرا الى اشعار خبر زكريا بن آدم ـ المتقدم ـ بذلك و الى انه اخر مكان
كان مكلفا فيه بالحج.
الثالث: ما احتمله صاحب الجواهر (قدس سره)
بل نقل عن بعض العامة القول به و هو ان المراد بالبلد بلد الاستطاعة و اليسار
التى حصل وجوب الحج عليه فيها.
الرابع: ما احتمله السيد (قدس سره) في
العروة و وصفه في آخر كلامه بانه قوىّ جدا و هو التخيير بين البلدان التى كان
فيها بعد الاستطاعة، و الظاهر ان المراد من تلك البلدان هى البلدان التى سافر
اليها و ليس المراد هى الاقامة فيها كما لا يخفى.
هذا و الظاهر ما افاده في الجواهر من ان المنساق من النص و الفتوى هو بلد
الاقامة خصوصا مع الاضافة الى الشخص و مع الاتيان بصيغة الجمع المنافى مع بلد
الموت في موثقة ابن بكير المتقدمة و مع التعبير بالمنزل المضاف اليه في رواية
محمد بن عبد اللّه المتقدمة ايضا.
و اما رواية زكريا بن آدم فمضافا الى عدم صحة سندها ـ كما مر ـ يرد على
الاستناد اليها انه لا اشعار فيها لان بلد الموت مذكور في كلام السائل و الجواب
حيث يكون ناظرا الى عدم اعتبار البلد من رأس و ان ما كان دون الميقات فلا بأس
به لا يكون تقريرا لما في ذهن السائل و لا مجال لدعوى التقرير بالاضافة الى
قضية تعليقية و هى انه لو كان البلد معتبرا لكان المراد به هو بلد الموت و هذا
بخلاف التقرير في موثقة عبد اللّه بن بكير حيث يكون الجواب فيها دالا على تقرير
ما في ذهن السائل من انه لو كان
(الصفحة 390)مسئلة 59 ـ لو اوصى بالبلدية او قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استوجر من
الميقات و اتى به، او تبرع عنه متبرع منه برئت ذمته و سقط الوجوب من البلد، و
كذا لو لم يسع المال الا من الميقات، و لو عين الاستيجار من محل غير بلده تعين
و الزيادة على الميقاتية من الثلث، و لو استأجر الوصى او الوارث من البلد مع
عدم الايصاء بتخيل عدم كفاية الميقاتية ضمن ما زاد على الميقاتية للورثة او
لبقيتهم1.
ما يحج به كافيا من بلاده لكان اللازم الحج منها ثم ان ما رواه ابن ادريس في
آخر السرائر ـ على ما تقدم ـ يكون ايضا ظاهرا في ان المراد بالبلد هو بلد الموت
و لكنه ذكر في الجواهر ان الظاهر ارادة موته في طريق الحج بل لعل الخبر: اوصى
بحجته اى باتمام حجته، و عليه لا يكون واردا في المقام كما انه على التقدير
الاول ايضا لا تكون الرواية واجدة لوصف الاعتبار و الحجية.
و اما الاستدلال بانه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج فيرد عليه انه لم يكن
الواجب عليه الحج من ذلك المكان الذى مات فيه بل كان الواجب على نفسه هو الحج و
قطع المسافة و طى الطريق لا يكون واجبا الا من باب المقدمة بناء على وجوبها و
على تقدير الوجوب عليه من ذلك المكان نقول: ما الدليل على وجوب القضاء عنه من
ذلك المكان فان الدليل على وجوب القضاء عنه من البلد و ان كان على خلاف القاعدة
الا انه لا دلالة له على اعتبار بلد الموت و قد عرفت ان المنساق منه هو بلد
الاقامة و الاستيطان.
و مما ذكرنا يظهر بطلان القول الثالث و كذا الاحتمال الرابع فان المنشأ لهما هو
توجه التكليف بوجوب الحج اليه في ذلك البلد و لكنه لا يقتضى اللزوم عليه من ذلك
البلد و على تقديره فلا دليل على وجوب القضاء عنه منه كما هو ظاهر.
1 - فى هذه المسئلة فروع:
الاول: ما لو اوصى بالبلدية او قلنا بوجوبها
مطلقا و لو مع الوصية المطلقة
(الصفحة 391)
او عدم الوصية رأسا فخولف و استوجر من الميقات و فيه جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في برائة ذمة الميت بالاتيان
بالحج الميقاتى و سقوط الوجوب من البلد و عدمها و استشكل فيها صاحب المدارك
(قدس سره) نظرا الى عدم الاتيان بالمامور به على وجهه على هذا التقدير فلا
يتحقق الامتثال.
و يدفع هذا الاشكال ان ذمة الميت مشغولة بخصوص الحج الذى هو عبارة عن الاعمال و
المناسك التى يكون شروعها من الميقات و وجوب الاستنابة من البلد ـ على تقدير
الوصية به او مطلقا ـ انما هو تكليف زائد قد دل عليه الدليل على ما هو المفروض
و لا يرجع ذلك الى توقف برائة ذمة الميت على الاستيجار من البلد و تحقق الحج
منه بل هو تكليف مستقل يترتب على مخالفته الاثم و استحقاق العقوبة و لا يرتبط
بمسئلة ذمة الميت و تحقق برائتها اصلا كما لا يخفى.
و يمكن استفادة ذلك من صحيحة حريز بن عبد اللّه قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه
السلام) عن رجل اعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة قال (عليه
السلام) لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقدتم حجه.(1) فان موردها و ان
كان صورة حيوة الرجل المعطى و لا محالة تكون استنابته لاجل الهرم او المرض الذى
لا يرجى زواله ـ كما تقدم البحث فيه مفصلا ـ و المناسبة تقتضى ان تكون الكوفة
بلد الرجل المعطى و لا دلالة فيه على لزوم ان تكون استنابة الحى من البلد لان
وقوعها كذلك لا يكشف عن وجوبها و لاجله يمكن الايراد على سيد المستمسك (قدس
سره) حيث اورد هذه الرواية في ضمن الروايات الواردة في المسئلة السابقة مع عدم
ارتباطها بها اصلا كما ان موردها صورة مخالفة الاجير لا المخالفة في الاستيجار
كما هو المفروض في المقام و الجواب و ان كان دالا على عدم البأس فيه الا ان
قوله (عليه السلام) إذا قضى جميع المناسك...بمنزلة التعليل و مقتضاه ان الاتيان
بالمناسك يوجب تحقق التمامية
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الحادى عشر ح 1