(الصفحة 168)
جهات مختلفة كما سيجىء انشاء اللّه تعالى.
إذا عرفت ذلك فنقول قد استدل للقول بتقديم النذر فيما إذا كان قبل حصول
الاستطاعة بامور:
احدها: ما هو المذكور في اكثر كلماتهم من ان
المانع الشرعى كالمانع العقلى و مرجعه الى انه يعتبر في الاستطاعة زائدا على
الامور المذكورة من ان يكون عنده ما يحج به مضافا الى صحة البدن و تخلية السرب
القدرة الشرعية و هى ان لا يكون الحج مزاحما لواجب آخر و مع تحقق المزاحمة
ترتفع الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و ربما يستدل على اعتبارها بصحيحة
الحلبى: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه
تعالى فيه فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام(1) نظرا الى ظهورها في ان
مطلق العذر رافع للفرض و لا ريب في ان الوفاء بالنذر عذر فيكون رافعا للفرض.
و اجيب عنه بان الرواية لم تبين الصغرى و انما تعرضت لترك الحج بلا عذر و اما
كون الشىء الخاص عذرا فلا بد من اثباته من الخارج كما ثبت العذر في موارد الحرج
و الضرر الزائدين على ما يقتضيه الحج و لم يثبت كون الوفاء بالنذر عذرا ثم انه
ذكر بعض الاعلام انه لو قلنا باعتبار القدرة الشرعية ايضا كما هو المشهور لا
مجال للحكم بتقديم النذر عليه و ملخص ما افاده في وجهه من كلامه الطويل مع
تقريب منا ان الوفاء بالنذر ليس واجبا ابتدائيا نظير الصلوة و الصوم و نحوهما
من الواجبات الالهية بل هو واجب امضائى بمعنى ان وجوبه الزام من اللّه تعالى
بما التزم المكلف به على نفسه كالعقود فالحكم بوجوب الوفاء بالنذور و العقود
نشأ من التزام المكلف على نفسه شيئا و اللّه تعالى الزمه بهذا الالزام و عليه
فلا بد من ملاحظة ما التزمه الناذر على نفسه بمقتضى صيغة النذر مثل للّه علىّ
ان افعل كذا و من الواضح
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 3
(الصفحة 169)
ان العمل الملتزم به لا بد و ان يكون بمقتضى كلمة اللام قابلا للاضافة الى
اللّه و مرتبطا به و من هنا اعتبروا الرجحان في متعلق النذر لعدم كون غير
الراجح حتى المباح قابلا للاضافة و الارتباط اليه و لا يكفى مجرد الرجحان في
نفسه و هو الرجحان الملحوظ بالاضافة الى الترك بمعنى كون المقايسة بين الفعل و
الترك من دون ملاحظة الامور الاخر بل لا بد من ملاحظة سائر الملازمات و
المستلزمات كان لا يكون العمل مستلزما لترك واجب او اتيان محرم و الا فلا يكون
قابلا للاضافة اليه سبحانه و ان كان في نفسه راجحا فزيارة الحسين (عليه السلام)
يوم عرفة و ان كانت في كمال الرجحان في نفسها الا انها إذا كانت ملازمة لترك
واجب كالحج لا يمكن اضافتها الى اللّه سبحانه فان نذرها ـ حينئذ ـ يرجع الى نذر
ترك الحج نظير قرائة القرآن من اول طلوع الفجر الى ما بعد طلوع الشمس بحيث تفوت
عنه فريضة الصبح و عليه فلا بد ان يكون ما التزم به قابلا للاستناد الى اللّه
تعالى و الا فلا ينعقد النذر و ينحل كما إذا نذر صوم يوم الذى يجىء مسافره
فصادف يوم العيد حيث انه لا ريب في انحلال النذر في امثال هذه الموارد و لازم
ذلك عدم كون المقام من باب التزاحم الذى يكون مورده الواجبين الفعليين اللذين
يشمل كل منهما على ملاك ملزم غاية الامر عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في
مقام الامتثال لان هذا انما يختص بما إذا كان الواجب ابتدائيا اصليا كالصلوة و
الازالة و اما إذا كان الواجب واجبا امضائيا فلا يجرى فيه الترتب لان ما التزم
به المكلف انما هو مطلق مستلزم لترك الحج و هذا غير قابل للامضاء.
و اما المشروط يعنى المقيد بترك الحج فلم ينشأه و لم يلتزم به فما هو قابل
للامضاء و لم يلتزمه و لم ينشأه و ما التزم به غير قابل للامضاء.
و المناقشة في اصل الكلام بان لازمه عدم انعقاد النذر فيما إذا تعلق بما يستلزم
تفويت ما هو اهم كما إذا نذر ان يصلى في مسجد محلته لانه يستلزم تفويت الصلوة
في المسجد الجامع او الحرم الشريف مدفوعة بان الملاك في صحة انعقاد
(الصفحة 170)
النذر ان يكون الفعل المنذور قابلا للاضافة اليه تعالى و المستحب المستلزم لترك
مستحب آخر اهم صالح للاضافة اليه تعالى نعم لو نذر ترك الراجح لا ينعقد النذر
كما إذا نذر ترك زيارة الحسين (عليه السلام).
و يرد عليه مضافا الى وجود التهافت في كلامه فانه يستفاد من صدر كلامه ان
الخصوصية الموجودة في النذر و مثله من الواجبات الامضائية هى كون ما التزم به
المكلف على نفسه محدودا من اول الامر ففى النذر يكون الملتزم به هو الفعل الذى
يكون قابلا للاضافة الى اللّه تعالى زائدا على الرجحان المتحقق به و الالزام
تابع للالتزام فما التزم به من الامر المحدود و الموصوف بالامرين يكون مقتضى
وجوب الوفاء بالنذر تعلق الالزام من ناحية الشارع به و ظاهر كلامه في الاثناء و
الاخر ان المحدودية الموجودة في النذر هى عدم كون فعل كل راجح قابلا للامضاء و
صالحا لتعلق الالزام الشرعى به فبين الكلامين تهافت.
انه ان قلنا بعدم اعتبار القدرة الشرعية في وجوب الحج زائدة على الزاد و
الراحلة و صحة البدن و تخلية السرب فلا اشكال في عدم كون المنذور المستلزم لترك
الحج قابلا للاضافة اليه تعالى كما في مثال نذر قرائة القرآن المستلزمة لترك
فريضة الصلوة في وقتها فان قرائة القرآن مع هذا الوصف لا تكون قابلة للاضافة
اليه بوجه اصلا.
و اما ان قلنا باعتبار القدرة الشرعية في وجوب الحج كما هو العمدة في مفروض
البحث في كلامه فكون المنذور المستلزم لترك الحج مع هذا الوصف و هو اعتبار
القدرة الشرعية المنتفية مع فرض وجوب الوفاء بالنذر غير قابل للاضافة اليه اول
الكلام لان عدم قابليته للاضافة اليه انما هو على تقدير تقدم الحج و رجحانه على
النذر و من الواضح انه اول البحث و النزاع و من هنا يعلم الفرق بين الحج و بين
الصلوة التى لا يشترط في وجوبها الا الوقت و المفروض دخوله
(الصفحة 171)
فى مثال نذر قرائة القرآن فانك عرفت ان القرائة المذكورة لا تكون قابلة للاضافة
و اما الحج فلا دليل على عدم القابلية بعدم عدم قيام الدليل على التقدم فما
افاده غير تام.
نعم سلك شيخه و استاذه المحقق النائينى (قدس سره) في مباحثه الاصولية في باب
التزاحم على ما في تقريرات بحثه مسلكا آخر لعدم ثبوت مجال للنذر مع الاستطاعة و
وجوب الحج لو اغمض النظر عن المناقشة في بعض مقدماته يكون مسلكا تامّا.
و ملخصه انه و ان كان النذر مشروطا بالقدرة الشرعية و الحج ايضا كذلك و لازم
ذلك هو الحكم بتقدم ما كان زمان امتثاله متقدما و في فرض الاتحاد ما كان زمان
خطابه كذلك الا ان النذر مشتمل على خصوصية توجب تأخره لانه يعتبر فيه ان لا
يكون موجبا لتحليل حرام او تحريم حلال سواء كان نفس متعلقه حراما كما إذا نذر
ما يحرم فعله لو لا النذر او كان ملازما لذلك كما إذا نذر ما يوجب تفويت واجب
لو لا النذر كما في المقام فان مقتضى القاعدة انحلال النذر و تعيين الحج عليه و
ان تقدم خطاب الوفاء بالنذر و كان كل من النذر و الحج مشروطا بالقدرة الشرعية و
السر فيه هو ان النذر في المقام يوجب تفويت الحج الواجب لو لا النذر و تفويت
الواجب كذلك يوجب انحلال النذر فانحلال النذر في مثل هذا ليس لمكان اعتبار
الرجحان في متعلقه حال الفعل حتى يستشكل بانه يكفى الرجحان حال النذر و زيارة
الحسين (عليه السلام) يوم عرفة كانت راجحة في حال النذر لعدم تحقق الاستطاعة
بعد فلا موجب لانحلاله و لعله لذلك حكى انه كان عمل صاحب الجواهر (قده) على ذلك
حيث انه كان ينذر قبل اشهر الحج زيارة الحسين (عليه السلام) يوم عرفة لئلا
يتوجه عليه خطاب الحج في اشهره بل لان انحلال النذر انما هو لمكان استلزامه
تفويت واجب بالنذر.
و هذا الكلام و ان كان يمكن المناقشة فيه اما من جهة ورود الدليل الدال على
(الصفحة 172)
اعتبار عدم كونه موجبا لتحليل حرام او تحريم حلال في اليمين دون النذر و الغاء
الخصوصية غير معلوم خصوصا مع اختلافهما في بعض الامور كعدم اعتبار الرجحان في
متعلق اليمين دون النذر.
و امّا من جهة عدم ظهور التعبير فيما يشمل الاستلزام و احتمال الاختصاص بما إذا
كان نفس المتعلق حراما دون ما إذا استلزم ذلك كما في المقام.
و امّا من جهة عدم كون ترك الواجب حراما لعدم كون الامر بالشىء مقتضيا للنهى عن
ضده العام ايضا فترك الواجب ليس بحرام كما ان ترك الحرام ليس بواجب.
الا انه بعد الاغماض عن المناقشات المذكورة يكون اصل الكلام تامّا لوضوح ان
المراد من الحرام و الحلال اللذين لا بد ان لا يكون النذر موجبا لخلافهما هو
الحرام و الحلال مع قطع النظر عن النذر لا الحلال و الحرام حتى مع وصف تعلق
النذر كما هو ظاهر و من المعلوم ان ترك الحج مع قطع النظر عن النذر يكون محرما
لفرض الاستطاعة.
ثانيها ما افاده في المستمسك فانه بعد ان
ذكر ان الاخذ باحد الحكمين في المقام يكون رافعا لموضوع الآخر و ان المقام لا
يكون من باب المتزاحمين الواجد كل منهما لملاكه و يكون تزاحمهما في مقام
الامتثال بل من قبيل المتواردين اللذين يكون كل منهما رافعا لملاك الآخر و
الترجيح بالاهم لا يتحقق فيه بل يتعين فيه الرجوع الى منشأ آخر للترجيح قال: «و
لا ينبغى التأمل في ان الجمع العرفى يقتضى الاخذ بالسابق دون اللاحق تنزيلا
للعلل الشرعية منزلة العلل العقلية فكما ان العلل العقلية يكون السابق منهما
رافعا للاحق كذلك العلل الشرعية فيلغى احتمال كون اللاحق رافعا لموضوع السابق و
ان كان احتمالا معقولا في العلل الشرعية لكنه لا يعتنى به في مقام الجمع بين
الدليلين».
و يرد عليه اولا منع ما ذكره من عدم تحقق الاستطاعة مع قطع النظر عن