(الصفحة 228)
النفقة في مدة الغيبة خصوصا مع عدم التعرض لقوت نفسه و لو كان المراد هو الاعم
لكان اللازم التصريح به ايضا او عدم ظهوره في الاعم و ان لم يكن ظاهرا في
الخصوص ايضا نقول ان الرواية قد رواها المفيد (قدس سره) في المقنعة بنحو آخر
يكون مقتضاه اعتبار الرجوع الى الكفاية و توضيحه ان صاحب الوسائل بعد ان روى
الرواية بالنحو المتقدم عن الكلينى (قدس سره) قال: «و رواه الشيخ باسناده عن
محمد بن يعقوب، و رواه الصدوق باسناده عن ابى الربيع الشامى، و رواه في العلل
عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد اللّه بن جعفر الحميرى عن احمد بن محمد عن
الحسن ابن محبوب مثله، و رواه المفيد في المقنعة عن ابى الربيع مثله الا انه
زاد بعد قوله: و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس
بكفه لقد هلك إذا ثم ذكر تمام الحديث و قال فيه يقوت به نفسه و عياله».
و يستفاد منه ان الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة مسندة بالنحو الاول و ان
المفيد (قدس سره)قد تفرد بنقل الحديث عن ابى الربيع بالنحو الثانى و ظاهره
النقل عنه بنحو الارسال لخلو العبارة عن ذكر كلمة «الاسناد» و نحوها كما ان
الظاهر عدم كون ما نقله المفيد زيادة على النحو الاول بل القول المذكور انما هو
بدل قوله ينطلق اليهم فيسلبهم اياه لقد هلكوا إذا لا انه زيادة واقعة بينه و
بين قوله: و يستغنى به عن الناس لعدم المناسبة بين الزّيادة و بين قوله بعدها
ينطلق اليهم....اصلا فلا بد ان يكون المراد من الزيادة هى البدلية و وقوعه
مقامه كما ان قوله: يقوت به نفسه و عياله بدل لقوله: لقوت عياله، في ذيل
الرواية.
و كيف كان فلا اشكال في دلالة الرواية على ـ نقل المفيد ـ على اعتبار الرجوع
الى الكفاية و انه لا مجال لوجوب الحج مع سؤال الناس بكفه إذا رجع و قد عرفت
عدم دلالتها على نقل المشايخ الثلاثة على الاعتبار و ـ ح ـ فهل هذا الاختلاف
يرجع الى تعدد الرواية و يقتضى ان يقال بان في المقام روايتين و لا بد من
(الصفحة 229)
الجمع الدلالى بينهما على فرض امكان الجمع و مساعدة العرف و العقلاء و معاملة
قواعد باب التعارض على تقدير عدم امكان الجمع او ان الاختلاف المذكور لا يستلزم
التعدد بوجه بل يوجب الترديد فيما هو الصادر من الامام (عليه السلام) و ان
الصادر هل يكون مطابقا لما رواه المشايخ او لما رواه المفيد؟الظاهر هو الثانى
بل لا مجال للاحتمال الاول بعد كون الراوى واحدا و هو ابو الربيع الشامى.
و عليه فان قيل بعدم اعتبار نقل المفيد (قدس سره) لكونه بنحو الارسال و ليس من
قبيل المرسلات المعتبرة عندنا و هى ما لو كانت الرواية مسندة الى الامام و
منسوبة اليه كما إذا قال المرسل: قال الامام (عليه السلام) كذا فان مثله كاشف
عن توثيق الوسائط و الا لا وجه للاسناد المذكور كما لا يخفى فاللازم الاخذ
بالرواية على نقل المشايخ فقط.
و اما ان قلنا باعتبار نقل المفيد (قدس سره) نظرا الى ان الظاهر كون نقله ناظرا
الى نقل المشايخ و انه انما حذف الاسناد المذكور في كلامهم لا انه نقل مستقل
بنحو الارسال فربما يقال بان مقتضى ترجيح اصالة عدم النقيصة الجارى في مثل
المقام هو ترجيح نقل المفيد المشتمل على الزيادة و الحكم باعتبار الرجوع الى
الكفاية الا ان الظاهر انه لا مجال له في المقام ـ و ان سلمنا الترجيح المذكور
في مورده ـ و ذلك لان مورده ما إذا دار الامر بين الزيادة و النقيصة كما إذا
اشتمل احد النقلين على زيادة دالة على حكم زائد و كان الاخر فاقدا لتلك الزيادة
و اما في المقام فلا يكون الامر دائرا بينهما لما عرفت من ان تعبير صاحب
الوسائل بالزيادة في نقل المفيد في غير محله لان نقل المشايخ مشتمل على جملات
بعد قوله (عليه السلام): و يستغنى به عن الناس و نقل المفيد مشتمل على جملات
آخر مكان تلك الجملات فلا يكون الامر دائرا بين الزيادة و النقيصة.
و دعوى عدم كون الجملات المذكورة في نقل المشايخ مشتملا على حكم
(الصفحة 230)
زائد بخلاف الجملات المذكورة في نقل المفيد فانها تشتمل على حكم زائد و هو
اعتبار الرجوع الى الكفاية.
مدفوعة بان الامر و ان كان كذلك الا ان الملاك في ترجيح اصالة عدم الزيادة على
اصالة عدم النقيصة ليست هذه الزيادة بل زيادة العبارة و الجملة و الكلام و
الكلمة بشرط ان لا يكون مجرد العبارة فقط بل دالا على امر زائد فلا مجال
للترجيح في المقام.
فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاستفادة الاعتبار من الرواية و ان قلنا
بوثاقة ابى الربيع و اعتبار نقل المفيد و ترجيح اصالة عدم الزيادة على اصالة
عدم النقيصة.
و منها ما رواه الصدوق في الخصال باسناده عن الاعمش عن جعفر بن محمد ـ عليهما
السّلام ـ في حديث شرايع الدين قال: و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا
و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن و ان يكون للانسان ما يخلفه على عياله، و ما
يرجع اليه بعد حجه.(1)
و دلالتها على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة الموجبة للحج واضحة و
لكنها ضعيفة من حيث السند.
و منها رواية عبد الرحيم القصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئله حفص
الاعور و انا اسمع عن قول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على الناس حج البيت من
استطاع اليه سبيلا قال ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم
ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم الحديث.(2) و مثلها رواية عبد الرحمن بن
الحجاج قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن قوله تعالى
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 4
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ
(الصفحة 231)
و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال: الصحة في البدن و القدرة
في ماله(1) و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو
باعتبار ان عناوين القوة في المال و القدرة فيه و اليسار لا تكاد تتحقق بدون
الرجوع المذكور.
و لكن الظاهر ـ كما افيد ـ ان هذه العناوين ذات مراتب و لا ظهور فيها في
المرتبة التى تكون زائدة على الزاد و الراحلة المفسرة بهما الاستطاعة في جملة
من الروايات المفسرة بحيث يتحقق التعارض و الاختلاف بينهما كما لا يخفى.
و منها صحيحة ذريح المحاربى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من مات و لم
يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به او مرض لا يطيق فيه الحج او
سلطان يمنعه فليمت يهوديا او نصرانيا.(2)
و اورد على الاستدلال بها بان الاجحاف امر مشكك ذو مراتب و ما ورد من تفسير
الاستطاعة بالزاد و الراحلة مفسر لهذا العنوان فيعلم منها ان المراد من عدم
حصول الاجحاف هو كونه واجدا للزاد و الراحلة لو لم يرد دليل تعبدى آخر على
اعتبار وجدانه زائدا على ذلك.
و الجواب عن هذا الايراد ان وجدانه للزاد و الراحلة مأخوذ في موضوع المسئلة
ضرورة ان المراد من قوله من مات و لم يحج حجة الاسلام ليس مطلق من لم يحج بل
خصوص المستطيع و هو الواجد للزاد و الراحلة لا محالة و بعبارة اخرى ظاهر مفروض
السؤال ثبوت المقتضى للوجوب و تحقق المانع عن العمل بداهة ان غير المستطيع لا
يكون له مانع عن الحج بل عدم صدور الحج عنه لعدم تحقق المقتضى.
فاذا كان وجود الزاد و الراحلة مفروضا في اصل الموضوع فلا محالة يكون المراد من
الحاجة المجحفة مثل نفقة العيال في مدة الغيبة و نفقة نفسه و عياله بعد
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 12
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 1
(الصفحة 232)
الرجوع فالانصاف صحة الاستدلال بهذه الرواية لتماميتها من حيث السند و الدلالة.
و منها ما ذكره صاحب مجمع البيان في ذيل قوله تعالى: و للّه على الناس حج البيت
من استطاع اليه سبيلا من قوله: المروى عن ائمتنا (عليهم السلام) انه الزاد و
الراحلة و نفقة من تلزمه نفقته و الرجوع الى كفاية اما من مال او ضياع او حرفة
مع الصحة في النفس و تخلية الدرب (السرب) من الموانع و امكان المسير.(1)
و الظاهر عدم كونها رواية و لو مرسلة بل انما هو استنباط له من ملاحظة الروايات
الواردة في الباب فلا يصح للاستناد اليه بوجه.
و منها صحيحة هارون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات
و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم احق
بميراثه ان شاوا أكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(2) و مثلها صحيحة معاوية
بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان
كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قدر حج فمن ثلثه،
و من مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم
احق بما ترك فان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(3) و دلالتهما على
اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار الحكم بعدم وجوب الحج على الورثة
إذا كانت التركة بمقدار نفقة الحج فيعلم من ذلك انه يعتبر في الوجوب على المورث
امر زائد على ذلك و هو الرجوع الى الكفاية.
و لكن ورد في هذا المجال رواية اخرى و هى صحيحة ضريس الكناسى قال سئلت ابا جعفر
(عليه السلام) عن رجل عليه حجة الاسلام نذر نذرا في شكر ليحجنّ به
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 5
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس والعشرون ح ـ 4