(الصفحة 133)
فى الدين الحال يظهر كون المراد من الحج هى حجة الاسلام لانه في غيرها يدور
الامر بين رعاية حكم استحبابى و بين موافقة حكم وجوبى و لا مجال لترجيح الاول
على الثانى و (دعوى) كون مورد السؤال هو مجرد المشروعية لا التقديم و الجواب
ناظر اليها (مدفوعة) بانه لا ينبغى الارتياب في ظهور الجواب في التحريض على
الحج و الدعاء لقضاء الدين و لا وجه للتحريك الى امر استحبابى و ترك امر وجوبى
اصلا فالرواية لا بد من الحمل على الدين الحال و كون الحج حجة الاسلام.
ثانيتهما ما تدل بظاهرها على تقدم حجة
الاسلام او الحج الواجب على الدين كصحيحة معاوية بن عمار قال سئلت ابا عبد
اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه دين عليه ان يحج؟قال نعم ان حجة الاسلام واجبة
على من اطاق المشى من المسلمين و لقد كان اكثر من حج مع النبى (صلى الله عليه
وآله) مشاة الى آخر الحديث.(1) و الظاهر ان السؤال في نفسه ظاهر في
مورد مزاحمة الدين مع الحج و هذا يتحقق في بعض فروض الدين مثل ما إذا كان له
مال لا يكفى الا لاحد الامرين و يمكن صرفه في كل منهما.
و اما صورة عدم المزاحمة فهى خارجة عن مورد السؤال و عليه فلو كان الجواب
مشتملا على قوله (عليه السلام) «نعم» فقط لكانت دلالة الرواية على تقدم الحج
ظاهرة لكن قوله (عليه السلام)بعده: ان حجة الاسلام واجبة....الظاهر في وجوب حجة
الاسلام على من يكون قادرا على المشى في طريق الحج و الوصول الى البيت لما عرفت
من ان المراد من قوله «اطاق» مجرد القدرة و التمكن لا آخر مرتبة القدرة و
نهايتها يوجب صرف الظهور الى امر آخر و هو انه حيث لا يكون وجوب الحج متوقفا
على وجود الراحلة بل يكفى فيه مجرد القدرة على المشى فلا مانع من صرف المال
الموجود في الدين و الاتيان بالحج ماشيا و عليه فتدل الرواية على تقدم الدين او
على انه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحاديعشر ح ـ 1
(الصفحة 134)
لا مزاحمة بينه و بين الحج بعد امكان صرف المال في الدين و صرف قدرة المشى فى
طريق الحج.
هذا و لكن عرفت فيما تقدم ان الرواية باعتبار دلالتها على عدم اعتبار الراحلة
في وجوب الحج على البعيد تكون معرضا عنها عند المشهور و اللازم طرحها.
و رواية عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال قال ابو عبد اللّه (عليه السلام) الحج
واجب على الرجل و ان كان عليه دين.(1) و دلالتها ظاهرة و لكن
المناقشة تجرى في سندها.
ثم ان السيد في العروة حمل الروايتين بعد تسليم تمامية دلالتهما و سندهما على
الصورة التى حكم فيها بوجوب الحج و عدم مزاحمة الدين معه كما إذا كان الدين
مؤجلا و اطمئن بالقدرة على ادائه عند حلول اجله او على من استقر عليه الحج
سابقا و ان استشكل فى هذا الحمل و قال الاولى الحمل الاول.
و يرد عليه ان الحمل لا بد و ان يكون لاجل وجود دليل على الخلاف و بدونه لا
مجال للحمل إذا كانت الرواية مطلقة من حيث الدلالة كما هو المفروض.
ان قلت حيث انه منع وجود الاستطاعة في غير
الصورة المذكورة فاللازم ارتكاب الحمل المذكور و الا يلزم ان يكون الحج واجبا
مع عدم الاستطاعة.
قلت لم لا تكون الرواية دليلا على وجود
الاستطاعة و شاهدة على بطلان الدعوى المذكورة و كيف كان لا مجال للحمل بعد عدم
ثبوت دليل على الخلاف.
ثم ان ما ذكره في المستمسك من طرح الروايتين لاعراض المشهور انما يتم في
الرواية الاولى و اما الرواية الثانية فلا مجال لدعوى الاعراض بالاضافة اليها
كما لا يخفى.
و صحيحة ابى الصباح الكنانى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال قلت له: أ رايت
الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الا التجارة أو
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح ـ 4
(الصفحة 135)
الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج، ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع
الاسلام(1) فانها ظاهرة في عدم كون الدين كالتجارة عذرا مجوزا
لتسويف الحج و تأخيره فتدل على تقدم الحج على الدين.
هذا و لكن الظاهر ان توصيف الرجل بكونه ذا المال و صاحب الثروة مع وضوح ان مجرد
الاستطاعة لا يوجب تحقق هذا العنوان يدل على ان شغل التجارة و كذا الدين انما
كان الشخص معتذرا بهما لاجل الفرار عن الحج من دون ان يكون هناك مزاحمة في
البين.
و بالجملة لا دلالة للرواية على تقدم الحج على الدين في فرض الدوران و المزاحمة
كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في الروايات الظاهرة في تقدم الحج على الدين انها
بين ما يكون معرضا عنها و ما يكون مشتملا على ضعف في السند و ما يكون غير ظاهرة
فى التقدم مع المزاحمة نعم ذكرنا ان الرواية الاولى ظاهرة في ذلك و لكن الانصاف
انه ليس ظهورا قويا يمكن الاعتماد عليه و الفتوى على طبقه فلم يثبت الى هنا
تقدم الدين على الحج و لا تقدم الحج على الدين و اللازم بعد ذلك ملاحظة المسئلة
من باب التزاحم فنقول يقع البحث من هذه الجهة في مقامات ثلاثة:
المقام الاول في اصل ثبوت التزاحم هنا في
الجملة و الظاهر انه لا مجال لانكاره كما فى صدر كلام المستند المتقدم لانه
توجه الى المكلف تكليفان احدهما متعلق بالحج بلحاظ وجود شرطه و هى الاستطاعة و
الآخر باداء الدين بلحاظ القدرة عليه عقلا و لا يقدر المكلف على الجمع بين
الامرين و رعاية كلا التكليفين فيقع التزاحم في البين.
و ما ذكره السيد في العروة في مقام منع المزاحمة و الجواب عن المستند
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 4
(الصفحة 136)
من كون وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة و هى غير متحققة و التزاحم فرع كون
الواجبين مطلقين و في عرض واحد و المفروض ان وجوب اداء الدين مطلق و وجوب الحج
مشروط بالاستطاعة الشرعية.
يرد عليه ما تقدم من وضوح تحقق الاستطاعة الشرعية في المقام لانه يصدق ان عنده
ما يحج به و كذا ما تقدم من ان الواجب المشروط بعد تحقق شرطه و حصوله يكون في
عرض الواجب المطلق و لا وجه لتقدمه على الواجب المشروط المفروض بوجه و عليه
فانكار اصل التزاحم في الجملة مما لا سبيل اليه اصلا.
المقام الثانى في ان التزاحم هل يكون متحققا
في جميع فروض الدين او يكون ثابتا فى بعضها؟الظاهر هو الثانى و ذلك لانه لو فرض
كون الدين مؤجلا و كان المكلف مطمئنا بتمكنه من الاداء عند حلول اجله لا مجال
لتوهم التزاحم لان المفروض قدرته على رعاية كلا التكليفين و الاتيان بكلا
العملين كما انه لو كان الدين حالا و لكن كان الدائن راضيا بالتأخير و المديون
مطمئنا بالتمكن من الاداء عند المطالبة لا يتحقق التزاحم.
نعم ذكر صاحب المستند في الدين المؤجل انه إذا كان اجله يسع للحج و العود لا
يكون مزاحما مع الحج و ان لم يكن واثقا بالتمكن من الاداء عند حلوله مع ان
الظاهر انه فى صورة عدم الوثوق حيث يجب عليه حفظ القدرة المالية للصرف في اداء
الدين في وقته و لا يجوز الصرف في مصرف آخر فالتزاحم يتحقق بين وجوب الحج و
وجوب حفظ القدرة لاداء الدين و وفائه نعم مع الوثوق لا يبقى مجال لتوهم
التزاحم.
المقام الثالث في انه بعد ثبوت التزاحم في
بعض الفروض هل يكون هنا ما يوجب تقدم احد المتزاحمين على الاخر؟ربما يقال: نعم
نظرا الى جريان احتمال الاهمية بالاضافة الى الدين و قد ثبت في محله ان احتمال
الاهمية كالجزم بها يكون مرجحا لمحتملها فاللازم ترجيح الدين و الحكم بعدم وجوب
الحج في صورة المزاحمة
(الصفحة 137)
معه و لعل هذا هو مستند المتن في ترجيح الدين و من البعيد ان يكون مستنده ما في
العروة من عدم تحقق الاستطاعة في هذه الصورة فلا يجب الحج لاجله.
و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى جريان احتمال الاهمية في خصوص الدين بل يجرى
هذا الاحتمال في الحج ايضا بلحاظ ما مرّ من الادلة الدالة على تقدمه فان تلك
الادلة و ان لم تنهض لاثبات الاهمية لكن اقتضائها لثبوت الاحتمال لا مجال لنفيه
و عليه فيجرى احتمال الاهمية في الحج ايضا و مقتضى القاعدة في هذه الصورة
التخيير لعدم المزية اصلا.
كما انه ربما يقال بتقدم الاسبق من حيث الزمان و عليه فلو كان الحج مستقرا عليه
سابقا و بعده حصل الدين يحكم بتقدم الحج للاسبقية.
و لكن التحقيق ـ كما حقق في محله ـ عدم كون الاسبقية مرجحة في باب التزاحم بوجه
و لذا اختار السيد في العروة التخيير في الدوران بين الحج المستقر الذى لا
تعتبر فيه الاستطاعة و بين الدين نظرا الى ثبوت التزاحم في خصوص هذه الصورة و
عدم كون الاسبقية موجبة للترجيح في باب المتزاحمين.
المبحث الثانى انه لا فرق في حكم الدين
المتقدم في المبحث الاول بين ما إذا كان سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة
او لا حقا له كما إذا استطاع للحج ثم عرض عليه دين كما إذا اتلف مال الغير ـ
مثلا ـ على وجه الضمان من دون تعمد قبل خروج الرفقة او بعده قبل ان يخرج هو او
بعد خروجه قبل الشروع في الاعمال ـ كما مثل به السيد في العروة ـ او تلف مال
الغير على وجه الضمان عنده ـ كما مثل به في المتن ـ و لعل مثال السيد اولى و ان
كان لا فرق بينه و بين ما في المتن في الجهة الراجعة الى هذا المبحث بل الفرق
بينهما في جهة اخرى تستفاد من تقييد الاتلاف بما إذا كان من دون تعمد و هو انه
إذا كان الاتلاف للمال الذى هو بقدر الاستطاعة عمديا يترتب عليه استقرار الحج
كما سيأتى البحث عنه فيما بعد انشاء اللّه