(الصفحة 106)
و اما على ما اختاره المشهور في معنى القاعدة من ان مفادها حكم ثانوى الهى ناظر
الى الاحكام الاولية و حاكم عليها بتضييق دائرتها بما إذا لم يجىء من ناحيتها
الضرر بالتقريب المذكور في كلام الشيخ في الرسائل او بالتقريب المذكور في كلام
المحقق الخراسانى (قدس سره) في الكفاية فمقتضاه في بادى النظر و ان كان هو عدم
الوجوب لان المفروض استلزامه لتحقق الضرر المالى و القاعدة حاكمة على الادلة
الاولية التى منها دليل وجوب الحج في المقام.
و لكنه ذكر في «المستمسك» ان ادلة الوجوب على المستطيع لما كانت متضمنة لصرف
المال كانت اخص من ادلة نفى الضرر فتكون مخصصة لها و ما اشتهر و تحقق من ان
ادلة نفى الضرر حاكمة على الادلة فذلك يختص بالادلة المطلقة التى لها فردان
ضررى و غير ضررى فتحكم عليها و تخرج الفرد الضررى عنها و ليس من ذلك ادلة وجوب
الحج على المستطيع.
و اورد عليه بعض الاعلام بان الحج و ان كان
ضرريا و لكن المجعول من الضرر ما يقتضيه طبعه مما يحتاج اليه المسافر الى الحج
و اما الزائد على ما يقتضيه طبع الحج فهو ضرر آخر اجنبى عن الضرر اللازم من طبع
الحج و المرفوع بحديث لا ضرر انما هو الضرر الزائد عما يقتضيه طبع الواجب و
الذى لا يرتفع بلا ضرر انما هو الضرر اللازم منه مما يقتضيه طبعه.
و الجواب عن هذا الايراد ـ بعد تسليم المبنى
و بعد تسليم عروض التخصيص لقاعدة نفى الضرر مع ان سياقها آب عن التخصيص خصوصا
إذا كان المخصص كثيرا كالحكم بوجوب الزكوة في موارده و الحكم بوجوب الخمس في
محله و الحكم بوجوب الحج كذلك و غير ذلك من الاحكام الضررية مع ان الظاهر لزوم
الالتزام بان خروجها يكون بنحو التخصص لا التخصيص ـ.
انه لو كانت ادلة الحج بالنسبة الى الضرر الزائد الناشى عن عدم وجود الشريك
(الصفحة 107)
مسئلة 14 ـ يعتبر في وجوب الحج وجود نفقة العود الى وطنه ان اراده او الى
ما اراد التوقف فيه بشرط ان لا تكون نفقة العود اليه ازيد من العود الى وطنه
الا إذا الجأته الضرورة الى السكنى فيه1.
للمركب او عن مثله مطلقة لكان اللازم الاخذ بها في مقابل قاعدة نفى الضرر لانه
إذا كان لدليل المخصص اطلاق يجب الاخذ به في مقابل العام و لا مجال للاخذ
بالعموم و كذا المطلق فاذا ورد قوله اعتق رقبة و ورد قوله لا تعتق الرقبة
الكافرة و شككنا في ان عدم جواز عتق الرقبة الكافرة يختص بما إذا كان بايدينا
رقبة مؤمنة او يشمل ما إذا لم يكن بايدينا كذلك و لكن امكننا تحصيلها فاذا فرض
ثبوت الاطلاق لدليل المقيد لا مجال للرجوع الى الاطلاق و الحكم بجواز عتق
الرقبة الكافرة إذا لم يكن بايدينا كذلك و المقام من هذا القبيل و (دعوى) ان
ثبوت الاطلاق ينافى ما مرّ من ان المراد من الاستطاعة في الاية في نفسها هى
الاستطاعة العرفية لعدم كون المقام متحققا فيه الاستطاعة كذلك (مدفوعة) اولا
بان حمل الاية على الاستطاعة العرفية انما هو بلحاظ الاية فى نفسها مع قلع
النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها و ثانيا بعدم كون الاستطاعة العرفية
منافية للضرر المتحقق في المقام فان الاستطاعة حاصلة و لو كان الضرر ايضا
موجودا كما لا يخفى.
و قد انقدح مما ذكرنا انه لو اخترنا مبنى المشهور في مفاد القاعدة ايضا لكان
اللازم الالتزام بالوجوب في هذه الفروع.
1 ـ الكلام في هذه المسئلة يقع في مقامين:
المقام الاول في اصل اعتبار وجود نفقة العود
في وجوب الحج في الجملة قال في الشرايع: «و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت
و المشروب ذهابا و عودا» و من المعلوم انه لا خصوصية للزاد من هذه الجهة فان
الراحلة ايضا يكون كذلك و الذى يظهر من كلماتهم الاستدلال على ذلك بوجهين:
احدهما ما استدل به العلامة في محكى التذكرة
و المنتهى من ان في التكليف
(الصفحة 108)
بالاقامة في غير الوطن مشقة شديدة و حرباً عظيماً فيكون منياً.
ثانيهما ما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) في
شرحه على العروة من ان نفس الاخبار الدالة على لزوم اعتبار الزاد و الراحلة في
تحقق الاستطاعة تدل على لزوم اعتبار نفقة العود كان المتفاهم العرفى منها ذلك
فاذا قال المولى لعبده اذهب الى السفر الكذائى ان كان لك الزاد و الراحلة لا
يكون المتفاهم منه الا وجدانه للزاد و الراحلة ذهابا و ايابا و عليه فالتعبير
في آية الحج و ان كان هى الاستطاعة الى البيت لكن فهم العرف من نفس هذا التعبير
ايضا ذلك اى الذهاب و الاياب.
نعم لو لم يرد الشخص الرجوع الى الوطن او غيره بل اراد المجاورة بمكة المكرمة ـ
مثلا ـ لا تعتبر نفقة العود بالاضافة اليه اصلا و الحاكم بالفرق هو العرف ايضا
و تظهر ثمرة الوجهين فيمن يريد الرجوع الى الوطن ـ مثلا ـ على حسب ميله و رغبته
الشخصية و لكن لا تكون الاقامة بمكة ايضا حرجية عليه بوجه لعدم ثبوت علاقة له
في الوطن ـ مثلا ـ فمقتضى الدليل الاول عدم كون نفقة العود بالاضافة اليه
معتبرة في وجوب الحج و مقتضى الدليل الثانى الاعتبار لفرض ارادته الرجوع و
العود الى الوطن.
المقام الثانى في انه بعد اعتبار نفقة العود
في وجوب الحج فان كان مراده هو الرجوع الى وطنه فلا شبهة في اعتبار نفقة العود
اليه من دون فرق بين ما إذا كان له في البلد اهل و عشيرة و بين ما إذا لم يكن
له ذلك و من دون فرق ايضا بين ما إذا كان له في الوطن مسكن مملوك و لو بالاجارة
و بين ما إذا لم يكن و ان كان مراده هو العود الى محل آخر و التوقف فيه فان
كانت نفقة العود اليه مساوية لنفقة العود الى الوطن او اقل منه فالمعتبر هى تلك
النفقة و ان كانت ازيد فلا دليل على اعتبار الزائد عن نفقة العود الى الوطن الا
إذا الجأته الضرورة الى السكنى فيه فالمعتبر نفقة العود الى ذلك المحل و قد جعل
السيد في العروة المعيار هى الابعدية مع ان
(الصفحة 109)
مسئلة 15 ـ يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب و الاياب زائدا عما يحتاج
اليه في ضروريات معاشه فلاتباع دار سكناه اللائقة بحاله و لا ثياب تجمله و لا
اثاث بيته و لا آلات صناعته، و لا فرس ركوبه او سيارة ركوبه، و لا سائر ما
يحتاج اليه بحسب حاله وزيه و شرفه، بل و لا كتبه العلمية المحتاج اليها في
تحصيله سواء كانت من العلوم الدينية او من العلوم المباحة المحتاج اليها في
معاشه و غيره، و لا يعتبر في شىء منها الحاجة الفعلية، و لو فرض وجود المذكورات
او شىء منها بيده من غير طريق الملك كالوقف
الظاهر ان مراده منها هى الازيدية و التعبير بالاول انما هو للملازمة النوعية
بين الامرين و عليه فلا مجال للاشكال عليه كما في بعض الشروح و اما استثناء
صورة الالجاء فان كان الالجاء مرتبطا بنفس العود الى ذلك المحل كما إذا لم
يتمكن من الرجوع الى وطنه لبعض الجهات فهو تام و امّا ان كان الالجاء مرتبطا
بنفس السكنى فيه و كان متمكنا من العود الى وطنه فاعتبار نفقة العود الى ذلك
المحل محل اشكال كما لا يخفى ثم ان في اعتبار نفقة العود في تحقق الاستطاعة
التى هى شرط لوجوب حجة الاسلام شبهة و هى انه لو فرض كون الشخص واجدا لهذه
النفقة عند السير الى الحج و كانت باقية عند المناسك و الاعمال باجمعها و لكن
بعد التمامية ذهبت من يده بسرقة او غيرها فصار فاقدا لنفقة العود بالمرة
فاللازم ان يقال بعدم كون حجه الذى اتى به بقصد حجة الاسلام كذلك مثل ما إذا
علم من اول الامر قبل المسير بان نفقة عوده تسرق بعد الاعمال فانه لا يجب عليه
الحج في هذه الصورة فكذلك المقام و عليه فيجب عليه الاتيان بها بعدا لو تحقق له
الاستطاعة له مع ان الالتزام به في غاية البعد لان لازمه ان السرقة كما ذهبت
بماله كذلك ذهبت بحجه.
و يمكن ان يقال في دفع هذه الشبهة بان الظاهر من النصوص الدالة على عدم اجزاء
حج المتسكع عن حجة الاسلام غير مثل هذا الفرض و اللازم ملاحظتها كما سيأتى
انشاء اللّه تعالى.
(الصفحة 110)
و نحوه وجب بيعها للحج بشرط كون ذلك غير مناف لشأنه و لم يكن المذكورات
فى معرض الزوال1.
1 ـ المشهور بين الفقهاء هو استثناء ما يحتاج اليه الشخص في ضروريات معاشه عن
الزاد و الراحلة المحقق للاستطاعة بمعنى انه يعتبر ان يكون الزاد و الراحلة
زائدا على ذلك و لا يجب عليه صرفه فيهما و يمكن الاستدلال عليه بامور:
احدها الاجماع المدعى في بعض الكتب كالمعتبر
و المنتهى و التذكرة، و الاشكال على الاستدلال به واضح مما ذكرناه مرارا.
ثانيها استثناء هذه الامور كلا اوجلا في دين
المخلوقين الذى هو اعظم من دين الخالق الذى هو الحج.و يرد عليه ان الكلام في
المقام في اصل ثبوت دين الخالق لان البحث في تحقق الاستطاعة الجائية من ناحيتها
الفريضة و الدين الالهى مع ان الظاهر انه فى صورة استقرار الحج و ثبوت الدين
الالهى لا يكون جميع هذه الامور مستثناة كما لا يخفى.
ثالثها فحوى رواية ابى الربيع الشامى الدالة
على ان المراد بالسبيل في الاية هى السعة فى المال لكنه قد تقدم و سيأتى ايضا
في بحث الرجوع الى الكفاية ان المراد بالسعة ماذا؟.
رابعها و هو العمدة قاعدة نفى العسر و الحرج
و لا مجال للاشكال على الاستدلال بهذه القاعدة الا ان اللازم بملاحظة كون الحرج
المأخوذ فيها حرجا شخصيا لا نوعيا دوران الحكم مداره فاذا فرض عدم تحقق الحرج
اصلا من بيع بعض المستثنيات و صرف ثمنه فى الحج فاللازم القول بوجوب الحج عليه
لفرض تحقق الاستطاعة و عدم لزوم الحرج بوجه.
و دعوى انه لو توقف حجه على بيع بعض المستثنيات لم يكن نفس الحج حرجيا عليه بل
هو مستلزم لامر حرجى و هو فقده لما يحتاج اليه في معيشته فالحرج لا يكون ثابتا
فى اصل حجه بل في لازمه.
|