(الصفحة 233)
رجلا الى مكة فمات الذى نذر قبل ان يحج حجة الاسلام و من قبل ان يفى بنذره الذى
نذر قال: ان ترك ما لا يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما
يحج به رجلا لنذره و قدوفى بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا الا بقدر ما يحج به
حجة الاسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه(1)
و ظاهرها تعين وجوب الحج في الفرض المذكور في الروايتين الذى حكم فيه بعدم
الوجوب و تخيير الورثة بين فعل الحج و تركه.
و لكن الظاهر ان مورد هذه الرواية بقرينة قوله: عليه حجة الاسلام صورة استقرار
الحج على الرجل و عليه فمقتضى الجمع بين هذه الرواية و الروايتين حملهما على
صورة عدم الاستقرار و عليه فتدلان على اعتبار الرجوع الى الكفاية لانه لو لا
ذلك لكان اللازم على الورثة الحج مع عدم كون المتروك الا بمقدار خصوص نفقة الحج
الا ان يقال ان عدم الوجوب في الفرض المذكور ليس لاجل عدم تحقق الرجوع الى
الكفاية بل لاجل عروض الموت للمورث الكاشف عن عدم وجوب حجة الاسلام فان
المستطيع لو مات في سنة الاستطاعة قبل ان يحج لا يجب عليه حجة الاسلام و لو كان
شرط الرجوع الى الكفاية متحققا بالاضافة اليه فعدم الوجوب في مورد الرواية لعله
كان لاجل الموت لا لفقدان الرجوع اليها كما لا يخفى.
هذا و لكن الظاهر عدم اختصاص موردهما بما إذا عرض الموت في سنة الاستطاعة بل
مقتضى الاطلاق الشمول لما إذا عرض بعدها غاية الامر خلو الاستطاعة الحاصلة عن
الرجوع الى الكفاية و عليه فالفرق بين الموردين اختصاص مورد صحيحة ضريس بما إذا
استقر عليه حجة الاسلام و من الممكن اعتبار الرجوع الى الكفاية في تحقق
الاستقرار فتدبر.
هذا و لكن ربما يناقش في اصل دلالة الروايتين بان غاية مفادهما ان وجدانه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح ـ 1
(الصفحة 234)
لنفقة الحج فقط لا يكفى في وجوب الحج عليه بل يعتبر وجدانه زائدا على ذلك و اما
اعتبار وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية فلا دلالة لهما عليه فلعله يكفى كونه
واجدا لنفقة العيال الى زمان عوده الى وطنه زائدا على نفقة حجه فتدبر.
المقام الثانى في انه بعد اعتبار الرجوع الى
الكفاية في الجملة هل يجب الحج على الفقير الذى يعيش من الزكوة او على طالب
العلم الذى يعيش من سهم الامام (ع) او على السيد الذى يستحق سهم السادة و يعيش
به و امثالهم و طرح البحث فيهم يمكن ان يكون على سبيل البحث الكبروى بان كان
البحث في انه هل يعتبر فيهم الرجوع الى الكفاية ايضا او لا يعتبر فيهم كما في
الاستطاعة البذلية حيث عرفت انه لا يعتبر فيها الرجوع الى الكفاية و يمكن ان
يكون على نحو البحث الصغروى بان كان البحث في انه بعد اعتبار الرجوع الى
الكفاية مطلقا هل يتحقق الرجوع اليها بالاضافة اليهم ام لا، يستفاد من السيد في
العروة الاول كما ان ظاهر المتن هو الثانى.
و كيف كان فاللازم ملاحظة الادلة فنقول: ان قلنا بان الدليل على اصل اعتبار
الرجوع الى الكفاية هى قاعدة نفى العسر و الحرج فاللازم ان يقال بعدم اعتباره
في الموارد المذكورة و مثلها لعدم كون وجوب الحج في مثله مستلزما للعسر و الحرج
فاذا فرض ان طالبا من طلاب العلم مع كون اعاشته من طريق الرواتب التى هى من
الخمس نوعا صار مستطيعا بسبب الارث بمقدار نفقة الحج و العيال في مدة الغيبة
فقط لا يكون ايجاب الحج عليه مستلزما للعسر و الحرج بعد كون اعاشته من الرواتب
الثابتة بعد الحج ايضا.
و ان قلنا بان الدليل على اصل الاعتبار هو كون الرجوع الى الكفاية مأخوذا في
معنى الاستطاعة بحسب نظر العرف و انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فاللازم الحكم
بعدم الوجوب في الموارد المذكورة لعدم تحقق الرجوع الى الكفاية و لزوم كونه
مالكا لما يستعين به على الاعاشة بعد الرجوع و يستغنى به كما هو المفروض.
(الصفحة 235)
و ان قلنا بان الدليل هى الروايات الواردة في الباب فمقتضى رواية ابى الربيع
الشامى المتقدمة على نقل المفيد (قدس سره) ايضا عدم الوجوب لصراحتها في ان
المراد بالاستطاعة هى السعة في المال بنحو يبقى بعضا يقوت به نفسه و عياله و
ظاهرها باعتبار ذكر النفس هو القوت بعد الرجوع و من المعلوم عدم تحقق السعة
بهذا المعنى في مثل الموارد المذكورة كما لا يخفى و لكن قد عرفت عدم ثبوت هذا
النقل كما ان مقتضى ما ورد مما يدل على ان المراد من الاستطاعة هى القوة في
المال او القدرة فيه او اليسار او مثلها من التعبيرات هو عدم الوجوب بناء على
عدم تحقق هذه العناوين في مثل الموارد المذكورة لكنك عرفت انه محل تأمل و اشكال
لتفسير السعة بالزاد و الراحلة و نفقة العيال فقط في رواية ابى الربيع على نقل
المشايخ الثلاثة على ما مرّ.
هذا و قد عرفت ان العمدة في الروايات هى صحيحة ذريح المحاربى المتقدمة المشتملة
على قوله لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به و من الظاهر انه مع وجود ما يستغنى به
من مثل الزكوة و الخمس لا يكون في البين حاجة تجحف به لارتفاع حاجته به و على
ما ذكرنا فالظاهر وجوب الحج في الموارد المذكورة و مثلها كالفقير الذى يعيش
بالصدقة المستحبة بالاستعطاء و الاخذ و الاعتياد بهما كما ان الظاهر عدم
محدودية ذلك بالعمر او السنة او مثلهما بل الملاك عدم وجود الحاجة المجحفة و لو
فرض تحقق الحاجة الكذائية على خلاف العادة بعد الرجوع من الحج لا يكشف ذلك عن
عدم وجوب حجه و عدم كونه حجة الاسلام كما لا يخفى.
و قد صادف هذا الزمان مع فاجعة عظيمة و حادثة مولمة ينبغى ان يسيل لاجلها بدل
الدموع الدّم و هى المصيبة الكبرى التى ابتلى بها المسلمون في جميع اقطار
العالم بل غير المسلمين من المستضعفين و هى ارتحال سيدنا الاستاذ الاعظم الامام
الخمينى الماتن (قدس سره)بعد دورة قليلة من المرض و الكسالة الذى اضطر فيه الى
العمل
(الصفحة 236)
الجراحى و كان ذلك ليلة الاحد آخر شوال المكرم من سنة 1409 من الهجرة النبوية
على مهاجرها آلاف الثناء و التحية و بعد ان اطلع الناس على هذه الفاجعة من طريق
الاذاعة صبيحة يوم الاحد صاروا حيارى سكارى و كانهم قد اخذ منهم ما هو احب
الاشياء اليهم او قد فقدوا من له حق الحياة و الهداية عليهم و هو كذلك فانه وضع
عنهم اصرهم و الاغلال التى كانت عليهم و انقذهم من الضلالة و ارجع اليهم
الاسلام و نظامه و قد اسس الحكومة الاسلامية الحقيقية على مكتب التشيع الذى هو
حقيقة الاسلام و بالطبع قد خرجوا من الضلال الذى كان محيطا بهم من جميع الجوانب
و اعطاهم الحرية و الاستقلال و رفع يد الاستكبار و الكفار عن هذه المملكة التى
صارت مستعمرة للكفر في تمام ابعادها و كان يعامل معها الكفار و في رأسهم
الشيطان الكبير (امريكا) معاملة ملك انفسهم و مع الناس معاملة العبيد و الاماء
و كان سعيهم المخالفة مع الاسلام و هدم اساسه و رفع مظاهره حتى ابدلوا التاريخ
الاسلامى الذى مبدئه الهجرة النبوية الى تاريخ السلطنة القومية لئلا يكون من
الاسلام اثر و لا يبقى منه رائحة اصلا و كان الامام الخمينى (قدس سره) هو الذى
قابل الكفر و عارضه حتى اسقط حكومة الشاه العميل و الاجير الخبيث و اسس مكانه
الحكومة الاسلامية المبتنية على قوانين الاسلام و قد تحمل في هذا الطريق مشاقا
كثيرة الحبس و التبعيد و انواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل في هذا الطريق
مشاقا كثيرة الحبس و التبعيد و انواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل العلم و
الدين و يرتزق بسببهما و لم يستشم في الحقيقة رايحتهما خصوصا الدين منهما.
و بالجملة بعد اطلاع الناس على هذه الحادثة غير المترقبة عطلوا دكاكينهم و
رفعوا اليد عن مشاغلهم و في ثلاثة ايام التى وقع فيها التوديع و التشييع و
التدفين اجتمع ما يزيد على عشرة ملائيين من العاصمة و البلاد المختلفة الداخلية
و الخارجية و كل يوم منها و من الايام التى بعدها و الان خامس الايام كانه يوم
العاشور الذى وقع فيه قتل جده الحسين و اولاده و انصاره ـ عليه و عليهم السلام
ـ فمن محافل اجتمعوا فيه لاقامة العزاء و اجتماعات سيارة مشتملة على الضرب على
الرؤس و الصدور و البكاء و الضجّة و من العجائب الذى ليس له في التاريخ نظير
انه لاجل شدة الازدحام و تكاثر الانام
(الصفحة 237)مسئلة 40 ـ لا يجوز لكل من الولد و الوالد ان يأخذ من مال الاخر و يحج به
و لا يجب على واحد منهما البذل له، و لا يجب عليه الحج و ان كان فقيرا و كانت
نفقته على الاخر و لم تكن نفقة السفر ازيد من الحضر على الاقوى1.
لم يتمكن من تدفين الامام الا بعد ساعات كثيرة بعد تدابير مخصوصة و الاستفادة
من القوى الانتظامية و الان بعد مضى خمسة ايام يكون قبره محاطا بالناس و لا
يزال يكون مجتما عنده ما يزيد على مأة الف في كل آن و كانّ الناس قد نسوا اهلهم
و عيالهم و حتى انفسهم و لا يتفكرون الاّ في فقدان امامهم و لا يرون الاّ ذهاب
جميع ما يتعلق بهم من الدين و الدنيا و انا اسلّى هذه المصيبة الى صاحبها بقية
اللّه الاعظم روحى و ارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء و ارجو من كريم لطفه و
فضله و عنايته الشاملة ان ينظر الى القلوب المجروحة و الابصار الدامعة نظرة
عناية و رأفة و تحنن و الى هذا النظام و الثورة نظرة تحكيم و تسديد و السلام
عليه و على آبائه الطاهرين.
1 ـ لا خلاف في انه لا يجوز للولد الاخذ من مال الوالد ليحج به و لا يجب على
الوالد البذل له و تدل عليه القاعدة و كذا الروايات التى يأتى بعضها.
انما الخلاف و الاشكال في العكس و هو اخذ الوالد من مال الولد للحج و وجوب
اعطاء الولد له و عدم جواز الامتناع عنه فالاشهر بل المشهور ـ كما في الجواهر ـ
عدم الجواز خلافا للمحكى عن النهاية و الخلاف و التهذيب و المهذب و ان كان
بينها اختلاف من جهة التصريح بوجوب الحج على الوالد في الاولين و بالجواز في
الاخير و في التهذيب التعبير بانه يأخذ من مال الولد و هو محتمل للوجوب و
الجواز.
و العمدة فيها عبارة الشيخ في الخلاف قال فيه في كتاب الحج في المسئلة الثامنة:
«إذا كان لولده مال روى اصحابنا انه يجب عليه الحج و يأخذ منه قدر كفايته و يحج
به و ليس للابن الامتناع منه و خالف جميع الفقهاء في ذلك دليلنا الاخبار
المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة و قد ذكرناها في الكتاب الكبير و ليس فيها
ما يخالفها