(الصفحة 85)
له إذا اطاق المشى و من الواضح ان مرادهم مجرد القدرة لا نهايتها و آخر مرتبتها
و عليه فالرواية ظاهرة في وجوب حجة الاسلام إذا كان قادرا على المشى كما ان
الظاهر ان المراد هو المشى الى الحج لا المشى في بلده و داره فانه لا خصوصية له
في الوجوب بل الملاك هو سلامة البدن كما سيأتى و منه يظهر ان نقل من حج مع
النبى (صلى الله عليه وآله) كان بعنوان الاستشهاد لا لمجرد المناسبة و عليه
فالرواية تدل على خلاف المشهور و لا مجال للمناقشة فيها سندا و دلالة اصلا و قد
انقدح مما ذكرنا صلاحية جلّ هذه الطائفة للنهوض فى مقابل ادلة المشهور و عليه
فلا بد من العلاج فنقول يظهر منهم الجمع بين الطائفتين بوجوه:
الاول: ما افاده بعض الاعلام من اظهرية
الروايات الدالة على اعتبار الراحلة التى هى مستند المشهور و الروايات المقابلة
على تقدير تسليم دلالتها غايتها الظهور في عدم الاعتبار فيرفع اليد عن ظهورها
بسبب اظهرية تلك الروايات.
و يرد عليه انه على تقدير تسليم دلالة هذه الطائفة لا مجال لدعوى اظهرية تلك
الطائفة بعد كون النسبة بينهما هى نسبة المطلق و المقيد ضرورة ان مفاد تلك
الطائفة اعتبار الراحلة مطلقا و مفاد هذه الطائفة عدم اعتبارها في خصوص صورة
القدرة على المشى و لا وجه لتوهم كون المطلق اظهر دلالة بالاضافة الى مورد
القيد عن المقيد كما هو ظاهر.
الثانى: ما حكى عن الشيخ (قدس سره) من حمل
هذه الطائفة على الاستحباب و تلك الطائفة على الحج الواجب الذى هو حجة الاسلام.
و يرد عليه عدم امكان حمل هذه الطائفة على الاستحباب اما الرواية الاخيرة
فمضافا الى التعبير بكلمة «على» فيها قد وقع التصريح فيها بحجة الاسلام فكيف
يمكن حملها على الاستحباب و اما الروايتان الاولتان الواردتان في الاستطاعة
البذلية فبلحاظ كونهما ناظرتين الى الاية الشريفة و مفسرتين لها لا تصلحان لهذا
الحمل
(الصفحة 86)
الاّ ان يقال بعدم دلالة الآية ايضا على خصوص وجوب الحج بل لها دلالة على الحج
الاستحبابى ايضا و هو كما ترى خصوصا مع التعبير بالكفر فيها هذا مضافا الى انه
لو وصلت النوبة الى هذا الحمل لا دليل على حمل روايات المشهور على الوجوب و
الطائفة الاخرى على الاستحباب فمن الممكن ان يقال بعكس ذلك كما لا يخفى.
الثالث: حمل هذه الطائفة على من استقر عليه
الحج و ان كان خلاف ظاهرها على ما عرفت و حمل روايات المشهور على حجة الاسلام.
و فيه انه لا بد في الجمع ان يكون مقبولا عند العرف و العقلاء بحيث لا يرون
لاجله التعارض و المباينة بين الطرفين و من الواضح ان هذا الجمع لا يكون كذلك.
الرابع: حمل روايات المشهور على التقية من
جهة ذهاب كثير من العامة الى اشتراط الراحلة مطلقا.
و فيه ـ مضافا الى ان فتوى المشهور عندنا ايضا ذلك و في مثله لا مجال للحمل على
التقية ـ ان الحمل عليها انما هو في صورة عدم امكان الجمع بوجه و ثبوت المعارضة
التامة و وصول النوبة الى هذا المرجح و قد عرفت في الجواب عن الوجه الاول امكان
الجمع بنحو التقييد للاطلاق.
الخامس: ما افاده السيد في العروة و اختاره
بعض الاعاظم في شرحها من ان مقتضى الجمع هو حمل الطائفة الاولى على صورة الحاجة
الى الراحلة لعدم القدرة على المشى خصوصا مع ملاحظة انها منزلة على الغالب بل
منصرفة عن صورة القدرة على المشى و لاجله ذكر السيد فيها انه لو لا الاجماعات
المنقولة و الشهرة المحققة لكان هذا القول ـ اى القول الثانى ـ في غاية
القوة.هذا و لكن تحقق الشهرة على الخلاف و توقف الاستطاعة على الراحلة مطلقا مع
ان الجمع بين المطلق و المقيد كان امرا متداولا بين الفقهاء و تبعا للعقلاء في
مقام التقنين و جعل القانون خصوصا فيما إذا كان التقييد مستلزما لخروج افراد
قليلة كما في المقام حيث ان القدرة على المشى
(الصفحة 87)
الى الحج قلما تتحقق في الاشخاص يكشف عن اعراض المشهور عن هذه الطائفة مع كونها
بمرئى و مسمع منهم و قد تحقق في محله ان اعراض المشهور عن الرواية و لو كانت في
كمال الصحة و الوثاقة يوجب الوهن فيها و الخروج عن الاعتبار و الحجية فالمقام
ليس من قبيل الترجيح بالشهرة الفتوائية الذى هو اول المرجحات لعدم كون التعارض
متحققا هنا بل من قبيل ما ذكرنا من كون الاعراض موجبا للخروج عن الحجية.
و على ما ذكرنا فلا محيص عن الاخذ بما هو المشهور و يؤيده انه لو كان القادر
على المشى مستطيعا تجب عليه حجة الاسلام لكان اللازم بلوغه الى مرتبة الظهور و
الوضوح و عدم بقائه تحت سترة الخفاء و لكن مع ذلك لا ينبغى ترك الاحتياط
الجهة الثالثة في اعتبار الراحلة في
الاستطاعة بالاضافة الى القريب من المكى و من يقارب مكة مقتضى اطلاق الاكثر
منهم الشيخ في غير المسبوط و المحقق في النافع و العلامة في الارشاد و التبصرة
و التلخيص الاعتبار و قال في محكى كشف اللثام يقوى عندى اعتبارها ايضا للمكى
للمضى الى عرفات و ادنى الحل و العود و المحكى عن مبسوط الشيخ و العلامة في
القواعد و التذكرة و المنتهى و التحرير و بعض آخر انه لا يشترط الراحلة للمكى و
قال المحقق في الشرايع بعد اعتبار الزاد و الراحلة: و هما معتبران فيمن يفتقر
الى قطع المسافة و ذكر في المسالك في شرحه: احترز بالمفتقر الى قطع المسافة عن
اهل مكة و ما قاربها ممن يمكنه السعى من غير راحلة بحيث لا يشق عليه عادة.و في
الجواهر عقيب عبارة الشرايع: بل لا أجد فيه خلافا بل في المدارك نسبته الى
الاصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه.
و كيف كان فالدليل على اعتبار الراحلة مطلقا اطلاق الطائفة الاولى من الروايات
المتقدمة في الجهة الثانية فان تفسير الاستطاعة في الاية بهما يدل على
اعتبارهما كذلك مضافا الى ما عرفت في كلام كشف اللثام من حاجة المكى ايضا اليها
للمضى الى عرفات مثلا
(الصفحة 88)
و لكن ربما يجاب عن المطلقات بانصرافها الى صورة المسافة التى يتهيأ الزاد و
الراحلة لها بحسب العادة فلا يشمل غيرها، و عن.دليل كاشف اللثام بان اعتبارهما
للمضى الى عرفات لا دليل عليه لاختصاص الاية الشريفة بالسفر الى البيت الشريف
فالاستطاعة الشرعية معتبرة في ذلك و لا دليل على اعتبارها في السفر الى عرفات
بل اللازم الرجوع فيه الى القواعد المقتضية للاعتبار مع الحاجة و عدمه مع
عدمها.
و قد اورد على هذا الجواب بانه لا ريب في ان البيت الشريف مقصود في جميع اقسام
للحج و لا يختص بحج التمتع غاية الامر انه قد يقصد متقدما كما في الحج المزبور
و قد يقصد متأخرا كحج القران و الافراد و قد يقصد البيت خاصة كالعمرة المفردة.
اقول كون البيت مقصودا في جميع اقسام الحج امر و الاستطاعة المعتبرة في وجوب
الحج المدلول عليها بالاية الظاهرة بملاحظة رجوع الضمير فيها الى البيت امر آخر
لا ارتباط بينهما.
و الظاهر ان مفاد الاية هو استطاعة السبيل الى البيت و لذا لو كان للمتمتع
راحلة الى البيت فقط و لم يكن له راحلة للمضى الى عرفات و العود هل يمكن الخدشة
في استطاعته و وجوب الحج عليه فاذا لم يكن المضى الى عرفات ملحوظا في استطاعة
النائى لعدم كون سفره الى البيت فكيف يكون ملحوظا في المكى نعم يمكن ان يقال
بان هذا انما يتم في خصوص المكى و اما من قارب مكة فسفره الى البيت و ان كان في
غاية القرب اليه و عليه فينحصر الجواب بمنع شمول الاطلاقات لمثله.
و مما ذكرنا يظهر ان المراد من القريب الخارج عن مكة هو المقدار الذى لا يعد له
الراحلة عادة و يكون المشى الى البيت مقدورا نوعا و لا يكون فيه حد خاص من
القصر عن مسافة القصر و غيره.
بقى الكلام في شىء و هو انه لو شك في اعتبار
الراحلة للمكى و نحوه فهل
(الصفحة 89)
المرجع فيه و في مثله مما يحتمل اعتباره في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة
العرفية اصالة البرائة عن وجوب حجة الاسلام او انه لا بد من الرجوع الى الاية
الواردة في الحج و الحكم بوجوب الحج عليه وجهان بل قولان.
حكى القول الاول صاحب الجواهر (قدس سره) عن بعض مشايخه نظرا الى ان الاستطاعة
التى يتوقف عليها وجوب الحج هى الاستطاعة الشرعية و هى امر محل غير مبين بحدوده
فكل ما يحتمل اعتباره فيها يرجع الشك فيه الى الشك في ثبوت المشروط و هو وجوب
الحج و المرجع في الشك في التكليف هى اصالة البرائة عنه.
و لكن التحقيق يقتضى القول الثانى ضرورة انه ليس للاستطاعة حقيقة شرعية و لم
يحك عن القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات القول بثبوتها في
الاستطاعة بل الظاهر ان المراد بها هى الاستطاعة العرفية كسائر العناوين
المأخوذة في ادلة الاحكام غاية الامر ان الشارع اعتبر فيها زائدا على مقتضاها
بحسب العرف مثل الحكم باعتبار الراحلة بالاضافة الى البعيد و ان كان قادرا على
المشى من غير مشقة بل كان المشى اسهل له من الركوب فان اعتباره يكون زائدا على
المعنى العرفى و لازم ذلك الاقتصار على ما دل عليه الدليل و مع عدم الدليل يرجع
الى الآية التى علق فيها وجوب الحج على الاستطاعة العرفية فكما ان قوله تعالى:
احل اللّه البيع ظاهر في ان البيع الذى امضاه اللّه و حكم بصحته و نفوذه هو
البيع المتعارف بين العقلاء غاية الامر ان الشارع اعتبر بعض الامور فيه مثل عدم
كونه غرريا فمع الشك في اعتبار شىء في الصحة كاعتبار اللفظ ـ مثلا ـ يرجع الى
الاطلاق و يحكم بالصحة كذلك الاية الواردة في الحج فمع الشك في اعتبار شىء في
الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية يرجع فيه الى الآية و يحكم
بالوجوب.
و لا ينافى ما ذكرنا ورود بعض الروايات في تفسير الاية الشريفة و ان المراد
|