(الصفحة 462)
و على التقدير الاول ذكر للروايتين محامل متعددة:
1 ـ ما حكاه في كشف اللثام عن العلامة في المختلف من حملهما على صورة كون النذر
في حال المرض بضميمة كون المنجزات الصادرة من المريض في مرض الموت من الثلث
كغيرها مثل الوصية.
و يرد عليه ـ مضافا الى الاختلاف في منجزات المريض ـ انه لا اشعار في الروايتين
بوقوع النذر في حال مرض الموت كما لا يخفى.
2 ـ حملهما على صورة عدم الاتيان بصيغة النذر حتى يجب عليه الوفاء به.
و يرد عليه انه مع عدم اللزوم بسبب عدم اجراء الصيغة لا مجال للاخراج من الثلث
ايضا مضافا الى ظهورهما في تحقق النذر و لزوم الوفاء به.
3 ـ حملهما على صورة عدم التمكن من الوفاء بالنذر حتى مات.
و يرد عليه ـ مضافا الى انه لا اشعار فيهما بهذه الصورة و انه لم يتمكن ـ انّه
لا مجال للاخراج من الثلث بعد عدم اشتغال ذمة الناذر لاجل عدم التمكن.
4 ـ ما ذكره صاحب المعالم في كتابه «منتقى الجمان» من الحمل على صورة عدم
التمكن من الوفاء و كون الحكم ندبيا.
و يرد عليه ـ مضافا الى ما مر ـ ان التفكيك بين الاحجاج و بين حجة الاسلام في
الرواية الاولى من جهة الايجاب و الاستحباب لا مجال له اصلا، و يبعد الروايتين
من جهة الدلالة على الثلث رواية مسمع بن عبد الملك قال قلت لابى عبد اللّه
(عليه السلام) كانت لى جارية حبلى فنذرت للّه تعالى ان هى ولدت غلاما ان احجه
او احج عنه فقال: ان رجلا نذر للّه فى ابن له ان هو ادرك ان يحجه او يحج عنه
فمات الاب و ادرك الغلام بعده فاتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فسئله عن
ذلك فامر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ان يحج عنه مما ترك ابوه.(1)نظرا
الى ظهورها في كون الاخراج من جميع التركة
-
1 ـ ئل ابواب النذر الباب السادس عشر ح ـ 1
(الصفحة 463)
و إذا كان النذر في مورد الرواية مع عدم كون المعلق عليه حاصلا في زمان حيوة
الناذر بل متحققا بعدها خارجا من اصل التركة ففى مورد الروايتين الذى يكون
المعلق عليه حاصلا في حال الحيوة يكون بطريق اولى و لكن الاشكال في ان هذه
الرواية ايضا يكون معرضا عنها ام لا و سيأتى البحث فيها انشاء اللّه تعالى و
دعوى ان النسبة بينها و بينهما هى الاطلاق و التقييد بمعنى ان هذه الرواية
مطلقة و هما تدلان على الاخراج من خصوص الثلث مدفوعة بظهورها في الاخراج من
الجميع لا في مطلق الاخراج كما لا يخفى و يأتى هذه الجهة ايضا انشاء اللّه
تعالى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المجال
انه لم ينهض شىء من الادلة المتقدمة لاثبات الاخراج من اصل التركة و لا لاثبات
الاخراج من الثلث لما مرّ من الايراد على ادلة الطرفين.
هذا و لكن الظاهر ان الاخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص لعدم خصوصية له بعد
كون الاشتغال ثابتا في حال الحيوة و قام الدليل على لزوم الافراغ بعد الموت على
الوارث لا من ماله الشخصى بل مما تركه الميت فان مقتضى الامرين لزوم الافراغ من
جميع اجزاء التركة لاشتراكه في الاضافة الى الميت و الارتباط به و لزوم الافراغ
مما يتعلق به و الاخراج من الثلث يحتاج الى دليل خاص و مؤنة زائدة كما قام في
الوصية و في منجزات المريض بناء على خروجه من الثلث و اما مع عدم قيام الدليل
على الاخراج من الثلث فالاخراج من الاصل لا يحتاج الى قيام الدليل على خصوصه بل
يكفى في ذلك ما عرفت من مجرد لزوم الاخراج من التركة فالحق في المقام ما قواه
في المتن للوجه الذى ذكرنا لا لكون الحج المنذور واجبا ماليا حتى يناقش في
صغراه بناء على ثبوت الاجماع على الكبرى و عدم المناقشة فيها او كونه مشتملا
على جهة الدينية كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره).
الفرع السادس: ما لو نذر الحج و لم يتمكن من
ادائه حتى مات و الظاهر
(الصفحة 464)
ـ كما في المتن ـ عدم وجوب القضاء عنه و الوجه فيه ـ مضافا الى محدودية
الالتزام الذى تتضمنه صيغة النذر بصورة التمكن من الاداء و الوفاء فان قوله:
للّه علىّ ان احج لا يكون مفاده الالتزام بالحج و لو مع عدم التمكن منه الى آخر
العمر بل المغروس في ذهن الناذر و المتفاهم عند العرف هو الالتزام المقيد
بالقدرة ـ ان وجوب الوفاء بالنذر الذى يترتب على النذر مشروط بالقدرة كما في
سائر التكاليف الالهية من دون فرق بين التعبدية و التوصلية فمع عدم التمكن لم
تشتغل ذمته بالوفاء حتى يجب القضاء عنه بعد الموت بعد كون وجوب القضاء متفرعا
على وجوب الاداء كما لا يخفى.
الفرع السابع: ما لو نذر الحج معلقا على امر
و لم يتحقق المعلق عليه حتى مات كما لو نذر الحج معلقا على شفاء مريضه او فكاك
اسيره و مثلهما و لم يتحقق المعلق عليه ما دامت حياته بل مات ثم تحقق المعلق
عليه فهل يجب على الوارث القضاء عنه ام لا؟قال السيد (قدس سره) في العروة:
«المسئلة مبنية على ان التعليق من باب الشرط او من قبيل الوجوب المعلق فعلى
الاول لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط و ان كان متمكنا من
حيث المال و سائر الشرائط، و على الثانى يمكن ان يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط
عن كونه واجبا عليه من الاول الا ان يكون نذره منصرفا الى بقاء حياته حين حصول
الشرط» و مرجع الاول الى التعليق في اصل الالتزام النذرى كالوجوب في الواجب
المشروط و الثانى الى التقييد في الملتزم به الذى هو الحج المنذور كما في
الواجب المعلق و مثال كلا الامرين الحج فان وجوبه مشروط بالاستطاعة و الواجب
مقيد بالموسم و زمان خاص و عليه فلازم الامر الاول عدم تحقق الالتزام قبل
المعلق عليه و لازم الامر الثانى تحقق الالتزام قبله غاية الامر لزوم كون الحج
بعد تحقق المعلق عليه فيجب القضاء عنه في الثانى بعد تحققه و لا يجب في الاول.
هذا و لكنه اورد عليه بوجهين:
(الصفحة 465)
احدهما انه يمكن ان يقال بوجوب القضاء بناء
على كونه من قبيل الاول و هو تعليق اصل الالتزام ايضا بناء على كون المعلق عليه
مأخوذا بنحو الشرط المتأخر لا المقارن و عليه فوجوده بعد الموت يكشف عن تحقق
المشروط في حال الالتزام ايضا
ثانيهما انه لا يجب القضاء عنه و لو كان من
قبيل الثانى اى كون الملتزم به معلقا لا اصل الالتزام و ذلك لانه يعتبر في كلا
الوجوبين ـ المشروط و المعلق ـ ثبوت القدرة على الواجب و من المعلوم ان الناذر
لا يقدر على الحج بعد تحقق المعلق عليه لفرض الموت و الميت لا يقدر على اىّ عمل
و يصير هذا كالحج بعد الاستطاعة و عروض الموت قبل تحقق الموسم في العام الاول
من الاستطاعة فان وجوب الحج و ان كان بالاضافة الى الموسم بنحو الوجوب المعلق
الا انه حيث لا يقدر عليه في الموسم لفرض الموت قبله فلا مجال لدعوى ثبوت
الاشتغال و لزوم القضاء عنه كما هو ظاهر
الفرع الثامن نذر الاحجاج و تعرض في المتن
لاربع صور فيه و اشار ـ بسبب اضافة بعض القيود ـ الى صورة خامسة تعرض لها السيد
(قدس سره)في العروة صريحا اما الصورة الاولى فهى ما إذا نذر الاحجاج معلقا على
شرط فمات قبل حصوله و حصل بعد موته مع تمكنه قبله و استظهر فى المتن وجوب
القضاء عنه و الظاهر ان مستند الوجوب ليس هى القاعدة لاقتضائها عدم الوجوب لما
عرفت من ان التعليق سواء كان راجعا الى اصل الالتزام بنحو الواجب المشروط او
الى الملتزم به بنحو الواجب المعلق يستلزم عدم اشتغال ذمة الناذر بوجه لعدم
القدرة بعد الموت على اتيان المنذور لفرض الموت كما مرّ.
بل المستند هى صحيحة مسمع بن عبد الملك المتقدمة في الفرع الخامس بلحاظ
اشتمالها على نقل ما وقع في زمن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) و حكمه بلزوم
القضاء مما ترك الميت فى هذه الصورة و قد عمل بها جماعة ـ كما في العروة ـ او
المشهور ـ كما في بعض شروحها ـ و على اىّ تقدير لم يتحقق اعراض المشهور عنها
القادح في حجيتها
(الصفحة 466)
فاللازم الالتزام بمفادها.
نعم ربما يقع الكلام في الصحيحة في اختصاصها من حيث الدلالة بهذه الصورة نظرا
الى اختصاص ما نقله الامام (عليه السلام) بها او عدم الاختصاص نظرا الى ان
السؤال فيها عن نذر الاحجاج المعلق على ان تضع الجارية غلاما ذكرا من دون اشارة
الى وقوع المعلق عليه و عدمه و على التقدير الاول هل المراد هو الوقوع في زمان
حيوة الناذر او الوقوع بعد موته ففى الفرض الاول لا بد و ان يكون محط النظر هو
السؤال عن وجوب الوفاء بالنذر بعد تحقق المعلق عليه و يكون انطباق الجواب عليه
انما هو بلحاظ الاولوية نظرا الى انه إذا كان حصول المعلق عليه بعد الموت موجبا
للقضاء عن الميت مما تركه فحصوله في زمان الحيوة اولى بتحقق الوجوب و لزوم
الوفاء بالنذر.
و في الفرض الثانى ينطبق الجواب على مورد السؤال لانه ـ ح ـ لا بد و ان يكون
محط نظر السائل لزوم القضاء عنه بعد الموت إذا تحقق المعلق عليه بعده.
كما انه على التقدير الثانى الذى مرجعه الى عدم تحقق المعلق عليه بوجه لا بد و
ان يكون محط النظر هو السؤال عن وجوب الوفاء بعد عدم تحقق المعلق عليه اصلا و
عليه لا ينطبق الجواب على السؤال اصلا.
و ربما يقال بان المستفاد من الخبر صدرا و ذيلا و من تطبيق الامام (عليه
السلام) ما نقله عن النبى صلّى اللّه عليه و اله على ما سئله السائل ان نذر
الاحجاج مما يجب قضائه بعد الموت سواء كان مطلقا او معلقا و سواء مما تمكن منه
ام لا.
و لكن الانصاف ان استفادة الضابطة الكلية بالنحو المذكور من الصحيحة مشكلة جدا
فانه و ان كان السؤال في نفسه مجملا و لم يقع استفصال في الجواب بل اقتصر على
نقل ما قاله الرسول صلّى اللّه عليه و اله في مورد خاص الا ان تعميم حكم النبى
صلّى اللّه عليه و اله بوجوب القضاء لمثل صورة عدم التمكن مما لا سبيل اليه
فضلا عما إذا احتمل الشمول