(الصفحة 450)مسألة 19 : لو توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره كان القول قول الزوج بيمينه إلاّ إذا أثبتت الزوجة بالموازين الشرعيّة ، وكذا إذا ادّعت كون عين من الأعيان كدار أو بُستان مهراً لها وأنكر الزوج ، فإنّ القول قوله بيمينه ، وعليها البيّنة1.
والغُسل والعدّة لا يبقى مجال لأصالة البرائة ، والأمر يكون دائراً بين أمرين على سبيل منع الخلوّ; لأنّه إن كان لم يسمّ مهراً فقد استقرّ عليه مهر المثل ، وإن كان قد سمّى استقرّ عليه المسمّى ، والأصل عدم الدفع إليها ، فاللاّزم أمّا التكليف بالتعيين بعد ادّعائها المهر وأمّا الإلزام بعدم سماع الدّعوى عنها قبل التفسير والتعيين ، فإن فسّرت بما لا يزيد عن مهر المثل كما هو المفروض فالقول قولها ، ولا يسمع منه إنكار أصل المهر ، ولو ادّعى سقوطه إمّا بالإبراء أو الأداء لا يُسمع منه مع عدم إقامة البيّنة ، بل له عليها اليمين .
الصورة الثانية : ما إذا كان ما تدّعيه المرأة من المهر زائداً على مهر المثل ، وفي هذه الصورة تكون المرأة مدّعية عليها الإثبات ، وإلاّ فلها عليه اليمين; لعدم دلالة شيء من رواية أو اصل أو ظاهر على وفق قول المرأة بل الأصل عدمه ، وحيث إنّ المدّعى به مجموع المهر فلا يكاد يكون هناك تبعيض بالإضافة إلى المقدار المساوي لمهر المثل والزائد عليه ، كما لا يخفى .
وفي هذه الصورة لا يكون فرق بين قبل الدخول وعدمه . نعم يستقرّ بالدخول مهر المثل بالمعنى المذكور في باب التفويض لإقرار الزوج به .1 ـ كما هو المشهور بين الأصحاب(1) بل هو كالمجمع عليه ، بل ربما حكاه
- (1) الخلاف : 4/383 ـ 384 ، الروضة البهيّة : 5/375 ـ 376 ، مسالك الأفهام : 8/298 ، الحدائق الناضرة : 24/580 ـ 581 .
(الصفحة 451)مسألة 20 : لو اختلفا في التعجيل والتأجيل فقالت : إنّه معجّل وقال : بل مؤجّل ، ولم يكن بيّنة كان القول قولها بيمينها ، وكذا لو اختلفا في زيادة الأجل
عليه بعضهم ، كما في الجواهر(1) في الصورة الأولى وهي الاختلاف في المقدار .
ويدلّ عليه مضافاً إلى أصالة البراءة عن الزائد صحيحة أبي عُبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل تزوّج إمرأة فلم يدخل بها فادّعت أنّ صداقها مائة دينار ، وذكر الزوج أنّ صِداقها خمسون ديناراً ، وليس لها بيّنة على ذلك ، قال : القول قول الزوج مع يمينه(2) .
ثمّ إنّه قال المحقّق في الشرائع : ولو اختلفا في قدره أو وصفه فالقول قوله أيضاً(3)وقد فسّره في المسالك بدعوى المرأة استحقاقها عليه من جهة المهر مائة دينار ، سواء كان ذلك جميعه أو بعضه ، ثمّ حكى عن مشهور الأصحاب تقديم قول الزوج ، وذكر الصحيحة المزبورة إلى أن قال : ولا فرق بين كون مدّعاه ممّا يبذل مهراً عادة لأمثالها وعدمه عندنا لعموم الأدلّة ، ثمّ قال : ومقتضى إطلاق الأصحاب والرواية أنّه لا يستفسر هنا بكون ذلك تسمية أم من مهر المثل . وللبحث في ذلك مجال(4) إلى آخر كلامه الطويل .
وأنت خبير بفساد التفسير المذكور ، بل ظاهر العبارة كون مدّعاها تمام المهر ومدّعاه أيضاً ذلك ، والحكم فيه ما ذكرنا ، فتدبّر جيّداً .
- (1) جواهر الكلام : 31/136 .
- (2) التهذيب : 7/364 ح 1476 و ص 376 ح1522 ، الكافي : 5/386 ح 3 ، الوسائل : 21/274 ، أبواب المهور ب18 ح1 .
- (3) شرائع الإسلام: 2/333.
- (4) مسالك الأفهام : 8/298 ـ 299 .
(الصفحة 452)كما إذا ادّعت أنّه سنة وقال : إنّه سنتان1.مسألة 21 : لو توافقا على المهر وادّعى تسليمه ولا بيّنة فالقول قولها بيمينها2مسألة 22 : لو دفع إليها قدر مهرها ثمّ اختلفا بعد ذلك فقالت : دفعته هبة ،
1 ـ ربّما يُقال في هذه المسألة ـ المتعرّضة لفرضين : أحدهما الاختلاف في التعجيل والتأجيل ، والثاني الاختلاف في زيادة الأجل ونقصه ـ بعد الاتّفاق على المهر وأصل الأجل : بمعارضة أصالة عدم التأجيل أو زيادة الأجل بأصالة عدم الزيادة في المهر ، نظراً إلى أنّ أصل التأجيل أو زيادة الأجل نقص في المهر والأصل عدم الزيادة ، مع أنّه من الواضح عدم المعارضة لأنّ أحدهما سببي ، والآخر مسبّبي فإنّ الشكّ في زيادة المهر ونقصانه مسبّب عن الشكّ في التأجيل أو زيادة الأجل ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الأصل الجاري في السبب مقدّم على الأصل الجاري في المسبّب ، كاستصحاب عدم نجاسة اليد الملموسة مع النجس الذي يشكّ في بقاء رطوبته حال الملاقات ، فإنّ مع أصالة بقاء الرطوبة لا يبقى مجالا لاستصحاب عدم النجاسة بوجه ، اللّهم إلاّ أن يُقال : أنّ ذلك إنّما هو في الموارد الّتي كانت السببيّة والمسببيّة شرعية كالمثال المذكور ، وأمّا في غير تلك الموارد كالمقام فلا وجه للتقدّم ، والتحقيق في محلّه .2 ـ والوجه فيه أنّه مع التوافق على أصل المهر وذكره في العقد إذا وقع الاختلاف بينهما في التسليم وعدمه ، ولم يكن هناك بيّنة يكون القول قولها بعدم التسليم; لموافقته للأصل ، فتكون منكرة وعليها اليمين مع عدم ثبوت البيّنة للمدّعي وهو الزوج .
(الصفحة 453)وقال : بل دفعته صداقاً فلا يبعد التداعي ، وتحتاج المسألة إلى زيادة تأمّل1.
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : لو دفع قدر مهرها ، فقالت : دفعته هبةً ، فقال : بل صِداقاً ، فالقول قوله لأنّه أبصر بنيّته(1) .
أقول : الثمرة بين الأمرين ـ بعد اشتراكهما في كون المرأة مالكة للمقبوض بالهبة أو بالصّداق ـ تظهر في بقاء المقبوض وعدم تلفه ، فإنّه بناء على الصداق لا يجوز له الرجوع به ، بخلاف الهبة فإنّه يجوز للزوج الرجوع فيها ما دامت كونها باقية ، إلاّ في موارد لا يكون المقام منها كالهبة بذي رحم ، وظاهر عبارة المحقّق المذكورة تقديم قول الزوج نظراً إلى أنّه أبصر بنيّته ، والنيّة معتبرة بالإضافة إلى الدافع دون القابض ، بل في محكيّ المسالك(2) أنّه كذلك بغير يمين; لأنّه لو اعترف لها بما تدّعيه لم تتحقّق الهبة إلاّ بإنضمام لفظ يدلّ عليها ، فلا يفتقر إلى يمين .
ويرد عليه أنّه يمكن أن يُقال بكفاية الإعطاء الفعلي المقترن بالنيّة نظير المعاطاة في باب البيع ، وعليه يتوجّه لها اليمين عليه . نعم لو توافقا على صدور لفظ من الزوج ظاهر في نفسه في الهبة ، كقوله مخاطباً لها : وهبتك إيّاه ، فادّعى الزوج أنّه أراد خلاف الظّاهر وأنّ المراد هو دفع المهر والصّداق ، وادّعت أنّ المراد كان ما يقتضيه ظاهر اللفظ وهي الهبة ، لا يبعد تقديم قول الزوجة مع يمينها; لأنّه موافق للظّاهر فتكون منكرة .
هذا ، ولكن بناء على ما سيأتي في كتاب القضاء(3) من أنّ تشخيص المدّعي
- (1) شرائع الإسلام : 2/333 .
- (2) مسالك الأفهام : 8/302 .
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 75 ـ 77 .
(الصفحة 454)مسألة 23 : لو زوّج ولده الصغير فإن كان للولد مال فالمهر على الولد ، وإن لم يكن له مال فالمهر على عهدة الوالد ، فلو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته ، سواء بلغ الولد وأيسر أم لا . نعم لو تبرّأ من ضمان العهدة في ضمن العقد برأ منه1.
والمنكر بنظر العرف ـ لأنّهما من العناوين المأخوذة في الروايات الموضوعة للأحكام ، واللاّزم في تشخيصها الرجوع إلى العرف ، ولا اعتبار بسائر الضوابط والموازين المذكورة في هذا المجال ، مثل الموافقة والمخالفة للأصل أو للظّاهر أو كليهما ـ لا يبعُد أن يكون الحكم في المقام هو حكم التّداعي ، كما أنّه نفى البُعد عنه في المتن ، فتدبّر جيّداً .1 ـ العمدة في هذه المسألة وجود روايات كثيرة فيها ، مثل :
صحيحة الفضل بن عبدالملك قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير؟ قال : لا بأس ، قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال : لا ، قلت : على من الصّداق؟ قال : على الأب إن كان ضمنه لهم ، وإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام ، إلاّ أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له وإن لم يكن ضمن(1) .
وموثّقة عُبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير؟ قال : إن كان لابنه مال فعليه المهر ، وإن لم يكن للإبن مال فالأب ضامن المهر ، ضمن أو لم يضمن(2) .
ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يزوّج ابنه
- (1) الكافي : 5/400 ح1 ، التهذيب : 7/389 ح1559 ، الوسائل : 21/287 ، أبواب المهور ب28 ح2 .
- (2) الكافي : 5/400 ح2 ، التهذيب : 7/389 ح1558 ، الوسائل : 21/287 ، أبواب المهور ب28 ح1 .