(الصفحة 475)
الثالث ان اللازم في باب التزاحم ملاحظة نفس
التكليفين من جهة عدم امكان امتثالهما في زمان واحد و عدم قدرة المكلف على
الجمع بينهما كذلك و لا مجال لملاحظة المنشأ و الموجب لثبوت التكليف ففى المقام
لا بد من ملاحظة تكليف وجوب الوفاء بالنذر مع تكليف وجوب حجة الاسلام و لا وجه
لملاحظة الالتزام النذرى و ما هو مفاد صيغة النذر مع ذلك الدليل حتى يكون ـ في
صورة الترتب و القول به فيما إذا كان احدهما اهم و الاخر مهما ـ مفاد الصيغة
مترتبا على ترك الامر بالاهم و عصيانه بحيث كان نذره متعلقا بحج آخر غير حجة
الاسلام على تقدير تركه لها و في ظرف تركه بل اللازم ملاحظة دليل وجوب الوفاء و
ان كان النذر خاليا عن التعليق المذكور كما هو المفروض.
إذا عرفت هذه الامور يظهر لك صحة النذر و انعقاده فيما هو محل البحث و الكلام
فان متعلقه يكون مقدورا في زمانه و لا ريب في رجحانه فان الحج راجح مطلقا و لو
في ظرف وجوب حجة الاسلام و زمانه غاية الامر ان دليل وجوب الوفاء بالنذر يكون
مزاحما لدليل وجوب حجة الاسلام و تكون هى واجبة و اهم الوفاء بالنذر يكون واجبا
مهما و اللازم تقديم الاهم.
و الجمع بين التكليفين اما بنحو الترتب كما عليه القائلون به و اما بالنحو الذى
حققناه فى الاصول تبعا للماتن (قدس سره).
ثم انه على تقدير رعاية الاهم و الاتيان بحجة الاسلام لا يترتب على مخالفة
النذر كفارة لمشروعية المخالفة و ترك الوفاء و الاتيان بحجة الاسلام و على
تقدير عدم رعايته و ترك الوفاء بالنذر تثبت عليه الكفارة كما نفى عنه البعد في
المتن لانه لازم ثبوت التكليفين و تحقق الالتزامين.
ثم ان ما افاده الماتن (قدس سره) هنا من الحكم بصحة النذر و انعقاده ينافى ما
افاده في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق من الحكم ببطلان الاجارة فيما إذا
استوجر
(الصفحة 476)
من استقر عليه الحج مع تمكنه من الاتيان بالحج لنفسه للنيابة عن الغير فان
الفرق بين المسئلتين النذر و الاجارة غير ظاهر و الحق هو الحكم بالصحة في
المقامين، و مما ذكرنا يظهر بطلان ما افاده السيد (قدس سره) في العروة من الحكم
بعدم الانعقاد كما ان استثنائه صورة ما إذا كانت نيته التعليق على زوال
الاستطاعة مبنى على الاكتفاء بالنية في باب النذر و ان لم يتلفظ بها و التحقيق
في باب النذر.
و اما الحمل على الصحة في صورة الاطلاق الذى معناه الخلو عن التعليق ـ لفظا و
نية ـ فقد اورد عليه بان مجرى اصالة الصحة انما هى الشبهات الموضوعية التى
مرجعها الى الشك فيما وقع في الخارج من حيث الاتصاف بالصحة و الفساد و اما
الشبهات الحكمية كما في مثل المقام حيث ان المشكوك هو حكم الشارع بالصحة او
غيرها مع وضوح ما هو الواقع في الخارج حيث انه لاخفاء فيه و لا شبهة تعتريه
لظهور كون الواقع هو النذر المطلق الخالى عن التعليق في مرحلة اللفظ و في مرحلة
النية كما هو المفروض فلا مجال لجريان اصالة الصحة اصلا.
الفرع الثانى مثل الفرع الاول و الفرق
بينهما انما هو في تحقق الاستطاعة في حال النذر في الفرع الاول و عدم تحققها
حاله في هذا الفرع بل حدوثها بعد تحقق النذر و اما كون المنذور حجا غير حجة
الاسلام فمشترك في الفرعين و ان لم يصرح به في المتن في هذا الفرع لكن قوله
(قدس سره) في الفرع الآتى: و لو نذر حجا من غير تقييد قرينة على ثبوت التقييد
في الفرع الثانى.
ثم ان الحكم بصحة النذر في الفرع السابق يستلزم الحكم بها في هذا الفرع بطريق
اولى لانه إذا لم يكن وجود الاستطاعة و وجوب حجة الاسلام فعلا مانعا عن
الانعقاد و موجبا للحكم بعدم الصحة ففيما إذا لم تكن الاستطاعة موجودة حال
النذر يكون الحكم المذكور ثابتا بنحو الاولوية غاية الامر ان تحقق الاستطاعة
بعد النذر يوجب تكليفا آخر و يقع التزاحم بين التكليفين و من الواضح اهمية حجة
الاسلام
(الصفحة 477)
بالاضافة الى الوفاء بالنذر و لا يلاحظ في باب التزاحم التقدم و التأخر
الزمانيان و مقتضى الاهمية المذكورة لزوم الاتيان بحجة الاسلام من دون فرق بين
كون النذر مضيقا اى مقيدا بالسنة الاولى ـ مثلا ـ التى وقع فيها الاستطاعة او
كونه فورا ففورا فانه في كلا الفرضين لا بد من تقديم حجة الاسلام و الاتيان
بالحج المنذور في العام القابل غاية الامر انه في صورة التضييق ينطبق عليه
عنوان القضاء و في صورة كونه فورا ففورا لا يكون قضاء كما في حجة الاسلام
الواجبة فورا ففورا.
ثم ان السيد (قدس سره) في العروة حيث كان مبناه في مسئلة وجوب حجة الاسلام تحقق
الاستطاعة الشرعية التى مرجعها الى اعتبار الاستطاعات الاربعة بضميمة عدم
استلزام الحج لترك واجب او فعل حرام حكم في هذا الفرع بصحة النذر و انعقاده و
عدم وجوب حجة الاسلام في هذا العام لاستلزامه ترك الواجب و هو الوفاء بالنذر
فاللازم الاتيان بالحج النذرى في هذا العام فان استمرت الاستطاعة الى العام
القابل يجب فيه حجة الاسلام.
و لكن قد عرفت مكررا ان هذا المبنى ضعيف و انه لا يعتبر في وجوب الحج شىء زائد
على الاستطاعات المذكورة فالحكم في المقام ما ذكرنا.
الفرع الثالث ما إذا نذر حجا من غير تقييد و
كان مستطيعا او حصل الاستطاعة بعده و لم يكن انصراف، و المراد من عدم التقييد
اعم مما إذا كان المنذور مطلق الحج و خاليا عن التقييد بغير حجة الاسلام او
التقييد بها و مما يكون راجعا الى العموم كما إذا قال للّه علىّ ان احج اىّ حج
كان و قد وقع التعبير عنه في كلام السيد (قدس سره) في العروة بالتصريح بالاطلاق
و الدليل على الاعمية ما في المتن من قوله في آخر الكلام: «فى صورة عدم قصد
التعميم لحجة الاسلام» فانه و ان جعل التعميم مربوطا بالقصد و النية الا ان
الظاهر ثبوت الفرق في مرحلة اللفظ ايضا.
و كيف كان فقد استقرب في المتن كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و الكلام
(الصفحة 478)
فى ذلك تارة في اصل كفاية الحج الواحد و عدمها بحيث كان اللازم التعدد و اخرى
فى انه بعد الكفاية هل يلزم قصد كلا العنوانين ام لا؟ اما الكلام في اصل
الكفاية و عدمها فاعلم انه ذكر السيد (قدس سره) في العروة ان في المسئلة اقوالا
ثلاثة: كفاية حج واحد عنهما و وجوب التعدد و كفاية نية الحج النذرى عن حجة
الاسلام دون العكس و القول الاول محكى عن الشيخ في النهاية و الاقتصار و
التهذيب و اختاره صاحب المدارك و القول الثانى منسوب الى المشهور بل عن
الناصريات الاجماع عليه و قال صاحب الجواهر: «هو الاشبه باصول المذهب و قواعده»
و القول الاخير محكى عن الشيخ في النهاية و مستند القول الثالث روايتان يأتى
البحث عنهما و اما الاولان فظاهر العروة ـ تبعا للجواهر ـ ابتنائهما على مسئلة
التداخل المعروفة المعنونة في الاصول المختلف فيها و حيث كان المختار عنده
اصالة عدم التداخل و تعدد المسبب بتعدد السبب فلذا قوى القول الثانى و استثنى
في آخر كلامه صورة التصريح بالاطلاق التى اشرنا اليها و قال بكفاية حجة الاسلام
عن نذره بل الحج النيابى و غيره في هذه الصورة.
و ناقش بعض الاعلام ـ في الشرح ـ في الحكم بالابتناء على مسئلة التداخل نظرا
الى ان التداخل انما يجرى فيما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء كما يقال: إذا
ظاهرت فاعتق و إذا افطرت فاعتق فوقع فيه البحث المعروف من ان هذه الشرائط و
الامور المتعددة الموجبة للجزاء هل هى اسباب حقيقية و كل سبب يقتضى مسببا
مستقلا ام هى معرفات لا تقتضى الاّ جزاء واحدا عند تعدد الشرط و اما في باب
النذر فيتبع التعدد و الوحدة قصد الناذر و الشارع انما يمضى ما التزمه الناذر
على نفسه فلا بد من ملاحظة متعلق نذره فان كان هو الجامع و طبيعى الحج فاللازم
انطباقه على حجة الاسلام قهرا لان المفروض ان متعلق نذره مطلق و اصالة عدم
التداخل لا تجرى في المقام لان المأتى به و ان كان هى حجة الاسلام الاّ انه
يصدق عليه متعلق
(الصفحة 479)
النذر من دون فرق بين التصريح بالاطلاق و عدمه.
اقول منع الابتناء على مسئلة التداخل و ان
كان صحيحا لا ينبغى الارتياب فيه الاّ ان الوجه فيه ليس ما ذكر بل الوجه هو عدم
اتحاد الجزاء و كون التكليفين متعلقين بعنوانين مستقلين لان متعلق التكليف في
باب النذر هو عنوان الوفاء به و في باب حجة الاسلام هو عنوان الحج و تحقق
الامرين في الخارج بعمل واحد و فعل فارد لا يستلزم الاتحاد في مرحلة تعلق
التكليف فلا ارتباط للمقام بمسئلة التداخل بل ما نحن فيه مثل ما إذا امر المولى
عبده باكرام عالم و امره ايضا بضيافة هاشمى فاكرم العبد عالما هاشميا بالضيافة
فالوجه في عدم الابتناء ما ذكرنا كما هو ظاهر.
ثم انه في المتن بعد الحكم بكفاية حج واحد في كلتا صورتى هذا الفرع نهى عن ترك
الاحتياط في الصورة الاولى ـ و هو ما إذا لم يكن هناك قصد التعميم لحجة الاسلام
ـ بالتعدد و اتيان كل واحد مستقلا مع تقديم حجة الاسلام على حج النذر، و بعد
ملاحظة ما ذكرنا من الوجه لكفاية الوحدة و جريانه في كلتا الصورتين لا يرى وجه
لهذا الاحتياط الوجوبى الا رعاية فتوى المشهور بل المدعى عليه الاجماع كما
عرفته من الجواهر بضميمة كون المتيقن من مورد فتوى المشهور هذه الصورة اى ما
إذا لم يكن قصد التميم بل كان مجرد الاطلاق كما إذا قال في الصيغة للّه علىّ ان
احج و لم يكن في البين انصراف الى غير حجة الاسلام ـ على ما هو المفروض في هذا
الفرع ـ هذا ما يتعلق باصل الوحدة و التعدد.
و اما الكلام بعد الاكتفاء بالوحدة في لزوم قصد كلا العنوانين كما هو ظاهر
المتن او عدم اللزوم فمحصله انه ذكر بعض الاعلام ـ على ما في شرح العروة ـ ان
الظاهر هو الثانى نظرا الى عدم اعتبار قصد العنوان في اتيان المنذور و لا يلزم
الاتيان به بعنوان متعلق النذر لان وجوب الوفاء بالنذر توصلى لا يعتبر في
اتيانه و سقوطه قصد العنوان بخصوصه فلو نذر ان يصوم اليوم المعين و صام ذلك
اليوم و غفل عن النذر صح
|