(الصفحة 430)
انه يجب في صيغته التى هى سبب الالتزام ان يقول للّه علىّ بمعنى عدم انعقاد
النذر لو جعل الالتزام لغير اللّه من نبى مرسل او ملك مقرب و هذا غير معنى نية
القربة ثم قال: «و ظنى و اللّه اعلم ان الاشتباه من هنا نشأ و ذلك لانهم ظنوا
ان هذه النصوص التى دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة.
و ثانيا انه على فرض الدلالة يكون مفاده ان
النذر العبادى يجب الوفاء به و اما انه يعتبر في انعقاد النذر نية القربة مطلقا
فلا دلالة له عليه اصلا كما لا يخفى.
و ثالثا معارضة الصدر مع الذيل الدال على
كراهة الايجاب اى النذر و لا تجتمع الكراهة مع العبادية في المقام ـ و ان
اجتمعتا في مثل الصلوة في الحمام ـ و ذلك لان المأمور به هناك هى طبيعة الصلوة
و المنهى عنه انما هو ايقاعها في الحمام مع ثبوت المندوحة و هو ايقاعها في
المسجد او في الدار و مرجع الكراهة الى اقلية الثواب بالاضافة الى ايقاعها في
غير الحمام و اما في المقام فلا يكون في البين الا عنوان الايجاب اى النذر و لا
يعقل اجتماع العبادية و الكراهة فيه و الظاهر ان ظهور الذيل اقوى من ظهور الصدر
على تقديره.
الثالث: صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد
اللّه (عليه السلام) قال إذا قال الرجل: علىّ المشى الى بيت اللّه و هو محرم
بحجة، او قال علىّ هدى كذا و كذا فليس بشىء حتى يقول للّه علىّ المشى الى بيته
او يقول للّه علىّ كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا(1) و يرد على
الاستدلال بها ان غاية مفادها لزوم اشتمال صيغة النذر على كلمة «للّه» و عدم
الاقتصار على كلمة «علىّ» و هذا لا دلالة له على اعتبار قصد القربة الذى عرفت
ان لازمه كون الداعى على اصل الالتزام داعيا الهيا و مقتضاه اضافة مثل كلمة
«قربة الى اللّه» الى الصيغة لو اريد التلفظ بها و عدم الاكتفاء بنفس الصيغة
بمجردها كما مرّ من صاحب الجواهر.
-
1 ـ ئل ابواب النذر و العهد الباب الاول.
(الصفحة 431)
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اعتبار نية القربة في النذر
بمعنى الايجاب و الالتزام و مجرد تحقق الشهرة بل الاجماع المدعى لا يكفى لاثبات
هذا المعنى بل على تقدير كون الاجماع محصلا لا يجدى لاحتمال استناد المجمعين
الى الروايات التى عرفت مفادها خصوصا بعد احتمال كون مراد المجمعين من نية
القربة هو مجرد اشتمال الصيغة على كلمة «للّه» لا كون الداعى على الالتزام امرا
الهيا غير نفسانى.
نعم: يبقى الكلام حينئذ في الفرق بين اليمين
و بين النذر حيث كانت الشهرة فيهما متخالفة على ما عرفت فانه لو كان مراد
المشهور من نية القربة المعتبرة هو الاشتمال المذكور لما كان فرق بينهما اصلا
فان اليمين ايضا مشتملة على كلمة الجلالة و يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو
اللّه تبارك و تعالى و اولى من اليمين العهد الذى تكون صيغته عاهدت اللّه فانه
لا يكون فرق بينها و بين النذر لو كانت الشهرة مختصة بالنذر و غير شاملة للعهد
فانه يحتمل ان يكون العهد واقعا في طرف النذر و يحتمل ان يكون ملحقا باليمين و
اللازم المراجعة الى كتاب النذر فان كان واقعا في طرف النذر ينحصر الاشكال
باليمين و ان كان ملحقا باليمين يقع الكلام في الفرق بينهما و بين النذر.
هذا و الظاهر مغايرة اليمين معهما فانه فيهما يتحقق الالتزام و المعاهدة
بالاضافة الى اللّه تعالى و اما اليمين فهى و ان كانت مشتملة على كلمة الجلالة
الا ان القسم لا يكون التزاما في مقابله بل مفاده مجرد التأكيد و التحكيم
فالفرق بينهما ظاهر.
و بعد ذلك كله نرجع الى عبارة المتن في هذا المجال فان قوله: «و يقصد القربة
رجاء» ظاهر في الرجوع الى خصوص الكافر الذى يحتمل وجوده تعالى و عليه فالمراد
بقصد القربة هو اشتمال صيغة الالتزام على كلمة «للّه» لا كون الداعى على اصل
الالتزام امرا الهيا الا ان الالتزام بالاضافة الى اللّه تعالى انما يمكن تحققه
من المسلم
(الصفحة 432)مسئلة 2 ـ يعتبر في انعقاد يمين الزوجة و الولد اذن الزوج و الوالد و لا
تكفى الاجازة بعده، و لا يبعد عدم الفرق بين فعل واجب او ترك حرام و غيرهما لكن
لا ينبغى ترك الاحتياط فيهما بل لا يترك، و يعتبر اذن الزوج في انعقاد نذر
الزوجة و اما نذر الولد فالظاهر عدم اعتبار اذن والده فيه، كما ان انعقاد العهد
لا يتوقف على اذن احد على الاقوى، و الاقوى شمول الزوجة للمنقطعة و عدم شمول
الولد لولد الولد، و لا فرق في الولد بين الذكر و الانثى، و لا تلحق الام
بالاب، و لا الكافر بالمسلم1.
و من الكافر المقر باللّه و اما الكافر المحتمل فذكر كلمة «للّه» بالنسبه اليه
لا بد و ان يكون بنحو الرجاء الذى مرجعه الى التعليق و مفاده انه ان كان اللّه
موجودا فله على كذا فلا دلالة لعبارة المتن على خلاف ما ذكره صاحب الجواهر
فتدبر.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة في مباحث:
المبحث الاول في اليمين و في اعتبار اذن
الزوج و الوالد في انعقاد يمين الزوجة و الولد و كذا اذن المولى في انعقاد يمين
المملوك احتمالات بل اقوال ثلثة:
الاول: ما اختاره الماتن (قدس سره) تبعا
للمحكى عن الارشاد و المسالك و الرياض من اعتبار الاذن السابق و عدم كفاية غيره
حتى الاجازة اللاحقة.
الثانى: انه يعتبر في انعقاد اليمين التى هى
محل البحث الاذن الذى هو اعم من السابق و الاجازة اللاحقة.
الثالث: ما نسب الى الاكثر بل المشهور من
عدم اعتبار الاذن و الاجازة بل للزوج و الوالد حل يمين الزوجة و الولد و انه لا
يجب العمل بها مع عدم رضاهما إذا لم يكن مسبوقا بنهى او اذن فمع النهى السابق
لا ينعقد و مع الاذن يلزم و مع عدمهما تنعقد و لهما الحلّ و قد نفى البعد عن
قوة هذا القول السيد (قدس سره) في العروة.
و مستند المسئلة طائفة من الروايات الواردة في المقام و الاختلاف انما نشأ من
الاختلاف في مفادها و مدلولها و عمدة تلك الروايات صحيحة منصور بن حازم
(الصفحة 433)
عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا
يمين للولد مع والده و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في
معصية، و لا يمين في قطيعة.(1)
و قد ادعى السيد (قدس سره) في العروة تبعا لصاحب الجواهر ان المنساق من الخبر
المذكور و نحوه انه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى او الاب او
الزوج و لازمه جواز حلّهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به.
و اضاف اليه ما افاده الجواهر مما هذه عبارته: «انه قد يقال ان ظاهر قوله (عليه
السلام) مع والده نفيها مع معارضة الوالد اذ تقدير وجوده ليس اولى من تقدير
معارضته بل هذا اولى للشهرة و العمومات...» و اللازم توضيح المراد من هذه
العبارة فنقول ظاهرها انه لا بد من تقدير مضاف لكلمة «مع» و المقدر يحتمل ان
يكون هو الوجود المضاف الى الوالد و يحتمل ان يكون هى المعارضة و المزاحمة
المضافة اليه فان كان المراد هو الثانى يكون مفاد الرواية نفى اليمين مع معارضة
الوالد فينطبق على ما نسب الى المشهور و ان كان المراد هو الاول فحيث انه لا
مجال للجمود على نفس العبارة لان مقتضاها ان وجود الوالد مانع عن انعقاد اليمين
فاللازم ان يقال بان المتفاهم العرفى منه رعاية شأن الوالد و مقامه و هو لا
يتحقق الاّ مع المسبوقية بخصوص الاذن او الاعم منها و من الملحوقية بالاجازة.
و ليس الاحتمال الاول اولى من الاحتمال الثانى بل الثانى اولى لموافقته للشهرة
و العمومات و مرجعه الى انه على تقدير الاحتمال الاول يلزم التخصيص زائدا على
التخصيص في الاحتمال الثانى فان استظهرناه منه فهو و الا يقع الاجمال و في هذه
الصورة ايضا يجب الرجوع الى العموم لانه إذا كان المخصص المنفصل مجملا مفهوما
مرددا بين الاقل و الاكثر فاللازم الرجوع فيما عدى القدر المتيقن الى العموم و
الحكم على طبقه.
-
1 ـ ئل ابواب اليمين الباب العاشر ح ـ 2
(الصفحة 434)
و كيف كان فلا ينبغى الارتياب في ان المقدر المذكور في كلام صاحب الجواهر هو
المقدر بعد كلمة «مع» و انه هو الوجود او المعارضة و هذا لا يرتبط بمسئلة «لا»
التى هى لنفى الجنس في قوله: «لا يمين» اصلا.
و لا يكاد ينقضى تعجبى كيف حمل بعض الاعلام كلام صاحب الجواهر المتقدم على ان
المقدر ما يرتبط بلاء النافية الواردة على اليمين ثم تعرض للجواب عنه و لا بأس
بذكر ملخص كلامه في هذا المقام قال: «لا بد من تقدير كلمة الموجود او المنع و
المعارضة في الرواية كما هو الحال في نظائرها مثل لا اله الا اللّه و لا رجل في
الدار فقد ذكروا ان المقدر فيه هى كلمة الموجود و اما في هذه الجملات فيدور
الامر بين التقديرين فان قلنا ان المقدر هو الوجود فمعناه عدم انعقاد اليمين مع
الوالد الاّ باذنه و ان قلنا ان المقدر هو المنع و المعارضة فمعناه لا يمين مع
منع الوالد و لا دلالة له الاّ على جواز حل اليمين لا اعتبار اذنه فيه و ليس
تقدير كلمة الوجود اولى من تقدير كلمة المعارضة.
و اورد عليه اولا بان ما ذكر من تقدير الموجود في «لاء» النافية للجنس فيه
مسامحة واضحة لان الوجود و العدم انما يعرضان لنفس الماهية و هى بنفسها قد تكون
موجودة و قد تكون معدومة من دون فرق بين الوجود و العدم من جهة الواسطة و عدمها
ففى قولنا الانسان موجود يكون معروض الوجود نفس ماهية الانسان و في قولنا
العنقاء معدوم يكون المعروض ايضا نفس مهية العنقاء ففى مثل لا رجل في الدار
يتعلق النفى بجنس الرجل و ماهيته و لا مجال لتقدير الموجود و هكذا قوله صلّى
اللّه عليه و اله: «لا يمين» في الرواية.
و ثانيا: انه على تقدير التنزل نقول بعدم
دوران الامر بين تقدير الوجود او المنع و المعارضة فان تقدير الوجود لا بد منه
على اى حال و لو كان المراد المنع و المعارضة لان معنى: لا يمين مع المعارضة
انه لا وجود اليمين مع المعارضة و المنع بل لو فرض التصريح بكلمة المعارضة
لاحتاج الى تقدير كلمة الوجود»