(الصفحة 389)
قال: و كيف كان فالمراد بالبلد ـ على تقدير اعتباره ـ بلد الاستيطان لانه
المنساق من النصوص و الفتوى خصوصا من الاضافة فيهما سيما خبر محمد بن عبد
اللّه.
الثانى: ما اختاره صاحب المدارك (قدس سره)
قال: «الظاهر ان المراد من البلد الذى يجب الحج منه على القول به محل الموت حيث
كان كما صرح به ابن ادريس و دل عليه دليله».و وافقه على ذلك السيد (قدس سره) في
العروة نظرا الى اشعار خبر زكريا بن آدم ـ المتقدم ـ بذلك و الى انه اخر مكان
كان مكلفا فيه بالحج.
الثالث: ما احتمله صاحب الجواهر (قدس سره)
بل نقل عن بعض العامة القول به و هو ان المراد بالبلد بلد الاستطاعة و اليسار
التى حصل وجوب الحج عليه فيها.
الرابع: ما احتمله السيد (قدس سره) في
العروة و وصفه في آخر كلامه بانه قوىّ جدا و هو التخيير بين البلدان التى كان
فيها بعد الاستطاعة، و الظاهر ان المراد من تلك البلدان هى البلدان التى سافر
اليها و ليس المراد هى الاقامة فيها كما لا يخفى.
هذا و الظاهر ما افاده في الجواهر من ان المنساق من النص و الفتوى هو بلد
الاقامة خصوصا مع الاضافة الى الشخص و مع الاتيان بصيغة الجمع المنافى مع بلد
الموت في موثقة ابن بكير المتقدمة و مع التعبير بالمنزل المضاف اليه في رواية
محمد بن عبد اللّه المتقدمة ايضا.
و اما رواية زكريا بن آدم فمضافا الى عدم صحة سندها ـ كما مر ـ يرد على
الاستناد اليها انه لا اشعار فيها لان بلد الموت مذكور في كلام السائل و الجواب
حيث يكون ناظرا الى عدم اعتبار البلد من رأس و ان ما كان دون الميقات فلا بأس
به لا يكون تقريرا لما في ذهن السائل و لا مجال لدعوى التقرير بالاضافة الى
قضية تعليقية و هى انه لو كان البلد معتبرا لكان المراد به هو بلد الموت و هذا
بخلاف التقرير في موثقة عبد اللّه بن بكير حيث يكون الجواب فيها دالا على تقرير
ما في ذهن السائل من انه لو كان
(الصفحة 390)مسئلة 59 ـ لو اوصى بالبلدية او قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استوجر من
الميقات و اتى به، او تبرع عنه متبرع منه برئت ذمته و سقط الوجوب من البلد، و
كذا لو لم يسع المال الا من الميقات، و لو عين الاستيجار من محل غير بلده تعين
و الزيادة على الميقاتية من الثلث، و لو استأجر الوصى او الوارث من البلد مع
عدم الايصاء بتخيل عدم كفاية الميقاتية ضمن ما زاد على الميقاتية للورثة او
لبقيتهم1.
ما يحج به كافيا من بلاده لكان اللازم الحج منها ثم ان ما رواه ابن ادريس في
آخر السرائر ـ على ما تقدم ـ يكون ايضا ظاهرا في ان المراد بالبلد هو بلد الموت
و لكنه ذكر في الجواهر ان الظاهر ارادة موته في طريق الحج بل لعل الخبر: اوصى
بحجته اى باتمام حجته، و عليه لا يكون واردا في المقام كما انه على التقدير
الاول ايضا لا تكون الرواية واجدة لوصف الاعتبار و الحجية.
و اما الاستدلال بانه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج فيرد عليه انه لم يكن
الواجب عليه الحج من ذلك المكان الذى مات فيه بل كان الواجب على نفسه هو الحج و
قطع المسافة و طى الطريق لا يكون واجبا الا من باب المقدمة بناء على وجوبها و
على تقدير الوجوب عليه من ذلك المكان نقول: ما الدليل على وجوب القضاء عنه من
ذلك المكان فان الدليل على وجوب القضاء عنه من البلد و ان كان على خلاف القاعدة
الا انه لا دلالة له على اعتبار بلد الموت و قد عرفت ان المنساق منه هو بلد
الاقامة و الاستيطان.
و مما ذكرنا يظهر بطلان القول الثالث و كذا الاحتمال الرابع فان المنشأ لهما هو
توجه التكليف بوجوب الحج اليه في ذلك البلد و لكنه لا يقتضى اللزوم عليه من ذلك
البلد و على تقديره فلا دليل على وجوب القضاء عنه منه كما هو ظاهر.
1 - فى هذه المسئلة فروع:
الاول: ما لو اوصى بالبلدية او قلنا بوجوبها
مطلقا و لو مع الوصية المطلقة
(الصفحة 391)
او عدم الوصية رأسا فخولف و استوجر من الميقات و فيه جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في برائة ذمة الميت بالاتيان
بالحج الميقاتى و سقوط الوجوب من البلد و عدمها و استشكل فيها صاحب المدارك
(قدس سره) نظرا الى عدم الاتيان بالمامور به على وجهه على هذا التقدير فلا
يتحقق الامتثال.
و يدفع هذا الاشكال ان ذمة الميت مشغولة بخصوص الحج الذى هو عبارة عن الاعمال و
المناسك التى يكون شروعها من الميقات و وجوب الاستنابة من البلد ـ على تقدير
الوصية به او مطلقا ـ انما هو تكليف زائد قد دل عليه الدليل على ما هو المفروض
و لا يرجع ذلك الى توقف برائة ذمة الميت على الاستيجار من البلد و تحقق الحج
منه بل هو تكليف مستقل يترتب على مخالفته الاثم و استحقاق العقوبة و لا يرتبط
بمسئلة ذمة الميت و تحقق برائتها اصلا كما لا يخفى.
و يمكن استفادة ذلك من صحيحة حريز بن عبد اللّه قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه
السلام) عن رجل اعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة قال (عليه
السلام) لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقدتم حجه.(1) فان موردها و ان
كان صورة حيوة الرجل المعطى و لا محالة تكون استنابته لاجل الهرم او المرض الذى
لا يرجى زواله ـ كما تقدم البحث فيه مفصلا ـ و المناسبة تقتضى ان تكون الكوفة
بلد الرجل المعطى و لا دلالة فيه على لزوم ان تكون استنابة الحى من البلد لان
وقوعها كذلك لا يكشف عن وجوبها و لاجله يمكن الايراد على سيد المستمسك (قدس
سره) حيث اورد هذه الرواية في ضمن الروايات الواردة في المسئلة السابقة مع عدم
ارتباطها بها اصلا كما ان موردها صورة مخالفة الاجير لا المخالفة في الاستيجار
كما هو المفروض في المقام و الجواب و ان كان دالا على عدم البأس فيه الا ان
قوله (عليه السلام) إذا قضى جميع المناسك...بمنزلة التعليل و مقتضاه ان الاتيان
بالمناسك يوجب تحقق التمامية
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الحادى عشر ح 1
(الصفحة 392)
و برائة الذمة و لو مع المخالفة فمقتضى الرواية سقوط الوجوب من البلد في المقام
ايضا ثم انه يلحق بالفرع المذكور في هذه الجهة الفرعان الاخران المذكوران في
المتن.
الجهة الثانية: في ان التفاوت المالى بين
الحج البلدى و الحج الميقاتى هل ينتقل الى الوارث مطلقا او يصرف في وجوه البرّ
للميت الاقرب فالاقرب في نظره و جهاته او ان في هذه الجهة تفصيلا بين صورة
الوصية و بين ما إذا لم يكن هناك وصية ففى الصورة الثانية لا بد من الحكم
بالانتقال الى الورثة لانه بعد سقوط وجوب الحج البلدى و تحقق برائة ذمة الميت و
عدم بقاء موضوع لوجوب الحج او اتيان المقدمات و المفروض عدم ثبوت وصية في البين
فلا محالة ينتقل الى الوارث و في الصورة الاولى يصرف في وجوه البر للميت بالنحو
المذكور لان المتفاهم عرفا من الوصية انما هو كونها بنحو تعدد المطلوب و قد
عرفت ان مقتضى رواية على بن مزيد (فرقدكا) المتقدمة الواردة في مورد عدم وفاء
التركة بالحج الموصى به الذى كان هو الحج بنحو التمتع الانتقال الى حج الافراد
و مع عدم وفاء التركة به الانتقال الى التصدق عن الميت و لعله يستفاد من
الروايات الآخر ايضا و هذا الوجه هو الظاهر.
الجهة الثالثة: في صحة الاجارة و بطلانها،
ربما يستظهر الفساد نظرا الى ان المرخص من التصرف في مال الميت انما هو
الاستيجار من البلد و اما غيره فغير مأذون فيه فالمستأجر ضامن للاجير اجرة
المثل.
و يرد عليه انه لا مجال للحكم ببطلان الاجارة من دون فرق بين ما إذا كانت
الاجرة كلية او شخصية من مال الميت اما في الصورة الاولى فلانه لا موجب للبطلان
بعد كون العمل صحيحا مشروعا موجبا لتحقق برائة ذمة الميت و كان الواجب على
الوصى بذل المال في ذلك و لزوم البذل من البلد لا يقتضى عدم مشروعية ذلك البذل
(الصفحة 393)
بعد كون الحج من البلد و لزوم الشروع منه تكليفا زائدا غير مرتبط بالواجب
الاصلى و منه يظهر الصحة في الصورة الثانية فهى كما لو اوصى ببذل مال معين الى
زيد فصرف الوصى نصفه ـ مثلا ـ و بذله الى الموصى له فانه لا يمكن الحكم ببطلان
هذا التصرف و عدم جوازه من الوصى و عدم جواز تصرف الموصى له فيه لانه خلاف
مقتضى الوصية فالظاهر ـ ح ـ صحة الاجارة.
الجهة الرابعة: في انه على تقدير الحكم
ببطلان الاجارة هل يكون ذلك قادحا في تحقق برائة ذمة الميت و سقوط وجوب الحج من
البلد اولا؟الظاهر هو الثانى لان بطلان الاجارة انما يؤثر في انتقال الاجرة
المسماة الى اجرة المثل فقط و اما صحة العمل و النيابة فهى باقية بحالها
فالاجير قد اتى بالحج نيابة عن الميت و الفرق بينه و بين المتبرع انما هو فى
استحقاق الاجرة و عدمه و الاّ فهما مشتركان في وقوع العمل صحيحا بعنوان النيابة
فلا مجال للاشكال في الاكتفاء به.
الفرع الثانى: ما لو عين الاستيجار من محل
غير بلده و غير الميقات و الكلام فيه تارة على تقدير القول بلزوم الحج البلدى و
كونه من اصل التركة و لو مع عدم الوصية و اخرى على تقدير القول بعدم لزومه و ان
ما زاد على الميقات لا بد من احتسابه من الثلث.
فعلى التقدير الاول ربما يستشكل في صحة الوصية بالحج من غير بلده باحد وجهين:
الاول: ان هذه الوصية على خلاف السنّة و على
خلاف ما هو الواجب شرعا لان اللازم في الشرع انما هو الحج من البلد على ما هو
المفروض.
الثانى: انه يعتبر في صحة الوصية ان يكون
متعلقها مما ثبت للموصى الولاية عليه فلا تصح في غير هذه الصورة كان يصلى زيد ـ
مثلا ـ في كل يوم في مسجد الكوفة ركعتين او يقضى شخص خاص ما على الموصى من
الصلوة و الصيام فان قضائهما