(الصفحة 268)
ممنوعة بعد اتحاد ماهية الواجب و المستحب نعم لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و
المستطيع تم ما ذكر لا لعدم اجزاء المستحب عن الواجب».
و يظهر منه الترديد في تعدد ماهية الحج بالاضافة الى المتسكع و المستطيع بل
الميل الى العدم اما الكبرى و هو عدم الاجزاء على فرض التعدد فلا ريب فيه هنا و
شبهه كصلوتى الظهر و العصر فانهما ماهيتان متغايرتان ضرورة ان عنوانى الظهر و
العصر من العناوين القصدية التى يتقوم تحقق المأمور به بهما فان صلوة الظهر
ليست مجرد اربع ركعات يؤتى بها بعد الزوال بل ما كانت مقرونة بقصد الظهرية و
عليه فمن اتى بصلوة العصر قبل صلوة الظهر باعتقاد انه اتى بها اولا ثم انكشف
الخلاف بعد الصلوة لا مجال لدعوى وقوع ما اتى به ظهرا و الاتيان بالعصر بعدها
نعم اختار ذلك السيد (قدس سره) في العروة في مباحث النية استنادا الى رواية
صحيحة دالة على قيام الاربع مكان الاربع و اعترض عليه اكثر المحشين و الشارحين
بان الرواية غير معمول بها فلا بد من المشى على طبق القاعدة و هى تقتضى عدم
الاجزاء و كيف كان فلا مناقشة في الكبرى و اما الصغرى فالدليل على تعدد ماهية
الحج بالاضافة الى الفاقد لشرائط الوجوب و الواجد لها اما في مورد الصغير فما
عرفت من ورود روايات متعددة دالة على ان الصبى لو حج عشر حجج لا يكون حجه مجزيا
عن حجة الاسلام فيظهر منها ثبوت الاختلاف بين الصلوة و الحج الصادرين من الصبى
و ان اشتركا في المشروعية و الصحة و اما في المقام فالدليل على التغاير و
التعدد اطلاق ادلة وجوب الحج على المستطيع من الاية و الرواية فان مقتضاه وجوبه
على المستطيع و ان حج قبله في حال عدم الاستطاعة و لازمه عدم الاجزاء و هو يدل
على تعدد الماهية و بالجملة اطلاق مثل الاية يقتضى حدوث الوجوب على المستطيع و
ان حج سابقا ندبا و هذا الاطلاق و ان كان قابلا للتقييد الاّ انه مع عدم نهوض
دليل عليه لا بد من الاخذ به و الحكم بعدم الاجزاء و عليه فالحكم الاجماعى
موافق للقاعدة و ـ ح ـ لا يبقى للاجماع اصالة بل يكون مستندا اليها ـ قطعا او
احتمالا ـ
(الصفحة 269)
لا يقال ان مثل ذلك يجرى في صلوة الصبى في المثال المفروض في كلام السيد (قدس
سره)لان الوجوب انما يتحقق بالبلوغ فكيف يحكم فيه بالاجزاء لانا نقول ليس الامر
كذلك فان مثل اقيموا الصلوة مطلق شامل للصبى و لا يكون مقيدا بالبالغين و لو لم
يكن فى البين مثل حديث رفع القلم عن الصبى لقلنا بلزوم الاتيان بالصلوة على
الصبى ايضا و من المعلوم ان الحديث لا يرفع الا قلم التكليف و الالزام و ما
يتبعه من استحقاق العقاب و المؤاخذة و عليه فالمقدار الخارج عن اقيموا الصلوة
هو اللزوم على الصبى و اما الخطاب و اصل الحكم فهما باقيان ضرورة ان الصبى انما
يتمثل اقيموا الصلوة لا شيئا آخر و بعد امتثاله في اول الوقت لا يبقى مجال
لامتثاله ثانيا بعد تحقق البلوغ و صيرورته مكلفا.
و هذا بخلاف من يحج ندبا فانه لا يتمثل الآية و مثلها من الادلة الدالة على
الوجوب على المستطيع بل يتمثل الامر الاستحبابى المتوجه اليه المتعلق بعمله و
بعد صيرورته مستطيعا يتوجه اليه الآية لتحقق عنوان المستطيع فاللازم امتثاله و
الاتيان بالحج ثانيا و بالجملة الفرق انما هو في مدخلية عنوان المستطيع في
الدليل الدال على وجوب الحج و اخذه فيه و عدم مدخلية البلوغ بحيث كان المفاد
ايها البالغون اقيموا الصلوة فعمل الصبى موجب لامتثال «اقيموا» و حج المتسكع لا
يكون امتثالا للاية و شبهها و عليه فعدم الاجزاء فى باب الحج ثابت على طبق
القاعدة.
الرابع: لو حج مع عدم أمن الطريق او مع عدم
صحة البدن و حصول الحرج فهل يكفى حجه عن حجة الاسلام ام لا فالمحكى عن المشهور
عدم الاجزاء عن الواجب و ذهب الشهيد في الدروس الى الاجزاء حيث انه بعد ذكر
الشروط الثمانية لوجوب الحج و جعل السادس الصحة من المرض و العضب و السابع
تخلية السرب و الثامن التمكن من المسير بسعة الوقت قال: «و لو حج فاقد هذه
الشرايط لم يجزه و عندى لو تكلف المريض و المعضوب و الممنوع بالعدو و تضيق
الوقت اجزأه لان ذلك من
(الصفحة 270)
باب تحصيل الشرط فانه لا يجب و لو حصله وجب و اجزأ نعم لو ادى ذلك الى اضرار
بالنفس يحرم انزاله و لو قارن بعض المناسك احتمل عدم الاجزاء» ثم تعرض لبيان ما
لم يعتبر من الشروط عندنا و عدّه اربعة: الاسلام و البصر و المحرم في النساء من
دون حاجة و اذن الزوج ثم قال في نتيجة البحث: «فانقسمت الشرائط الى اربعة
اقسام: اولها ما يشترط في الصحة خاصة و هو الاسلام.
الثانى ما يشترط في المباشرة و هو الاسلام و التمييز.
الثالث ما يشترط في الوجوب و هو ما عدا الاسلام.
الرابع ما هو شرط في الاجزاء و هو ما عدا الثلثة الاخيرة و في ظاهر الفتاوى: كل
شرط فى الوجوب و الصحة شرط في الاجزاء».
فقد فرق في الاستطاعة بين الاستطاعة المالية و بين الاستطاعات الثلاثة الاخر من
الاستطاعة السربية و الاستطاعة البدنية و الاستطاعة الزمانية و ان الحج مع فقد
الاولى لا يكون مجزيا عن حجة الاسلام بخلاف الحج مع فقد احدى الاستطاعات
الثلاثة الاخر فانه يجزى عن حجة الاسلام و استدل عليه بان تحصيل شرط الوجوب و
ان لم يكن واجبا بخلاف شرط الواجب الاّ انه مع التحصيل يصير واجبا لتحقق شرطه و
ان لم يكن لازم التحصيل.
و يرد عليه عدم انطباق الدليل على المدعى فان تحصيل شرط الوجوب و ان كان موجبا
لتحققه مع انه لا يكون واجبا الا انه في المقام لا يكون تكلف الحج مع فقد شىء
من الاستطاعات الثلاثة موجبا لتحققه و حصول الاستطاعة فان المفروض كون الطريق
غير مأمون و عدم صحة البدن و تضيق الوقت و عدم سعته و التكلف لا يرفع شيئا من
ذلك و ليس مثل الاستطاعة المالية غير لازمة التحصيل المتحققة بعده فانها لم تكن
و بالتحصيل قد تحققت و اما في المقام فلم تتحقق الاستطاعة المنتفية اصلا
فالمدعى الحج مع عدم الاستطاعة و الدليل يقتضى وقوعه معها كما لا يخفى
(الصفحة 271)
و عليه فكيف يصير الحج بسبب التكلف واجبا مع عدم تحقق شرط الوجوب نعم لو كان
فقد شىء من الاستطاعات مرتبطا بالمشى الى الميقات الذى هو مقدمة لتحقق الاعمال
التى يكون شروعها بالاحرام من الميقات لا مجال للاشكال في الاجزاء و لا قائل
بعدمه كما انه في الاستطاعة المالية يكون الامر كذلك فانه لو استطاع المكلف في
الميقات قبل الشروع في الاعمال يكون حجه مجزيا عن حجة الاسلام انما الكلام و
الاشكال فيما لو كان الفقد مقرونا بالاعمال و انه هل يكون مجزيا ام لا و الدليل
لا يقتضى الاجزاء نعم ذكر انه لو ادى ذلك الى اضرار بالنفس يحرم و يحتمل عدم
الاجزاء في هذا الفرض الذى كان مقارنا لبعض المناسك.
و قد وجه في «المستمسك» كلام الشهيد (قدس سره) بان عدم الحرج و الضرر المأخوذ
شرطا في الاستطاعة يراد به عدم الحرج و الضرر الآتيين من قبل الشارع لا مطلقا
فاذا تكلف المكلف الحرج و الضرر لا بداعى امر الشارع بل بداع آخر فعدم الحرج و
الضرر الآتيين من قبل الشارع حاصل لان المفروض ان الحرج و الضرر الحاصلين كانا
باقدام منه و بداع نفسانى لابداع الامر الشرعى فتكون الاستطاعة حينئذ حاصلة
بتمام شروطها فيكون الحج حجة الاسلام ثم دفع توهم ان لازم ذلك البطلان فيما إذا
كان المكلف جاهلا و اقدم على الحج بداعى اللزوم الشرعى مع ان مقتضى اطلاق كلام
الشهيد الصحة في هذا الفرض ايضا بان الحرج او الضرر في الفرض المذكور لا يكون
آتيا من قبل الشارع بل يكون ناشيا من جهله بالحكم و اعتقاده اللزوم اشتباها و
قال في آخر كلامه ما ملخصه ان هذا التوجيه انما هو لرفع استبشاع التفصيل
المذكور لا لرفع الاشكال عنه بالمرة لان دليل نفى الحرج او الضرر لا يصلح لرفع
الملاك في حال الحرج او الضرر فلا يدل على اشتراط عدمهما في الاستطاعة.
و التحقيق في المقام ان يقال ان محل البحث ـ
كما في الدروس ـ هو انتفاء واحدة من الاستطاعات الثلاثة: السربية و البدنية و
الزمانية و عليه لا مجال لتقييد عدم
(الصفحة 272)
صحة البدن بصورة حصول الحرج كما في المتن تبعا للعروة حيث قيده به بكلمة «مع» و
كذلك قيد ضيق الوقت به بكلمة «كذلك» و يجرى في المتن احتمال كون «او» محل «واو»
و ان كان يبعده قوله بعده فان صار قبل الاحرام مستطيعا لعدم مدخلية عدم الحرج
في موضوع الاستطاعة فان دليل نفى الحرج و ان كان حاكما على الادلة الاولية
الدالة على الاحكام اللزومية من الوجوب و التحريم و مدلوله رفع اللزوم و
التكليف الاّ ان تقدمه عليها ليس بنحو يرجع الى التقييد او التخصيص في الادلة
الاولية بحيث كان مرجعه الى تقييدها بعدم لزوم الحرج كتقييد دليل وجوب الحج
بالاستطاعة و عليه لا يقع الحج الحرجى المحكوم بعدم الوجوب في رديف الحج الفاقد
للاستطاعة المعتبرة في الوجوب و عليه فقوله في المتن: «فان صار قبل الاحرام
مستطيعا» يدل على عدم كون المراد بالحرج هو الحرج المأخوذ في قاعدة نفيه فلا
يبقى مجال ـ حينئذ ـ لتقييد عدم صحة البدن بحصول الحرج نعم يمكن ان يقال بان
الروايات الواردة في الاستطاعة البدنية وقع التعبير فى اكثرها بصحة البدن او
قوته و في بعضها بان المانع هو المرض الذى لا يطيق فيه الحج و قد مر ان المراد
من الطاقة هى الطاقة العرفية لا العقلية و ـ حينئذ ـ يمكن ان يقال بان المراد
من هذا التعبير كون المرض موجبا لصيرورة الحج حرجيا و عليه يتم التقييد المذكور
فى المتن.
و يرد عليه ـ مضافا الى عدم معلومية مساواة التعبير المذكور لكون الحج حرجيا
بسبب المرض ـ انه على تقدير المساواة لا بد من المعاملة معه معاملة سائر
الشرائط المأخوذة في وجوب الحج فانه يكون مثلها في الاخذ بعنوان الشرطية و يكون
فقده موجبا لفقد الشرط و هو يوجب عدم الاجزاء.
و ما اوردناه على المتن يرد على العروة ايضا على ما عرفت خصوصا مع ملاحظة انه
فى مقام الاستدلال جعل الملحوظ قاعدتى نفى الحرج و الضرر و اختار في الذيل ما
اختاره في الدروس لكن لا لما ذكره من الدليل بل لان الضرر و الحرج إذا لم يصلا
|