(الصفحة 414)
«مدفوعة» بانه لا مانع من ذلك لان وجوب الحج يستفاد من الروايات الدالة على انه
احدى الدعائم الخمسة للاسلام او الاخبار الواردة في التسويف و ان تركه ترك
شريعة من شرايع الاسلام بل لا حاجة الى ذلك بعد كون وجوب الحج من ضروريات الفقه
بل الاسلام.
كما ان «دعوى» انه يلزم بناء على تفسير الاية بما ذكر ان يكون الاتيان به بقصد
اداء المملوك كما في وفاء الدين «مدفوعة» ايضا بان لزوم قصد اداء الدين انما هو
من جهة ان اداء المملوك يمكن ان يكون على وجه آخر مثل الهبة و الصلح و الوديعة
فاللازم قصد الاداء و هذا لا يجرى في الحج لان حجة الاسلام لا يكون الا مملوكا
و لا يجرى فيها وجوه متعددة فقصدها بمجرده يكفى في كون ادائه اداء المملوك و لا
يلزم قصد اداء المملوك كما لا يخفى.
و الجواب انه قد ذكر في كتاب الاجارة بعد تقسيمها الى اجارة الاعيان و الاجارة
على الاعمال ان الاجير في الاجارة على الاعمال تارة يكون اجيرا خاصا و اخرى
يكون اجيرا عاما و المراد من الاول ما إذا كانت منفعته الخاصة او جميع منافعه
ملكا للمستأجر كما إذا استأجر شخصا بنحو يكون منفعته كذلك في مدة معينة ملكا له
و المراد من الثانى ما إذا كان المملوك عملا في ذمة الاجير كما إذا استأجره
لخياطة ثوبه ـ مثلا ـ و في هذا القسم لا مانع من العمل للغير و وقوعه اجيرا له
و ان كان العمل الاول مقيدا بوقت معين لا يسع لغيره كما إذا استأجره لخياطة
ثوبه في يوم خاص فصار اجيرا لعمل للاخر سواء كان هى الخياطة او غيرها من
الاعمال الاخرى في نفس ذلك اليوم فانه لا مجال للمناقشة في صحة الاجارة الثانية
بخلاف الاجير الخاص حيث ان الاجارة الثانية تحتاج الى اذن المستأجر الاول او
اجازته و مسئلة الحج من هذا القبيل اى من قبيل الاجير العام لظهور الاية في كون
المملوك هو العمل و هذا هو المتحقق في الاجير العام فكونه مملوكا للّه تعالى
بمقتضى الاية الشريفة لا يقتضى بطلان الحج غير حجة الاسلام سواء كان تطوعا او
نيابة عن الغير
(الصفحة 415)
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الخصوصيات الاربعة الموجودة في مسئلة الحج لا
يقتضى شىء منها البطلان لو قلنا بالصحة في مسئلة الصلوة و الازالة و عليه فيشكل
ما في المتن من نفى البعد عن البطلان مع الحكم بالصحة في تلك المسئلة فان
الخصوصية المحتملة قويّا لان تكون منشأ للبطلان بنظره (قدس سره) هى الروايتان
الواردتان في المقام المتقدمتان بناء على دلالتهما على البطلان كما استدل
للمشهور بهما فانه ـ حينئذ ـ و ان كان مفادهما على خلاف القاعدة المقتضية للصحة
الا انه لا محيص عن الالتزام بهما مع اعتبار هما سندا و ظهورهما في البطلان على
ما هو المفروض.
و لكنك عرفت ان دلالتهما على الصحة اولى من دلالتهما على البطلان بل لا مجال
لهذا الاحتمال كما عرفت و على هذا التقدير يبقى الكلام في وجه التفكيك بين
المسئلتين بالقول بالصحة هناك و بالبطلان في المقام فهل الوجه فيه الاجماع الذى
ادعاه صاحب الجواهر (قدس سره) او الشهرة الفتوائية المحققة على البطلان؟.
لا مجال للاول لانه ـ مضافا الى ان الاجماع المنقول بخبر الواحد لا يكون واجدا
لشرائط الحجية و الاعتبار ـ يكون معقده خصوص الحج النيابى مع ان المدعى اعم منه
و من الحج التطوعى.
كما انه لا مجال للثانى ايضا لان الشهرة الفتوائية و ان كانت مرجحة في باب
التعارض بل هو اول المرجحات كما حققناه في محله و كذا تكون جابرة للضعف، و
اعراض المشهور يوجب الوهن في الرواية و لو كانت في اعلى درجة الصحة الا انها
بنفسها لا تكون حجة و عليه فلا يكون وجه للتفكيك المزبور بل الظاهر الحكم
بالصحة في المسئلتين كما هو مقتضى القاعدة و يدل عليه الرواية ايضا في المقام
فتدبر جدا.
ثم انه لو قلنا بالصحة في هذه الصورة اى صورة التمكن من الحج و العلم بوجوبه
عليه فورا فاللازم الحكم بالصحة في بقية الصور الخالية عن فرض التمكن
(الصفحة 416)
او العلم او كليهما بطريق اولى.
و اما لو قلنا بالبطلان في هذه الصورة كما في المتن فقد وقع فيه التفصيل بين
صورة التمكن بكلا فرضيه و صورة عدم التمكن و الوجه في التعميم للجاهل بعد ظهور
كون المراد هو الجاهل المقصر غير المعذور واضح بعد جريان حكم العالم عليه في
جميع الموارد الا بعض الموارد النادرة.
و الوجه في الحكم بالصحة في صورة عدم التمكن انه مع عدم التمكن من حجة الاسلام
و لو متسكعا لا يكون التكليف بالحج فعليا فلا مانع من الحج النيابى و التطوعى
كما في مسئلة الصلوة و الازالة فانه مع عدم التمكن من الازالة لفقد الماء ـ
مثلا ـ لا يبقى اشكال في صحة الصلاة لعدم فعلية التكليف بالاهم لكن لو كان
الوجه في البطلان في المقام عدم صلاحية الزمان لغير حجة الاسلام كعدم صلاحية
شهر رمضان لوقوع صوم غيره لا محيص عن الحكم بالبطلان و لو مع عدم التمكن من حجة
الاسلام كما هو ظاهر.
بقى الكلام في حكم الاجارة ـ صحة و فسادا ـ
في الحج النيابى الاستيجارى فنقول لاخفاء في صحة الاجارة في صورة عدم التمكن من
حجة الاسلام و لو متسكعا ضرورة انه ليس في هذا الفرض شىء ينافى الصحة و يمنع
عنها لعدم ثبوت التكليف الفعلى بسبب العجز و عدم القدرة فلا يجرى فيه ما يقتضى
البطلان من الوجوه الآتية انشاء اللّه تعالى.
كما انه إذا قلنا بالبطلان في صورة التمكن من حجة الاسلام و ان غيرها يقع باطلا
سواء كان نيابيا او تطوعيا لا مجال للاشكال في بطلان الاجارة الواقعة عليه لعدم
وقوع العمل المستأجر عليه صحيحا و يكون اكل المال في مقابله اكلا بالباطل منهيا
عنه في الاية و غيرها بالنهى الوضعى فالبطلان بناء على هذا القول واضح و المراد
(الصفحة 417)
من المتن هذا الفرض.
و اما إذا قلنا بالصحة ـ كما اخترناه ـ فقد ذكر السيد (قدس سره) في العروة انه
على هذا التقدير ايضا تكون الاجارة فاسدة قال: «الظاهر بطلانها و ذلك لعدم
قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه لان المفروض وجوبه عن نفسه فورا، و كونه
صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الاجارة خصوصا على القول بان الامر
بالشىء نهى عن ضده لان اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه و ان كانت الحرمة تبعية».
و اللازم توضيح كلامه اولا بان المراد من التبعية ليس ما يقابل الاصلية بل
المراد الغيرية المقابلة للنفسية لان مبنى الاقتضاء المذكور هى المقدمية و وجوب
المقدمة على فرض تسليمه غيرى و ثانيا بان الجمع بين الاستدلال باقتضاء الامر
بالشىء للنهى عن ضده و بين كون المفروض صحة الحج النيابى مع ان الاقتضاء
المزبور من ادلة البطلان انما هو لاجل كون النهى عن الضد غيريا و هو لا ينافى
المحبوبية الذاتية التى هى الملاك في صحة العبادة.
و كيف كان فكلامه يشتمل على دليلين لبطلان الاجارة:
احدهما: عدم القدرة الشرعية على العمل
المستأجر عليه لان الواجب عليه انما هو الحج عن نفسه فورا فالمقام انما هو
كاستيجار الحائض لكنس المسجد فكما ان الاجارة هناك باطلة لعدم كون العمل مشروعا
على الحائض بلحاظ استلزامه للمكث في المسجد فكذلك هنا.
و الجواب عنه ان فرض الصحة في المقام مع كون
العمل عبادة انما يكون مقتضاه محبوبية العمل عند الشارع و رجحانه بذاته خصوصا
على تقدير الالتزام بالامر الترتبى في مسئلة الضدين الذى يكون لازمه تعلق الامر
الفعلى بالمهم غاية الامر في طول الامر بالاهم و مترتبا على العصيان او البناء
عليه و عليه لا مجال لدعوى كون
(الصفحة 418)
المأمور به غير مقدور شرعا و هذا بخلاف الكنس في المثال فانه لا يكون الا
مبغوضا منهيا عنه من قبل الشارع فهذا الدليل غير تام.
ثانيهما: الرواية المعروفة التى استدل بها
الشيخ الاعظم الانصارى (قدس سره) في كثير من موارد المكاسب المحرمة و هى ان
اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه بضميمة ان الامر بالشىء يقتضى النهى عن ضده.
و الجواب عنه ان الحرمة الغيرية المجتمعة مع
المحبوبية الذاتية و الرجحان النفسى لا تكون مشمولة للرواية فان المتفاهم منها
ان ما يكون مبغوضا للشارع سواء كان عينا او عملا و منفعة لا يكون المعاملة عليه
ممضاة عند الشارع و المقام لا يكون كذلك فان العبادة على ما هو المفروض محبوبة
للشارع محكومة بالصحة لديه فلا تشمله الرواية ظاهرا.
ثم انه استدل بعض الاعلام في شرح العروة
لبطلان الاجارة بدليل حاصله ان ادلة نفوذ المعاملات حيث انها احكام امضائية
تابعة لما ينشأه المنشأ: ان مطلقا فمطلق و ان مشروطا فمشروط و لا يخالفه الا في
بعض الموارد كبيع الصرف و السلم فان المنشى فيهما انشأ على الاطلاق و الشارع قد
قيده بلزوم القبض و كذلك في الهبة فان التمليك فيها يحصل بعد القبض و في غير
هذه الموارد النادرة ادلة النفوذ تابعة للمنشأ من حيث الاطلاق و التقييد.
و على ما ذكر، الاجارة في المقام اما تتعلق بالحج مطلقا او تتعلق به على فرض
العصيان للحج الواجب بنفسه، اما الاول فغير قابل للامضاء لان المفروض عدم سقوط
الامر بالحج عن نفسه و هو لا يجتمع مع الامر باتيان الحج المستأجر عليه و كيف
تنفذ الاجارة في عرض ذلك الواجب فانه يستلزم الامر بالضدين في عرض واحد و اما
الثانى فهو موجب للبطلان من جهة التعليق فلا يمكن الحكم بصحة الاجارة و لو كان
الحج النيابى في المقام صحيحا على ما هو المفروض.
|