(الصفحة 128)
الثلاثة كما لا يخفى.
و ثالثا على تقدير تسليم جميع ما ذكر نمنع جريان الدليل في جميع فروض الدين ففى
الصورتين المذكورتين في القول السادس لا يكون الدين مانعا عن تحقق اليسار فان
من كان له دين مؤجل و اجله بعد الحج و يطمئن بوجود مال له في ذلك الوقت كاف في
مقام اداء الدين كيف لا يكون بالنظر الى هذا المال الموجود موسرا و له سعة
الثانى ما اشتهر و ارتكز عند المتشرعة من
اهمية حق الناس من حق اللّه تعالى فاللازم تقديم الدين على الحج لان الاول حق
الناس و الثانى حق اللّه و يرد عليه انه لم يقم دليل من آية او رواية على ثبوت
هذه الاهمية و ما ورد و نقله في المستمسك من ان الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر و ذنب
لا يغفر، و ذنب لا يترك، فالذى يغفر ظلم الانسان نفسه، و الذى لا يغفر ظلم
الانسان ربه ـ يعنى الشرك الذى ورد في الكتاب انه لظلم عظيم و ان اللّه لا يغفر
ان يشرك به ـ و الذى لا يترك ظلم الانسان غيره.
لا دلالة له على اهمية ظلم الانسان غيره من ظلم الانسان نفسه فان عدم الترك
بلحاظ ارتباطه بالغير و عدم الغفران الا بمراجعة صاحب الحق امر و الاهمية امر
آخر لا ارتباط لاحدهما بالاخر كما ان الغفر ان في ظلم الانسان نفسه بلحاظ
ارتباطه باللّه الغفار الرؤف الرحيم لا دلالة له على عدم الاهمية اصلا.
و بالجملة هذا الحكم و ان كان مرتكزا عند المتشرعة الا انه لم يبلغ الى حد يمكن
التعويل عليه.
ثم انه استشهد السيد في العروة بعد منع اهمية حق الناس من حق اللّه بانه لو فرض
كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما و لا يقدم دين الناس.
و حكى في المستمسك الاشكال من بعض الحواشى على ذلك بان الدين و الحج لما تعلقا
بعد الموت باعيان التركة لم يبق لرعاية الاهمية موقع.
و اورد عليه بانه إذا كان الدين اهم كان اللازم ان لا يتعلق الحج بالتركة مع
(الصفحة 129)
المزاحمة بالدين كما لم يتعلق الميراث مع المزاحمة للوصية و هكذا فتعلق الحج و
الدين معا مع المزاحمة يدل على عدم اهمية الدين من الحج.
و اورد بعض الاعلام على السيد اولا بان مورد التوزيع هو حال الوفاة و ذلك لا
يكشف عن عدم الاهمية للدين حال الحيوة فان الميت لا تكليف عليه و انما يكون
ضامنا و مديونا و هذا بخلاف الحى فانه مكلف باداء الدين و الحج ايضا و لا يقاس
الحكم التكليفى بالوضعى فاحد البابين اجنبى عن الاخر.
و ثانيا ان المصرح به في الروايات كون الحج دينا و انه يخرج من صلب المال فهما
سيان من هذه الجهة غاية الامر احدهما دين اللّه و الاخر دين الناس فهو كانه
مدين لشخصين لا يفى المال الا لاحدهما و يوزع المال بينهما قهرا فلا يكون
التوزيع ـ ح ـ شاهدا على عدم اهمية دين الناس.
و ثالثا ان التوزيع المذكور لم يدل عليه اىّ دليل و انما ذكره العلماء في
كلماتهم بل يظهر من صحيح بريد العجلى الوارد فيمن مات قبل ان يحرم انه يصرف
جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو للدين ثم
للورثة عدم التوزيع و تقديم الحج على الدين و لكن انما نلتزم بذلك في مورد
الوفاة للنص و اين هذا من تكليف نفس الشخص حال حيوته و كان عليه دين غير واثق
بادائه في وقته او انه حال مطالب به.
و الجواب اما عن الوجه الاول فان حكم الدين
بالاضافة الى الميت و ان كان وضعيا محضا الا انه لا شبهة في ترتب حكم تكليفى
عليه غاية الامر ان المكلف لا يكون نفس الميت بل الحاكم او الوصى او الوارث و
الاختلاف لا يوجب الاختلاف في الحكم فاذا كان الحكم التكليفى بعد الوفاة متعلقا
بالتوزيع كما هو المفروض فلا فرق بينه و بين حال الحيوة الذى يكون الحكمان:
التكليفى و الوضعى متوجهين الى شخص واحد كما لا يخفى.
(الصفحة 130)
و اما عن الوجه الثانى فمضافا الى ان الآية تدل قبل الرواية على كون الحج دينا
للّه كما هو ظاهر التعبير بكلمتى «اللام» و «على» في قوله تعالى و للّه على
الناس حج البيت ان اثبات كون الحج دينا و كون الشخص مدينا لشخصين انما يلائم
التمهيد للتساوى و عدم الترجيح لاحدهما على الاخر و كونهما سيان من هذه الجهة
فجعل النتيجة عدم كون التوزيع شاهدا على عدم اهمية دين الناس مما لم يظهر لنا
اصلا.
و اما عن الوجه الثالث فبان استشهاده انما هو بالفتاوى المذكورة في كلماتهم و
التحقيق موكول الى محله و لا مجال للبحث عنها هنا.
الثالث ان تقديم الدين على الحج انما هو
لكون الدين مشروطا بالقدرة العقلية و الحج مشروطا بالقدرة الشرعية و قد ثبت في
محله ان الاول مقدم على الثانى و يرد عليه ـ مضافا الى انه لم يرد دليل على
التقدم المذكور ـ ان القدرة الشرعية في المقام ليست الا الاستطاعة المفسرة في
الروايات بان يكون عنده ما يحج به و هى حاصلة و اللازم ثبوت المشروط و لا مجال
لدعوى كون القدرة الشرعية المعتبرة في المقام زائدتا على الاستطاعة المذكورة
نعم يمكن دعوى منع تحقق الاستطاعة كما ادعاها السيد في بعض فروض الدين كالدين
الحال المطالب به و لكن لا مجال لهذه الدعوى اصلا بعد كون المفروض كفاية ما
عنده للحج و الاتيان بالمناسك و جميع ما يعتبر في الاستطاعة حتى نفقة العود و
الكفاية عند الرجوع و في هذا الفرض لا وجه لمنع الاستطاعة كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية شىء من ادلة تقديم الدين بنحو الاطلاق
على الحج.
و اما ما استدل به على وجوب الحج و عدم مانعية الدين فوجوه ايضا:
منها ما في المستند بعد اختيار وجوب الحج
مطلقا من قوله: «لصدق الاستطاعة عرفا و المستفيضة المصرحة بان الاستطاعة ان
يكون له مال يحج به الى ان قال:
(الصفحة 131)
و لا شك ان من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا فيصدق عليه ان عنده
مالا و له ما يحج به من المال للاتفاق على ان ما يقرض ملك للمديون و لذا جعلوا
من ايجاب صيغة القرض «ملكتك» و صرحوا بجواز بيعه و هبته و غير ذلك من انحاء
التصرف، و الاخبار المتضمنة لوجوب الحج على من عليه دين بقول مطلق...» و يرد
عليه ان ما افاده من تحقق الاستطاعة الشرعية المفسرة في المستفيضة بان يكون له
ما يحج به انما يتم لاثبات اصل وجوب الحج لتحقق شرطه و عدم كون الدين مانعا عن
الاستطاعة فهو انما يجدى في مقابل السيد في العروة حيث منع صدقها في بعض فروض
الدين كما مرت حكايته و اما كونه مجديا لتقدم الحج على الدين مع ثبوت التكليف
بالاداء بالاضافة اليه و توجهه اليه فلا فان تحقق الاستطاعة امر و تقدم الحج
على الدين مع توجه التكليف الى المكلف بالنسبة الى كلا الامرين امر آخر لا
دلالة للكلام على اثباته نعم الاخبار التى اشير اليها لعلها تكون ظاهرة في
التقدم و سيأتى البحث فيها انشاء اللّه تعالى.
و منها ان الحج اهم من الدين و يظهر ذلك من
التعبيرات الواردة في ترك الحج كقوله تعالى في ذيل آية الحج و من كفر فان اللّه
غنى عن العالمين بناء على ان المراد هو الكفر الحاصل بسبب مجرد الترك و مثل ما
في بعض الروايات من قوله (صلى الله عليه وآله): يا علىّ من سوف الحج حتى يموت
بعثه اللّه يوم القيامة يهوديا او نصرانيا(1) و كذا يظهر من الرواية
الواردة فيما بنى عليه الاسلام من ان الحج يكون كذلك و غيرهما من التعبيرات.
و يرد عليه انك عرفت ان المراد بالكفر في الاية بملاحظة الروايات الواردة في
تفسيرها هو الكفر المتحقق بالانكار لا بمجرد الترك و قد عرفت ان في الآية
احتمالات متعددة فراجع اول الكتاب و اما الرواية فقد جعل فيها ترك الحج في ضمن
عشرة امور موجبة
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 3
(الصفحة 132)
للكفر مثل نكاح البهيمة و منع الزكاة و مثلهما، و كونه من جملة ما بنى عليه
الاسلام لا يقتضى الاهمية في مقام المزاحمة و الا يلزم تقدمه على وجوب حفظ
النفس و مثله لعدم كونه مما بنى عليه الاسلام.
و بالجملة هذه التعبيرات و ان كانت تكشف عن عظمة مقام الحج و علو مرتبته الا
انها لا دلالة لها على التقدم في مقام المزاحمة كما لا يخفى.
و منها الروايات الظاهرة في ذلك و هى على طائفتين:
احديهما ما دل على تقدم الحج على الدين من
دون ظهور في كون الحج هى حجة الاسلام او الحج الواجب مثل صحيحة معاوية بن وهب
عن غير واحد قال: قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) يكون علىّ الدين فتقع في
يدى الدراهم، فان وزعتها بينهم لم يبق شىء فاحج بها او اوزعها بين الغرام فقال:
تحج بها و ادع اللّه ان يقضى عنك دينك.(1) قال صاحب الوسائل بعد
نقلها: و رواه الصدوق باسناده عن ابن محبوب عن ابان عن الحسين بن زياد العطار
قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) و ذكر مثله.و يظهر من ذلك ان حسين بن
زياد العطار من جملة غير واحد الذى روى عنه معاوية بن وهب في السند الاول و
عليه فلا تعدد في الرواية اصلا.
و ذكر السيد في العروة في مقام الجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة: و الاخبار
الدالة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب و في كونه حجة الاسلام و
مثله ما في بعض الشروح من انها قضية في واقعة لم يعلم انه هل كان دين الراوى
حالا او مؤجلا، يرضى الدائن بالتأخير اولا، كان حجه استحبابيا او وجوبيا.
و الظاهر انه لا مجال لانكار كون الدين في
مفروض السؤال حالا لظهوره في انه لو لم يصرف الدراهم في الحج لكان اللازم هو
التوزيع بين الغرماء و احتمال كون التوزيع في الدين المؤجل قبل حلول اجله في
غاية البعد و عليه فبعد كون السؤال ظاهرا
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخمسون ح ـ 1