(الصفحة 81)
سبيلا ما يعنى بذلك قال: من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو
ممّن يستطيع الحج او قال: ممّن كان له مال فقال له حفص الكناسى فاذا كان صحيحا
في بدنه مخلى في سربه له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممّن يستطيع الحج؟ قال: نعم.(1)
و منها صحيح هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) في قوله عز و جل و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا
ما يعنى بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة.(2)
و منها رواية السكونى عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) قال سئله رجل من اهل القدر فقال يابن رسول اللّه اخبرنى عن قول
اللّه عز و جل و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا أليس قد جعل لهم
الاستطاعة؟فقال: ويحك انما يعنى بالاستطاعة الزادوا الراحلة ليس استطاعة البدن
الحديث.(3) و الظاهر ان المراد باستطاعة البدن هى صحة الجسم و
المراد من نفيه نفى كونه معتبرا فقط كما لا يخفى.
و منها خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه
السلام) في كتابه الى المأمون قال: و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا
و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة.(4)
و منها غير ذلك من الروايات الظاهرة
باطلاقها في اعتبار الراحلة و انها من المراد بالاستطاعة المذكورة في الآية.
و في مقابلها روايات يمكن الاستدلال بها على ان اعتبار الراحلة مقيد بصورة
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 4
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 7
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 5
-
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 6
(الصفحة 82)
الحاجة اليها و هى ايضا كثيرة:
منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت
لابى جعفر (عليه السلام) فان عرض عليه الحج فاستحيى؟قال هو ممن يستطيع الحج و
لم يستحيى و لو على حمار اجدع ابتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب
بعضا فليفعل.(1)
و الاستدلال بها مبنى على ان يكون المراد من قوله و لم يستحيى الخ هو الاعتراض
على استحيائه نظرا الى انه لو كانت الراحلة المعروضة عليه هو حمارا اجدع ابتر
لكان اللازم عليه القبول لتحقق الاستطاعة التى هى شرط في وجوب الحج بذلك بل
يستفاد من الذيل انه لو كان قادرا على ان يمشى بعضا و يركب بعضا لكان يكفى في
تحققها و ثبوت الوجوب عليه و بما ان القدرة على مشى البعض لا خصوصية لها
فيستفاد منها ان القدرة على مشى كل الطريق كافيه في ثبوت الوجوب لتحقق
الاستطاعة و يظهر من صاحب الوسائل حمل الرواية على هذا المعنى حيث جعل عنوان
الباب: وجوب الحج على من بذل له زادو راحلة و لو حمارا و وجوب قبوله....
و لكن الظاهر ان المراد من قوله: و لم يستحيى بعد الحكم بانه ممن يستطيع الحج
انه لو عرض عليه الحج فاستحيى و لم يحج فهو ممن ترك الحج بعد الاستطاعة و الحكم
فيه انه يستقر عليه الحج و لازمه الاتيان بالحج و لو على حمار اجدع ابتر و عليه
فالذيل ايضا راجع الى هذه الصورة و من المعلوم انه في هذا الفرض إذا كان قادرا
على المشى يجب عليه ان يحج و لو ماشيا كما سيأتى انشاء للّه تعالى في بحث
الاستقرار.
نعم لو قلنا بعدم ظهور الرواية في هذا المعنى فلا اقل من عدم ظهورها في المعنى
الاول الذى عليه يبتنى الاستدلال فلا تصلح الرواية للنهوض في مقابل الروايات
المتقدمة.
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 1
(الصفحة 83)
و مثلها صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) في حديث قال قلت له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك اهو
ممن يستطيع اليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيى و لو يحج على حمار اجدع ابتر فان
كان يستطيع (يطيق) ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج(1)و لعل هذه
الرواية اظهر من الرواية السابقة في المعنى الذى ذكرنا و لكن يبعده بل يدل على
خلافه و ان المراد هو المعنى الاول صحيحة ابى بصير قال سمعت ابا عبد اللّه
(عليه السلام)يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار اجدع مقطوع الذنب فابى فهو
مستطيع للحج(2)و عليه فيتعين المعنى الاول لا محالة و دعوى كون
الالتزام بمدلول هاتين الصحيحتين حرجيا قطعا و هو منفى في الشريعة و لا يلتزم
به احد مدفوعة بعدم كونه حرجيا دائما بل مدلولهما كسائر الاحكام الثابتة قد
يتحقق فيه الحرج و قد لا يتحقق كما هو ظاهر.
و منها رواية ابى بصير قال قلت لابى عبد
اللّه (عليه السلام) قول اللّه ـ عز و جل: و للّه على الناس حج البيت من استطاع
اليه سبيلا قال يخرج و يمشى ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشى قال يمشى و
يركب، قلت لا يقدر على ذلك اعنى المشى قال يخدم القوم و يخرج معهم(3)
و الرواية ـ مضافا الى ضعف سندها بعلى بن ابى حمزة البطائنى الراوى عن ابى بصير
ـ لا يكون مدلولها مفتى به لاحد من الاصحاب لان القائل بعدم اعتبار الراحلة فى
الاستطاعة للبعيد إذا كان قادرا على المشى انما يقول بذلك في خصوص صورة القدرة
على المشى و عدم كونه مشقة عليه و اما لزوم الخدمة و الخروج مع القوم في صورة
عدم القدرة على المشى فلم يقل به احد ظاهرا.
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 5
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 7
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحادى عشر ح ـ 2
(الصفحة 84)
و منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سئلت ابا
عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه ان يحج؟قال: نعم ان حجة الاسلام
واجبة على من اطاق المشى من المسلمين و لقد كان (اكثر) من حج مع النبى (صلى
الله عليه وآله) مشاة و لقد مر رسول اللّه ـ (صلى الله عليه وآله) بكراع الغميم
فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدوا ازركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم(1)
و كراع الغميم و ادبين مكة و المدينة.
و ربما يقال ان المراد من «اطاق» المذكور في الرواية الذى هو من باب الافعال
اعمال اخر مرتبة القدرة و بذل نهاية الطاقة التى ليس فوقها قدرة اصلا كما هو
المراد في قوله تعالى: و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين اى على الذين
يتحملون الصوم بجهد و حرج شديد كالشيخ و الشيخة و من الواضح انه لا يجب الحج في
هذا المورد قطعا و لم يلتزم به احد كما ان الظاهر ان المراد بالطاقة في الرواية
هو القدرة على المشى في داره و بلده في مقابل المريض و المسجى الذى لا يقدر على
المشى اصلا حتى في داره و بلده و ليس المراد به المشى الى الحج و عليه فالصحيحة
في مقام بيان وجوب الحج على كل من كان قادرا على المشى و كان متمكنا منه في
بلده في مقابل المريض الذى لا يتمكن من المشى فالرواية اجنبية عمن يطيق المشى و
يتمكن منه بجهد و مشقة و اما الذين حجوا مع النبى (صلى الله عليه وآله) فيحتمل
ان يكون حجهم حجا استحبابيا لا حجة الاسلام و ذكر الامام (عليه السلام) هذه
القضية ليس للاستشهاد و انما كان نقلها لمناسبة ما.
اقول الظاهر ان كلمة «اطاق» يكون المراد بها
مجرد الطاقة و القدرة فانا نرى في كلمات الفقهاء سيما من كان منهم من اهل
اللسان كصاحب الجواهر و قبله العلامة و الشيخ و غيرهما الاستعمال في ذلك بل
صاحب الجواهر ذكر عقيبه قوله: «من دون مشقة» و ذكر فى المدارك انه اعترف
الاصحاب في حق القريب بعدم اعتبار الراحلة
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحاديعشر ح ـ 1
(الصفحة 85)
له إذا اطاق المشى و من الواضح ان مرادهم مجرد القدرة لا نهايتها و آخر مرتبتها
و عليه فالرواية ظاهرة في وجوب حجة الاسلام إذا كان قادرا على المشى كما ان
الظاهر ان المراد هو المشى الى الحج لا المشى في بلده و داره فانه لا خصوصية له
في الوجوب بل الملاك هو سلامة البدن كما سيأتى و منه يظهر ان نقل من حج مع
النبى (صلى الله عليه وآله) كان بعنوان الاستشهاد لا لمجرد المناسبة و عليه
فالرواية تدل على خلاف المشهور و لا مجال للمناقشة فيها سندا و دلالة اصلا و قد
انقدح مما ذكرنا صلاحية جلّ هذه الطائفة للنهوض فى مقابل ادلة المشهور و عليه
فلا بد من العلاج فنقول يظهر منهم الجمع بين الطائفتين بوجوه:
الاول: ما افاده بعض الاعلام من اظهرية
الروايات الدالة على اعتبار الراحلة التى هى مستند المشهور و الروايات المقابلة
على تقدير تسليم دلالتها غايتها الظهور في عدم الاعتبار فيرفع اليد عن ظهورها
بسبب اظهرية تلك الروايات.
و يرد عليه انه على تقدير تسليم دلالة هذه الطائفة لا مجال لدعوى اظهرية تلك
الطائفة بعد كون النسبة بينهما هى نسبة المطلق و المقيد ضرورة ان مفاد تلك
الطائفة اعتبار الراحلة مطلقا و مفاد هذه الطائفة عدم اعتبارها في خصوص صورة
القدرة على المشى و لا وجه لتوهم كون المطلق اظهر دلالة بالاضافة الى مورد
القيد عن المقيد كما هو ظاهر.
الثانى: ما حكى عن الشيخ (قدس سره) من حمل
هذه الطائفة على الاستحباب و تلك الطائفة على الحج الواجب الذى هو حجة الاسلام.
و يرد عليه عدم امكان حمل هذه الطائفة على الاستحباب اما الرواية الاخيرة
فمضافا الى التعبير بكلمة «على» فيها قد وقع التصريح فيها بحجة الاسلام فكيف
يمكن حملها على الاستحباب و اما الروايتان الاولتان الواردتان في الاستطاعة
البذلية فبلحاظ كونهما ناظرتين الى الاية الشريفة و مفسرتين لها لا تصلحان لهذا
الحمل