(الصفحة 273)
الى حدّ الحرمة انما يرفعان الوجوب و الالزام لا اصل الطلب فاذا تحملهما و اتى
بالمأمور به كفى.
و بالجملة لم يظهر لى وجه تقييد صورة المسئلة بما ذكر و لا الاتكال في مقام
الاستدلال على مفاد القاعدتين مع ان مقتضى ما ذكرنا وقوع الحج مع فقد الاستطاعة
و كون الحج معه مغايرا حقيقة و ماهية مع الحج الواجد للاستطاعة و لا مجال ـ
حينئذ ـ للاجزاء فلا بد من الحكم بعدمه كما عليه المشهور و قد عرفت عدم انطباق
دليل الشهيد (قدس سره)على مدعاه فالحكم في اصل محل البحث هو عدم لاجزاء.
نعم يقع الكلام بعد ذلك فيما إذا كان الحج و لو ببعض مناسكه حرجيا مع كونه
واجدا للاستطاعة بتمام انواعها كما إذا كان الوقوف بعرفات حرجيا عليه او الوقوف
بالمشعر كذلك و مع ذلك تحمل الحرج و اتى بالحج مع عدم كونه واجبا عليه لاجل
ارتفاع الوجوب بالحرج بمقتضى قاعدته و هو الذى تعرض له في المتن في ذيل المسئلة
بقوله فلو كان نفس الحج و لو ببعض اجزائه حرجيا و ان كان يرد على التفريع
بالفاء ايضا ما ذكرنا من عدم كون المسئلة الاصلية المفروضة مرتبطة بالحرج اصلا
و كيف كان فقد استظهر فيه و فيما إذا كان موجبا للاضرار بالنفس عدم الاجزاء و
نقول: اما في مورد الحرج فالكلام فيه تارة في اصل الصحة و اخرى بعد الفراغ عن
الصحة في الاجزاء عن حجة الاسلام.
اما البحث في اصل الصحة فقد مر غير مرة ان العبادة الحرجية لا تكاد تقع صحيحة
بمقتضى قاعدة نفى الحرج لان مقتضاها انما هو السقوط بنحو العزيمة لا الرخصة و
لكنه ورد في خصوص الحج روايات كثيرة دالة على استحباب الحج و رجحانه في كل حال
من دون فرق بين صورة الحرج و غيرها و من المعلوم ان دليل نفى الحرج لا يكون
حاكما الا على الادلة الدالة على الاحكام اللزومية من الوجوبية او التحريمية
فاستحباب الحج ثابت على كل حال و عليه فالحج الحرجى يقع صحيحا لا محالة
(الصفحة 274)
مسئلة 46 ـ لو توقف تخلية السرب على قتال العدو لا يجب و لو مع العلم
بالغلبة، و لو تخلى لكن يمنعه عدو عن الخروج للحج فلا يبعد وجوب قتاله مع العلم
بالسلامة والغلبة،اوالاطمينان والوثوق بهما، ولا تخلو المسئلة عن اشكال1.
كالحج الواقع مع فقد الاستطاعة.
و اما الكلام في الاجزاء فهو عين الكلام في الاجزاء بالاضافة الى حج المتسكّع و
قد عرفت ان لازم تعدد المهية الثابت في الحج هو عدم الاجزاء.
نعم يرد على المتن ان عطف الضرر على النفس على الحرج لا يكاد يتم على مبناه في
قاعدة نفى الضرر و هو كونه حكما مولويا صادرا عن مقام حكومة رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و اله لا كونه حكما الهيا مرتبطا بمقام رسالته و وساطته و ذلك لان
المراد بالضرر على النفس ما كان واجدا لجهتين الاولى عدم كونه موجبا لتلفه لعدم
محل للبحث في الاجزاء عن حجة الاسلام بعد فرض التلف و الهلاك فالمراد هو الضرر
النفسى غير البالغ حد التلف و الثانية عدم كونه حرجيا لانه مقتضى العطف على
الحرج.
و عليه فالجمع بين كون المراد بالضرر هو ما كان واجدا للجهتين المزبورتين و بين
كون المراد من حديث «لا ضرر» ما ذكر لا ما هو المشهور من كونه قاعدة فقهية و
حكما ثانويا ناظرا الى الادلة الاولوية و حاكما عليها يقتضى كون الحج الضررى هو
بنفسه حجة الاسلام لان المفروض تحقق جميع شروط الوجوب و ثبوت الحكم اللزومى و
عدم وجود دليل حاكم عليه مقتض لنفى الوجوب و رفع اللزوم فالحج الكذائى لا يكون
غير حجة الاسلام و لا يكون مستحبا مغايرا من حيث الماهية مع الحج الواجب كما لا
يخفى.
1 ـ قد وقع فرض المسئلة في كلام السيد ـ في العروة ـ و من قبله بعنوان واحد و
هو ما لو توقف الحج على قتال العدو قال العلامة في القواعد: «و لو افتقر في
السير الى القتال فالاقرب السقوط مع ظن السلامة» و في محكى الايضاح: «ان
(الصفحة 275)
المراد بالظن هنا العلم العادى الذى لا يعد العقلاء نقيضه من المخوفات كامكان
سقوط جدار سليم قعد تحته لانه مع الظن بالمعنى المصطلح عليه يسقط اجماعا و
بالسلامة هنا السلامة من القتل و الجرح و المرض و الشين لانه مع ظن احدها
بالمعنى المصطلح عليه في لسان اهل الشرع و الاصول يسقط باجماع المسلمين».
و قال في محكى كشف اللثام: «الاقرب وفاقا للمبسوط و الشرايع سقوط الحج ان علم
الافتقار الى القتال مع ظن السلامة ـ اى العلم العادى بها ـ و عدمه كان العدو
مسلمين او كفارا للاصل و صدق عدم تخلية السرب، و عدم وجوب قتال الكفار الاّ
للدفع او للدعاء الى الاسلام باذن الامام الى ان قال: و قطع في التحرير و
المنتهى بعدم السقوط إذا لم يلحقه ضرر و لا خوف و احتمله في التذكرة و كانه
لصدق الاستطاعة و منع عدم تخلية السرب حينئذ مع تضمن المسير امرا بمعروف و نهيا
عن المنكر و اقامة لركن من اركان الاسلام».
هذا و لكنه قد فرض في المتن للمسئلة صورتين يختلف حكمهما على طبق القواعد:
الاولى: ما لو توقف تخلية السرب على قتال
العدو و الحكم فيها عدم وجوب القتال و لو مع العلم بالغلبة لانه قد عرفت انه لا
يجب تحصيل شرط الوجوب فكما انه لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية التى هى شرط
الوجوب كذلك لا يجب تحصيل تخلية السرب المتحققة بقتال العدو و لو كان مقرونا
بالعلم بالغلبة و السلامة فلا ينبغى الاشكال في هذه الصورة في عدم وجوب القتال
و عدم وجوب الحج نعم لو قاتل و صار غالبا يصير الحج واجبا.
الثانية: ما لو كان السرب مخلى لكن يمنعه
العدو عن الخروج للحج و قد نفى البعد فى المتن عن وجوب القتال في هذه الصورة
بشرط العلم او الاطمينان بالسلامة و الغلبة ثم نفى خلو المسئلة عن الاشكال و
الوجه فيه انها ذات وجهين: من كونه مانعا عن تحقق الحج مع فعلية وجوبه و تحقق
جميع شروطه كما
(الصفحة 276)
مسئلة 47 ـ لو انحصر الطريق في البحر او الجو وجب الذهاب الا مع خوف
الغرق او السقوط او المرض خوفا عقلائيا، او استلزم الاخلال باصل صلاته لا
بتبديل بعض حالاتها و اما لو استلزم اكل النجس و شربه فلا يبعد وجوبه مع
الاحتراز عن النجس حتى الامكان و الاقتصار على مقدار الضرورة، و لو لم يحترز
كذلك صح حجه و ان اثم كما لو ركب المغصوب الى الميقات بل الى مكة و منى و عرفات
فانه اثم و صح حجه، و كذا لو استقر عليه الحج و كان عليه خمس او زكاة او غيرهما
من الحقوق الواجبة فانه يجب ادائها فلو مشى الى الحج مع ذلك اثم و صح حجه نعم
لو كانت الحقوق في عين ماله فحكمه حكم الغصب و قد مر1.
هو المفروض فيجب دفعه باى نحو امكن ليتحقق المأمور به فى الخارج كما لو كان
مانعا عن الصلوة و توقف ايجادها على قتاله و دفعه مع انه مرتبة من مراتب الامر
بالمعروف و النهى عن المنكر فيجب ايجادها.
و من كون المفروض ان العدو غير واجب القتل مع قطع النظر عن المانعية سواء كان
مسلما او كافرا و المانعية لا تقتضى بنفسها الجواز بعد تقدم حفظ النفس على الحج
و كونه مزاحما اهم و ان كان بينه و بين ما إذا كان الحج مستلزما لترك حفظ النفس
الواجب فرق الاّ انه لا يقتضى الوجوب في المقام.
1 ـ فى هذه المسئلة جهات من الكلام:
الاولى: ان انحصار طريق الحج في البحر او
الجو الموجب للركوب على السفينة او الطيارة لا يوجب سقوط وجوب الحج بعد عدم
اختصاصه بطريق خاص ضرورة انه مع تحقق شرائط وجوبه يجب الاتيان به من كل طريق
امكن من دون فرق بين الطرق اصلا.
الثانية: يستثنى من وجوب الذهاب من طريق
البحر او الجو ما إذا كان هناك خوف عقلائى بالاضافة الى الغرق او السقوط او
المرض فاذا كان كذلك يسقط
(الصفحة 277)
وجوب الحج لما مر في الاستطاعة السربية من ان الخوف كذلك مانع عن تحققها و
الخوف العقلائى ان كان متحققا بالنسبة الى النوع و الغالب فلا اشكال في عدم
الوجوب معه و ان لم يكن كذلك بل كان الخوف بالاضافة الى شخص المكلف من جهة
تخوفه على خلاف الغالب فان كان موجبا للحرج فالظاهر عدم الوجوب لان الملحوظ في
قاعدة نفى الحرج هو الحرج الشخصى لا النوعى فهذا الفرض و ان لم يصدق عليه الخوف
العقلائى كما هو الظاهر يدل على عدم وجوب الحج فيه القاعدة المذكورة.
الثالثة: يستثنى ايضا من الوجوب المذكور ما
إذا استلزم الذهاب من طريق البحر او الجو الاخلال باصل الصلوة و موجبا لتركها
فانه لا شبهة حينئذ في عدم الوجوب لاهمية الصلوة بالاضافة الى الحج عند ثبوت
المزاحمة و اما إذا استلزم تبديل بعض حالات الصلوة كتبديل القيام الى القعود ـ
مثلا ـ و تبديل الطهارة المائية بالطهارة الترابية و تبديل الركوع و السجود
بالايماء ففى المتن انه لا يرتفع الوجوب بالتبديل و الوجه فيه ظهور كون الحج
الذى هو من اهم الفرائض الالهية و يموت تاركه يهوديا او نصرانيا اهم من التبديل
و ترك الصلوة قائما مع الاتيان بها جالسا فلا بد من ترجيحه هذا بناء على ما
اخترناه في معنى الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج من ان المراد بها هى
الاستطاعة العرفية و لا يعتبر فيها سوى ما فسرت به في الروايات الدالة على
بيانها من ان المراد هى الاستطاعات الاربعة: المالية و السربية و البدنية و
الزمانية فمع تحققها يصير وجوب الحج فعليا و لو كان فعله مستلزما لترك واجب او
فعل حرام فلا بد من رعاية قواعد التزاحم و ترجيح الاهم ـ قطعا او احتمالا ـ و
التخيير مع عدمه كذلك.
و اما إذا قلنا بمدخلية عدم الاستلزام المذكور في معنى الاستطاعة و ان المراد
بها هى الاستطاعة الشرعية غير المتحققة مع الاستلزام لترك الواجب او فعل الحرام
|