(الصفحة 427)
يصح نذره لان القربة مرادة هناك دون هذا و لو قلنا بانعقاد نذر المباح اشكل
الفرق».
و قد استظهر في «المستمسك» من هذه العبارة ان مراده بقرينة الذيل هو اعتبار
القربة فى المتعلق لا في نفس النذر، مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد اعتبارها
في نفس النذر نظرا الى ان القربة الداعية الى الايقاع النذرى و الالتزام كذلك
انما تتحقق فيما إذا كان المتعلق راجحا غير مباح فان الالتزام بالاتيان بامر
مباح لا يكاد يجتمع مع الداع الالهى كما لا يخفى فلا مجال لحمل العبارة على
القربة في المتعلق نعم ظاهرها ينافى ما ذكره في مبحث النذر فان مفاده يرجع الى
كون المعتبر هو التقرب في الصيغة و ظاهر هذه العبارة هو كون نفس الايقاع و
الالتزام بداع الهى.
و ذكر الشهيد الثانى في الروضة: «انه يستفاد من الصيغة ان القربة المعتبرة في
النذر اجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات بل يكفى تضمن الصيغة
لها و هو هنا موجود بقوله: للّه علىّ و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله قربة الى
اللّه و نحوه».
و هو ظاهر بل صريح في كون المراد من نية القربة المعتبرة في النذر اجماعا ـ على
حسب نقله ـ هو اشتمال الصيغة على الاضافة الى اللّه تعالى في مقابل الاضافة الى
غيره من المخلوقين.
و ذكر صاحب المدارك: «انه يشترط في صحة النذر قصد الناذر الى معنى قوله: للّه و
هو المعبر عنه بنية القربة و انما لم يذكره المصنف صريحا لان الظاهر من حال
المتلفظ بقول للّه ان يكون قاصدا معنى الى معناه حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل
قوله فيه...» و قد استظهر منه صاحب الجواهر (قدس سره) ان مراده هو المعنى
المزبور الذى هو عبارة عن اشتمال الصيغة على الالتزام للّه لا لغيره من
المخلوقين مع ان ظاهر العبارة ان المراد من نية القربة المعتبرة هو الذى عبرنا
عنه بالقصد و التوجه و الالتفات و مرجعه الى ارادة مفاد الصيغة و قصد معناه في
مقابل مثل الغافل و النائم و كيف كان
(الصفحة 428)
فقد ظهر من مجموع ما ذكرنا من العبارات ان الاحتمالات المتصورة في نية القربة
المعتبرة في النذر على المشهور بل نفى الاشكال و وجدان الخلاف فيه صاحب الجواهر
بل ادعى الاجماع عليه صاحبا الروضة و الرياض اربعة:
احدها: ان المراد منها كون ايقاع النذر
بعنوان انه عمل صادر من الناذر و فعل من افعال المكلفين امرا عباديا لا بد و ان
يكون الداعى اليه و المحرك نحوه امرا الهيا كسائر العبادات.
ثانيها: ان المراد منها اشتمال الصيغة على
اضافة اللام الظاهرة في الملكية او الملتزم له الى اللّه تبارك و تعالى دون
غيره.
ثالثها: ان يكون المراد اشتمال المتعلق على
خصوصية و هى كونه راجحا شرعا
رابعها: ان يكون المراد صدور الصيغة عن قصد
و التفات و توجه الى مفادها و انه التزام للّه تبارك و تعالى.
و لا بد قبل ترجيح بعض الاحتمالات على البعض الاخر من ملاحظة ما استدل به على
اعتبار نية القربة في النذر فنقول هى امور:
الاول: ان صيغة النذر مشتملة على خصوصية
تقتضى اعتبار نية القربة فيه و هى قول الناذر: للّه علىّ كذا من دون فرق بين ان
تكون اللام فيه للملك و الظرف مستقرا او تكون للغاية و الظرف لغوا متعلقا
بمحذوف و هو التزمت فانه على كلا التقديرين يكون العمل المنذور او الالتزام
مضافا الى اللّه تبارك و تعالى و القربة المعتبرة في العبادة لا تكون زائدة على
ذلك و عليه يكون النذر من التعبديات و لازمه عدم صحته من الكافر لعدم امكان
تحقق قصد القربة منه و الى هذا الدليل اشار الشهيد الثانى (قدس سره) في الروضة
في عبارته المتقدمة حيث ذكر انه يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله
«للّه علىّ» و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله «قربة الى اللّه» فان مرجعه الى
ملازمة الصيغة لثبوت القربة بالاعتبار المذكور.
(الصفحة 429)
و فيه اولا النقض بالعهد و اليمين فان صيغة العهد التى هى عبارة عن عاهدت اللّه
و كذا صيغة اليمين التى يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّه تبارك و تعالى
مشتملة على هذه الخصوصية فالتفكيك بين النذر و اليمين خصوصا بنحو يكون المشهور
في الاول اعتبار نية القربة و في الثانى الشهرة على الخلاف في غير المحل.
و ثانيا ما افاده صاحب الجواهر في تنقيح مقاله في هذا المقام مما ملخصه انه ان
ارادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها في العبادة فلا ريب في عدم
الاكتفاء عنها بقوله للّه على الذى هو جزء صيغة الالتزام لعدم دلالته عليه
باحدى الدلالات بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة.
و مرجع ما افاده الى ان ما يرتبط بالناذر هو الالتزام الذى عمله و ما هو الصادر
منه و البحث انما هو في عباديته و انه هل اللازم ان يكون الالتزام ناشيا عن داع
الهى او يتحقق النذر و لو كان الداعى شيئا من الدواعى النفسانية و هذا لا يرتبط
بكون الملتزم له هو اللّه تعالى كما لا يرتبط بكون الملتزم به امرا قربيا
فالالتزام شىء و الملتزم له امر آخر و يدل عليه انه ربما يكون الالتزام بداع
الهى مع كون الملتزم له هو المخلوق كما إذا التزم لزيد باداء دينه و كان الداعى
الى التزامه الاحسان المرغوب اليه في الشرع و ان الشارع قد حث عليه و على ما
ذكرنا فالذهاب الى عبادية النذر من هذا الطريق لا يكاد يوصل الى المطلوب.
الثانى: صدر موثقة اسحق بن عمار المتقدمة و
هو قوله: انى جعلت على نفسى شكرا للّه تعالى ركعتين اصليهما في السفر و الحضر
أفاصليهما في السفر بالنهار فقال نعم.
و يرد على الاستدلال به اولا انه لا دلالة له الا على الاتيان بصيغة النذر و
انه جعل على نفسه للّه شكرا ركعتين و اما كون الجعل و الالتزام ناشيا عن داع
الهى فلا يستفاد منه و لذا ذكر صاحب الجواهر ان مفاد مثله اعتبار كون النذر
للّه لا لغيره بمعنى
(الصفحة 430)
انه يجب في صيغته التى هى سبب الالتزام ان يقول للّه علىّ بمعنى عدم انعقاد
النذر لو جعل الالتزام لغير اللّه من نبى مرسل او ملك مقرب و هذا غير معنى نية
القربة ثم قال: «و ظنى و اللّه اعلم ان الاشتباه من هنا نشأ و ذلك لانهم ظنوا
ان هذه النصوص التى دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة.
و ثانيا انه على فرض الدلالة يكون مفاده ان
النذر العبادى يجب الوفاء به و اما انه يعتبر في انعقاد النذر نية القربة مطلقا
فلا دلالة له عليه اصلا كما لا يخفى.
و ثالثا معارضة الصدر مع الذيل الدال على
كراهة الايجاب اى النذر و لا تجتمع الكراهة مع العبادية في المقام ـ و ان
اجتمعتا في مثل الصلوة في الحمام ـ و ذلك لان المأمور به هناك هى طبيعة الصلوة
و المنهى عنه انما هو ايقاعها في الحمام مع ثبوت المندوحة و هو ايقاعها في
المسجد او في الدار و مرجع الكراهة الى اقلية الثواب بالاضافة الى ايقاعها في
غير الحمام و اما في المقام فلا يكون في البين الا عنوان الايجاب اى النذر و لا
يعقل اجتماع العبادية و الكراهة فيه و الظاهر ان ظهور الذيل اقوى من ظهور الصدر
على تقديره.
الثالث: صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد
اللّه (عليه السلام) قال إذا قال الرجل: علىّ المشى الى بيت اللّه و هو محرم
بحجة، او قال علىّ هدى كذا و كذا فليس بشىء حتى يقول للّه علىّ المشى الى بيته
او يقول للّه علىّ كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا(1) و يرد على
الاستدلال بها ان غاية مفادها لزوم اشتمال صيغة النذر على كلمة «للّه» و عدم
الاقتصار على كلمة «علىّ» و هذا لا دلالة له على اعتبار قصد القربة الذى عرفت
ان لازمه كون الداعى على اصل الالتزام داعيا الهيا و مقتضاه اضافة مثل كلمة
«قربة الى اللّه» الى الصيغة لو اريد التلفظ بها و عدم الاكتفاء بنفس الصيغة
بمجردها كما مرّ من صاحب الجواهر.
-
1 ـ ئل ابواب النذر و العهد الباب الاول.
(الصفحة 431)
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اعتبار نية القربة في النذر
بمعنى الايجاب و الالتزام و مجرد تحقق الشهرة بل الاجماع المدعى لا يكفى لاثبات
هذا المعنى بل على تقدير كون الاجماع محصلا لا يجدى لاحتمال استناد المجمعين
الى الروايات التى عرفت مفادها خصوصا بعد احتمال كون مراد المجمعين من نية
القربة هو مجرد اشتمال الصيغة على كلمة «للّه» لا كون الداعى على الالتزام امرا
الهيا غير نفسانى.
نعم: يبقى الكلام حينئذ في الفرق بين اليمين
و بين النذر حيث كانت الشهرة فيهما متخالفة على ما عرفت فانه لو كان مراد
المشهور من نية القربة المعتبرة هو الاشتمال المذكور لما كان فرق بينهما اصلا
فان اليمين ايضا مشتملة على كلمة الجلالة و يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو
اللّه تبارك و تعالى و اولى من اليمين العهد الذى تكون صيغته عاهدت اللّه فانه
لا يكون فرق بينها و بين النذر لو كانت الشهرة مختصة بالنذر و غير شاملة للعهد
فانه يحتمل ان يكون العهد واقعا في طرف النذر و يحتمل ان يكون ملحقا باليمين و
اللازم المراجعة الى كتاب النذر فان كان واقعا في طرف النذر ينحصر الاشكال
باليمين و ان كان ملحقا باليمين يقع الكلام في الفرق بينهما و بين النذر.
هذا و الظاهر مغايرة اليمين معهما فانه فيهما يتحقق الالتزام و المعاهدة
بالاضافة الى اللّه تعالى و اما اليمين فهى و ان كانت مشتملة على كلمة الجلالة
الا ان القسم لا يكون التزاما في مقابله بل مفاده مجرد التأكيد و التحكيم
فالفرق بينهما ظاهر.
و بعد ذلك كله نرجع الى عبارة المتن في هذا المجال فان قوله: «و يقصد القربة
رجاء» ظاهر في الرجوع الى خصوص الكافر الذى يحتمل وجوده تعالى و عليه فالمراد
بقصد القربة هو اشتمال صيغة الالتزام على كلمة «للّه» لا كون الداعى على اصل
الالتزام امرا الهيا الا ان الالتزام بالاضافة الى اللّه تعالى انما يمكن تحققه
من المسلم