(الصفحة 11)
يوم القيامة يهوديا او نصرانيا.(1) و ظاهرها ان مجرد الترك في تمام
العمر يوجب تحقق الكفر و لا محالة يكون حين الموت كافرا و لكن حيث لا تكون
الطوائف التسعة الاخرى محكومة بالكفر الاصطلاحى الموجب لترتب آثار الكفر من
النجاسة و غيرها فلا محالة لا يكون المراد من الكفر المسبب عن ترك الحج ايضا
ذلك و يؤيده انه على هذا التقدير كان اللازم ان يقال مات يهوديا او نصرانيا لا
انه يبعثه اللّه يوم القيامة كذلك و عليه فهو حين الموت لا يكون كافرا حتى
يترتب عليه ما يترتب على الميت الكافر من الاحكام.
و منها: ما رواه الكلينى بسندين احدهما صحيح
عن على بن جعفر عن اخيه موسى (عليه السلام) قال ان اللّه عز و جل فرض الحج على
اهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل و للّه على الناس حج البيت من استطاع
اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين قال قلت فمن لم يحج منا فقد
كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.(2)
و في معنى ذيل الرواية احتمالان:
احدهما ان يكون المراد ان من قال ليس الحج
هكذا اى بواجب و في الحقيقة انكر وجوب الحج فقد كفر.
ثانيهما ما افاده بعض الاعلام من ان الظاهر
من ذلك رجوعه الى انكار القرآن و ان هذه الاية ليست من القرآن و ان القرآن ليس
هكذا فانه (عليه السلام) استشهد اولا بقول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على الناس
حج البيت ثم سئل السائل فمن لم يحج منا فقد كفر قال (عليه السلام) لا و لكن من
قال ليس هذا هكذا فقد كفر فالانكار راجع الى انكار القرآن و تكذيب النبى (صلى
الله عليه وآله).
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 3
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 1
(الصفحة 12)
و يرد عليه منع ظهور الرواية في ذلك جدا فانه لم يكن البحث في انكار القرآن
بوجه و الاستشهاد بالاية لا يدل على كون المراد ذلك بل حيث ان الآية كانت ظاهرة
في تحقق الكفر بمجرد ترك الحج و كان ذلك موجبا لتعجب السائل سئل عن المراد منها
و لا معنى لكون المراد من الكفر هو الكفر بالآية بعد عدم تمامية الآية بعد نعم
حيث يكون وجوب الحج مدلولا عليه بصدر الآية و لادخالة للذيل فيه فلا مانع من
فرض الكفر بالوجوب في القضية الشرطية المذكورة في الذيل و اما مع عدم تمامية
الآية فلا مجال لفرض الانكار في نفسها بعد عدم تماميتها كما لا يخفى.
ثم ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و الصحيحة الاولى ان يقال بان هذه الصحيحة
تصير قرينة على امرين احدهما ان المراد من الكفر المفسر بالترك في الاولى ليس
هو الكفر اللغوى الذى كان احد الاحتمالين فيها و ثانيهما ان المراد من الترك
فيها ليس مجرد الترك و مطلقه بل الترك عن انكار و اعتقاد بعدم الوجوب فيصير
معنى الآية بلحاظ الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المسبب عن الانكار و
ينطبق على تفسير ابن عباس و بعض آخر فتدبر.
الامر الثانى من الامور الثلاثة المذكورة في
المتن ان مجرد ترك الحج من المعاصى الكبيرة و يدل عليه ـ مضافا الى ما عرفت من
اهمية فريضة الحج و عظم شأنه ـ انه قد عد فى الروايات الواردة في بيان المعاصى
الكبيرة و تعدادها الاستخفاف بالحج منها و المراد من الاستخفاف ان كان هو الترك
فينطبق على المقام و ان كان هو الاتيان عن استخفاف سواء كان لاجل التأخير عن
عام الاستطاعة او لاجل عدم الاعتناء بشأنه كما هو و ان اتى به فى عام الاستطاعة
فدلالته على المقام انما هى بالاولوية هذا مضافا الى انطباق الضابطة الكلية في
المعصية الكبيرة عليه و هى ايعاد اللّه تبارك و تعالى عليها النار او العذاب
صريحا او ضمنيا او باللزوم و لذا عد السيد الطباطبائى بحر العلوم ترك الحج منها
مستندا الى قوله تعالى:
و من كفر فان اللّه غنى عن
العالمين
(الصفحة 13)مسئلة ـ 1 لا يجب الحج طول العمر في اصل الشرع الا مرة واحدة. و وجوبه مع
تحقق شرائطه فورى بمعنى وجوب المبادرة اليه في العام الاول من الاستطاعة و لا
يجوز تأخيره و ان تركه فيه ففى الثانى و هكذا1.
و لكن بملاحظة ما ذكرنا في تفسير الآية من ان المراد هو الكفر الناشى عن الترك
عن انكار و جحود لا يبقى للآية دلالة على حكم التارك المحض الخالى عن الانكار و
الامر سهل.
الامر الثالث كونه من اركان الدين و يدل
عليه ـ مضافا الى ما عرفت ـ الروايات التى رواها الفريقان العامة و الخاصة
الدالة على انه بنى الاسلام على خمس على الصلوة و الزكوة و الحج و الصوم و
الولاية.(1) فإنه قد جعل مما بنى عليه الاسلام و لعله لذا يطلق عليه
حجة الاسلام و لا يضاف غيره اليه و لعل هذا الاطلاق يؤيد ما تقدم من اهمية الحج
و افضليته حتى عن الصلوة التى هى عمود الدين و على اى فكونه من اركان الدين مما
لا مجال للمناقشة فيه اصلا.
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لامرين:
احدهما عدم وجوب الحج طول العمر باصل الشرع
الامرة واحدة و التقييد باصل الشرع في مقابل الحج الواجب بالنذر و الاستيجار و
غيرهما و المخالف في المسئلة الصدوق فانه بعد نقل رواية محمد بن سنان الآتية
الدالة على وجوب الحج واحدا قال في محكى العلل: «جاء هذا الحديث هكذا و الذى
اعتمده و افتى به ان الحج على اهل الجدة فى كل عام فريضة» ثم استدل بالاحاديث
الدالة عليه.
و قد استدل للمشهور بامور:
احدها: الاجماع قال في الجواهر عقيب حكم
المتن بعدم الوجوب الامرة واحدة: «اجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين»
و حكى الاجماع عن المنتهى ايضا.
-
1 ـ ئل ابواب مقدمة العبادات الباب الاول
(الصفحة 14)
و الظاهر ان الاجماع في مثل المقام لا يكون صالحا للاستناد اليه مستقلا لوجود
الادلة الاخرى التى هى المدرك للمجمعين فلا اصالة له اصلا.
ثانيها: الاية الشريفة:
(و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا)
نظرا الى ان مقتضاه تعلق الوجوب بالماهية و الامر بطبيعة الحج غاية
الامر كونه مشروطا بالاستطاعة و امتثال الامر المتعلق بالماهية يتحقق بايجادها
في الخارج و لو مرة لتحقق الطبيعة به فالمستطيع إذا حج في عام الاستطاعة فقد
امتثل الامر المتوجه اليه، و التكرار اللازم في مثل الصلوة و الصيام لاجل
الادلة الخارجية الدالة عليه لا لنفس الامر بهما فالاية لا دلالة لها على ازيد
من المرة و مع الشك في وجوب الزائد يكون مقتضى الاصل البرائة من الوجوب لعدم
كون المقام من قبيل الاقل و الاكثر الارتباطيين كما هو واضح.
ثالثها: الروايات الدالة بالصراحة او الظهور
على عدم وجوب الزائد مثل: صحيحة هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه (عليه
السلام)قال: ما كلف اللّه العباد الا ما يطيقون، انما كلفهم في اليوم و الليلة
خمس صلوات الى ان قال و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون اكثر من ذلك.(1)و
رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال انما امروا بحجة واحدة لا
اكثر من ذلك لان اللّه وضع الفرائض على ادنى القوة كما قال: «فما استيسر من
الهدى» يعنى شاة ليسع القوى و الضعيف و كذلك سائر الفرائض انما وضعت على ادنى
القوم قوة فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد اهل القوة بقدر
طاقتهم.(2) و رواية محمد بن سنان ان ابا الحسن على بن موسى الرضا
(عليهما السلام)
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 1
-
2 ـ ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 2
(الصفحة 15)
كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله قال: علة فرض الحج مرة واحدة لان اللّه تعالى
وضع الفرائض على ادنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب اهل
القوة على قدر طاقتهم.(1)
و غير ذلك من الروايات المصرحة بان من زاد
فهو تطوع.
لكن في مقابلها روايات متكثرة ظاهرة في الوجوب في كل عام مثل: ما رواه الكلينى
بسندين احدهما صحيح عن على بن جعفر عن اخيه موسى (عليه السلام) قال: ان اللّه ـ
عز و جل ـ فرض الحج على اهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل: و للّه على
الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين قال:
قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.(2)
و المناقشة الجارية في الرواية من جهة المتن عبارة عن ظهورها في كون المستفاد
من الاية وجوب الحج في كل عام مع انك عرفت عدم دلالتها الا على تعلق الامر
بالطبيعة و هى تتحقق في الخارج بوجود فرد واحد و حملها على كون المراد من
الرواية كون ذلك تفسيرا للاية و ان كان على خلاف ظاهرها او على كون الاستناد
بالاية انما هو لاصل الوجوب من دون خصوصية كونه في كل عام خلاف الظاهر جدا.
و رواية حذيفة بن منصور عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان اللّه عز و جل
فرض الحج على اهل الجدة في كل عام.(3)
و رواية ابى جرير القمى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: الحج فرض
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 3
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 1
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 2