(الصفحة 504)
و الاتيان بالمناسك.
ففى الصورة الاولى لا يكون اىّ ارتباط بين الركوب الذى تتحقق به مخالفة النذر و
بين حجة الاسلام التى هى عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة التى شروعها في
الفرض المذكور من مسجد الشجرة و لا مجال في هذه الصورة لتوهم البطلان في الحج
لان العبادة لا دخل لها في مخالفة النذر بوجه و هذا من الوضوح بمكان و قد
صرّحوا بان الركوب على الدابة الغصبية لا يضر بالحج اصلا.
و في الصورة الثانية ربما يتخيل البطلان نظرا الى ان الامر بالوفاء بالنذر
يقتضى النهى عن ضده و هو يقتضى الفساد و لكن يدفعه ـ مضافا الى منع اقتضاء
الامر بالشىء للنهى عن ضده ـ انه على تقدير الاقتضاء يكون المنهى عنه هو الركوب
في حال الحج لا نفس الحج حتى يكون النهى متعلقا بالعبادة فتصير فاسدة و من
الواضح ان الركوب امر و العبادة آمر اخر و لا تسرى الحرمة منه اليها فالحكم في
هذه الصورة ايضا الصحة كما هو ظاهر.
و اما الفرضان الاولان فربما يتخيل البطلان فيهما نظرا الى ان المنوى هو الحج
النذرى و هو لم يقع و غيره لم يقصد.
و اجاب عنه السيد (قدس سره) في العروة بان الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في
ضمن قصد النذر و هو كاف الا ترى انه لو صام ايّاما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع
لا يبطل الصيام في الايام السابقة اصلا و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و
كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قرائته و اذكاره التى اتى بها من حيث كونها قرآنا
او ذكرا.
اقول اما الفرض الاول فان لم يكن من نيته
الوفاء بالنذر بالحج الذى اتى به راكبا بل قصده الوفاء به في بعض السنين الاتية
و المفروض كونه موسعا غير مضيق فلا يجرى فيه ما ذكر من ان ما قصد لم يقع و ما
وقع لم يقصد لانه ـ حينئذ ـ لم ينو الوفاء بالنذر به.و ان كان قصده الوفاء
بالنذر بالحج راكبا ـ و الظاهر انه المقصود من هذا الفرض لا الصورة الاولى و
لاجله لا مجال للاشكال على السيد بان تنظير المقام
(الصفحة 505)
بصوم الكفارة في غير محله لان المفروض انه لم يأت بالحج راكبا بداعى الوفاء
بالنذر بخلاف الصوم ـ و كيف كان: فان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا يكون
هنا عنوانان: احدهما عنوان الوفاء بالنذر الذى يكون متعلقا للوجوب و واجبا
توصليا غاية الامر كونه من العناوين القصدية كما مرّ سابقا و ثانيهما عنوان
الحج الذى يكون متعلقا للامر الاستحبابى العبادى و لا يسرى حكم احد العنوانين
الى الاخر اصلا و مجرد قصد تحقق عنوان الوفاء بالحج مع كون الحج مقصودا بعنوانه
و مأتيا به اتيان عبادة مستحبة لا يوجب ان يكون المقصود غير واقع و الواقع غير
مقصود نعم ما هو غير الواقع عبارة عن الوفاء بالنذر الذى قد قصده لانه لا ينطبق
على المأتى به و اما الحج المقصود بعنوانه و مأتيا به بعنوان انه عبادة مستحبة
فلا وجه لعدم وقوعه بعد عدم خلل فيه اصلا فلا وجه للحكم بالبطلان فيه.
و اما الفرض الثانى الذى يكون النذر مقيدا بسنة خاصة فالحكم بصحة الحج راكبا
فيها و عدمها يبتنى على ما مر في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق المتعرضة
لحكم من اتى بالحج تطوعا او نيابة عن الغير ـ تبرعا او اجارة ـ مع استقرار الحج
عليه و علمه بالاستقرار و بحكمه مع التمكن من الحج فان قلنا في تلك المسئلة
بالصحة ـ كما اخترناها و اخترنا صحة الاستيجار عليه ـ فاللازم الحكم بالصحة في
المقام لعدم الفرق بين المسئلتين من هذه الجهة، و ان قلنا فيها بالبطلان ـ كما
نفى البعد عنه سيدنا الاستاذ الماتن ـ قدس سره الشريف و اختار ايضا بطلان
الاجارة ـ فاللازم الحكم بالبطلان في المقام ايضا إذا كان البطلان هناك مستندا
الى اقتضاء القاعدة له و اما إذا كان مستندا الى خصوص بعض ما في الحجّ كالرواية
الواردة هناك ـ بناء على دلالتها على البطلان ـ فلا يستلزم ذلك الحكم بالبطلان
هنا، و ظاهر المتن هنا الصحة باعتبار نفى وجوب القضاء فانه لو كان الحج راكبا
باطلا لكان اللازم وجوب القضاء كما لا يخفى.
بقى الكلام في اصل المسئلة فيما وقع التعرض
له في الذيل و هو ما لو ركب
(الصفحة 506)
بعضا دون بعض و الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في ترتب حكم ركوب الكل عليه من
جهة لزوم القضاء و الكفارة في مورد ثبوتهما انما الاشكال و الخلاف في كيفية
القضاء و انه هل اللازم فيه المشى في جميع اجزاء الطريق كما في ركوب الكل او
يكفى المشى فى موضع الركوب فقط كما عن الشيخ و جماعة من الاصحاب، و المحكى عن
العلامة فى «المختلف» الاستدلال له بان الواجب عليه قطع المسافة ماشيا و قد حصل
بالتلفيق فيخرج عن العهدة ثم اجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق.
و الظاهر هو القول الاول لان المنذور بحسب نظر الناذر و ما هو المتفاهم عند
العرف قطعها كذلك في عام واحد.
ثم انه ورد في مشى بعض الطريق رواية معتبرة لا بد من ملاحظتها و هى رواية
ابراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه السلام) قال سئله عباد بن عبد اللّه
البصرى عن رجل جعل للّه عليه نذرا على نفسه المشى الى بيت اللّه الحرام فمشى
نصف الطريق او اقل او اكثر فقال: ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به.(1)
و السؤال في نفسه مجمل محتمل لان يكون المراد منه هو مشى المقدار المذكور ـ
نصفا او اقل او اكثر ـ مع الركوب في الباقى و لان يكون المراد منه هو الموت بعد
المشى بالمقدار المذكور و لا ترجيح لاحد الاحتمالين على الآخر.
و لكن ظاهر الجواب بلحاظ كون الافعال الواقعة فيه بصورة المبنى للمفعول ظاهرا و
هو لا ينطبق الا على موت الناذر و بلحاظ كون ظاهره لزوم التصدق بجميع ما ينفق
من ذلك الموضع الذى انقطع منه المشى ـ اعم مما ينفق في بقية الطريق و ما ينفق
في الاعمال و المناسك ـ و هو لا يلائم الا مع الموت يقتضى كون المراد من السؤال
هو الاحتمال الثانى و مرجعه الى بدلية التصدق عن الحج و يؤيده بعض الروايات
المتقدمة المشتملة على لزوم صرف التركة التى اوصى بها للحج الذى
-
1 ـ ئل ابواب النذر الباب الواحد و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 507)مسئلة ـ 12 لو عجز عن المشى بعد انعقاد نذره يجب عليه الحج راكبا مطلقا،
سواء كان مقيدا بسنة ام لا، مع اليأس عن بعدها ام لا، نعم لا يترك الاحتياط
بالاعادة في صورة الاطلاق مع عدم اليأس من المكنة، و كون العجز قبل الشروع في
الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك، و الاحوط المشى بالمقدار الميسور بل لا يخلو
عن قوة، و هل الموانع الاخر كالمرض او خوفه او عدو او نحو ذلك بحكم العجز اولا
وجهان و لا يبعد التفصيل بين المرض و نحو العدو باختيار الاول في الاول و
الثانى في الثانى1.
ظاهره حج التمتع مع عدم سعتها لها و كونها يسيرة في الصدقة مع عدم امكان حج
الافراد بها في مقابل فتوى بعض فقهاء العامة القائل بلزوم التصدق بمجرد عدم
السعة للحج الموصى به و عليه فالظاهر من الرواية غير ما هو محل البحث في المقام
و هو ركوب بعض الطريق و مشى البعض الاخر.
و يؤيد كون المراد من السؤال هو الموت هو ان السائل سئل عن قضية واقعة في
الخارج و لا مجال لحملها على كون الرجل الناذر قد مشى المقدار المذكور و انصرف
عن البقية و عن فعل الحج رأسا كما انه لا مجال لحملها على تحقق الركوب منه في
الباقى و تحقق اعمال الحج منه لانه لا يناسب لزوم صرف مقدار النفقة المصروفة
خارجا في بقية الطريق و الاعمال في التصدق فينحصر ان يكون المراد هو الموت بعد
تحقق المشى بالمقدار المذكور.
ثم انه على الاحتمال الاخر تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار لان مفادها معرض عنه
عند الاصحاب فتخرج عن الحجية.
1 ـ فى اصل المسئلة و هو ما لو عجز عن المشى بعد انعقاد نذره اقوال خمسة ذكرها
السيد (قدس سره) في العروة:
الاول وجوب الحج عليه راكبا مع سياق بدنة،
نسب هذا القول الى الشيخ و جماعة، و عن الخلاف دعوى الاجماع عليه.
الثانى وجوبه كذلك بلا سياق.و هو المحكى عن
المفيد و ابن الجنيد و ابن
(الصفحة 508)
سعيد و الشيخ في نذر الخلاف، و في محكى كشف اللثام انه يحتمله كلام الشيخين و
القاضى و نذر النهاية و المقنعة و المهذب.
الثالث سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة
او كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك، و توقع المكنة مع الاطلاق و عدم
اليأس، و قد حكى هذا القول عن الحلى و العلامة فى الارشاد و المحقق الثانى في
حاشية الشرايع.
الرابع وجوب الركوب مع تعيين السنة او اليأس
في صورة الاطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس، نسب الى العلامة في المختلف و
حكى عن ظاهر المسالك و الروضة.
الخامس وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في
الاحرام، و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، و توقع المكنة مع الاطلاق و قد
اختاره في المدارك.
و ذكر السيد بعد نقل الاقوال ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث و لكن مقتضى
الجمع بين الروايات الواردة هو القول الثانى و هو الذى اختاره الماتن (قدس
سره)و عليه فاللازم البحث من جهتين:
الاولى فيما تقتضيه القاعدة و في هذه الجهة
ان كان النظر مقصورا على مسئلة النذر و شروط انعقاده و صحته فالحق ما افاده
السيد (قدس سره) من ان مقتضى القاعدة هو القول الثالث لكن مع تبديل كلمة
«السقوط» في الفرضين الاولين بعدم الانعقاد و الكشف عنه لان ما هو المعتبر في
صحة النذر و انعقاده هى القدرة الواقعية على الاتيان بالمتعلق و الوفاء بالنذر
في ظرف العمل و الوفاء فمع تحقق القدرة بهذه الكيفية ينعقد النذر و يصح و لو
كان عاجزا حال الصيغة و الالتزام و مع عدم تحققها كذلك لا يكاد ينعقد و لو كان
قادرا حال النذر كما ان المعتبر هى القدرة الواقعية و العلم بها حال النذر لا
دخل له في الانعقاد كما ان الجهل بها لا يقدح فيه بعد انكشاف الخلاف و ظهور
تحقق القدرة.
و على ما ذكرنا فمقتضى القاعدة في صورة العجز عن المشى الكشف عن البطلان