(الصفحة 492)
ثم انه يغلب على الظن في اصل المسئلة ان رواية سماعة و حفص التى رواها احمد بن
محمد بن عيسى في نوادره هى نفس رواية رفاعة و حفص بمعنى ان سماعة ذكر اشتباها
لاجل التشابه مع رفاعة فلا يكون هناك روايتان بل رواية واحدة.
و ايضا فالظاهر ان رواية رفاعة و حفص المذكورة في كتاب الوسائل في ابواب النذر
هى رواية رفاعة المروية في كتاب الحج بهذه الكيفية محمد بن الحسن باسناده عن
موسى بن القاسم عن ابن ابى عمير و صفوان عن رفاعة بن موسى قال: قلت لابى عبد
اللّه (عليه السلام)رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه قال: فليمش قلت: فانه تعب
قال: فاذا تعب ركب.(1) و يؤيد اتحاد الروايتين ـ مضافا الى كون
الراوى عن رفاعة و حفص في كتاب النذر هو ابن ابى عمير ايضا و ان اضيف اليه
صفوان هنا و اضيف الى المروى عنه حفص هناك الا انه لا يقدح في الاتحاد اصلا كما
هو الظاهر ـ انه لو كان قيد الحفاء مذكورا في السؤال و لم يكن السؤال متمحضا في
نذر المشى فقط كما في رواية و حفص لكان الجواب بقوله: فليمش ناقصا سواء اريد به
هو المشى المقيد بالحفاء او المشى من دون حفاء اما على الاول فلانه كان اللازم
ان يضاف اليه كلمة «الحفاء» او «كذلك» للدلالة على لزوم مراعات النذر بجمع
خصوصياته و اما على الثانى فلانه كان اللازم ان يضاف اليه مثل كلمة: «دون حفاء»
لانه الغرض المهم لا اصل لزوم المشى و بعبارة اخرى محط نظر السائل على تقدير
كون مورده هو نذر المشى حافيا هو التقييد بالحفاء و عليه فالجواب لا بد و ان
يكون ناظرا اليه نفيا و اثباتا و لا يلائمه الاقتصار على قوله: فليمش،
فالاقتصار عليه في الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو نذر المشى من دون قيد و
عليه يحصل الاطمينان بان الروايات الثلاثة متحدة و ان السؤال فيها انما هو عن
مجرد نذر المشى و الجواب منطبق عليه من دون نقيصة و عليه تنحصر
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1
(الصفحة 493)
الرواية الواردة في المشى حافيا بصحيحة الحذاء و لا معارض لها اصلا و المراد من
قوله (صلى الله عليه وآله) فيها: «فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها» مع انه
تعالى غنى عن العالمين و عن عبادة الخلائق اجمعين هو عدم المشروعية و عدم
الرجحان و ـ ح ـ ان قلنا بان الرواية معرض عنها كما ربما يقال و يؤيده حكاية
الفتوى بالبطلان عن الدروس فقط فاللازم طرحها بناء على كون الاعراض قادحا و ان
لم نقل بصغرى الاعراض او لم نقل بقادحيته فى اعتبار الرواية و حجيتها فاللازم
الاخذ بها و الحكم ببطلان نذر الحفاء و ان كان على خلاف القاعدة.
ثمّ انه بقى الكلام في اصل المسئلة فيما يتعلق بنذر المشى المطلق او المشى
حافيا فى امرين:
الاوّل في الامور المعتبرة في انعقاد
النذرين و هى عدّة اشياء:
احدها التمكن فانه مع عدم التمكن من متعلق
النذر لا يقع صحيحا كما في ساير الامور المتعلقة للنذر و قد عرفت في بعض
المسائل السّابقة ان الاستطاعة المعتبرة في نذر الحج هى الاستطاعة العقلية لا
الاستطاعة الشرعية ـ كما اختاره في الدروس ـ و مرجع ما ذكرنا الى انه لا فرق
بين كون المنذور هو الحج أو غيره من الأعمال الراجحة و المعتبر في الجميع هى
القدرة العقليّة.
ثانيها عدم تضرّره بالمشى أو المشى حافيا و
الظاهر ان المراد هو التضرر النفسى و عليه فالظاهر عدم ارتباط هذا الأمر بقاعدة
«لا ضرر» المعروفة و ان كان عطف عدم الحرج عليه يؤيد كون المراد تلك القاعدة
لكن حيث انّ مبنى الماتن (قدس سره) في القاعدة كونها حكما ناشيا عن مقام ولاية
الرسول و حكومته و زعامته و تصدّيه لادارة نظام المسلمين لا مرتبطا بمقام
رسالته و نبوته حتى يكون حكما الهيا ناظرا الى الاحكام الاوليّة الثابتة
للموضوعات بعناوينها الواقعية فلا بد من عدم كون النظر في المتن الى هذه
القاعدة مضافا الى عدم اختصاصها بالضرر
(الصفحة 494)
النفسى كما لا يخفى.
و عليه فاللازم ان يكون محطّ النظر في المتن هى حرمة الاضرار بالنفس بعنوانه
الاولى مطلقا او في خصوص ما إذا كان منجرّا الى الهلاك عادة و قد ادّعى قيام
الاجماع و غيره على ثبوت هذه الحرمة و ان وقع الاختلاف في متعلقها من حيث السعة
و الضيق كما اشرنا.
و على هذا التقدير فالوجه في اعتبار عدم الاضرار امّا خروج متعلق النذر عن
الرجحان بسبب الاضرار المحرّم لانه يصير بذلك مرجوحا فيكون النذر ـ ح ـ فاقدا
لشرط الصحة و هو الرجحان فيحكم بعدم انعقاده و يظهر هذا الوجه من بعض الاعاظم
على ما فى تقريراته في شرح العروة و امّا ما ذكره بعض الاعلام كذلك من ان
الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فيصير الوجه في البطلان عدم التمكن من المنذور مع
انك قد عرفت اعتباره.
اقول و في كلا الوجهين نظر:
اما الوجه الاول فلانّ متعلق الحرمة هى نفس
عنوان الاضرار بالنفس ـ مطلقا أو في الجملة ـ و لا يتعدى الحكم من عنوان متعلقه
الى شىء آخر و مجرد تحقق عنوان الاضرار فى الخارج بالمشى لا يستلزم سراية
الحرمة الى المشى اصلا بل هو بعنوانه ذات رجحان و مزية و قد دلّ عليها قول
المعصوم و فعله كما انّك عرفت ان تعلق النذر بالمشى لا يوجب صيرورة المشى واجبا
بل هو باق على ما كان عليه قبل النذر و الواجب بالنذر انّما هو عنوان الوفاء به
فالمشى لا يسرى اليه الوجوب من ناحية النذر و لا الحرمة من ناحية حرمة الاضرار
فلا مانع من ثبوت الوجوب و الحرمة غاية الامر وقوع التزاحم بين التكليفين لعدم
امكان رعايتهما في مقام الامتثال و الموافقة، و اللازم الرجوع الى قاعدة
التزاحم كما لا يخفى و من الواضح ان المزاحمة امر و عدم الانعقاد الذى هو
المدعى امر اخر.
(الصفحة 495)
و اما الوجه الثانى فمضافا الى انه لم يقم
دليل على ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا بل كلماتهم خصوصا في كتاب الاجارة
ظاهرة في ان الممنوعية امر و الامتناع امر اخر الا ترى ان استيجار الحائض لكنس
المسجد انما يكون الوجه في بطلانه عندهم هى الممنوعية الشرعية و كون العمل
محرّما لا الامتناع و الاستحالة و المعتبر في الاجارة امران: كون العمل مقدورا
و كونه محلّلا فيظهر ان الممنوعية الشرعية امر مستقل و الامتناع امر أخر.
نقول بما ذكرنا من عدم كون المشى الذى تعلقّ به النذر ممنوعا شرعا فان الممنوع
انما هو عنوان الاضرار بالنفس و هو لا يكون متعلقا للنذر فما هو المتعلق غير ما
هو الممنوع.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه على تقدير كون الاضرار بالنفس محرما مطلقا أو
في الجملة لا يوجب ذلك خللا في صحة النذر و انعقاده.
ثالثها عدم كون المشى المطلق او المشى حافيا
حرجيّا على الناذر لانه على تقدير الحرجية يكون مقتضى قاعدة «نفى الحرج» التى
تكون حاكمة على أدلة التكاليف اللزومية ـ وجوبية كانت أو تحريمية ـ عدم لزوم
الوفاء بالنذر إذا كان مستلزما للحرج كما هو المفروض.
ثم انّ السيّد (قدس سره) في العروة قال: «لا مانع منه ـ اى من انعقاد النذر ـ
إذا كان حرجا لا يبلغ حدّ الضرر لان رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة هذا
إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و امّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر
كونه مسقطا للوجوب» و لا بد قبل ملاحظة مدّعاه و دليله و انّ دليله هل ينطبق
على مدّعاه ام لا؟من التعرض لامرين في قاعدة الحرج:
الاول ان مقتضى قاعدة نفى الحرج التى يدل
عليها مثل قوله تعالى: «ما جعل عليكم فى الدين من حرج» هل هو نفى الحكم اللزومى
على سبيل الرخصة او على نحو العزيمة
(الصفحة 496)
و مرجع الاول الى كون القاعدة ناظرة الى رفع اصل اللزوم و اما المحبوبية و
المشروعية فهى باقية بحالها لا ترتفع بالقاعدة اصلا كما ان مرجع الثانى الى رفع
الحكم بالكلية و عدم ثبوت اللزوم و لا المحبوبية و المشروعية فالوضوء او الغسل
الحرجى يقع صحيحا على الاول دون الثانى لفقد انه للمشروعية رأسا في حال الحرج و
المختار عندنا هو الثانى و قد حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية.
الثانى ان قاعدة نفى الحرج كما تكون حاكمة
على ادلة التكاليف الاصلية الابتدائية التى لا مدخل للمكلف في اثباتها كاكثر
الاحكام الشرعية هل تكون حاكمة على ادلة التكاليف الثانوية التى يكون للمكلف
مدخل في ثبوتها كالاحكام الثابتة في موارد التزام المكلف كالنذر و مثله ام لا؟
ربما يقال بالثانى نظرا الى ان قاعدة نفى الحرج واردة في مورد الامتنان و لا
امتنان في نفى الحكم في مورد التزام المكلف و التفاته الى كون الملتزم به حرجيا
فاذا كان عالما بان المشى في الحج امر حرجى من حين الشروع فلا امتنان في رفع
الحكم بوجوب الوفاء بالنذر بالاضافة اليه و بعبارة اخرى منشأ الحرج في هذا
الفرض هو التزام المكلف مع التوجه و الالتفات لا حكم الشارع.
كما انه ربما يقال بالاول نظرا الى ان ما يكون موجبا للحرج في هذه الصورة ايضا
هو حكم الشارع بوجوب الوفاء بالالتزام الصادر من المكلف عليه لانه بدون هذا
الحكم لا يقع المكلف في الحرج اصلا فالقاعدة حاكمة على كلتا الادلتين و رافعة
لكلا التكلفين من دون فرق في البين و هذا القول هو الظاهر و هو المستند لمثل
المتن من جهة الحكم باعتبار عدم الاستلزام للحرج في انعقاد النذر و صحته.
إذا عرفت هذين الامرين فاعلم ان ما يمكن دليلا لمدعى السيد من الانعقاد في
الصورة المذكورة هو الامر الثانى الذى ذكرنا بناء على اختيار عدم كون القاعدة
حاكمة على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر و اما الامر الاول فلا يرتبط بمسئلة
انعقاد النذر ضرورة ان رفع وجوب الوفاء بالنذر مع الالتزام بالبقاء على
المشروعية