(الصفحة 418)
المأمور به غير مقدور شرعا و هذا بخلاف الكنس في المثال فانه لا يكون الا
مبغوضا منهيا عنه من قبل الشارع فهذا الدليل غير تام.
ثانيهما: الرواية المعروفة التى استدل بها
الشيخ الاعظم الانصارى (قدس سره) في كثير من موارد المكاسب المحرمة و هى ان
اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه بضميمة ان الامر بالشىء يقتضى النهى عن ضده.
و الجواب عنه ان الحرمة الغيرية المجتمعة مع
المحبوبية الذاتية و الرجحان النفسى لا تكون مشمولة للرواية فان المتفاهم منها
ان ما يكون مبغوضا للشارع سواء كان عينا او عملا و منفعة لا يكون المعاملة عليه
ممضاة عند الشارع و المقام لا يكون كذلك فان العبادة على ما هو المفروض محبوبة
للشارع محكومة بالصحة لديه فلا تشمله الرواية ظاهرا.
ثم انه استدل بعض الاعلام في شرح العروة
لبطلان الاجارة بدليل حاصله ان ادلة نفوذ المعاملات حيث انها احكام امضائية
تابعة لما ينشأه المنشأ: ان مطلقا فمطلق و ان مشروطا فمشروط و لا يخالفه الا في
بعض الموارد كبيع الصرف و السلم فان المنشى فيهما انشأ على الاطلاق و الشارع قد
قيده بلزوم القبض و كذلك في الهبة فان التمليك فيها يحصل بعد القبض و في غير
هذه الموارد النادرة ادلة النفوذ تابعة للمنشأ من حيث الاطلاق و التقييد.
و على ما ذكر، الاجارة في المقام اما تتعلق بالحج مطلقا او تتعلق به على فرض
العصيان للحج الواجب بنفسه، اما الاول فغير قابل للامضاء لان المفروض عدم سقوط
الامر بالحج عن نفسه و هو لا يجتمع مع الامر باتيان الحج المستأجر عليه و كيف
تنفذ الاجارة في عرض ذلك الواجب فانه يستلزم الامر بالضدين في عرض واحد و اما
الثانى فهو موجب للبطلان من جهة التعليق فلا يمكن الحكم بصحة الاجارة و لو كان
الحج النيابى في المقام صحيحا على ما هو المفروض.
(الصفحة 419)
و يرد على هذا الدليل انه يبتنى على القول بانحلال الخطابات الواقعة في الاحكام
التكليفية او الوضعية الى خطابات شخصية حسب تعدد المخاطبين و تعدد العقود و
المكلف بها فانه على هذا المبنى يكون الجمع بين الخطاب الشخصى المتضمن للامر
بالحج عن نفسه و الخطاب الشخصى المتضمن للامر باتيان الحج للمنوب عنه مستلزما
للامر بالضدين في عرض واحد.
و اما على القول بعدم الانحلال و عدم كون الخطابات العامة مشروطة بالشرائط
المعتبرة في الخطابات الشخصية من القدرة و العلم و غيرهما بالاضافة الى احاد
المكلفين كما اخترناه تبعا لسيدنا الاستاذ الاعظم الماتن (قدس سره) فلا مجال
للاشكال في صحة الاجارة في المقام لان الامر بالوفاء بالعقود او بخصوص عقد
الاجارة انما يكون بنحو العموم و لا يلاحظ فيه حالات الاشخاص من جهة انه يكون
مستقرا عليه الحج ام لا بل الملحوظ مجرد عنوان الاجارة و عقدها غاية الامر مع
الشرائط المعتبرة في صحتها التى منها عدم بطلان العمل المستأجر عليه إذا كان
عبادة كما ان الامر باتيان الحج لمن استقر عليه لا يكون ملحوظا فيه حالة المكلف
من جهة النيابة و غيرها و عليه فلا مانع من الجمع بين الخطابين و لا يكون من
الامر بالضدين و تحقيق هذا الكلام في بحث الترتب من علم الاصول.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان الاجارة على فرض صحة
الحج النيابى و اللازم الالتزام بالصحة.
ثم ان السيد (قدس سره) في العروة بعد حكمه
ببطلان الاجارة و لو كان الحج النيابى صحيحا بالاضافة الى من استقر عليه الحج
مع التمكن و القدرة قال: «ان قلت ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في
ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك كما إذا باعه عبدا و شرط عليه ان يعتقه فباعه
حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبايع خيار تخلف الشرط.قلت الفرق ان في ذلك
المقام المعاملة على تقدير صحتها
(الصفحة 420)
مفوتة لوجوب العمل بالشرط فلا يكون العتق واجبا بعد البيع لعدم كونه مملوكا له
بخلاف المقام حيث انا لو قلنا بصحة الاجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا
فيلزم اجتماع امرين متنافيين فعلا فلا يمكن ان تكون الاجارة صحيحة و ان قلنا ان
النهى التبعى لا يوجب البطلان فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل لا لاجل
النهى عن الاجارة».
و يرد: على اصل توجه الاشكال و ايراد السؤال
ان المقايسة باطلة من رأس لانه في المقام يكون هنا عناوين ثلاثة:
احدها: حجة الاسلام الواجبة فورا ففورا و
ثبوتها لمن استقر عليه الحج.
ثانيها: الحج النيابى عن الغير.
ثالثها الاجارة و الاستيجار على الحج
النيابى.و في مخالفة الشرط في المثال المذكور لا يكون الا عنوانان:
احدهما: الاعتاق الذى شرط على المشروط عليه
ايجاده في ضمن البيع منه.
ثانيهما البيع الواقع من المشترى مكان
الاعتاق و هو مخالفة للشرط الذى يجب الوفاء به و من المعلوم ان البيع الثانى في
هذه المسئلة انما هو مثل الحج النيابى في المقام فانه في كليهما وقع العمل
مخالفة للتكليف المتوجه اليه اما لاجل كونه اهم و اما لوجوب الوفاء بالشرط و
المفروض الصحة في المسئلتين فلا مجال لسؤال الفرق كما انه لا مجال لمقايسة
البيع في مسئلة مخالفة الشرط بالاستيجار على الحج النيابى في المقام نعم لو وقع
استيجار على البيع الثانى هناك و حكم بصحة الاجارة يبقى سؤال الفرق بين
المسئلتين فاصل ايراد السؤال في كلام السيد (قدس سره) في غير محله.
و اما الجواب: فعلى تقدير الاغماض عن بطلان
السؤال فيبتنى على ملاحظة ان دليل وجوب الوفاء بالشرط و هو قوله (صلى الله عليه
وآله): المؤمنون عند شروطهم يجرى فيه احتمالات ثلاثة:
(الصفحة 421)
احدها: ان يكون المراد منه مجرد افادة الحكم
التكليفى من دون ان يترتب على مخالفته شىء بل المشروط عليه محكوم بمجرد التكليف
و العمل بالشرط و لا يترتب على مخالفته سوى استحقاق العقوبة الثابت في مخالفة
سائر التكاليف.
ثانيها: ان يكون مفاده قصر ملكية المشروط
عليه و حصر دائرتها و تحديدها بخصوص الشرط فالملكية الحاصلة للمشترى في مثال
العبد المذكور ملكية محدودة و مقصورة بالاعتاق فاذا وقع الاعتاق يقع في ملكه و
يصدر عن المالك و إذا وقع البيع فهو يقع عن غير المالك.
ثالثها: ان لا يكون المراد مجرد حكم تكليفى
محض و لا يكون مفاده تحديد دائرة الملكية و قصر السلطنة على خصوص المشروط عليه
بل امر بين الامرين و مرجعه الى ثبوت الخيار للشارط عند التخلف و وجوب الوفاء
بالشرط على المشروط عليه و الوجه فيه ان البيع ينحل الى امرين احدهما انشاء
الملكية و ثانيهما الالتزام بهذا التمليك و ترتيب الاثر عليه و الشرط الواقع في
ضمنه مرتبط بهذا الامر الثانى دون الامر الاول حتى يوجب محدودية دائرة الملكية
و مرجعه الى كون التزامه معلقا على العمل بالشرط فاذا تحقق العمل فالالتزام
بحاله و مع التخلف لا يكون هناك التزام و مرجعه الى ثبوت خيار تخلف الشرط و عدم
وجود الالتزام معه و يؤيد هذا الوجه ـ مضافا الى ان موقعية الشرط عند العقلاء
في المعاملات المشروطة تكون بهذا المقدار الذى هو برزخ بين الوجهين ـ معنى
الشرط فانه عبارة كما في بعض الكتب المعتبرة في اللغة عن الالتزام المرتبط
بالتزام آخر و عليه لا يكون خيار التخلف مفتقرا الى دليل خاص مثل خيارى المجلس
و الحيوان و غيرهما من الخيارات التى لو لا الدليل الخاص على ثبوتها لم يكن وجه
للالتزام بها و الوجه في عدم الافتقار في المقام نفس كون الالتزام و عدم ثبوت
الخيار معلقا على الوفاء بالشرط و العمل به فاذا وقع التخلف لا يكون في البين
التزام اصلا.
(الصفحة 422)
و الظاهر ان الوجه الثالث هو الاظهر في مفاد دليل الشرط و قوله صلّى اللّه عليه
و اله المؤمنون عند شروطهم لما عرفت من موقعية الشرط عند العقلاء و عدم كون
مفاده زائدا على ما هو الثابت عند العقلاء و عليه فلا مجال للوجه الثانى و ان
حكى عن المحقق النائينى (قدس سره) و يرد عليه ايضا ان لازمه التفكيك في الشرائط
بين مثل الخياطة و الكتابة و بين مثل البيع كما لا يخفى كما انه لا مجال للوجه
الاول.
و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الاشكال الذى اورده في «المستمسك» على السيد في
جوابه عن الاشكال الذى اورده على نفسه و حاصله ان الجمع بين صحة البيع في مثال
العبد المتقدم و خيار تخلف الشرط غير ممكن نظرا الى ان القيد المذكور إذا اخذ
قيدا في المملوك فقد ملك الشارط على المشروط عليه بقاء العبد على ملكه الى ان
يتحقق العتق منه و مقتضى ذلك عدم سعة دائرة السلطنة للبيع لانه تصرف في حق غيره
و إذا اخذ قيدا فى الملك يعنى يملك عليه العتق إذا كان العبد باقيا في ملكه
فهذا الملك لا يقتضى بقاء العبد في ملكه و معه يجوز للمشروط عليه البيع و لا
يكون من قبيل تخلف الشرط.
وجه ظهور الجواب ما عرفت من كون القيد راجعا الى الالتزام لا الى اصل الانشاء
كالشرط في سائر الموارد من دون فرق اصلا و عليه فيتحقق الجمع بين الصحة و بين
الخيار كما افاده السيد (قدس سره) نعم يرد عليه ما عرفت من انه لا مجال لتوجه
الاشكال الذى اورده على نفسه كما مرّ هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث شرائط
وجوب حجة الاسلام.
|