(الصفحة 111)
مدفوعة بانه مع التوقف المذكور و فرض كون فقده لما يحتاج اليه في معيشته امرا
حرجيا يصدق كون الحرج آتيا من قبل الحكم و هو ايجاب الحج و لا يلزم في قاعدة
نفى الحرج ان يكون متحققا في نفس المأمور به و الاّ لا مجال لاستفادة اعتبار
نفقة العود من هذه القاعدة لعدم كون الحج مع عدمها حرجيا بوجه فالملاك هو كون
الحكم موجبا لتحقق الحرج سواء كان في المأمور به او في غيره مما يلازمه كما لا
يخفى.
كما ان (دعوى) ان الاستناد بهذه القاعدة انما يجدى لنفى الالزام و هو لا ينافى
الاجزاء عن حجة الاسلام فلو تحمل الحرج و اتى بالحج يكون حجه صحيحا مجزيا
(مدفوعة) بانه على تقدير تسليم كون تحمل الحرج غير مناف للصحة لاحتمال البطلان
كما رجحناه في البحث عن القاعدة في كتابنا في القواعد الفقهية نقول ان غايته هو
الحكم بالصحة و اما الاجزاء عن حجة الاسلام فلا مجال له بعد تغاير المهية في
الحج و ثبوت حقيقة خاصة لحجة الاسلام التى تكون عمدة مشخصاتها هى الوجوب و
كونها فريضة فاجراء القاعدة فى المقام و مثله يكون ملازما لعدم الاجزاء.
إذا ظهر لك ذلك فنقول: اما مسئلة الثياب ففى محكى الدروس و التحرير انها لاتباع
و مقتضى اطلاقها انه لا فرق بين ثياب المهنة ـ بالفتح و الكسر ـ اى ما يبتذ له
من الثياب لان المهنة الخدمة و بين ثياب التجمل و في الشرايع: و لاتباع ثياب
مهنة و في المتن: «و لا ثياب تجمله» و شموله لثياب المهنة انما هو بنحو
الاولوية و لكن شمول مثل عبارة الشرايع لثياب التجمل محل اشكال.
و العمدة على ما عرفت هو دليل نفى العسر و الحرج و الظاهر شموله لثياب التجمل
ايضا و كذلك اثاث البيت إذا كان لائقا بحاله و لم يكن زائدا على حاجته
(الصفحة 112)
بحسب زيه و شرفه و زمانه و مكانه و سائر الخصوصيات الموجبة للفرق بين الاشخاص
من جهة الحاجة.
و اما آلات صناعته فعن الدروس التوقف في استثناء ما يضطر اليه من امتعة المنزل
و السلاح و آلات الصنايع و هو محل نظر بعد فرض وجود الاحتياج اليه في معاشه و
ادارة اموره.
و اما فرس الركوب او السيارة في زماننا هذا فقد ناقش في استثنائه كاشف اللثام
حيث قال في محكى كشفه: لا ارى له وجها فان فرسه ان صلح لركوبه الى الحج فهو من
الراحلة و الاّ فهو في مسيره الى الحج لا يفتقر اليه و انما يفتقر الى غيره و
لا دليل على انه ـ ح ـ لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم الا بثمنه.
و قد عرفت ان الدليل هى قاعدة نفى العسر و الحرج المقتضية لعدم الوجوب مع
الحاجة اليه و ان كان لا يحتاج اليه في مسيره الى الحج بوجه.
و اما الكتب فالمحكى عن ابن سعيد انه قال: لا يعد في الاستطاعة لحج الاسلام و
عمرته دار السكنى و الخادم و يعتبر ما عدا ذلك من ضياع و عقار و كتب و غير
ذلك.و المحكى عن التحرير انه اطلق بيع ما عدا المسكن و الخادم و الثياب من ضياع
او غيرهما من الذخائر.
و المحكى عن المنتهى انه بعد دعوى اجماع العلماء على استثناء المسكن و الخادم
الحق بذلك فرس الركوب و كتب العلم و اثاث البيت من فراش و بساط و آنية و نحو
ذلك.
و الظاهر ما في المتن من تخصيص الاستثناء بالكتب المحتاج اليها سواء كان
احتياجه اليها لاجل الضرورة الدينية التى هى اعظم من الدنيوية من دون فرق بين
ان تكون لاجل التحصيل او العمل و اخذ الحكم او لاجل الضرورة الدنيوية كما إذا
احتاج اليها لاجل معاشه او لاجل التدريس و التأليف و مثلهما و لا وجه
(الصفحة 113)
للتخصيص بالكتب العلمية الدينية ـ كما هو ظاهر السيد في العروة ـ لعموم الدليل
و هى قاعدة نفى الحرج و الظاهر انه لا يعتبر في جريانها وجود الحاجة الفعلية بل
يكفى كونها في معرض الحاجة و المراجعة.
و الظاهر ان حلّى المرئة بحسب حالها في زمانها و مكانها ايضا كذلك كما عن الشيخ
و الشهيد الحاقها بالثياب و الاستشكال فيه بعدم الدليل ـ كما في الجواهر ـ
مندفع بجريان القاعدة هنا ايضا و يشمله عموم المتن في قوله: و لا سائر ما يحتاج
اليه بحسب حاله وزيّه و شرفه.
ثم انه لو فرض وجود دار موقوفة غير داره المملوكة و كان كل منهما لائقا بحاله
مناسبا لشأنه حتى مع وصف الوقفية بمعنى عدم كون السكنى في الدار الموقوفة
منافيا لشأنه اصلا و لم تكن في معرض الزوال ايضا بعروض الخراب او الاخذ من يده
او غيرهما فهل يجب عليه بيع الدار المملوكة بشرط كون ثمنها وافيا بالحج او
متمما للاستطاعة و مكملا لها ام لا؟فى المسئلة صورتان و قبل ذكرهما لا بد من
التنبيه على امر و هو انه ليس المراد من وجوب البيع المذكور في مثل هذه الموارد
ان البيع يكون واجبا شرعا بل المراد هى صيرورة الشخص بذلك مستطيعا تجب عليه حجة
الاسلام فلو لم يبع الدار مع كونه كذلك و حج متسكعا يكون حجه حجة الاسلام من
دون ان تتحقق منه مخالفة فالمراد انه إذا انحصر طريق الحج بالبيع بحيث لم يمكنه
ان يحج الا بالبيع فاللازم البيع لا انه يجب البيع مطلقا.
الصورة الاولى ما إذا كانت الدار الموقوفة
بيده و تحت اختياره و لا مجال للاشكال فى عدم استثناء داره المملوكة في هذه
الصورة لعدم كون بيعها و صرف ثمنها في الحج موجبا لتحقق الحرج عليه اصلا على ما
هو المفروض و الظاهر عدم شمول عبارة الجواهر لهذه الصورة حيث قال: «و ان كان
الاقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالاوقاف العامة و شبهها بل
في الدروس القطع بذلك».
(الصفحة 114)
مسئلة 16 ـ لو لم تكن المذكورات زائدة على شأنه عينا لا قيمة يجب تبديلها
و صرف قيمتها في مؤونة الحج او تتميمها بشرط عدم كونه حرجا و نقصا و مهانة عليه
و كانت الزيادة بمقدار المؤونة او متممة لها و لو كانت قليلة1.
فان امكان الاعتياض ظاهر في الصورة الآتية فتدبر.
الصورة الثانية ما إذا لم تكن موجودة عنده و
بيده بل امكنه تحصيلها و قد فرق بينهما السيد في العروة و يشعر اليه عبارة
المتن نظرا الى عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الاولى قال: الا
اذ احصلت بلا سعى منه او حصلها مع عدم وجوبه فانه بعد التحصيل يكون كالحاصل
اولا.
و اورد عليه بعض الاعلام في الشرح بما حاصله
تحقق الاستطاعة في الصورة الثانية ايضا لان المفروض وجود ما يحج به عنده و لا
مانع من صرفه في الحج الا العسر و الحرج و هو منتف بعد قدرته على تحصيل الدار
الموقوفة بلا حرج و ليس هذا من قبيل تحصيل الاستطاعة الذى لا يكون واجبا قطعا
لحصولها بالفعل لثبوت الزاد و الراحلة و لو قيمة و عدم استلزام وجوب الحج للحرج
اصلا على ما هو المفروض فالحكم في الصورتين هو وجوب البيع للحج.
لا اشكال في انه لو زادت المذكورات كالدار ـ مثلا ـ على شأنه بحسب العين يكون
اللازم بيع الزيادة لو كانت بمقدار المؤونة او متممة لها و قد ادعى القطع بذلك
صاحب الجواهر تبعا للدروس و غيرها و لو لم يمكن بيعها الا ببيع المجموع يجب
ايضا كما هو ظاهر.
و اما لو كانت الزيادة لا بحسب العين بل بحسب القيمة ففى المسئلة قولان:
الاول: ما اختاره صاحب الجواهر تبعا للتذكرة
و الدروس و المسالك و غيرها من وجوب التبديل و شراء ما يليق به من ذلك باقل من
ثمنها و صرف الباقى في الحج لان الدليل على استثناء المذكورات هى قاعدة الحرج و
هى لا تجرى في
(الصفحة 115)
مسئلة 17 ـ لو لم يكن عنده من اعيان ما يحتاج اليه في ضروريات معاشه و
تكسبه و كان عنده من النقود و نحوها ما يمكن شرائها يجوز صرفها في ذلك من غير
فرق بين كون النقد عنده ابتداء او بالبيع بقصد التبديل او لا بقصده بل لو صرفها
في الحج ففى كفاية حجه عن حجة الاسلام اشكال بل منع. و لو كان عنده ما يكفيه
للحج و نازعته نفسه للنكاح جاز صرفه فيه بشرط كونه ضروريا بالنسبة اليه اما
لكون تركه مشقة عليه او موجبا لضرر او موجبا للخوف في وقوع الحرام او كان تركه
نقصا و مهانة عليه.و لو كانت عنده زوجة و لا يحتاج اليها و امكنه طلاقها و صرف نفقتها في
الحج لا يجب و لا يستطيع1.
الفرض بعد كون الاقل ثمنا لايقا بحاله غير مناف لشأنه و لا موجبا للمنقصة عليه.
الثانى ما عن الكركى من عدم وجوب الاستبدال
و احتمله كاشف اللثام و العلامة في التذكرة نظرا الى عدم كون العين زائدة على
الحاجة و الاصل عدم وجوب التبديل.و قد اختار في المتن القول الاول و اشار
بقوله: «و لو كانت قليلة» الى خلاف ما عليه السيد في العروة من استثناء صورة ما
إذا كانت الزيادة قليلة جدّا بحيث لا يعتنى بها، و الوجه في المخالفة انه لو
فرض كون الزيادة مع فرض قلّتها متممة لمؤونة الحج فاىّ دليل يدل على الاستثناء
في المقام و لا ربط له بخيار الغبن اصلا.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع ثلاثة:
الاول: لو لم يكن عنده من اعيان ما يحتاج
اليه كالدار ـ مثلا ـ و لكن كان عنده من النقود ما يمكن شرائها فهل يجوز الصرف
في شراء الدارام لا بل يكون مستطيعا؟ حكى فى الجواهر عن الدروس و المسالك و
غيرهما الاول و هو الظاهر و لا فرق فيه بين الصور المذكورة في المتن من كون
النقد عنده ابتداء او بالبيع بقصد التبديل اولا بقصد التبديل فان المعيار في
الجميع هو العسر و الحرج المخرج لنفس العين
|