(الصفحة 510)
الوفاء به و كون وجوب الحج راكبا امرا تعبديا غير مرتبط بالنذر اصلا لان
التعبير بالاجزاء لا يلائم هذا الاحتمال بوجه
الثانية ما تدل على وجوب الحج راكبا من دون تعرض لوجوب سوق بدنة مثل
صحيحة رفاعة بن موسى قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) رجل نذر ان يمشى الى
بيت اللّه قال: فليمش، قلت فانه تعب قال فاذا تعب ركب.(1) و ما رواه
احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن محمد بن مسلم عن احدهما (عليها السلام) قال:
سئلته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّه فلم يستطع، قال: يحج راكبا.(2)
فان السكوت في مقام البيان ظاهر في عدم وجوب سياق الهدى كما لا يخفى
الثالثة ما تدل على وجوب الحج راكبا و
استحباب الذبح و هى ما رواه البزنطى عن عنبسة بن مصعب قال: قلت له ـ يعنى لابى
عبد اللّه (عليه السلام) اشتكى ابن لى فجعلت للّه علىّ ان هو برىء ان اخرج الى
مكة ماشيا، و خرجت امشى حتى انتهيت الى العقبة فلم استطع ان اخطو فيه فركبت تلك
الليلة حتى إذا اصبحت مشيت حتى بلغت فهل علىّ شىء؟قال: فقال لى: اذبح فهو احب
الى قال: قلت له: اى شىء هو الىّ لازم ام ليس لى بلازم؟قال: من جعل للّه على
نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شىء عليه و كان اللّه اعذر لعبده.(3)
و ظهور الرواية في الاستحباب خصوصا بملاحظة ذيلها لا يكاد يخفى.كما ان الظاهر
اعتبارها من حيث السند و ان عنبسة موثق اما بالتوثيق الخاص كما يظهر من صاحب
الجواهر او بالتوثيق العام لاجل وقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات فلا مجال
للمناقشة فيه كما عن المدارك و ان كانت عبارتها ايضا لا تدل على عدم الوثاقة.
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 9
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 6
(الصفحة 511)
و عليه فهذه الرواية قرينة على حمل الامر بسياق بدنة في الطائفة الاولى على
الاستحباب و عدم كون المراد ما هو ظاهره من الوجوب، و مع قطع النظر عن هذه
الرواية لا مجال للحمل المذكور بمجرد السكوت في مقام البيان في الطائفة الثانية
ـ كما استند اليه ايضا السيد في العروة ـ و ذلك لان السكوت في مقام البيان و ان
كان في نفسه حجة و معتبرا الا انه لا ينهض لان يصير قرينة على التصرف في الظهور
اللفظى و حمله على غير ما هو ظاهر فيه و لذا اعترض عليه اكثر الشراح و عليه
فيتعين القول الثانى من الاقوال الخمسة الذى اختاره الماتن (قدس سره).
ثم ان الطائفتين الاولتين و ان كان بينهما اختلاف في انفسهما الاّ انهما
مشتركتان فيما عرفت من عدم كون عروض العجز موجبا لانحلال النذر او الكشف عن عدم
الانعقاد كما عرفت من استفادة ذلك من التعليل الواقع في بعضها و عليه فهما
متحدتان في ثبوت الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للكشف او الانحلال ـ على
الاقل ـ و ان النذر بقوته باق غاية الامر ان العجز يوجب التبدل الى الركوب و
عليه فاللازم بملاحظة لزوم الاقتصار فى الحكم المخالف للقاعدة على مقدار دلالة
الدليل النظر في الروايات المذكورة من جهة المورد ضيقا او سعة فنقول: هنا صور
اربعة:
احديها ما هو القدر المتيقن من مورد
الروايات و تشمله قطعا و هو ما إذا طرء العجز فى الاثناء بعد الشروع في الوفاء
بالنذر و طىّ جزء من الطريق او الاعمال ماشيا و مقتضى الاطلاق في هذه الصورة
عدم الفرق بين ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة او مطلقا غير مقيد بها كما ان
مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين صورة اليأس من المكنة بعده و صورة عدم اليأس منها
و كذلك لا فرق في هذه الصورة بين ما إذا كان قبل الدخول في الاحرام و ما إذا
كان بعده لانه على كلا الفرضين يأتى بالحج راكبا فلا ينافى آية الاتمام التى
عرفتها.
ثانيتها ما هو المتيقن في جانب النفى و لا
تشمله الروايات قطعا و هو ما إذا
(الصفحة 512)
كان عالما حين النذر بعدم التمكن من الوفاء و عدم القدرة على المشى و لو في جزء
من الطريق و كان بحسب الواقع ايضا كذلك فانه لا مجال في هذه الصورة لتوهم شمول
الروايات لها و الحكم فيها بوجوب الحج راكبا و انه يجزى عما هو المنذور و لازمه
صحة النذر و لزوم الوفاء به كذلك.
ثالثتها ما تكون مشمولة للروايات بمقتضى
الاطلاق الواقع في بعضها و هو ما إذا كان حال النذر و الالتزام معتقدا بالتمكن
من المشى و القدرة على المنذور و لكن قبل الشروع انكشف له عدم القدرة رأسا فان
مقتضى اطلاق الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة الشمول لها فان قوله: رجل نذر
ان يمشى الى بيت اللّه و عجز عن المشى شامل باطلاقه لها و لا يختص بما إذا كان
العجز طارئا بعد الشروع.
رابعتها ما تكون مشكوكة من جهة الشمول و
عدمه و هى الصورة التى نهى في المتن عن ترك الاحتياط فيها بالاعادة ـ اى بصورة
المشى ـ و هى ما كانت مشتملة على الخصوصيات الاربعة: كون النذر مطلقا غير مقيد
و لم يكن مأيوسا من المكنة في الآتية، و كون العجز قبل الشروع في الذهاب، و
حصول المكنة واقعا بعدا فانه يمكن فيها دعوى انصراف الروايات عنها كما قد ادعى،
و قد علل السيد (قدس سره) لزوم الاحتياط بالاعادة في هذه الصورة باحتمال
الانصراف و الظاهر ان مراد المتن و العروة لزوم الجمع بين الحج راكبا و الاعادة
ماشيا خصوصا مع ملاحظة التعليل المزبور مع ان دعوى دلالة الروايات على لزوم
الشروع في الحج راكبا مع ظهور العجز قبل الشروع و كون النذر مطلقا في غاية
البعد حتى فيما إذا كان مأيوسا من المكنة بعدا فضلا عن صورة عدم اليأس كما لا
يخفى.
بقى الكلام في اصل المسئلة في امور:
الاول انه مع القدرة على المشى في بعض
الطريق او بعض الاعمال هل يجب عليه رعاية النذر بالاضافة الى المقدار الميسور
او ينتقل في الجميع الى الحج راكبا
(الصفحة 513)
مقتضى الاحتياط اللزومى هو الاول بل قال في المتن: «انه لا يخلو عن قوة» و هو
الظاهر، و لا حاجة في الاستدلال له بقاعدة «الميسور» بل يدل عليه بعض الروايات
المتقدمة مثل صحيحة رفاعة التى وقع فيها السؤال عن رجل نذر ان يمشى الى بيت
اللّه و مقتضى الجواب لزوم المشى ما لم يقع في تعب و ان الانتقال الى الركوب
انما هو بعد التعب و عليه فتدل على لزوم رعاية المشى بالمقدار الميسور و هذا من
دون فرق بين ان يكون العجز في الابتداء او في الوسط او في الآخر و كذا بين ان
يكون منشأ العجز اختلاف الطريق من جهة السهل و الجبل او يكون منشأه عدم القدرة
له و يؤيد ما ذكرنا رواية عنبسة المتقدمة الواردة في طى ما عدى العقبة الواقعة
في وسط الطريق ماشيا فتدبر
الثانى ان المراد من العجز المأخوذ في موضوع
الحكم في الروايات و ان كان هو العجز العرفى لا العجز العقلى في مقابل القدرة
العقلية المعتبرة في متعلق النذر و انعقاده و ذلك لان المرجع في العناوين
المأخوذة في الموضوعات في الكتاب و السنة هو العرف الاّ انه مع ذلك لا يختص
الحكم به بل يشمل التعب و المشقة ايضا و ذلك لانه و ان وقع التعبير بالعجز في
كثير من الروايات المتقدمة الاّ انه علق الانتقال الى الركوب في صحيحة رفاعة
على مجرد التعب فالمراد من العجز اعم منه هذا بالنظر الى الروايات.
و اما بالنظر الى القاعدة التى مرّ البحث عن مقتضاها فلا اشكال في ان اقتضائها
للبطلان و الكشف عنه انما هو في خصوص فقدان شرطه و هى القدرة العقلية لان
القدرة المعتبرة انما هى هذه القدرة و اما العجز العرفى ـ فضلا عن التعب و
المشقة و الحرج ـ فلا يكشف عن البطلان باعتبار فقدان الشرط و ـ ح ـ يشكل الامر
بناء على حكومة قاعدة نفى الحرج على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر من الاحكام
التى يكون لالتزام المكلف و الجعل على نفسه مدخلية في ثبوتها كحكومتها على ادلة
الاحكام التى ليست كذلك كاكثر الاحكام مثل وجوب الوضوء و الغسل و نحوهما.
(الصفحة 514)
وجه الاشكال ان عروض التعب لا يكشف عن كون النذر فاقدا للشرط المعتبر فيها
فاللازم الالتزام بانعقاد النذر و صحته و الحكم بعدم وجوب الوفاء بالنذر لاجل
حكومة دليل نفى الحرج مع انه لا يكاد يتحقق الجمع بين الصحة و الانعقاد و بين
عدم وجوب الوفاء بالنذر كما هو ظاهر نعم لو منعنا الحكومة بالاضافة الى هذه
الادلة لا يتحقق اشكال.
الثالث انه هل يلحق بالعجز عن المشى و التعب
المرض او خوفه او العدوّ او نحوها ام لا؟نفى في المتن ـ تبعا للسيد (قدس سره)
في العروة البعد عن التفصيل بين المرض و نحوه و بين العدو و نحوه باختيار الاول
في الاول و الثانى في الثانى و اضاف السيد قوله: «و ان كان الاحوط الالحاق
مطلقا».
اما وجه التفصيل فهو ان الموانع الراجعة الى الناذر سواء كانت راجعة الى الضعف
في البدن او الكسر او الجرح او الوجع او المرض و حتى خوفه مما يشملها التعبير
بالعجز الواقع في كثير من الروايات لانه لا فرق في تحققه بين الاسباب المذكورة
و مثلها و اما الموانع الخارجية مثل العدوّ و الثلج الموجود في الطريق فالتعبير
بالعجز لا يشمله و لكن ربما يقال بشمول رواية عنبسة المتقدمة له ايضا بالنظر
الى قوله (عليه السلام) فيها: «فبلغ فيه مجهوده» نظرا الى ان مفاده ان الملاك
بلوغ هذا المقدار من الجهد فيشمل جميع الموانع.
و لكن الظاهر انه ليس بظاهر في الشمول خصوصا مع ملاحظة مورد الرواية فالحق ـ
حينئذ ـ ما في المتن من التفصيل.
و اما ما جعله السيد مقتضى الاحتياط من الالحاق مطلقا فقد اورد عليه الماتن
(قدس سره) في التعليقة على العروة بعدم كون الالحاق مقتضى الاحتياط الا في بعض
الصور و مراده ما إذا كان النذر مقيدا بهذه السنة و اما في صورة الاطلاق فمقتضى
الاحتياط توقع المكنة فيما بعد كما لا يخفى.