(الصفحة 215)
الاجارة جاز له اجارة نفسه للخدمة في الطريق كما انه لو آجر نفسه للنيابة عن
الغير يجوز له اجارة نفسه للخدمة لعدم المنافاة.
و ذكر السيد ـ في العروة ـ بعد ذلك قوله: «بل لو آجر نفسه لنفس المشى معه بحيث
يكون العمل المستأجر عليه نفس المشى صح ايضا و لا يضر بحجه نعم لو آجر نفسه لحج
بلدى لم يجز له ان يوجر نفسه لنفس المشى كاجارته لزيارة بلدية ايضا اما لو آجر
للخدمة فى الطريق فلا بأس و ان كان مشيه للمستأجر الاول فالممنوع وقوع الاجارة
على نفس ما وجب عليه اصلا او بالاجارة».
اقول الظاهر انه لا اشكال في الوجوب في اصل
المسئلة و هو ما لو آجر نفسه للخدمة فى طريق الحج و وجوب قطع الطريق عليه للغير
لا ينافى الوجوب لان الواجب انما هو نفس الاعمال لا المقدمات فالمستأجر عليه
غير الواجب و الواجب لم يقع عليه عقد الاجارة.
و لكن ربما يقال بان ظاهر الاية الشريفة وجوب السفر و طى الطريق وجوبا نفسيا
فانه المراد من «حج البيت» المأمور به فيها لانه عبارة عن الذهاب اليه و السعى
نحوه و عليه فوجوبه نفسى فلا يجوز اخذ الاجرة عليه.
و يدفعه انه لا مجال لتوهم كون الواجب بالاية هو طى الطريق و السفر و الذهاب و
لا وجه لدعوى كون المراد من «حج البيت» ذلك فانه يدفعها ـ مضافا الى استبعاد
دعوى دلالة الاية على مجرد ذلك من دون دلالة لها على وجوب الاعمال ـ ان حمل «حج
البيت» على ذلك لا يجتمع مع قوله تعالى «من استطاع اليه سبيلا» فان ذكر السبيل
عليه يصير لغوا لا فائدة فيه اصلا و عليه فالمراد منه هى الاعمال و المناسك
التى لها اضافة الى البيت و هو المحور و الاساس لها.
هذا مع ان النصوص و الفتاوى متطابقة على عدم كون السفر و طى الطريق واجبا
بالوجوب النفسى فانه لو فرض ان مستطيعا قد اختطف من بلده و اطلق في الميقات لا
يقدح
(الصفحة 216)
ذلك في صحة حجه اصلا كما انه لو سافر من بلده الى محل آخر لغرض ثم اراد منه
الذهاب الى الحج لا يضر ذلك بحجه اصلا.
و اما الروايات فمثل صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) عن الرجل
يمر مجتازا يريد اليمن او غيرها من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم
يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد ا يجزيه ذلك عن حجة الاسلام قال: نعم.(1)
و صحيحته الاخرى قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) الرجل يخرج في تجارة الى
مكة او يكون له ابل فيكريها حجته ناقصة ام تامة؟قال لابل حجته تامة.(2)
و رواية الفضل بن عبد الملك عنه (عليه السلام) قال و سئل عن الرجل يكون له
الابل يكريها فيصيب عليها فيحج و هو كرى تغنى عنه حجته او يكون يحمل التجارة
الى مكة فيحج فيصيب المال في تجارته او يضع تكون حجته تامة او ناقصة او لا يكون
حتى يذهب به الى الحج و لا ينوى غيره او يكون ينويهما جميعا ايقضى ذلك حجته قال
نعم حجته تامة.(3) ثم انه في «المستمسك» بعد ما اختار دلالة الاية
على كون وجوب السفر وجوبا نفسيا و انه إذا اجمل مبدء السير يكون القدر المتقين
هو السير من الميقات و بعد حكاية استدلال الجواهر بالنصوص المذكورة على عدم كون
السفر واجبا داخلا في اعمال الحج قال ما ملخصه: «ان النصوص المذكورة لا تصلح
للخروج بها عن ظاهر الاية الشريفة فان الصحيح الاول ظاهر في ان خروجه الى
المشاهد لم يكن بقصد غاية اخرى و انما كان لمحض الحج و الصحيح الثانى يدل على
ان حجه و هو كرى او يحمل التجارة الى مكة صحيح و هو لا يقتضى خروج السير من
الميقات عن الحج و عدم لزوم التعبد و التقرب به لان وقوع العمل عبادة يتوقف على
صدوره عن داعى القربة على نحو
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى و العشرون ح ـ 2
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى و العشرون ح ـ 4
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى و العشرون ح ـ 5
(الصفحة 217)
يكون ذلك الداعى صالحا للاستقلال في الداعوية و هو لا ينافى وجود داع آخر كذلك
نعم اطلاقه يقتضى الصحة و ان كان داعى القربة تبعيا لكن هذا الاطلاق ليس بحد
يصلح للخروج بها عن ظاهر الاية لقرب حمل الكلام على انه في مقام نفى مانعية
الضميمة و اما الخبر الثالث فحمله على ذلك اقرب فان قول السائل و لا ينوى غيره
ظاهر فى ذلك جدّا مضافا الى ضعف سنده بالارسال».
و يرد عليه ـ مضافا الى ما عرفت من عدم دلالة الاية على وجوب السفر و السعى الى
البيت بوجه لما عرفت ـ انه لا مجال لانكار ظهور الروايات في عدم مدخلية للسفر و
لو من الميقات في اعمال الحج و مناسكه و ان ما يعتبر فيه قصد القربة هى الاعمال
فقط دون السير فما هو الواجب في الميقات انما هو الاحرام و اما السير منه الى
البيت فلا يكون واجبا نفسيا بل انما يجب مقدمة لتحقق الطواف و السعى و مثلهما
فلو اختطف في الميقات بعد الاحرام ثم اطلق في مكة لا يقدح ذلك في صحة حجه و لا
يجب عليه العود الى الميقات ليتحقق منه السير الذى هو واجب تعبدى على ما افاده
فالانصاف انه لا مجال لدعوى الوجوب التعبدى بالاضافة الى السير و لو من الميقات
مع انه لا وجه لدعوى الاجمال ثم الحمل على السير من الميقات فانه بعد كون
التكليف بالحج ثابتا على كل مستطيع من الناس فاذا كان المراد من حج البيت هو
السعى اليه و الحركة نحوه فلا محالة يكون المراد هى حركة كل مكلف من محله و ما
هو موضع تعيشه و محل عائلته و لا مجال للحمل على السير من الميقات و التفكيك
بينه و بين السير من وطنه و بلده هذا مع انه قد تقرر في محله عدم منافاة اخذ
الاجرة للواجب النفسى التعبدى فضلا عن التوصلى و قد حققنا ذلك في كتابنا في
القواعد الفقهية و في بحث الاجارة من هذا الكتاب.
الفرع الثانى ما لو طلب منه اجارة نفسه
للخدمة في طريق الحج بما يصير به مستطيعا و قد حكم في المتن ـ تبعا للعروة ايضا
ـ بعدم وجوب القبول و الوجه في عدم
(الصفحة 218)
الوجوب عدم تحقق شىء من الاستطاعتين قبل القبول و عدم لزوم تحصيل الاستطاعة
بوجه من دون فرق بين الاستطاعة المالية و الاستطاعة البذلية.
اما عدم تحقق الاولى فلانه قبل الاجارة لا يكون مستطيعا على ما هو المفروض و
اما عدم تحقق الثانية فلانه لا يصدق انه عرض عليه الحج او دعى ان يحجوه لان
المطلوب منه هى اجارة نفسه للخدمة كالطبخ و نحوه فلا يصدق عليه انه عرض عليه
الحج و مثله كما لا يخفى.
و لكنه ربما يقال بالوجوب إذا لم يكن حرجا عليه كما قال به صاحب المستند و
استند في ذلك اولا الى صدق الاستطاعة و ثانيا الى انه مالك لمنافعه فيكون
مستطيعا قبل الاجارة كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده او دابته و كانت كافية في
استطاعته.
و اجاب عن الاول السيد في العروة بالمنع من صدق الاستطاعة بذلك و الظاهر ان
مراده منع صدق الاستطاعة العرفية مع انه لو كان المراد هى الاستطاعة العرفية لا
مجال لدعوى منعها و لذا لو كان الدليل منحصرا بالاية الظاهرة في الاستطاعة
العرفية كما مر البحث فيه سابقا لكان اللازم الحكم بالوجوب في المقام لكنه حيث
لا يكون الدليل منحصرا بها بل كان هناك روايات واردة في تفسير الاية و مقتضاها
ان المراد بالاستطاعة هو وجود الزاد و الراحلة عينا او بدلا و المفروض عدم
تحققهما في المقام فاللازم هو الحكم بعدم الوجوب.
و اما الدليل الثانى فيدفعه ان الحرّ لا يكون مالكا لمنافعه بل لعله لا مجال له
اصلا لانه لا يعتبر كون الانسان مالكا لنفسه و لو كانت هى منافعه و لا ينافى
ذلك جواز اجارة نفسه المستلزمة لتمليك منفعته الى المستأجر لعدم الملازمة بين
صحة التمليك و تحقق الملكية قبله كما ان تحقق وصف الغنى المانع من جواز اخذ
الزكوة ـ مثلا ـ بسبب القدرة على مثل الخياطة لا يوجب تحقق الملكية للمنفعة فان
الغنى لا يتوقف على ثبوتها كما لا يخفى.
(الصفحة 219)
و يدل على عدم الملكية انه لو قلنا بها لكان اللازم ان يمهد مقدمات الطلب و
يتصدى لذلك و يجعل نفسه معرضا للايجار من دون ان يكون الوجوب متوقفا على الطلب
كما هو المدعى مع انه من الواضح عدم الوجوب.
الفرع الثالث ما لو آجر نفسه للنيابة عن
الغير فصار مستطيعا بمال الاجارة ففى المتن و العروة لزوم تقديم الحج النيابى
ان كان الاستيجار للسنة الاولى.
و يستفاد من العبارة عدم كونه في حال الايجار مستطيعا و قد صرح به السيد في
العروة و ظاهرهما انه إذا كان في حال الايجار مستطيعا لا يجوز ان يوجر نفسه
للنيابة مع انه لا يتم على اطلاقه فانه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص السنة
الاولى و لم يكن هناك انصراف اليها بل كان الاستيجار بنحو الاطلاق او مع
التصريح بعدم الاختصاص بالسنة الاولى لا مجال للمناقشة في الجواز لعدم المانع ـ
ح ـ بوجه فانه لا تزاحم بين الامرين اصلا.
نعم فيما إذا كان الاستيجار لخصوص السنة الاولى ـ تصريحا او انصرافا ـ لا وجه
لجواز النيابة و ان قلنا بجواز اخذ الاجرة على الواجب النفسى التعبدى ـ كما هو
الحق ـ و ذلك لان مورد تلك المسئلة ما إذا اتى الاجير الواجب المذكور لنفسه
غاية الامر تعلق غرض عقلائى للمستأجر بذلك حتى تصح الاجارة و بذل الاجرة و اما
هنا فالمفروض ان العمل المستأجر عليه هو الحج النيابى الذى مرجعه الى لزوم
الاتيان به نيابة عن الغير و الاجرة انما تقع في مقابل هذا فما هو الواجب عليه
لا تقع في مقابله الاجرة و ما تقع في مقابله الاجرة غير واجب عليه و من المعلوم
انه لا يمكن الجمع بين الامرين لعدم صلاحية حج واحد لان يقع عن نفسه و عن غيره
فالمقام لا يرتبط بتلك المسئلة اصلا هذا إذا كان الاجير مستطيعا و اما إذا لم
يكن مستطيعا بل صار كذلك بمال الاجارة فقد عرفت انه حكم فيه بتقديم الحج
النيابى و قد علله بعض الاعلام في الشرح بانه يجب عليه تسليم العمل المستأجر
عليه الى من يستحقه كما لو اجر نفسه لساير الاعمال من البناء و الخياطة