(الصفحة 94)
للاية في الروايات ايضا هو العرف فهو يقضى بالفرق بين الضعيف و القوى في الزاد
و الراحلة كما لا يخفى.
الثانية هل يكون اختلاف الشأن من جهة الشرف
و الضعة موجبا للاختلاف في الزاد و الراحلة ام لا فيه وجهان بل قولان قال في
الجواهر بعد قول المحقق و المراد من الراحلة راحلة مثله: «كما في القواعد و
ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة و الضعف و الشرف و الضعة كما عن التذكرة
التصريح به لكن في كشف اللثام الجزم بها في الاولين دون الاخيرين لعموم الآية و
الاخبار و خصوص قول الصادق (عليه السلام)فى صحيح ابى بصير من عرض عليه الحج و
لو على حمار اجدع مقطوع الذنب فابى فهو مستطيع، و نحوه غيره و لانهم (عليهم
السلام) ركبوا الحمير و الزوامل و اختاره في المدارك كذلك ايضا بل هو ظاهر
الدروس قال: و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب فلا
يكفى علو منصبه فى اعتبار المحمل و الكنيسة فان النبى (صلى الله عليه وآله) و
الائمة (عليهم السلام) حجوا على الزوامل الا ان الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع
النقص في حقه اذ فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى، و حجهم (عليه السلام) لعله
كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك».
و اجاب بعض الاعاظم (قدس سره) عن الاستدلال للاختلاف بالعسر و الحرج بعد
استدلاله لعدم الفرق بين الشرف و الضعة بالروايات الواردة في البذل الدالة على
وجوب الحج و لو على حمار اجدع ابتر نظرا الى انها و ان كانت واردة في مورد
البذل لكن الظاهر انها واردة في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب
الحج و لا يختلف الحال باختلاف منا شىء حصولها بان عمومات نفى العسر و الحرج
مخصصة بهذه الاخبار الخاصة الدالة على ثبوت الحكم حرجيا الذى هو صريح هذه
الروايات.
و يرد عليه اولا ان هذه الاخبار كما مر
البحث فيها في البعيد القادر على
(الصفحة 95)
المشى يكون معرضا عنها عند المشهور و لاجله تكون فاقدة لشرط الاعتبار و الحجية
و ثانيا ان دعوى صراحة هذه الاخبار او كونها
كالصريحة في ثبوت الحكم الحرجى ممنوعة جدا فان هذه الاخبار تكون مطلقة قد يتحقق
في موردها الحرج و قد لا يتحقق و عليه فمقتضى حكومة دليل نفى الحرج تخصيصها
بصورة عدم تحققه لا العكس.
و ثالثا ان الظاهر من لحن دليل الحرج كقوله
تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ابائه عن التخصيص و عدم ملائمته معه اصلا و
ثبوت حجة الاسلام و لو بنحو التسكع على من استقر عليه الحج بالاستطاعة المناسبة
و عدم الاتيان بالحج لا يكون من باب التخصيص لدليل نفى الحرج بل هو حكم تعذيبى
مسوق لافادة العقوبة و من الواضح خروج الاحكام التعذيبية عن دائرة ادلة نفى
الحرج و الا يلزم ان تكون الحدود و التعزيرات بل القصاص و اكثر الديات كلها
مخصصة لادلة نفى الحرج كما لا يخفى فالانصاف عدم تمامية ما افاده هذا البعض.
نعم في الاستدلال لثبوت الفرق بدليل نفى العسر و الحرج كما في كلام صاحب
الجواهر و تبعه السيد في العروة اشكال و هو ما ذكره في المستمسك من ان حكومة
قاعدة نفى العسر و الحرج انما تقتضى نفى الوجوب و لا تقتضى نفى المشروعية و
لازمه في المقام انه إذا اقدم المكلف على ما فيه العسر و الحرج يكون مقتضى
الجمع بين دليل نفى الحرج و الاطلاقات الدالة على الوجوب هو الصحة و الاجزاء عن
حج الاسلام فعدم الاجزاء عن حج الاسلام ـ حينئذ ـ يحتاج الى دليل آخر.
و الجواب عن هذا الاشكال ان الحج كما عرفت
ليس له حقيقة واحدة بل له حقايق متعددة و ان كانت الصورة واحدة كصلوتى الظهر و
العصر فانهما و ان كانتا متحدتين من حيث الصورة لكنهما مختلفتين بالحقيقة و لذا
لا تقع واحدة منهما مقام اخرى و على هذا المبنى في باب الحج إذا كان مقتضى
الجمع بين الاطلاقات و دليل
(الصفحة 96)
نفى الحرج رفع اللزوم و الوجوب يكفى ذلك في عدم تحقق حجة الاسلام التى يكون
قوامها بكونها واجبة و فريضة في اصل الشرع بل ليس الواجب في الشرع الا هو لان
الحج الواجب بالنذر لا يكون متعلقا للوجوب بل الوجوب انما تعلق بعنوان الوفاء
بالنذر غاية الامر عدم تحقق الوفاء في الخارج الا بالحج و لكن ذلك لا يوجب
سراية الحكم المتعلق بالوفاء الى الحج لانه لا يعقل ان يسرى الحكم من متعلقه
الى غيره كما ان الحج الواجب بسبب الاستيجار عليه لا يكون متعلقا للوجوب بل
المتعلق له هو الوفاء بعقد الاجارة و هو لا يتحقق في الخارج الا بالحج.
و بالجملة فليس متعلق الوجوب في باب الحج الا حجة الاسلام التى بنى عليها
الاسلام فاذا فرض ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج لا تبقى حقيقة حجة
الاسلام التى قوامها بالوجوب و بكونه فريضة و عليه فيظهر عدم اجزائه عن حجة
الاسلام لمغايرة مهية المأتى به مع مهية حجة الاسلام الا ان يقوم دليل خاص على
اجزائه و المفروض عدم ثبوت هذا الدليل.
ثم ان صاحب المستمسك بعد الاشكال المتقدم استدل على الاجزاء بعد ارتفاع الوجوب
بدليل نفى العسر و الحرج بما دل على ان الاستطاعة السعة في المال او اليسار في
المال نظرا الى انه لا يصدق مع العسر قال: ففى رواية ابى الربيع الشامى «فقيل
له ـ اى لابى عبد اللّه (عليه السلام) فما السبيل؟ قال السعة في المال»(1)
و في رواية عبد الرحيم القصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) الواردة في تفسير
آية الحج قال (عليه السلام) «ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين
فهم ممن يستطيع؟ قال (عليه السلام) نعم».(2) و موثق ابى بصير قال
سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام)يقول من مات و هو
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 3
(الصفحة 97)
صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّه عز و جل و نحشره يوم القيامة اعمى...»(1)
و نحوها غيرها.
اقول اما رواية ابى الربيع فالظاهر بقرينة
قوله (عليه السلام) بعده: «إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله» ان المراد
من السعة هو وجدان ما يبقى بعضه لقوت عياله و لا يبعد بقرينة هذه الرواية ان
يكون المراد بالقوة في المال و اليسار و كونه موسرا في سائر الروايات ايضا هو
ذلك و عليه فلا ارتباط لهذه الروايات بما هو بصدده من عدم صدقه مع العسر.
ثم على تقدير كون المراد بالسعة في المال هو نفس عنوانها و باليسار كذلك
فارتباطه بمسئلة العسر و الحرج الراجع الى نفس العمل غير واضح فان العسر في
قاعدة الحرج يكون مرتبطا بالعمل و راجعا اليه و اليسار في الروايات راجع الى
المال و الشخص فهنا الشخص موسر و معسر و هناك العمل و متعلق التكليف بلحاظه
كذلك و لم يظهر ارتباط بين الامرين.
ثم على تقدير كون المراد باليسار في المال ما ذكره فمقتضى الروايات اعتباره في
الاستطاعة مطلقا من غير فرق بين الشريف و الوضيع و دعوى كون معنى اليسار مختلفا
بالنسبة اليهما بحيث كان معنى اليسار في حق الشريف غير معناه في حق الوضيع
واضحة المنع.
الامر الثانى ما إذا لم يكن عنده الزاد و
لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لاكله و شربه و سائر حوائجه فهل
يجب عليه الحج في هذه الصورة ام لا؟فيه وجهان بل قولان و ليعلم ان محل الاختلاف
ما إذا لم يكن له بالفعل زاد اصلا و اما ما هو المتداول في هذه الازمنة من
استخدام بعض الاشخاص للخدمة في سفر الحج لاجل الطبخ او سائر الخدمات او استخدام
بعض الروحانيين للنظارة
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 7
(الصفحة 98)
على امر الحجاج من جهة مناسكهم و تجعل الاجرة زادا و راحلة او مع اضافة فلا
اشكال في تحقق الاستطاعة من حيث الزاد و الراحلة بالاضافة اليهما لوقوع
الاستيجار قبل الشروع في سفر الحج و من المعلوم انه عند تمامية عقد الاجارة
يملك المستأجر العمل على الاجير و الاجير الاجرة على المستأجر فالملكية ثابتة
قبل الشروع في السفر نعم ربما يتحقق الاشكال في بعض الموارد كاكثر الروحانيين
بناء على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة ـ الذى سيأتى البحث فيه انشاء
اللّه تعالى ـ و اما الاستطاعة من جهة الزاد و الراحلة فلا اشكال فيها اصلا
فالكلام في المقام انما هو في غير هذه الصورة و هو ما إذا لم يكن بالفعل مالكا
للزاد اصلا بل الثابت بالفعل هى القدرة على تحصيله في الطريق و المحكى عن مستند
النراقى الوجوب فيه حيث قال: «و لو لم يجد الزاد و لكن كان كسوبا يتمكن من
الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه و ظن امكانه بجريان العادة عليه من
غير مشقة وجب الحج لصدق الاستطاعة» و قال العلامة في التذكرة في هذه المسئلة:
«فان كان السفر طويلا لم يلزمه الحج لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقة
العظيمة و لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدى الى هلاك نفسه و ان كان السفر
قصيرا فان كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج
لانه قد ينقطع عن كسبه في ايام الحج فيتضرر، و ان كان كسبه في كل يوم يكفيه
لايامه لم يلزمه الحج ايضا للمشقة و لانه غير واجد لشرط الحج و هو احد وجهى
الشافعية و الثانى الوجوب و به قال مالك مطلقا» و مقتضى دليله الاخير و هو عدم
كونه واجدا لشرط الحج عدم الوجوب مطلقا سواء كان في السفر الطويل او في السفر
القصير.
و كيف كان فالظاهر ما في المتن لظهور الاستطاعة ـ المأخوذة شرطا لوجوب الحج ـ
فى الاستطاعة الفعلية كسائر العناوين المأخوذة في الادلة و من الواضح عدم
تحققها في مثل المقام.