(الصفحة 88)
و لكن ربما يجاب عن المطلقات بانصرافها الى صورة المسافة التى يتهيأ الزاد و
الراحلة لها بحسب العادة فلا يشمل غيرها، و عن.دليل كاشف اللثام بان اعتبارهما
للمضى الى عرفات لا دليل عليه لاختصاص الاية الشريفة بالسفر الى البيت الشريف
فالاستطاعة الشرعية معتبرة في ذلك و لا دليل على اعتبارها في السفر الى عرفات
بل اللازم الرجوع فيه الى القواعد المقتضية للاعتبار مع الحاجة و عدمه مع
عدمها.
و قد اورد على هذا الجواب بانه لا ريب في ان البيت الشريف مقصود في جميع اقسام
للحج و لا يختص بحج التمتع غاية الامر انه قد يقصد متقدما كما في الحج المزبور
و قد يقصد متأخرا كحج القران و الافراد و قد يقصد البيت خاصة كالعمرة المفردة.
اقول كون البيت مقصودا في جميع اقسام الحج امر و الاستطاعة المعتبرة في وجوب
الحج المدلول عليها بالاية الظاهرة بملاحظة رجوع الضمير فيها الى البيت امر آخر
لا ارتباط بينهما.
و الظاهر ان مفاد الاية هو استطاعة السبيل الى البيت و لذا لو كان للمتمتع
راحلة الى البيت فقط و لم يكن له راحلة للمضى الى عرفات و العود هل يمكن الخدشة
في استطاعته و وجوب الحج عليه فاذا لم يكن المضى الى عرفات ملحوظا في استطاعة
النائى لعدم كون سفره الى البيت فكيف يكون ملحوظا في المكى نعم يمكن ان يقال
بان هذا انما يتم في خصوص المكى و اما من قارب مكة فسفره الى البيت و ان كان في
غاية القرب اليه و عليه فينحصر الجواب بمنع شمول الاطلاقات لمثله.
و مما ذكرنا يظهر ان المراد من القريب الخارج عن مكة هو المقدار الذى لا يعد له
الراحلة عادة و يكون المشى الى البيت مقدورا نوعا و لا يكون فيه حد خاص من
القصر عن مسافة القصر و غيره.
بقى الكلام في شىء و هو انه لو شك في اعتبار
الراحلة للمكى و نحوه فهل
(الصفحة 89)
المرجع فيه و في مثله مما يحتمل اعتباره في الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة
العرفية اصالة البرائة عن وجوب حجة الاسلام او انه لا بد من الرجوع الى الاية
الواردة في الحج و الحكم بوجوب الحج عليه وجهان بل قولان.
حكى القول الاول صاحب الجواهر (قدس سره) عن بعض مشايخه نظرا الى ان الاستطاعة
التى يتوقف عليها وجوب الحج هى الاستطاعة الشرعية و هى امر محل غير مبين بحدوده
فكل ما يحتمل اعتباره فيها يرجع الشك فيه الى الشك في ثبوت المشروط و هو وجوب
الحج و المرجع في الشك في التكليف هى اصالة البرائة عنه.
و لكن التحقيق يقتضى القول الثانى ضرورة انه ليس للاستطاعة حقيقة شرعية و لم
يحك عن القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات القول بثبوتها في
الاستطاعة بل الظاهر ان المراد بها هى الاستطاعة العرفية كسائر العناوين
المأخوذة في ادلة الاحكام غاية الامر ان الشارع اعتبر فيها زائدا على مقتضاها
بحسب العرف مثل الحكم باعتبار الراحلة بالاضافة الى البعيد و ان كان قادرا على
المشى من غير مشقة بل كان المشى اسهل له من الركوب فان اعتباره يكون زائدا على
المعنى العرفى و لازم ذلك الاقتصار على ما دل عليه الدليل و مع عدم الدليل يرجع
الى الآية التى علق فيها وجوب الحج على الاستطاعة العرفية فكما ان قوله تعالى:
احل اللّه البيع ظاهر في ان البيع الذى امضاه اللّه و حكم بصحته و نفوذه هو
البيع المتعارف بين العقلاء غاية الامر ان الشارع اعتبر بعض الامور فيه مثل عدم
كونه غرريا فمع الشك في اعتبار شىء في الصحة كاعتبار اللفظ ـ مثلا ـ يرجع الى
الاطلاق و يحكم بالصحة كذلك الاية الواردة في الحج فمع الشك في اعتبار شىء في
الاستطاعة شرعا زائدا على الاستطاعة العرفية يرجع فيه الى الآية و يحكم
بالوجوب.
و لا ينافى ما ذكرنا ورود بعض الروايات في تفسير الاية الشريفة و ان المراد
(الصفحة 90)مسئلة 10 ـ لا يشترط وجود الزاد و الراحلة عنده عيبا بل يكفى وجود ما
يمكن صرفه في تحصيلهما من المال نقدا كان او عروضا1.
بالاستطاعة فيها هى الزاد و الراحلة ـ مثلا ـ فان مثل هذا التفسير يرجع الى
تبيين المراد الجدى و هو لا ينافى كون المراد الاستعمالى ما ذكرنا فالجمع بين
ذلك و بين ظهور الآية في الاستطاعة هو الجمع بين الخاص و العام كما قد حقق في
محله من الاصول فراجع.
و مما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) من انه في مورد الشك
لا يمكن التمسك باطلاق ادلة وجوب الحج على المستطيع لكونه تمسكا بالعام في
الشبهة المصداقية لكن الاخبار المفسرة لها ليست مجملة فمهما شككنا في دخالة شىء
زائد في الاستطاعة يكون المرجع اطلاق نفس الاخبار المفسرة لها و لا تصل النوبة
الى الاصل العملى المتأخر عن الاصل اللفظى.
وجه النظر ما عرفت من ان الاخبار المفسرة لا دلالة لها على ان الاستطاعة في
الآية قد استعملت في الاستطاعة الشرعية بل مرجع التفسير الى ما ذكر من بيان
المراد الجدى و تضيق دائرة المراد الجدى لا يستلزم ضيقا في ناحية الاستعمال و
المرجع هو اللفظ بلحاظ الاستعمال و عليه فلو لم تكن الاخبار المفسرة ذات اطلاق
ايضا لكان المرجع هى الاية الشريفة كما عرفت.
1 ـ مقتضى الجمود على ظاهر اعتبار الزاد و الراحلة في وجوب الحج و ان كان هو
وجود عينهما خصوصا بعد ورود بعض النصوص الواردة في هذا المجال في مقام تفسير
الاية الاّ ان الظاهر عدم اعتبار وجودهما عينا بحيث لم يجب تحصيلهما لانه من
تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب و ذلك مضافا الى عدم فهم العرف من ذلك الاّ
التمكن و القدرة عليهما سواء كانت بدون الواسطة او معها للروايات الظاهرة فى
اعتبار المال او وجود ما يحج به مثل: صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام)قال: قال اللّه تعالى و للّه
(الصفحة 91)
على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال هذه لمن كان عنده مال و صحة الى
اخر الحديث.(1) و صحيحته الاخرى قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه
السلام) عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّه تعالى و نحشره يوم
القيامة اعمى الى آخر الحديث.(2) و صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره
به فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام الحديث(3) و صحيحة ابى الصباح
الكنانى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)قال قلت له ارأيت الرجل التاجر ذا المال
حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الاّ التجارة او الدين فقال: لا عذر له
يسوف الحج الى آخر الحديث.(4) و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك
و لا مجال لتوهم كون مقتضى الجمع بينها و بين ما ظاهره اعتبار خصوص الزاد و
الراحلة حمل المال عليهما بل الظاهر بنظر العرف حمل الطائفة الثانية على انه لا
خصوصية لعين الزاد و الراحلة بل المناط التمكن منهما عينا او بواسطة مال آخر
نقدا كان او عروضا كما لا يخفى.
ثم انه تعرض السيد في العروة في ذيل هذه المسئلة لحكم حمل الزاد الشامل للطعام
و الماء و علف الدابة و غيرها من الحوائج فقال: و لا يشترط امكان حمل الزاد معه
بل يكفى امكان تحصيله في المنازل بمقدار الحاجة و مع عدمه فيها يجب حمله مع
الامكان من غير فرق بين علف الدابة و غيره و مع عدمه يسقط الوجوب.و لعل علة ترك
التعرض فى المتن ان العمدة في هذا البحث انما هو الماء و العلف للدابة
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 3
-
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 4
(الصفحة 92)
و من المعلوم انها غير مبتلى بها في هذه الازمنة مع انه يمكن فرض مثله في هذا
الزمان بالاضافة الى المادة المحركة للسيارة فانه لو علم بعدم وجودها في الطريق
هل يجب عليه حملها مع الامكان و عدم المشقة ام لا و كيف كان ففى محكى التذكرة:
و ان كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله و ان لم يجده كذلك لزمه حمله و
اما الماء و علف البهائم فان كان يوجد في المنازل التى ينزلها على حسب العادة
فلا كلام و ان لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده و لا من اقرب البلدان الى مكة
كاطراف الشام و نحوها لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به و لا يتمكن
من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق و الطعام بخلاف ذلك.
و قال في محكى المنتهى: و اما الماء و علف البهائم فان كانت توجد في المنازل
التى ينزلها على حسب العادة لم يجب عليه حملها و الاّ وجب مع المكنة و مع عدمها
يسقط الفرض.
و الظاهر ان كلامه في التذكرة ناظر الى انه لا يكون هناك قدرة نوعا كما يدل
عليه التعبير بقوله: و لا يتمكن فلا ينافى ما في المنتهى من التفصيل بين صورة
المكنة و عدمها.
و كيف كان فمبنى القول بعدم وجوب الحمل انه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب
فلا يجب عليه الحج في هذا الحال.
و مبنى القول الثانى صدق الاستطاعة بامكان الحمل و عدم استلزامه للحرج و العسر
فان من يقدر على حمل ذلك من غير مشقة لا يكون خارجا عن الاستطاعة بوجه بمجرد
عدم وجدانه في الطريق و هذا القول هو الاقوى كما هو ظاهر.