(الصفحة 403)
إذا ظهر لك ما ذكرنا فاعلم ان مبنى لزوم عمل كل على تقليده بالنحو المذكور هو
ثبوت مصرف الحج في التركة على سبيل الاشاعة لانه حينئذ لا يكون نزاع في البين و
كل واحد من الورثة يعمل على طبق رأيه ـ اجتهادا او تقليدا ـ فاذا كانت التركة
مقدار مأة الف ـ مثلا ـ و كان مصرف الحج البلدى عشرين الفا و الحج الميقاتى
عشرة آلاف و كان الوارث منحصرا في ذكرين ـ مثلا ـ فالذى يرى الحج البلدى يعتقد
بان سهم الحج هو الخمس من اصل التركة و الذى يعتقد الحج الميقاتى يرى ان نصيب
الحج هو العشر فاللازم ان يدفع الاول خمس ما يتعلق به و هو خمسون الفا و ان
يدفع الثانى عشر ما يتعلق به فالاول يدفع عشرة آلاف و الثانى خمسة آلاف و
المجموع خمس عشر الفا فيستأجر من الاقرب الى البلد فالاقرب.
و مبنى الاحتمال الثانى ان الحج عن الميت واجب في اصل المال و الارث انما هو
بعد الحج و لا ينتقل المال اليه الا بعده و ثبوت الحج كالدين انما هو كالكلى في
المعين فله ـ اى للوارث ـ مطالبة الاخر بالحج لينتقل اليه المال و عليه فمرجع
النزاع الى ان من يرى الحج البلدى يعتقد بان التركة لا تنتقل الا بعد ادائه من
البلد و الاخر ينكر ذلك و يقول بان عزل مقدار الحج الميقاتى يكفى في تحقق
الانتقال و ثبوت الارث و في مثله لا يرتفع التخاصم الا بالمراجعة الى الحاكم و
لو كان المتداعيان مجتهدين فانه في هذه الصورة ايضا يتعين الرجوع الى الحاكم
ليحكم على طبق نظره و فتويه.
ثم انه ذكر في ذيل المسئلة موارد كثيرة يكون الحكم فيها الرجوع الى تقليد
الوارث او الوصى منها ما إذا لم يعلم فتوى مجتهد الميت و الوجه في الحكم
المذكور واضح فانه فيما لو علم فتوى مجتهده و الاختلاف بينها و بين فتوى
المتصدى إذا كان المدار تقليد الثانى فهو في هذه الموارد يكون بطريق اولى.
(الصفحة 404)مسئلة 63 ـ لو علم استطاعته مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط و لم يكن
اصل محرز لها لا يجب القضاء عنه، و لو علم استقراره عليه و شك في اتيانه يجب
القضاء عنه،وكذا لو علم باتيانه فاسدا،ولو شك في فساده يحمل على الصحة1.
نعم ذكر السيد (قدس سره) في العروة مسئلة عدم العلم بفتوى المجتهد و ذكر فيها
وجهين: وجوب الاحتياط و الرجوع الى تقليد الوارث او الوصى في هذه الصورة.
و يرد عليه انه مع جعل المدار تقليد الميت لا مجال للرجوع الى غيره مع عدم
العلم بفتوى مجتهده بل يتعين الاحتياط للوصول الى فتوى مجتهده او البرائة و
بالجملة لا يجتمع ما ذكره مع جعل المدار تقليد الميت كما لا يخفى.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول: ما لو علم الوارث استطاعة الميت من
جهة المال و لم يعلم تحقق سائر الشرائط
الدخيلة في اصل التكليف و وجوب الحج كالاستطاعات الثلاثة الآخر لا يجب عليه
القضاء عن الميت لعدم احراز توجه التكليف اليه و ثبوت وجوب الحج عليه لان
المفروض الشك في تحقق بعض شرائط الوجوب فتوجه التكليف اليه مشكوك و مقتضى اصالة
البرائة العدم و مع عدمه لا يبقى موضوع لوجوب القضاء على الوارث نعم لو كان
هناك امارة على تحقق سائر الشرائط او اصل محرز لها كما إذا قامت البينة على
وجود الاستطاعات الثلاثة في عام الاستطاعة المالية او كان مقتضى الاستصحاب ذلك
يجب القضاء على الوارث لفرض وجود الدليل على توجه التكليف الى الميت كما هو
ظاهر.
الثانى: ما لو علم استقراره عليه و انه كان
جميع الشرائط للوجوب متحققة و مع ذلك اهمل و لم يأت بالحج في عام الوجوب و شك
في اتيانه بعد الاستقرار ففى المتن الحكم بوجوب القضاء عنه و احتمل في العروة ـ
بعد استظهار الوجوب
(الصفحة 405)
نظرا الى اصالة بقائه في ذمته ـ عدم الوجوب عملا بظاهر حال المسلم و انه لا
يترك ما وجب عليه فورا.
و الظاهر انه لا مجال لهذا الاحتمال بعد عدم حجية ظهور حال المسلم و عدم قيام
الدليل على اعتباره فان منشأ هذا الظهور اما الغلبة او كون اسلامه مقتضيا لذلك
او اشباههما و لم يقم دليل على حجية شىء منها نعم قد يكون في بعض الموارد قواعد
اخرى قام الدليل على اعتبارها كاصالة الصحة الجارية في فعل المسلم إذا شك في
صحة العمل الصادر منه قطعا و فساده و قاعدة الشك بعد الوقت في الصلوة و قاعدتى
الفراغ و التجاوز و امثالها من القواعد المعتبرة و اما في غير هذه الموارد فلم
ينهض دليل على حجية ظهور حال المسلم فهذا الاحتمال ساقط و اما استصحاب عدم
الاتيان بما استقر عليه من الحج فيمكن المناقشة فيه بوجهين:
احدهما: ان استصحاب عدم الاتيان لا يثبت
عنوان «الفوت» المأخوذ في دليل وجوب القضاء لانه امر وجودى لا يثبت بالاستصحاب
العدمى.
و الجواب انه لو سلم ذلك فانما يكون مورده
ما إذا كان هناك عنوان «القضاء» في مقابل «الاداء» كما إذا شك المكلف في انه
صام في شهر رمضان الماضى ام لا فانه يمكن ان يقال ان استصحاب عدم الاتيان لا
يثبت عنوان «الفوت» و اما في باب الحج فلا يكون عنوان القضاء في مقابل الاداء
سواء تحقق الحج من نفس المكلف في زمن حيوته ام تحقق من الوارث فان المستطيع
الذى استقر عليه الحج إذا شك في زمان في الاتيان بالحج الواجب عليه لا اشكال في
لزوم الاتيان عليه نظرا الى استصحاب عدم الاتيان و هكذا الوارث و التعبير بوجوب
القضاء عنه على الوارث ليس المراد به هو القضاء في مقابل الاداء بل هو الاتيان
و العمل كقضاء حاجة المؤمن ـ مثلا ـ و عليه ففى صورة شك الوارث يجرى الاستصحاب
بلا مناقشة لان الواجب عليه الاتيان في صورة ترك الميت له و هو مجرى الاستصحاب
فلا مجال للمناقشة من هذه الجهة
(الصفحة 406)
ثانيهما: ما يظهر من «المستمسك» فانه بعد ان
جعل مقتضى الاستصحاب العدم قال: «لكن قد يستفاد عدمه مما ورد في الدعوى على
الميت حيث لم يكتف بالبينة في وجوب الاداء بل احتيج الى اليمين على البقاء فمع
عدمه لا يجب الوفاء على الوارث فيكون ذلك على خلاف الاستصحاب».
اقول تسرية ما ورد في الدعوى على الميت من
الدين الذى كان عليه قطعا و ادعى الدائن عدم الوفاء في زمان حيوته الى مسئلة
الحج انما هى بلحاظ ان الحج بمنزلة الدين الواجب على الميت كما ورد في بعض
الروايات المتقدمة الواردة في قضاء الوارث عنه التصريح به و جعله بمنزلة العلة
مضافا الى التعبير باللام و على في الاية الشريفة الواردة في الحج فيجرى فيه
حكم الدين.
و الجواب: ان ما ورد في باب الدين روايتان:
احديهما: مكاتبة الصفار المعتبرة الى ابى
محمد العسكرى (عليه السلام) التى رواها المشايخ الثلاثة و ان كان بينها اختلاف
من جهة ان المكاتب هو الصفار او غيره و الصفار ناقل و في ذيلها: او تقبل شهادة
الوصى على الميت مع شاهد آخر عدل فوقع (عليه السلام) نعم من بعد يمين.(1)و
ظاهر محط السؤال انه إذا كان احد العدلين اللذين يشهدان على الميت بثبوت الدين
عليه هو الوصى هل تقبل الشهادة ام لا و يمكن ـ على بعد ـ ان يكون مورد نظر
السائل شهادة الوصى و ان لم يكن عادلا نظرا الى كونه عارفا بمسائل الميت و
مطلعا بالاضافة الى الدين و مثله، فان كان محط نظر السائل هو الاول كما عرفت
انه الظاهر فمقتضى الرواية افتقار اثبات الدين المدعى الى البينة و اليمين و لا
يكتفى بالبينة فقط و عليه فاللازم ملاحظة ان الرواية بهذا المعنى واقعة في
مقابل دليل الاستصحاب و موجبة لتخصيص دليله و الحكم بعدم حرمة نقض اليقين بالشك
فيه او انها واقعة في مقابل
-
1 ـ ئل ابواب الشهادات الباب الثامن و العشرون ح ـ 1
(الصفحة 407)
عموم دليل حجية البينة في الموضوعات او اطلاقه و عليه فلا ارتباط لها بمسئلة
الاستصحاب اصلا بل تحكم بعدم كفاية البينة في موردها و لزوم ضم اليمين اليها و
الظاهر انه لا ينبغى الاشكال في ان المراد هو الثانى فلا يستفاد من الرواية عدم
حجية الاستصحاب فى مورد الدين المدعى حتى يجرى الحكم في الحج ايضا كما هو غير
خفى.
ثانيتهما: رواية ياسين الضرير عن عبد الرحمن
بن ابى عبد اللّه قال قلت للشيخ ـ (عليه السلام)ـ و ان كان المطلوب بالحق قد
مات فاقيمت عليه البينة فعلى المدعى اليمين باللّه الذى لا اله الاّ هو لقد مات
فلان و ان حقه لعليه فان حلف و الاّ فلا حق له لانا لا ندرى لعله قد اوفاه
ببينة لا نعلم موضعها.(1) قال بعض الاعلام بعد نقل الرواية: و يظهر
من الرواية عدم الاكتفاء بالاستصحاب بل لا بد من الحلف على عدم الاداء و لكن
الرواية ضعيفة السند بياسين الضرير فانه لم يوثق.
اقول لو كانت الرواية معتبرة من حيث السند
كالرواية المتقدمة لما كان يستفاد منها طرح الاستصحاب في مورد الشك في الاداء
مطلقا في باب الدين فضلا عن الحج الذى هو محل البحث في المقام و ذلك لوجهين:
احدهما: ان ظاهر هذه الرواية بقرينة قوله:
«فاقيمت عليه البينة» عدم الاكتفاء بها و لزوم ضم الحلف اليها لا انه لا اثر
للبينة اصلا و ان تمام الملاك هو الحلف فالظاهر ان مفادها عين مفاد المكاتبة
المتقدمة و ان كان في الظهور لا يبلغ مرتبة ظهورها.
ثانيهما: انه لو فرض دلالة الرواية على ان
تمام الملاك هو الحلف و لازمه عدم الاعتناء باستصحاب عدم الاداء لكن موردها ما
إذا كان هناك مدّع لعدم الاداء و بقاء الحق عليه و لازمه ادعاء الجزم و القطع
بذلك فاذا كان الحلف في هذا المورد
-
1 ـ ئل ابواب كيفية الحكم الباب الرابع ح ـ 1