(الصفحة 96)
نفى الحرج رفع اللزوم و الوجوب يكفى ذلك في عدم تحقق حجة الاسلام التى يكون
قوامها بكونها واجبة و فريضة في اصل الشرع بل ليس الواجب في الشرع الا هو لان
الحج الواجب بالنذر لا يكون متعلقا للوجوب بل الوجوب انما تعلق بعنوان الوفاء
بالنذر غاية الامر عدم تحقق الوفاء في الخارج الا بالحج و لكن ذلك لا يوجب
سراية الحكم المتعلق بالوفاء الى الحج لانه لا يعقل ان يسرى الحكم من متعلقه
الى غيره كما ان الحج الواجب بسبب الاستيجار عليه لا يكون متعلقا للوجوب بل
المتعلق له هو الوفاء بعقد الاجارة و هو لا يتحقق في الخارج الا بالحج.
و بالجملة فليس متعلق الوجوب في باب الحج الا حجة الاسلام التى بنى عليها
الاسلام فاذا فرض ارتفاع الوجوب بدليل نفى العسر و الحرج لا تبقى حقيقة حجة
الاسلام التى قوامها بالوجوب و بكونه فريضة و عليه فيظهر عدم اجزائه عن حجة
الاسلام لمغايرة مهية المأتى به مع مهية حجة الاسلام الا ان يقوم دليل خاص على
اجزائه و المفروض عدم ثبوت هذا الدليل.
ثم ان صاحب المستمسك بعد الاشكال المتقدم استدل على الاجزاء بعد ارتفاع الوجوب
بدليل نفى العسر و الحرج بما دل على ان الاستطاعة السعة في المال او اليسار في
المال نظرا الى انه لا يصدق مع العسر قال: ففى رواية ابى الربيع الشامى «فقيل
له ـ اى لابى عبد اللّه (عليه السلام) فما السبيل؟ قال السعة في المال»(1)
و في رواية عبد الرحيم القصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) الواردة في تفسير
آية الحج قال (عليه السلام) «ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين
فهم ممن يستطيع؟ قال (عليه السلام) نعم».(2) و موثق ابى بصير قال
سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام)يقول من مات و هو
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 3
(الصفحة 97)
صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّه عز و جل و نحشره يوم القيامة اعمى...»(1)
و نحوها غيرها.
اقول اما رواية ابى الربيع فالظاهر بقرينة
قوله (عليه السلام) بعده: «إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله» ان المراد
من السعة هو وجدان ما يبقى بعضه لقوت عياله و لا يبعد بقرينة هذه الرواية ان
يكون المراد بالقوة في المال و اليسار و كونه موسرا في سائر الروايات ايضا هو
ذلك و عليه فلا ارتباط لهذه الروايات بما هو بصدده من عدم صدقه مع العسر.
ثم على تقدير كون المراد بالسعة في المال هو نفس عنوانها و باليسار كذلك
فارتباطه بمسئلة العسر و الحرج الراجع الى نفس العمل غير واضح فان العسر في
قاعدة الحرج يكون مرتبطا بالعمل و راجعا اليه و اليسار في الروايات راجع الى
المال و الشخص فهنا الشخص موسر و معسر و هناك العمل و متعلق التكليف بلحاظه
كذلك و لم يظهر ارتباط بين الامرين.
ثم على تقدير كون المراد باليسار في المال ما ذكره فمقتضى الروايات اعتباره في
الاستطاعة مطلقا من غير فرق بين الشريف و الوضيع و دعوى كون معنى اليسار مختلفا
بالنسبة اليهما بحيث كان معنى اليسار في حق الشريف غير معناه في حق الوضيع
واضحة المنع.
الامر الثانى ما إذا لم يكن عنده الزاد و
لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لاكله و شربه و سائر حوائجه فهل
يجب عليه الحج في هذه الصورة ام لا؟فيه وجهان بل قولان و ليعلم ان محل الاختلاف
ما إذا لم يكن له بالفعل زاد اصلا و اما ما هو المتداول في هذه الازمنة من
استخدام بعض الاشخاص للخدمة في سفر الحج لاجل الطبخ او سائر الخدمات او استخدام
بعض الروحانيين للنظارة
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 7
(الصفحة 98)
على امر الحجاج من جهة مناسكهم و تجعل الاجرة زادا و راحلة او مع اضافة فلا
اشكال في تحقق الاستطاعة من حيث الزاد و الراحلة بالاضافة اليهما لوقوع
الاستيجار قبل الشروع في سفر الحج و من المعلوم انه عند تمامية عقد الاجارة
يملك المستأجر العمل على الاجير و الاجير الاجرة على المستأجر فالملكية ثابتة
قبل الشروع في السفر نعم ربما يتحقق الاشكال في بعض الموارد كاكثر الروحانيين
بناء على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة ـ الذى سيأتى البحث فيه انشاء
اللّه تعالى ـ و اما الاستطاعة من جهة الزاد و الراحلة فلا اشكال فيها اصلا
فالكلام في المقام انما هو في غير هذه الصورة و هو ما إذا لم يكن بالفعل مالكا
للزاد اصلا بل الثابت بالفعل هى القدرة على تحصيله في الطريق و المحكى عن مستند
النراقى الوجوب فيه حيث قال: «و لو لم يجد الزاد و لكن كان كسوبا يتمكن من
الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه و ظن امكانه بجريان العادة عليه من
غير مشقة وجب الحج لصدق الاستطاعة» و قال العلامة في التذكرة في هذه المسئلة:
«فان كان السفر طويلا لم يلزمه الحج لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقة
العظيمة و لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدى الى هلاك نفسه و ان كان السفر
قصيرا فان كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج
لانه قد ينقطع عن كسبه في ايام الحج فيتضرر، و ان كان كسبه في كل يوم يكفيه
لايامه لم يلزمه الحج ايضا للمشقة و لانه غير واجد لشرط الحج و هو احد وجهى
الشافعية و الثانى الوجوب و به قال مالك مطلقا» و مقتضى دليله الاخير و هو عدم
كونه واجدا لشرط الحج عدم الوجوب مطلقا سواء كان في السفر الطويل او في السفر
القصير.
و كيف كان فالظاهر ما في المتن لظهور الاستطاعة ـ المأخوذة شرطا لوجوب الحج ـ
فى الاستطاعة الفعلية كسائر العناوين المأخوذة في الادلة و من الواضح عدم
تحققها في مثل المقام.
(الصفحة 99)مسئلة 12 ـ لا تعتبر الاستطاعة من بلده و وطنه فلو استطاع العراقى او
الايرانى و هو في الشام او الحجاز وجب و ان لم يستطع من وطئه، بل لو مشى الى
قبل الميقات متسكعا او لحاجة و كان هناك جامعا لشرائط الحج وجب و يكفى عن حجة
الاسلام، بل لو احرم متسكعا فاستطاع و كان امامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه و
ان لا يخلو من اشكال1.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع ثلاثة:
الاول ما لو استطاع الشخص في غير بلده و
وطنه و لم يكن مستطيعا من وطنه و محل الكلام ما إذا لم تكن اقامته في البلد
الثانى بنحو الدوام و قصد التوطن و ما إذا لم تكن اقامته فيه موجبا لانتقال
الفرض كالمجاور بمكة بعد السنين بل كانت اقامته فيه موقتة قصيرة ففى هذه الصورة
إذا استطاع من البلد الثانى كما إذا استطاع الايرانى و هو في الشام الواقع في
وسط الطريق تقريبا، كما ان محل البحث ما إذا كان واجدا للزاد و الراحلة بعد
العود الى وطنه لا الى محل الاستطاعة ففى هذه الصورة وقع البحث في انه مستطيع
يجب عليه الحج ام لا؟فالمحكى عن المدارك و المستند و الذخيرة و بعض المتأخرين
القول بوجوب الحج و عن الشهيد الثانى العدم و عمدة ما يدل على الاول تحقق
الاستطاعة الفعلية بالاضافة اليه و لا دليل على اعتبار حصولها من البلد بعد عدم
وقوع التقييد به لا في الاية و لا في غيرها من الادلة فالملاك هى فعلية
الاستطاعة و هى متحققة على ما هو المفروض كما ان المفروض وجدانه للزاد و
الراحلة بالاضافة الى العود حتى الى وطنه نعم ربما يستدل على الوجوب ـ مضافا
الى ما ذكر ـ بصحيحة معاوية بن عمار قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام)
الرجل يمرّ مجتازا يريد اليمن او غيرها من البلدان و طريقة بمكة فيدرك الناس و
هم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد ايجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال:
نعم(1)
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 100)
و قد استشكل في الاستدلال بها ـ تارة ـ بان الظاهر منها كون جهة السؤال عدم قصد
الحج من البلد لا عدم تحقق الاستطاعة منه ـ و اخرى ـ بان الاجزاء اعم من كونه
حجة الاسلام و الجواب عن الثانى واضح فانك عرفت ان الحج له حقائق متعددة و مهية
حجة الاسلام مغايرة مع مهية غيرها من الحج الاستحبابى و النيابى و غيرهما
فالحكم بالاجزاء لا محالة ينطبق على حجة الاسلام و اجيب عن الاول بصلاحية
الجواب للاستدلال بها من جهة ترك الاستفصال بين ما إذا كان مستطيعا من البلد و
بين ما إذا لم يكن كذلك و لكن الظاهر انه لا مجال لهذا الجواب فانه بعد ما فرض
كون حيثية السؤال امرا لا يرتبط بمسئلة الاستطاعة لا مجال ـ حينئذ ـ للاستدلال
بترك الاستفصال في الجواب كما لا يخفى فالانصاف تمامية الاشكال الاول لكن عرفت
انه لا حاجة الى الاستدلال بالرواية اصلا فالحكم في هذا الفرع هو وجوب الحج كما
افيد في المتن.
الثانى ما لو مشى الى ما قبل الميقات متسكعا
او لحاجة ثم حصل له الاستطاعة هناك و الظاهر وجوب الحج عليه لما عرفت من عدم
اعتبار الاستطاعة من البلد الاّ لمن اراد الحج منه بان كان مقيما فيه.
ثم انه يظهر من ذلك انه لو علم بحصول الاستطاعة عند الميقات و هو في البلد لا
يجب عليه السفر الى الميقات لعدم لزوم تحصيل الاستطاعة بوجه كما إذا علم الشخص
بانه لو اتجر تجارة فلانية يصير مستطيعا فانه لا يجب عليه الاتجار المذكور لهذا
الوجه و هذا بخلاف الفرع الذى ذكرنا في ذيل بعض المسائل السابقة و هو ما لو علم
الصغير المستطيع بحصول البلوغ له قبل الميقات فانه يلزم عليه عقلا السفر الى
الميقات لوجود الاستطاعة الفعلية و حصول البلوغ قبل الشروع في الاعمال و الفرق
الزام العقل هناك و المفروض وجود الاستطاعة و لا مجال للالزام هنا بعد كونه
متسكعا كما لا يخفى.