(الصفحة 16)
على اهل الجدة في كل عام.(1)
و رواية اسد بن يحيى عن شيخ من اصحابنا قال: الحج واجب على من وجد السبيل اليه
في كل عام.(2)
و رواية عبد اللّه بن الحسن الميثمى رفعه الى ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال
ان في كتاب اللّه عز و جل فيما انزل اللّه، و للّه على الناس حج البيت في كل
عام من استطاع اليه سبيلا.(3) فان كان المراد مما انزل اللّه هو كون
«فى كل عام» جزء من القرآن النازل كما هو ظاهره فلا مجال للاخذ بهذه الرواية
الدالة على تحريف الكتاب بعد قيام الادلة الواضحة و البراهين الساطعة على عدم
وقوع التحريف بالنقيصة في الكتاب كالزيادة و قد فصلنا القول في هذا المجال في
كتابنا: «مدخل التفسير» فليراجع.
و ان كان المراد منه هو تفسير الاية بذلك فلا مانع منه لكنه خلاف ظاهر الرواية
و قد جمع بين الطائفتين بوجوه من الجمع: احدها:
ما استقر به صاحب الوسائل من حمل الطائفة الاولى على الوجوب العينى و الطائفة
الثانية على الوجوب الكفائى و قد عقد با بين بهذين العنوانين اورد احد بهما في
احد البابين و الاخرى في الاخر و جعله الوجه صاحب الحدائق مؤيدا له بما دل على
عدم جواز تعطيل الكعبة و الا استحقوا العقاب و لم يناظروا و انه يجبر الامام
الناس على الحج إذا تركوه و نفى البعد عن هذا الوجه صاحب العروة فيها.
و اللازم نقل جملة من الروايات الواردة في الامرين فنقول: اما ما يدل على عدم
جواز تعطيل الكعبة فمنها ما في نهج البلاغة عن امير المؤمنين
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 4
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 6
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 7
(الصفحة 17)
في وصيته للحسن و الحسين (عليهما السلام): اوصيكما بتقوى اللّه...الى ان قال:
اللّه اللّه في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فانه ان ترك لم تناظروا.(1)
و منها رواية الحسين الاحمسى عن ابى عبد
اللّه (عليه السلام) قال لو ترك الناس الحج لما نوظروا العذاب او قال انزل
عليهم العذاب.(2)
و منها صحيحة حماد عن ابى عبد اللّه (عليه
السلام) قال كان على ـ صلوات اللّه عليه ـ يقول لولده يا بنى انظروا بيت ربكم
فلا يخلون منكم فلا تناظروا.(3)
و اما ما يدل على اجبار الوالى فمنها رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) قال لو عطل الناس الحج لوجب على الامام ان يجبرهم على الحج ان
شاءوا و ان ابوا فان هذا البيت انما وضع للحج.(4)
و منها صحيحة حفص بن البخترى و هشام بن سالم
و معاوية بن عمار و غيرهم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال لو ان الناس
تركوا الحج لكان على الوالى ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده و لو تركوا
زيارة النبى (صلى الله عليه وآله) لكان على الوالى ان يجبرهم على ذلك و على
المقام عنده فان لم يكن لهم اموال انفق عليهم من بيت مال المسلمين.(5)
و يرد على هذا الوجه من الجمع ما اورده عليه صاحب الجواهر مما حاصله انه مخالف
لاجماع المسلمين على الظاهر و نصوص الاجبار خارجة عما نحن فيه لعدم اختصاصها
باهل الجدة كما يدل عليه ذيل صحيحة حفص بل اشتمل ايضا على الجبر على المقام عند
البيت و على زيارة النبى (صلى الله عليه وآله) و المقام عنده مع عدم ثبوت
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع ح ـ 2
-
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح ـ 1
-
5 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح ـ 2
(الصفحة 18)
الوجوب الكفائى بالاضافة اليها قطعا ثم نقل عبارة الدروس المشتملة على ان زيارة
الرسول و ان كانت مستحبة مؤكدة الا انه يجبر الامام الناس على ذلك لو تركوه لما
فيه من الجفاء المحرم كما يجبرون على الاذان و منع ابن ادريس ضعيف الى ان قال:
و على كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب كفاية على خصوص
اهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة منهم مؤديا لواجب و
لو كان مع من لم يحج منهم. و العجب من صاحب الوسائل انه مع اختياره هذا الجمع
كيف عقد الباب (46) هكذا: باب استحباب الحج و العمرة عينا في كل عام و ادمانهما
و لو بالاستنابة فانه مع حكمه بالوجوب الكفائى كيف اختار الاستحباب العينى و لا
مجال لاحتمال كون المراد هو الوجوب الكفائى بالنسبة الى خصوص اهل الجدة لعدم
تقييد عنوان هذا الباب بغيره فيلزم الجمع بين الوجوب الكفائى و الاستحباب
العينى و من الواضح عدم امكانه فتدبر.
ثانيها حمل الطائفة الثانية على الاستحباب و
هو محكى عن الشيخ و المحقق في المعتبر و صاحب المدارك و اختاره صاحب الجواهر و
قد وجه بان الاخبار الدالة على عدم وجوبه الامرة واحدة نص في مفادها و الاخبار
المعارضة لا تكون نصا في الوجوب فيمكن حملها على ارادة الاستحباب و من المحتمل
ان يكون المراد من لفظ «الفرض» الواقع في هذه الاخبار معناه اللغوى و هو الثابت
و معلوم ان الثبوت اعم من ان يكون بنحو الوجوب او الاستحباب.
و يرد على هذا الوجه ان حمل لفظ «الفرض» على ذلك ان سلمنا امكانه و لكن الامر
لا يتم بذلك فانه قد وقع في بعضها الاستشهاد بقوله تعالى:
(و للّه على الناس...) و لا معنى للاستشهاد
للاستحباب بالآية كما هو اوضح من ان يخفى و قد وقع في بعضها ان «فى كل عام» جزء
من التنزيل و وجهناه بكونه تفسيرا له فهل يمكن حمل «فى كل عام» الواقع تفسيرا
للآية على الاستحباب فهذا الوجه ايضا غير تام.
(الصفحة 19)
ثالثها حمل الطائفة الثانية على الوجوب
البدلى بمعنى انه يجب على كل احد مع الاستطاعة ان يحج في عامها و ان تركه ففى
العام الثانى و ان تركه ففى العام الثالث و هكذا فمعنى وجوبه في كل عام هو عدم
السقوط مع المخالفة و الترك بل هو باق على العهدة الى آخر العمر و قد اختار هذا
الوجه الشيخ في محكى التهذيب و العلامة في محكى المنتهى.
و يرد عليه عدم كونه جمعا دلالبا مقبولا عند العقلاء بحيث يكون موجبا لخروج
الطائفتين عن التعارض و صيرورتهما مجتمعتين فلا مجال له ايضا.
رابعها ما افاده بعض الاعلام في شرحه على
العروة و جعله احسن المحامل و وجوه الجمع من ان الروايات الظاهرة في كون الحج
فريضة في كل عام ناظرة الى ما كان يصنعه اهل الجاهلية من عدم الاتيان بالحج في
بعض السنين لانهم كانوا يعدون الاشهر بالحساب الشمسى و مقتضاه تداخل بعض السنين
في بعض و منه قوله تعالى:
(انما النسىء زيادة فى
الكفر)(1) فانه رد عليهم بان الحج يجب في كل عام و انه لا
يخلو كل سنة عن الحج و بالجملة كانوا يؤخرون الاشهر عما رتبها اللّه تعالى
فربما لا يحجون في سنة فالمنظور فى الروايات ان كل سنة قمرية لها حج و لا يجوز
خلوها عن الحج لا انه يجب الحج على كل احد في كل سنة.
و اللازم اولا توجيه هذا الكلام بان تركهم الحج في بعض الاعوام ليس لاجل عدهم
الاشهر بالحساب الشمسى فان الظاهر عدم كون هذا الحساب معروفا عند الاعراب حتى
فى زماننا هذا بل لاجل ما وقع في تفسير الآية المسبوقة بما يدل على ان عدة
الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم من ان العرب كانت تحرم الشهور
الاربعة و ذلك مما تمسكت به من ملة ابراهيم و اسماعيل و هم كانوا اصحاب غارات و
حروب فربما كان يشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة اشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا
(الصفحة 20)
يؤخرون تحريم المحرم الى صفر فيحرمونه و يستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم
يزول التحريم الى المحرم و لا يفعلون ذلك الا في ذى الحجة و حكى عن مجاهد انه
قال: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذى الحجة عامين ثم حجوا فى
المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التى قبل
حجة الوداع في ذى القعدة ثم حج النبى (صلى الله عليه وآله) في العام القابل حجة
الوداع فوافقت في ذى الحجة.
و من ذلك يظهر ان التأخير لم يكن مستندا الى الحساب الشمسى بل الى تغيير مكان
الاشهر من حيث الحلية و الحرمة و مع ذلك لا يكون هذا الوجه بتام فانه لو كان
كلمة «فى كل عام» واقعة في آية الحج لكان من الممكن ان تحمل على ما ذكر ردا على
ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و اما مع وقوعها في الرواية المروية عن موسى بن
جعفر (عليه السلام) المتقدمة فلا وجه للحمل على هذا بعد وجود فصل طويل و نسيان
ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و بطلانه و عدم تحققه اصلا لمضى ازيد من مأة
سنة من الاسلام فلا مجال لهذا الحمل.
خامسها ما يخطر بالبال من ان المراد من «كل
عام» في الرواية التى اشير اليها ان فرض الحج على اهل الجدة انما يكون على سبيل
القضية الحقيقية لا القضية الخارجية بمعنى ان وجوب الحج لا يختص بزمان نزول
الآية بل هو حكم ثابت الى يوم القيامة على المستطيع فليس المراد ان المستطيع
يجب عليه الحج في كل عام بل المراد ثبوت الحكم الى يوم القيامة و يؤيد هذا
الوجه بل يدل عليه التأمل في الرواية المزبورة فانه قد وقع فيها الاستشهاد لفرض
الحج على اهل الجدة في كل عام بقوله تعالى و للّه على الناس حج البيت...مع ان
مقتضى الاستشهاد الاستناد الى ظاهر الآية و ما كان يفهمه اهل العرف منها لانه
لا معنى للاستشهاد بتفسير الآية الذى يكون على خلاف ظاهرها و من المعلوم عدم
دلالة الآية على الوجوب في كل