(الصفحة 452)
و محصل كلامه ان القضاء ليس بفرض جديد بل هو مقتضى تحقق اشتغال الذمة بالمكلف
به و كون المكلف مديونا للّه تعالى و القضاء يؤثر في فراغ الذمة و ليس من باب
التوبة او الكفارة و يؤيده التعبير الواقع في الآية الشريفة الواردة في الحج
المشتملة على التعبير بكلمتى «اللام و على» و كذا التعليل الوارد في بعض
الروايات المشتملة على وجوب قضاء الحج عمن استقر عليه و لم يأت به حتى مات
بقوله: «لانه بمنزلة الدين الواجب» و قد ورد في رواية الخثعمية المعروفة
الواردة في الحج: «ان دين اللّه احق ان يقضى» و الواجبات الالهية كلها من هذا
القبيل لما عرفت من انها باجمعها ديون للّه و يجرى عليها حكم دين الناس فلا
يتحقق فراغ الذمة الا بالافراغ و القضاء و لا حاجة الى قيام دليل خاص على وجوب
القضاء اصلا و يؤيده بل يدل عليه وجوب القضاء في مثل الصلوة و الصوم من
الواجبات العملية المحضة غير المرتبطة بالمال و عليه فوجوب القضاء في المقام و
هو نذر الحج في سنة معينة و عدم الاتيان به فيها مع التمكن و القدرة ليس على
خلاف القاعدة حتى يحتاج الى دليل خاص.
هذا و لكنه اورد عليه بعض الاعلام في الشرح بما محصله مع توضيح منا: «ان اطلاق
الدين على الواجبات الالهية ليس على نحو الحقيقة لان الاستعمال اعم منها و
الاشتغال اى اشتغال ذمة المكلف بالمكلف به و ان كان امرا مسلما بل الوجوب ليس
في الحقيقة الا اعتبار شىء على ذمة المكلف و ابرازه بمبرز الا ان الكلام في
بقاء الاشتغال بعد خروج الوقت و مجرد الحدوث و ثبوت التكليف في الوقت لا يكفى
لبقاء ذلك بعد الوقت فان الحدوث كما انه يحتاج الى الدليل كذلك البقاء ايضا و
ليس القضاء نفس العمل الواجب سابقا حتى يقال بعدم الحاجة الى امر جديد لان
العمل الواجب سابقا الذى كان مقيدا بالوقت قد فات و هذا العمل الواقع خارج
الوقت عمل آخر مغاير له حقيقة مشابه له صورة و لو كان عينه لكان التأخير الى
خارج الوقت جائزا عمدا مع ان اهمية الوقت في باب القيود و الشرائط بمثابة لا
يزاحمها
(الصفحة 453)
شىء من القيود الاخرى فكيف لا يكون مغايرا مع العمل خارجه فمجرد حدوث اشتغال
الذمة بذلك بمجرد الوجوب الاول لا يكفى في البقاء بعد الوقت بل لا بد من دليل
مستقل كما قام في باب الصلوة و الصوم و في مسئلة الحج عمن استقر عليه و لم يأت
به و فى باب النذر في موردين: احدهما نذر صوم يوم معين إذا صادف ذلك اليوم
العيد او المرض او السفر و ثانيهما نذر الاحجاج مع عروض الموت قبل الوفاء و
فيما لم يرد دليل ـ كما في المقام ـ لا وجه للحكم بوجوب القضاء.
هذا و ربما يقال بان للنذر خصوصية تقتضى جريان حكم الدين عليه من دون فرق بين
ما إذا كان متعلقا بالحج او بالمال او بالعمل المحض كصلوة الليل ـ مثلا ـ لان
مفاد صيغة النذر جعل المنذور للّه تعالى على عهدته و تمليكه اياه شيئا في ذمته
فمقتضى الصيغة ثبوت المتعلق في الذمة و اشتغالها به و لا يتحقق الفراغ في مثل
المقام الا بالقضاء و لازم هذا القول القضاء في مثل صلوة الليل ايضا.
كما انه ربما يقال بان لنذر خصوص الحج حكما خاصا ـ كما افاده صاحب الجواهر ـ
نظرا الى ان الحج ليس تكليفا صرفا بل للامر به جهة وضعية فوجوبه على نحو
الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية.
و اورد على الاول بان النذر لا يدل الا على التزام المكلف بالمنذور و مفاد
صيغته انه التزم على نفسه بكذا للّه تعالى و هذا لا يوجب اطلاق الدين عليه الا
مسامحة و ليس مفادها ملكية الشىء المنذور للّه تعالى بل لا يمكن التمليك
المتعارف بالنسبة اليه تعالى لان الملكية الاعتبارية لا معنى لها بالنسبة اليه
تعالى الا ان ترجع الى الالتزام و التكليف لانه مالك لجميع الاشياء بالملكية
الحقيقية الراجعة الى كونها طرا بيده و تحت سلطانه و قدرته و مشيته من دون
اعتبار اىّ جاعل و لا معنى للاعتبار في مورد الثبوت الحقيقى.
و هذا الايراد و ان كان قابلا للمناقشة فان الملكية الاعتبارية المبحوث عنها في
(الصفحة 454)
الفقه و عند العقلاء لا ينافى ما ثبت في الفلسفة سيما عند الاعاظم من الفلاسفة
من عدم كون الممكنات اشياء لها الربط الى الواجب بل هى عين الربط و التعلق و
الاضافة و ليس وجودها شيئا غير الربط فان العلم الذى يبحث عن حقائق الاشياء و
عن الواقعيات يغاير العلم الذى يدور مدار الاعتبار من دون فرق بين العبادات و
المعاملات و الا فلو كان الملحوظ ذلك يلزم ان لا تتحقق الملكية الاعتبارية
بالاضافة الى المخلوق أيضا لانه ليس بشىء حتى يلاحظ له ذلك و يجعل مالكا و لو
اعتبارا كما لا يخفى.
الا انه يمكن الايراد عليه بانه مبنى على القول بكون «اللام» في قوله للّه علىّ
كذا بمعنى الملكية و كان الظرف مستقرا و اما لو فرض كون الظرف لغوا متعلقا
بمحذوف و هو مثل التزمت فلا مجال للقول المزبور و قد احتمله القائل في بعض
مباحثه السابقة.
و أورد على الثانى بامرين:
احدهما منع كون الحج واجبا ماليا نظرا الى
انه افعال مخصوصة بدنية و ان كان قد يحتاج الى بذل المال في مقدماته و الهدى و
ان كان أمرا ماليا الا انه حيث يكون له بذل و هو الصوم عشرة أيام فلا يوجب ذلك
كونه واجبا ماليا فالمال محتاج اليه في المقدمات كما ان الصلوة أيضا قد يحتاج
الى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك و اجاب عن هذا
الايراد صاحب العروة بان الحج في الغالب محتاج الى بذل المال بخلاف الصلوة و
سائر العبادات البدنية.
و ان أورد على هذا الجواب بان ذلك لا يكفى في كونه واجبا ماليا لان صرف الطبيعة
الذى هو موضوع الوجوب ليس موقوفا على المال فضلا عن أن يكون واجبا ماليا و
سيأتى البحث في هذه الجهة في الفرع الآتى انشاء اللّه تعالى.
ثانيهما انه على تقدير تسليم كون الحج واجبا
ماليا فلا بد من التفصيل بين الحج و بين غيره من الواجبات غير المالية لا
التفصيل بين نذر الحج و نذر غير الحج لانه
(الصفحة 455)
لا خصوصية للنذر ـ ح ـ بل لو كان الحج في ضمن عقد لازم مثلا أو صار واجبا بسبب
آخر غير النذر يلزم ثبوت القضاء فيه و اخراجه من اصل المال لامتياز الحج عن
سائر الواجبات مع انه لم يلتزم احد من الفقهاء بذلك و لم يتعرضوا لذلك اصلا.
و يمكن الجواب ـ مضافا الى انه لا يتم الجمع بين عدم الالتزام و عدم التعرض ـ
ان الحج الواجب بسبب غير النذر و لم يكن حجة الاسلام كما هو المفروض تارة يكون
بنحو الاستنابة و الاستيجار و اخرى بنحو الاشتراط في ضمن عقد لازم ففى الصورة
الاولى إذا كان الزمان المعين مأخوذا بنحو الاشتراط فغاية الامر في صورة التخلف
و عدم الاتيان به فى ذلك الزمان ثبوت خيار التخلف للمستأجر و مع عدم الفسخ يجب
على الاجير الاتيان به بعد ذلك الزمان و في الصورة الثانية مرجع الحج في ضمن
العقد اللازم الى اشتراط النيابة في الحج عن الشارط و يترتب عليه حكم الحج
النيابى كما لا يخفى هذا بالاضافة الى مسئلة القضاء و اما بالنسبة الى الخروج
من الاصل او الثلث فسيأتى الكلام فيه انشاء اللّه تعالى.
و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض شىء من الوجوه المتقدمة لاثبات وجوب
القضاء لا مطلقا و لا في النذر و لا في خصوص نذر الحج مع انك عرفت ان المقطوع
به فى كلمات الاصحاب هو الوجوب في المقام و لذا استدل له بالاجماع و ان كان يرد
عليه انه على فرض كونه محصلا لا يكون واجدا للاعتبار و الحجية لعدم الاصالة له
بعد احتمال كون مستندا المجمعين شيئا من الوجوه المذكورة غير الناهضة لاثبات
وجوب القضاء.
نعم ربما يتمسك في ذلك بالاستصحاب لكون اشتغال الذمة متيقنا و الشك في بقائه
بعد خروج الوقت فيستصحب و لكنه اورد عليه بعدم اتحاد القضية المتيقنة و
المشكوكة المعتبر في جريان الاستصحاب و ذلك لان القضية المتيقنة عبارة عن
اشتغال الذمة بالواجب المقيد بالوقت و القضية المشكوكة عبارة عن الاشتغال به
خارج
(الصفحة 456)
الوقت فلا تكون القضيتان متحدتين فلا مجال لجريان الاستصحاب.
هذا و يمكن تقرير الاستصحاب بوجه لا يرد عليه الايراد المذكور و هو اجرائه بنحو
القسم الثانى من اقسام استصحاب الكلى بان يقال ان مرجع الشك في وجوب القضاء
خارج الوقت الى الشك في وحدة المطلوب و تعدده فان وجوب القضاء يكشف عن تعدده
كما ان عدم وجوبه يكشف عن وحدته ففى الحقيقة إذا كان الاشتغال بنحو وحدة
المطلوب فعدم بقائه بعد خروج الوقت مقطوع كما انه لو كان بنحو التعدد يكون
بقائه بعده مقطوعا فالامر يدور بين مقطوع البقاء و مقطوع الزوال و بالنتيجة
يصير بقاء الكلى مشكوكا و لا مانع من استصحابه ففى المقام نقول ان اصل الاشتغال
المردد بين المقيد بالوقت و بين غير المقيد به معلوم و الشك في بقائه و مقتضى
الاستصحاب ذلك و لازمه الاتيان بالواجب بعد الوقت ليتحقق الفراغ و الخروج عن
عهدة التكليف الثابت بالاستصحاب.
الفرع الخامس: ما لو نذر ان يحج من غير ان
يقيده بزمان خاص و البحث فيه يقع من جهات:
الاولى اصل جواز التأخير و عدم لزوم فورية
الوفاء المناسبة للعمل ففى الحج عبارة عن الاتيان به في سنة النذر و في غيره
بتناسبه و الدليل على عدم لزوم الفورية ما حقق في الاصول في مبحث عدم دلالة
هيئة افعل و ما يشابهها على الفورية من ان متعلقها نفس الطبيعة و صرف الماهية و
الامر الى اتيانها و ايجادها في الخارج بعث الى نفسها من دون دلالة على الفور
اصلا كما انه لا دلالة له على التراخى نعم بناء على ما حكاه سيدنا الاستاذ
الاعظم الماتن (قدس سره) عن شيخه المحقق الحائرى (قدس سره) من ذهابه في اواخر
عمره الى ان العلل الشرعية كالعلل التكوينية و انه يترتب عليها ما يترتب عليها
من الآثار و الاحكام و الخصوصيات لا بد من الالتزام بالفورية لان ترتب المعلول
التكوينى على علته التكوينية فورى لا انفكاك بينهما اصلا فلا بد من ان يكون في
العلل التشريعية التى منها الامر و منها النذر كما في المقام ان يكون كذلك و
لكنا قد حققنا في الاصول تبعا للاستاذ (قدس سره)
|