(الصفحة 209)
الاول الرجوع في المدينة ـ مثلا ـ قبل ان
يحرم و يأخذ في الاعمال و في هذا الفرض تارة لا يكون للمبذول له مال يتمكن به
من الحج و اخرى يكون له مال كذلك.
ففى الصورة الاولى لا يجب عليه الحج قطعا لانه بالرجوع ينكشف عدم كونه مستطيعا
بالاستطاعة البذلية و المفروض عدم ثبوت الاستطاعة المالية فلا مجال للزوم الحج
عليه اصلا و قد عرفت انه يجب على الباذل الراجع نفقة عوده الى وطنه.
و في الصورة الثانية الظاهر وجوب الحج عليه لتمكنه من الحج و الاتيان بمناسكه
لكن الوجوب هل يكون لاجل الاستطاعة البذلية الملفقة او لاجل الاستطاعة المالية؟
و تظهر الثمرة في الشرائط لاختلاف الاستطاعتين فيها كالرجوع الى الكفاية و
كاستثناء الدار و اثاث البيت و اشباههما حيث لا يكون ذلك معتبرا في الاستطاعة
البذلية بخلاف الاستطاعة المالية.
و يظهر من المتن ـ بناء على عمومه لفرض الرجوع قبل الاحرام كما استظهرنا منه ـ
ان هذه الصورة من قبيل الاستطاعة المالية التى يعتبر فيها الشرائط قبل الاحرام
و لكنه يمكن ان يقال بانه من قبيل الاستطاعة المركبة لانه لا فرق فيها بين ان
يكون المبذول بعض النفقة بمقدار يمكن معه الذهاب الى المدينة و العود منها و
كان البعض الاخر ملكا للمبذول له و بين ان يكون المبذول تمام النفقة و لكنه قد
رجع عن بذله في المدينة ـ مثلا ـ فان هذا الفرض ايضا كالفرض الاول تكون
الاستطاعة فيه مركبة و عليه لا يعتبر فيها الشرائط قبل الاحرام كما لا يخفى.
و بالجملة ظاهر من عمّم الاستطاعة البذلية
للاستطاعة الملفقه عدم اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة و المركبة و
هى تشمل المقام لانه نوع منها على ما ذكرنا و لكنه لا ينبغى الالتزام بعدم
اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة اصلا سواء كانت ببذل البعض ابتداء
او ببذل التمام ثم الرجوع كما في المقام لان عمدة الدليل في اعتبار تلك الشرائط
هى قاعدة نفى الحرج على ما تقدم في استثناء مثل
(الصفحة 210)
مسئلة 35 ـ لو عين مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها فالظاهر عدم
وجوب الاتمام عليه سواء جاز الرجوع له ام لا، و لو بذل ما لا ليحج به فبان بعد
الحج انه كان مغصوبا فالاقوى عدم كفايته عن حجة الاسلام و كذا لو قال: «حج و
على نفقتك» فبذل مغصوبا1.
الدار و على ما يأتى انشاء اللّه تعالى في اعتبار الرجوع الى الكفاية و من
الواضح جريان القاعدة فيما إذا كان المبذول له واجدا لبعض النفقة ايضا فتدبر.
الثانى الرجوع في اثناء اعمال الحج و بعد
الاحرام و الفرض مبنى على القول بجواز الرجوع و تأثيره و عدم لغويته كما اختاره
الماتن ـ دام ظله الشريف ـ في بحث الرجوع سابقا و على هذا المبنى تارة يقال
بلزوم اتمام الحج عليه و ان لم يكن له من الاموال الشخصية ما يتمكن به من
الاتمام كما اختاره الماتن ايضا نظرا الى كون الباذل ضامنا لنفقة الاتمام
لقاعدة الغرور او غيرها و اخرى يقال بعدم لزوم اتمام الحج عليه إذا لم يكن له
مال يفى بذلك.
فعلى الاول يجب عليه الاتمام و الظاهر اجزائه عن حجة الاسلام لعدم خروجه عن
الحج البذلى بالرجوع بعد ثبوت ضمانه لنفقة الاتمام كما لا يخفى.
و على الثانى إذا كان له مال يفى بالاتمام يصير المفروض من الاستطاعة الملفقة و
المركبة و يجرى فيه ما تقدم في الفرض الاول من انه هل يعتبر فيها شرائط
الاستطاعة المالية ام لا و قد عرفت ان الظاهر اعتبارها و يظهر من المتن انه لا
بد من ملاحظة تحقق الشرائط قبل الاحرام و قبل الشروع في الاعمال و لكنه يمكن ان
يقال بملاحظة ما تقدم فى حج الصبى من كفاية البلوغ قبل المشعر عدم لزوم تحقق
الشرائط قبل الاحرام فتأمل جيدا.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول لو عين الباذل مقدارا ليحج المبذول له
بذلك المقدار و اعتقد الباذل
(الصفحة 211)
كفايته فبان له عدم الكفاية فهل يجب على الباذل اتمام ذلك المقدار بما يكفى
للحج ام لا يجب عليه الاتمام؟اختار في المتن عدم الوجوب مطلقا سواء كان الرجوع
في البذل جائزا للباذل ام لا و قال السيد في العروة في هذا الفرع: «وجب عليه
الاتمام في الصورة التى لا يجوز له الرجوع الا إذا كان ذلك مقيدا بتقدير
كفايته» و مقتضاه وجوب الاتمام على الباذل بشرطين.
احدهما كون تبين عدم الكفاية في الحال» التى
لا يجوز فيها الرجوع كما إذا كان في اثناء المناسك و قلنا بعدم جواز الرجوع في
هذه الحالة.
ثانيهما عدم كون بذل المقدار الذى تبين عدم
كفايته مقيدا بفرض الكفاية و تقديرها فانه مع هذا التقييد الذى مرجعه الى
اشتراط البذل بصورة الكفاية فلا بذل مع عدمها كما هو المتبين لا يجب عليه
الاتمام لفرض عدم تحقق شرطه و تبين عدم الكفاية كما ان اعتبار الشرط الاول انما
هو بلحاظ انه مع جواز الرجوع و استرداد ما بذل لا مجال للحكم بوجوب الاتمام و
اما مع عدم الجواز فالدليل على وجوب الاتمام هو الدليل على عدم جواز الرجوع
فاذا لم يجز له الرجوع لاجل لزوم اتمام المناسك بعد الشروع فيها ـ مثلا ـ
فاللازم الاتمام في هذه الصورة.
و اما وجه عدم وجوب الاتمام عليه مطلقا كما في المتن فهو ان اعتقاد الكفاية
الذى هو الفرق بين ما نحن فيه و بين سائر موارد البذل التى لا يجب فيها الاتمام
لا يكون فارقا و موجبا لثبوت وجوب الاتمام و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في
ذلك فان عدم جواز الرجوع فيما بذله لاجل لزوم اتمام المناسك على المبذول له ـ
مثلا ـ لا يستلزم وجوب اتمام ما بذله الباذل و الا لكان اللازم الحكم بوجوب
الاتمام و لو مع اعتقاد عدم الكفاية من اول الامر فتدبر.
الفرع الثانى ما إذا بذل له ما لا ليحج به
كما إذا قال له: حج بهذا المال فبان بعد الحج انه كان مغصوبا فقد اختار في
المتن عدم اجزائه عن حجة الاسلام و ذكر
(الصفحة 212)
السيد في العروة ان في الاجزاء وجهين و ان اقربهما العدم.
و حكى الوجه الاول و هو الاجزاء عن بعض نظرا الى جواز التصرف في المال المغصوب
لفرض جهله بالغصب فلا يكون التصرف بمحرم هذا و الظاهر انه ليس البحث فى جواز
التصرف و عدمه حتى يقال بثبوت الجواز مع الجهل بل البحث انما هو في ان الحج
الذى يكون مجزيا عن حجة الاسلام لا بد و ان يكون عن استطاعة سواء كانت هى
الاستطاعة المالية او الاستطاعة البذلية و المفروض عدم تحقق الاولى في المقام و
اما الثانية فتتوقف على شمول الادلة الواردة في الاستطاعة البذلية لما إذا كان
المبذول مال الغير و لم يكن الباذل مجازا في التصرف فيه بوجه و من الواضح عدم
الشمول فهل يمكن ان يتوهم احد انّ قوله (عليه السلام) في بعض تلك الروايات: من
عرض عليه الحج فاستحيى...شامل لما إذا كان العرض عليه من غير مال العارض بحيث
كان العارض غاصبا و لو كان جاهلا و كذا قوله (عليه السلام) في البعض الاخر:
دعاه قوم ان يحجوه فانه لا مجال لاحتمال الشمول لما إذا كان مراد القوم ان
يحجوه من مال غيرهم الذى لا يجوز لهم التصرف فيه بوجه و بالجملة ادلة الاستطاعة
البذلية قاصرة عن الشمول للمقام فالحج الواقع فاقد لكلتا الاستطاعتين فلا مجال
لاجزائه عن حجة الاسلام و كفايته عنه و قد ظهر انه ليس الكلام في تحقق الحج مع
المال المغصوب بل الكلام انما هو في تحقق الاستطاعة و عدمه و لا فرق في هذه
الجهة بين صورتى العلم و الجهل.
الفرع الثالث ما إذا قال له حج و على نفقتك
فبذل له مالا مغصوبا و اختار في المتن عدم الاجزاء فيه ايضا و لكن استظهر السيد
(قدس سره) في العروة الصحة و الاجزاء عن حجة الاسلام معللا بانه استطاع بالبذل.
و لعل نظره ان الاعطاء و البذل من المال المغصوب لا يوجب عدم تحقق الاستطاعة
البذلية الحاصلة بقوله: حج و على نفقتك نظير بيع الكلى و اداء المال المغصوب
بعنوان المبيع فكما ان الاداء المذكور هناك لا يقدح في صحة البيع
(الصفحة 213)
مسئلة 36 ـ لو قال اقترض و حج و على دينك ففى وجوبه عليه نظر و لو قال
اقترض لى و حج به وجب مع وجود المقرض كذلك1.
و اشتغال ذمة البايع بالمبيع الكلى فكذلك المقام.
و الجواب عنه وضوح الفرق بين المقامين فانه
هناك قد تمت المعاملة بعقد البيع و صار التمليك و التملك متحققا بنفس العقد و
الاداء امر آخر خارج عن المعاملة غاية الامر وجوبه و لزومه على البايع و اما
هنا فمجرد الانشاء لا يكفى في تحقق البذل الموجب للحج لانه مجرد قول و وعد بل
الموجب هو البذل و الاعطاء الخارجى و الا فاللازم الوجوب بمجرد ذلك القول و
عليه فاذا كان المبذول مالا مغصوبا لا تتحقق الاستطاعة البذلية كما في الفرع
المتقدم فلا فرق بين الصورتين هذا بالنظر الى وجوب الحج و اما بلحاظ الضمان
فالظاهر تحققه بالاضافة الى كليهما لاستيلاء كل منهما على مال الغير بغير اذن
منه و لا من الشارع فللمالك الرجوع الى كل واحد منهما غاية الامران قرار الضمان
انما هو على الباذل لقاعدة الغرور كمن قدم طعاما مغصوبا الى ضيفه الجاهل فان
مقتضى تلك القاعدة كون القرار على المقدم.
1 ـ فى هذه المسئلة فرعان:
الاول ما لو قال اقترض ـ اى لنفسك ـ و حج و
على دينك الثابت بسبب الاقتراض و قد تنظر في المتن و في العروة في وجوب
الاقتراض و الحج عليه و استدل عليه فيها بعدم صدق الاستطاعة عرفا و الوجه فيه ـ
بعد كون المفروض فيه عدم تحقق الاستطاعة المالية ـ عدم معلومية صدق العناوين
المأخوذة في ادلة الاستطاعة البذلية في المقام فلا يصدق عنوان «من عرض عليه
الحج» بمجرد طلب الاقتراض و تضمين دين المقترض و الشك في الصدق ايضا لا يترتب
عليه الا عدم الوجوب للزوم احراز العنوان فى ثبوته و تحققه كما لا يخفى.
الثانى ما لو قال اقترض لى و حج به و فرض
وجود مقرض كذلك و في المتن تبعا للعروة الحكم بوجوب الاقتراض و الحج في هذا
الفرض و لكنه استشكل بعض الشراح
|