(الصفحة 92)
و من المعلوم انها غير مبتلى بها في هذه الازمنة مع انه يمكن فرض مثله في هذا
الزمان بالاضافة الى المادة المحركة للسيارة فانه لو علم بعدم وجودها في الطريق
هل يجب عليه حملها مع الامكان و عدم المشقة ام لا و كيف كان ففى محكى التذكرة:
و ان كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله و ان لم يجده كذلك لزمه حمله و
اما الماء و علف البهائم فان كان يوجد في المنازل التى ينزلها على حسب العادة
فلا كلام و ان لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده و لا من اقرب البلدان الى مكة
كاطراف الشام و نحوها لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به و لا يتمكن
من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق و الطعام بخلاف ذلك.
و قال في محكى المنتهى: و اما الماء و علف البهائم فان كانت توجد في المنازل
التى ينزلها على حسب العادة لم يجب عليه حملها و الاّ وجب مع المكنة و مع عدمها
يسقط الفرض.
و الظاهر ان كلامه في التذكرة ناظر الى انه لا يكون هناك قدرة نوعا كما يدل
عليه التعبير بقوله: و لا يتمكن فلا ينافى ما في المنتهى من التفصيل بين صورة
المكنة و عدمها.
و كيف كان فمبنى القول بعدم وجوب الحمل انه من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب
فلا يجب عليه الحج في هذا الحال.
و مبنى القول الثانى صدق الاستطاعة بامكان الحمل و عدم استلزامه للحرج و العسر
فان من يقدر على حمل ذلك من غير مشقة لا يكون خارجا عن الاستطاعة بوجه بمجرد
عدم وجدانه في الطريق و هذا القول هو الاقوى كما هو ظاهر.
(الصفحة 93)مسئلة 11 ـ المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج اليه في السفر بحسب
حاله قوة و ضعفا و شرفا و ضعة و لا يكفى ما هو دون ذلك و كل ذلك موكول الى
العرف، و لو تكلف بالحج مع عدم ذلك لا يكفى عن حجة الاسلام، كما انه لو كان
كسوبا قادرا على تحصيلهما في الطريق لا يجب و لا يكفى عنها1.
1 ـ فى هذه المسئلة امران:
احدهما المراد من الزاد و الراحلة ما هو المحتاج اليه في السفر من جهة الطعام و
المأكول و المشروب و ما يتعلق به حتى الاوعية و الوسيلة التى بها يتحقق طى
الطريق سواء كانت دابة كما هو المتداول في تلك الازمنة او سيارة و طيارة كما هو
المتعارف في هذا الزمان او سفينة او غيرها مما يتحقق به ذلك و الظاهر انه لا
يشترط ان يكون مالكا للراحلة و الوسيلة عينا او قيمة بل يكفى ان يكون مالكا
لاجرتها في صورة الاستيجار بحيث صار مالكا للمنفعة كما لعلّه سيأتى.
و يبقى في هذا الامر جهتان:
الاولى انّه هل يكون اختلاف الحال من جهة
القوة و الضعف موجبا لاختلاف الزاد و الراحلة نظرا الى ان اختلاف الحال يوجب
اختلاف الحاجة فالقوى لا يحتاج الى ازيد من السيارة لفرض قوته و عدم كون الحركة
معها موجبة لوقوعه في الشدة و المشقة و الضعيف يحتاج الى الطيارة لعدم اقتضاء
حاله للركوب في السيارة او لا يوجب و الظاهر انه لا خلاف بينهم في الايجاب و قد
استدل عليه بحكومة ادلة نفى العسر و الحرج على الاطلاقات.
و الظاهر انه لا حاجة الى هذا النحو من الاستدلال حتى يرد عليه ما اورد على
الاستدلال بهذه الحكومة في الجهة الثانية بل يمكن ان يستدل عليه بحكم العرف
بالفرق بينهما فانه بعد ما كان المرجع في تشخيص الاستطاعة الواقعة في الاية هو
العرف كما قويناه و كان المرجع في تشخيص معنى الزاد و الراحلة الواقعين تفسيرا
(الصفحة 94)
للاية في الروايات ايضا هو العرف فهو يقضى بالفرق بين الضعيف و القوى في الزاد
و الراحلة كما لا يخفى.
الثانية هل يكون اختلاف الشأن من جهة الشرف
و الضعة موجبا للاختلاف في الزاد و الراحلة ام لا فيه وجهان بل قولان قال في
الجواهر بعد قول المحقق و المراد من الراحلة راحلة مثله: «كما في القواعد و
ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة و الضعف و الشرف و الضعة كما عن التذكرة
التصريح به لكن في كشف اللثام الجزم بها في الاولين دون الاخيرين لعموم الآية و
الاخبار و خصوص قول الصادق (عليه السلام)فى صحيح ابى بصير من عرض عليه الحج و
لو على حمار اجدع مقطوع الذنب فابى فهو مستطيع، و نحوه غيره و لانهم (عليهم
السلام) ركبوا الحمير و الزوامل و اختاره في المدارك كذلك ايضا بل هو ظاهر
الدروس قال: و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب فلا
يكفى علو منصبه فى اعتبار المحمل و الكنيسة فان النبى (صلى الله عليه وآله) و
الائمة (عليهم السلام) حجوا على الزوامل الا ان الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع
النقص في حقه اذ فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى، و حجهم (عليه السلام) لعله
كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك».
و اجاب بعض الاعاظم (قدس سره) عن الاستدلال للاختلاف بالعسر و الحرج بعد
استدلاله لعدم الفرق بين الشرف و الضعة بالروايات الواردة في البذل الدالة على
وجوب الحج و لو على حمار اجدع ابتر نظرا الى انها و ان كانت واردة في مورد
البذل لكن الظاهر انها واردة في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب
الحج و لا يختلف الحال باختلاف منا شىء حصولها بان عمومات نفى العسر و الحرج
مخصصة بهذه الاخبار الخاصة الدالة على ثبوت الحكم حرجيا الذى هو صريح هذه
الروايات.
و يرد عليه اولا ان هذه الاخبار كما مر
البحث فيها في البعيد القادر على
(الصفحة 95)
المشى يكون معرضا عنها عند المشهور و لاجله تكون فاقدة لشرط الاعتبار و الحجية
و ثانيا ان دعوى صراحة هذه الاخبار او كونها
كالصريحة في ثبوت الحكم الحرجى ممنوعة جدا فان هذه الاخبار تكون مطلقة قد يتحقق
في موردها الحرج و قد لا يتحقق و عليه فمقتضى حكومة دليل نفى الحرج تخصيصها
بصورة عدم تحققه لا العكس.
و ثالثا ان الظاهر من لحن دليل الحرج كقوله
تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ابائه عن التخصيص و عدم ملائمته معه اصلا و
ثبوت حجة الاسلام و لو بنحو التسكع على من استقر عليه الحج بالاستطاعة المناسبة
و عدم الاتيان بالحج لا يكون من باب التخصيص لدليل نفى الحرج بل هو حكم تعذيبى
مسوق لافادة العقوبة و من الواضح خروج الاحكام التعذيبية عن دائرة ادلة نفى
الحرج و الا يلزم ان تكون الحدود و التعزيرات بل القصاص و اكثر الديات كلها
مخصصة لادلة نفى الحرج كما لا يخفى فالانصاف عدم تمامية ما افاده هذا البعض.
نعم في الاستدلال لثبوت الفرق بدليل نفى العسر و الحرج كما في كلام صاحب
الجواهر و تبعه السيد في العروة اشكال و هو ما ذكره في المستمسك من ان حكومة
قاعدة نفى العسر و الحرج انما تقتضى نفى الوجوب و لا تقتضى نفى المشروعية و
لازمه في المقام انه إذا اقدم المكلف على ما فيه العسر و الحرج يكون مقتضى
الجمع بين دليل نفى الحرج و الاطلاقات الدالة على الوجوب هو الصحة و الاجزاء عن
حج الاسلام فعدم الاجزاء عن حج الاسلام ـ حينئذ ـ يحتاج الى دليل آخر.
و الجواب عن هذا الاشكال ان الحج كما عرفت
ليس له حقيقة واحدة بل له حقايق متعددة و ان كانت الصورة واحدة كصلوتى الظهر و
العصر فانهما و ان كانتا متحدتين من حيث الصورة لكنهما مختلفتين بالحقيقة و لذا
لا تقع واحدة منهما مقام اخرى و على هذا المبنى في باب الحج إذا كان مقتضى
الجمع بين الاطلاقات و دليل
(الصفحة 96)
نفى الحرج رفع اللزوم و الوجوب يكفى ذلك في عدم تحقق حجة الاسلام التى يكون
قوامها بكونها واجبة و فريضة في اصل الشرع بل ليس الواجب في الشرع الا هو لان
الحج الواجب بالنذر لا يكون متعلقا للوجوب بل الوجوب انما تعلق بعنوان الوفاء
بالنذر غاية الامر عدم تحقق الوفاء في الخارج الا بالحج و لكن ذلك لا يوجب
سراية الحكم المتعلق بالوفاء الى الحج لانه لا يعقل ان يسرى الحكم من متعلقه
الى غيره كما ان الحج الواجب بسبب الاستيجار عليه لا يكون متعلقا للوجوب بل
المتعلق له هو الوفاء بعقد الاجارة و هو لا يتحقق في الخارج الا بالحج.
و بالجملة فليس متعلق الوجوب في باب الحج الا حجة الاسلام التى بنى عليها
الاسلام فاذا فرض ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج لا تبقى حقيقة حجة
الاسلام التى قوامها بالوجوب و بكونه فريضة و عليه فيظهر عدم اجزائه عن حجة
الاسلام لمغايرة مهية المأتى به مع مهية حجة الاسلام الا ان يقوم دليل خاص على
اجزائه و المفروض عدم ثبوت هذا الدليل.
ثم ان صاحب المستمسك بعد الاشكال المتقدم استدل على الاجزاء بعد ارتفاع الوجوب
بدليل نفى العسر و الحرج بما دل على ان الاستطاعة السعة في المال او اليسار في
المال نظرا الى انه لا يصدق مع العسر قال: ففى رواية ابى الربيع الشامى «فقيل
له ـ اى لابى عبد اللّه (عليه السلام) فما السبيل؟ قال السعة في المال»(1)
و في رواية عبد الرحيم القصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) الواردة في تفسير
آية الحج قال (عليه السلام) «ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين
فهم ممن يستطيع؟ قال (عليه السلام) نعم».(2) و موثق ابى بصير قال
سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام)يقول من مات و هو
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 3