(الصفحة 189)
و في مقابل هذا القول، القول بوجوب قبول الهبة مطلقا و في جميع فروضه الثلاثة و
هو مختار صاحبى المدارك و المستند على ما حكى عنهما.
و القول الثالث هو التفصيل بين الفروض و فيه ايضا قولان:
احدهما ما في المتن و في العروة من الحكم
بوجوب القبول في الفرضين الاولين دون الثالث و قد اختاره بعض الاعاظم في شرحه
على العروة.
و ثانيهما الحكم بوجوب القبول في خصوص الفرض
الاول دون الاخيرين يظهر ذلك من المستمسك و من بعض الاعلام في الشرح فالاقوال
في مسئلة الهبة اربعة و إذا لو حظ ذلك مع ما تقدم من كون وجوب القبول في مسئلة
البذل اتفاقيّا و لم ينقل الخلاف فيه من احد يظهر انه ان كان البذل بنحو
الاباحة يكون الفرق بين المسئلتين واضحا لان الهبة عقد يفتقر الى الايجاب و
القبول و يؤثر في حصول الملكية و البذل ايقاع يؤثر في الاباحة.
و اما إذا كان البذل بنحو التمليك فبعد اشتراكه مع الهبة في الاثر لا بد من
الالتزام بكون البذل ايقاعا مؤثرا في الملكية و قد عرفت انه غير معهود و يظهر
من صاحب الجواهر انه واضح المنع حيث قال في مقام الجواب عن توهم الفرق بين
الهبة و بين البذل التمليكى بانه يفيد التمليك بلا قبول بخلاف الهبة: «اذ هو
كما ترى واضح المنع» و قد استظهر هو من نصوص البذل خصوص صورة اباحة اكل الزاد و
ركوب الراحلة او الاباحة المطلقة الشاملة للتملك ان اراده و ان كان هذا
الاستظهار ممنوعا لا لوجود البذل التمليكى بل لعدم اختصاص النصوص بالبذل و
شمولها للهبة ايضا.
و كيف كان فلا ينبغي الاشكال في وجوب القبول في الفرض الاول لان العنوان
المأخوذ في النص الذى هو الاصل في الحكم هو «من عرض عليه الحج» و هو كما يشمل
البذل للحج كذلك يشمل الهبة لان يحج ايضا لعدم الفرق بينهما من جهة صدق العنوان
و ما استظهره صاحب الجواهر غير ظاهر بل الظاهر ما ذكرنا و ما في
(الصفحة 190)
محكى المسالك من ان قبول الهبة نوع من الاكتساب و هو غير واجب للحج لان وجوبه
مشروط بوجود الاستطاعة فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق يرد عليه انه مع
شمول الرواية و حكمها بوجوب القبول لا يبقى مجال لهذا الاستدلال نعم يتم ذلك في
مورد لا يشمله النص كالفرض الثالث الاتى.
و اما الفرض الثانى و هو فرض التخيير فربما
يناقش في الحكم بوجوب القبول فيه تارة من جهة ظهور عرض الحج المذكور في النصوص
في عرضه على التعيين لا على التخيير و اخرى من جهة ان لتتخيير يرجع الى ان بذله
للحج مشروط بعدم صرفه المبذول فى جهة اخرى او الابقاء عنده و لا يجب على
المبذول له تحصيل الشرط و بعبارة اخرى موضوع الوجوب هو البذل للحج و الهبة مع
التخيير بذل للجامع و بذل الجامع لا يكون بذلا للحج بشخصه.
و يدفع المناقشة الاولى منع الظهور فيما ذكر فان عرض الحج عنوان عام كما يشمل
العرض بنحو التعيين كذلك يشمل العرض بنحو التخيير.
و المناقشة الثانية بان التخيير في المقام انما هو كالتخيير في الواجب التخييرى
فكما انه يتصف الطرفان او الاطراف في الواجب التخييرى بالوجوب و لا ينافى اتصاف
بعض الاطراف بالوجوب اتصاف الاخربه ايضا فكذلك المقام فان كلا من الحج و زيارة
الحسين (عليه السلام) مثلا ـ يصدق عليه انه معروض عليه و لا ينافى عرض الزيارة
عليه عرض الحج اصلا و الملاك هو صدق عنوان الدليل فهل يمكن ان يقال بانه مع
تصريح الواهب بالحج و ذكره بالخصوص و لو على نحو التخيير انه لم يعرض عليه الحج
فهذه المناقشة اشبه بالاجتهاد في مقابل النص.
و اما الفرض الثالث و هو الهبة المطلقة من
دون تعرض للحج لا تعيينا و لا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول لانه لا يصدق
بمجرد الهبة كذلك انه عرض عليه الحج فمن وهب ماله لولده محبة منه اليه و تفضلا
له عليه لا يصدق على عمله انه عرض الحج
(الصفحة 191)
على ابنه و الملاك هو صدق هذا العنوان فالظاهر ـ ح ـ عدم وجوب القبول في خصوص
هذا الفرض و قد ظهر مما ذكرنا ان الاقوى في مسئلة الهبة ما في المتن و العروة
من التفصيل.
المقام الثانى فيما إذا وقف شخص لمن يحج
فبذل المتولى ما يكفيه له او اوصى شخص كذلك فبذل الوصى ذلك او نذر شخص كذلك
فبذل الناذر ذلك او اوصى شخص لخصوص زيد ـ مثلا ـ ما يكفيه بشرط ان يحج و الظاهر
وجوب الحج في جميع هذه الفروض لتحقق الاستطاعة البذلية و صدق عرض الحج عليه في
تمامها لعدم الفرق بمقتضى اطلاق العنوان بين كون الباذل العارض مالكا لما يبذله
اباحة او تمليكا و بين ان يكون غير مالك و لكن كان له البذل شرعا بمقتضى
التولية او الوصاية نعم لا مجال لتوهم الشمول لما إذا بذل مال الغير بنحو غير
مشروع.
و اما مع المشروعية فلا وجه لتخيل عدم شمول الاطلاق مع انه يمكن ان يقال ان
الباذل الحقيقى هو الواقف او الموصى و المتولى و الوصى هما بمنزلة الوكيل في
البذل و كيف كان لا شبهة في الحكم اصلا نعم يرد على فرض النذر انه تكرار لما
سبق في اول مبحث البذل من انه لا فرق في وجوب الحج بالبذل بين ما إذا كان البذل
واجبا و بين غيره فان البذل الواجب هو البذل الواجب بالنذر و شبهه و يمكن ان
يقال بان الفرق بين الموردين انما هو في ان المورد الاول ما إذا كان النذر
متعلقا بالبذل الذى هو فعله و اما هذا المورد فالمراد منه ما إذا كان المنذور
صيرورة من يحج مالكا بنحو النتيجة فتدبر.
المقام الثالث فيما لو اعطاه خمسا او زكوة
بمقدار ما يكفيه للحج و شرط عليه ان يحج و الكلام يقع تارة في صحة الشرط و
عدمها و اخرى انه بعد عدم الصحة هل يجب عليه الحج ام لا و ثالثة في ثبوت الفرق
في الزكوة بين ما إذا كانت من سهم الفقراء و بين ما إذا كانت من سهم سبيل اللّه
و عدمه.
(الصفحة 192)
اما من الجهة الاولى فقد استظهر السيد (قدس
سره) في العروة صحة الشرط و صرح الماتن ـ ادام اللّه ظله الشريف ـ باللغوية و
عدم الصحة.
و الوجه في العدم عدم ثبوت ولاية و سلطنة للدافع المعطى على تعيين المصرف غاية
الامر ثبوت الولاية له على تعيين المستحق في باب الزكوة بل و في باب الخمس ـ
على خلاف ـ و لا ملازمة لهذه الولاية و الولاية على تعيين المصرف خصوصا على
تقدير القول بالاشاعة الذى يرجع الى الاشتراك فانه لا مجال لاحد الشريكين عند
دفع سهم الشريك الآخر اليه ان يعين له المصرف بل يكون سهمه امانة عنده يتحقق
ردها بالدفع اليه كما انه يمكن ان يقال بان المقدار الذى يدفع بعنوان الخمس هى
مؤونة السنة و ان الحج خارج عنها فلا مجال ـ ح ـ لشرط الحج و قد صرح السيد ـ قد
ـ في مسائل ختام الزكوة انه لا يجوز اعطاء الزكوة للفقير من سهم الفقراء
للزيارة او الحج او نحوهما من القربات و عليه فيتحقق التهافت بين كلاميه.
و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام وجها آخر لعدم صحة الشرط و ملخصه ان التعليق و
الاشتراط الذى مرجعه الى الالتزام المرتبط بالالتزام العقدى انما يجرى في
الامور القابلة للتعليق كالامور الاعتبارية و اما التكوينية فهى غير قابلة
للتقييد لان التقييد انما يصح في مورد الاطلاق و السعة و الامر الخارجى
التكوينى في نفسه مضيق و غير قابل لعروض التقييد عليه نظير الايتمام الخارجى
بالامام الحاضر فان الايتمام قد حصل و تحقق خارجا سواء كان الامام زيدا او عمرا
و انما الدواعى تختلف باختلاف الموارد و بالجملة الامور التكوينية الخارجية
تتصف بالوجود و العدم و لا يجرى فيها التعليق و عليه فالواجب في المقام الذى
وجب عليه الخمس او الزكوة هو الاعطاء و الايتاء و هو امر خارجى غير قابل
للتعليق و اما الملكية الشرعية فليست تحت يده و اختياره و انما هى بيد الشارع
فما هو تحت يده لا يقبل التعليق و ما هو قابل له خارج عن يده و اختياره فلا
مجال للتعليق في المقام اصلا.
(الصفحة 193)
و يرد عليه ـ مضافا الى النقض بموارد كثيرة
مثل الواجب المشروط بناء على مبنى الشيخ الاعظم الانصارى (قدس سره) من رجوع
القيد الى المادة و كون المجىء في مثل اكرم زيدا ان جائك قيدا لزيد الذى يجب
اكرامه و معناه وجوب اكرام زيد الجائى بل و على مبنى المشهور من رجوع القيد الى
الهيئة التى وضعها كوضع العرف اى يكون وضعها عاما و الموضوع له خاصا.
و مثل العناوين القصدية التى يعتبر في تحققها القصد فان ضرب اليتيم إذا كان
بقصد التأديب يترتب عليه هذا العنوان الراجح و إذا كان بقصد الظلم و الايذاء
ينطبق عليه عنوان الظلم مع انه في الخارج ليس الا شيأ واحدا.
و مثل مسئلة الايتمام التى تقدمت نظرا الى ما مر من انه لا مجال لانكار ثبوت
صورتين فيها بحسب الواقع فان الايتمام على كل تقدير سواء كان الامام زيدا ام
عمروا يغاير الايتمام المقيد بكونه زيدا و قد انكشف خلافه.
ـ ان الموجود الخارجى إذا لو حظ مع وصف كونه صادرا بالارادة و الاختيار لا بنحو
الاطلاق الشامل للاكراه و الاجبار فلا بدّ في تحققه من الارادة الناشية عن
مباديها فاذا كان من جملة مباديها التصديق بفائدة المراد و فرض ان الفائدة التى
قد صدقها كانت منحصرة بصورة خاصة فلا بد من ان يقال ان الارادة انما تعلقت
بصدورها بهذه الكيفية و عليه فما هو الصادر في الخارج يكون من حين صدورها
محدودا و مقيدا لعدم تعلق الارادة بغير المحدود و المقيد اصلا و لعله تخيل ان
مراد القائل بالتقييد في الامر الخارجى هو تقييده بعد وجوده و تحققه في الخارج
مع ان مراده هو التقييد في مرحلة قبل التحقق في الخارج بحيث كان الواقع مقيدا
من اول الامر ففى المقام إذا كان الاعطاء مشروطا بالحج فمعناه ان الاعطاء
الارادى انما تحقق مقيدا لعدم التصديق بالفائدة في غيره فهو و ان كان امرا
خارجيا الا انه صدر و تحقق مقيدا لا انه وجد ثم قيد كما لا يخفى و قد ظهر بما
ذكرنا بطلان هذا الوجه و ان منشأ
|