(الصفحة 334)
فالزوجة تدعى المأمونية و لازمها عدم الافتقار الى محرم و ان الحج واجب عليها و
الزوج يدعى خوفها و لازمه عدم وجوب الحج عليها لانتفاء المحرم على ما هو
المفروض فمحط النزاع نفس الوجوب و عدمه.
و لا يخفى ان النزاع بهذه الصورة لا يكون قابلا للطرح عند الحاكم و لا تكون
دعوى الزوج واجدة لشروط سماع الدعوى المذكورة في كتاب القضاء لانه يعتبر في
سماعها ان تكون الدعوى على تقدير ثبوتها حقا عائدا الى المدعى و عدم وجوب الحج
على الزوجة بمجرده لا يكون كذلك كما هو ظاهر.
الثانية: ان يكون الغرض من النزاع المذكور
التوقف على اذن الزوج و عدمه بمعنى ان الزوجة المدعية للمأمونية تريد بذلك
اثبات وجوب حجها و انه حجة الاسلام ـ مثلا ـ و إذا كان كذلك لا يشترط فيه الاذن
لما تقدم من عدم اعتبار اذن الزوج في الحج الواجب على الزوجة إذا كان مضيقا و
الزوج المدعى للخوف يكون غرضه نفى وجوب الحج و إذا كان كذلك يكون حجها مشروطا
باذن زوجها كما تقدم ايضا فالغرض من النزاع يرجع الى التوقف على الاذن و عدمه.
و لا يخفى ان النزاع بهذه الصورة انما يكون قابلا للطرح إذا كان اذن الزوج في
غير الحج الواجب حقا من حقوق الزوج كساير الحقوق الثابتة له عليها فانه ـ حينئذ
ـ يرجع النزاع الى ثبوت هذا الحق و عدمه فالزوج مدع للثبوت و الزوجة منكرة
باعتبار ادعائها وجوب الحج و هو لا يفتقر الى الاذن و اما إذا كان حكما من
الاحكام الشرعية و منشأه الادلة الدالة على حرمة الخروج من البيت للزوجة بغير
اذن زوجها الظاهرة في مجرد الحكم التكليفى من دون ان يكون هناك حق للزوج فترجع
هذه الصورة الى الصورة الاولى التى لا تكون الدعوى مسموعة قابلة للطرح عند
الحاكم لان مرجع النزاع ـ حينئذ ـ الى ثبوت هذا الحكم التكليفى و عدمه كما إذا
تنازع رجلان في خمرية مايع معين فانه لا مجال لطرحه عند الحاكم كما لا يخفى.
(الصفحة 335)
ثم انه في هذه الصورة ـ على تقدير كون الاذن حقا ـ لا وجه لتوهم كونه من موارد
التداعى بل هو من موارد المدعى و المنكر كما انه لا شبهة في كون المدعى هو
الزوج و المنكر هى الزوجة خصوصا بناء على ما هو الحق من كون المرجع في تشخيص
المدعى و المنكر بعد عدم ورود تفسير لهما في الادلة اصلا هو العرف كساير
العناوين المأخوذة فى لسان الروايات.
الثالثة: ان يكون الغرض من النزاع في ناحية
الزوج هو ثبوت حق الاستمتاع له عليها فيما إذا كانت الاهلية للاستمتاع موجودة
في الطرفين و في ناحية الزوجة ثبوت النفقة لها عليه فالزوج يدعى عدم المأمونية
و انها خائفة فالحج لا يكون واجبا عليها و الحج الاستحبابى يوجب الاخلال بالحق
الثابت له عليها و هو حق الاستمتاع و الزوجة تدعى المأمونية و ان الحج واجب
عليها و النفقة لا تسقط مع وجوب الحج فهو مدع لحق الاستمتاع عليها و هى مدعية
للنفقة عليه.
و في هذه الصورة تجرى احكام التداعى على تقدير عدم كون المعيار هو محط الدعوى و
مصبه بل كان المعيار هو الهدف و الغرض للمتداعيين و اما على تقدير كون المعيار
مصب الدعوى فلا تكون موردا للتداعى ايضا لان مصب الدعوى هى المأمونية و عدمها و
هى من موارد المدعى و المنكر كما هو ظاهر.
ثم انه ذكر في المتن انه في الصورة التى استظهر فيها التداعى يكون للزوج منعها
بل يجب عليه ذلك الا مع انفصال المخاصمة بحلفها او اقامتها البينة و حكم القاضى
بنفعها فانه يسقط حقه فهنا امران:
احدهما: جواز منع الزوج لها بل وجوبه قبل
انفصال المخاصمة بالنحو المذكور و الحكم بذلك يدل على ان المفروض في المتن هو
ادعاء الزوج كونها في معرض الخطر باعتقاده فانه على تقدير ذلك يجوز له منعه
باعتبار حفظها عن الخطر الذى يهدّدها سيما بالاضافة الى بعضها مع انك عرفت ان
الادعاء بهذا النحو لا يكون مسموعا
(الصفحة 336)
لعدم منافاته مع ادعاء الزوجة بوجه فانه يمكن الجمع بين خوفه و بين مأمونيتها،
و اما لو كان المفروض في المتن ادعاء الزوج كونها في معرض الخطر باعتقادها و
انها كاذبة فى دعوى المأمونية فلا مجال ـ ح ـ للحكم بوجوب المنع خصوصا مع كون
اعتقاده هى المأمونية لانه يمكن الجمع بين اعتقاده المأمونية و بين دعواه كذب
المرأة في الاعتقاد بذلك كما لا يخفى.
ثانيهما: عدم الجواز بعد انفصال المخاصمة
بالنحو المذكور و الوجه فيه ما هو المذكور في كتاب القضاء من انه بعد انفصال
المخاصمة و حكم القاضى بنفع احد المتخاصمين يجب على المحكوم عليه ترتيب آثار
الحكم في الجملة فلا يجوز له تجديد الدعوى و لا المقاصة و ان كان محقا و في مثل
المقام يسقط حقه و ان كان يرى نفسه كذلك.
المقام الثالث فيما لو حجت المرئة بلا محرم
مع عدم الامن و حكمه على ما في التمن الصحة سيما مع حصول الامن قبل الشروع في
الاحرام و ينبغى قبل بيان وجه الحكم بالصحة من تقديم امور:
الاول: انه ليس المراد بالصحة في المتن و
شبهه هى الصحة غير المنافية لعدم الاجزاء عن حجة الاسلام كما في صحة الحج
المندوب فانه مع كونه صحيحا لكنه لا يكون مجزيا عن حجة الاسلام كما مر الكلام
فيه ـ بل المراد بالصحة ظاهرا هى الصحة مع الاجزاء و وقوع حجها بعنوان حجة
الاسلام ـ مثلا ـ.
الثانى: ان اشتراط المأمونية بالذات او
باستصحاب مثل المحرم في وجوب الحج على المرئة على ما يستفاد من الروايات
المتقدمة الواردة في هذا الباب هل مرجعه الى اشتراط امر زائد على الاستطاعات
الاربعة المعتبرة في وجوب الحج فيكون مدخليتها في الوجوب كمدخلية شىء من
الاستطاعات المذكورة فيه و على هذا التقدير لا يبقى مجال للزوم تحصيله كما لا
يجب تحصيل الاستطاعة ـ على ما مرّ مرارا ـ.
(الصفحة 337)
او ان مرجع الاشتراط ـ على ما يستفاد من ملاحظة هذه الروايات مع ملاحظة
الروايات المفسرة للاستطاعة بخصوص الامور الاربعة المذكورة الظاهرة في عدم
اعتبار شىء آخر في وجوب الحج و فعليته ـ الى انه مع عدم المأمونية يقع التزاحم
بين دليل وجوب الحج الذى صار منجزا لحصول شرطه و هى الاستطاعة و دليل حرمة
السفر مع الخوف على النفس او العرض و الروايات الواردة في المقام ظاهرة في تقدم
الحرمة على الوجوب و انه لا يجب عليها الحج مع عدم المأمونية لان الحرمة
المذكورة اهم من وجوب الحج.
الثالث: ان المفروض في هذا المقام ظاهرا ما
لو حجت المرئة بلا استصحاب محرم مع وجوده و امكان حصول الامن بسببه مع عدم
كونها مأمونة بذاتها ففى هذه الصورة تجرى احكام التزاحم لانه كان يجب عليها
اوّلا استصحابه المحقق لعنوان المأمونية لئلا يتحقق السفر مع الخوف الذى يكون
محرما فاذا خالفته و عصت الحرمة التى هى اهم ـ على ما هو المفروض المستفاد من
الروايات ـ و اشتغلت بالمهم الذى هو عبادة تقع صحيحة لاجل الترتب او غيره مما
هو مفيد فائدته.
و قد انقدح مما ذكرنا وجه الحكم بالصحة المقرونة بالاجزاء ـ كما في المتن ـ و
ان المقام من قبيل الصلوة بدل الازالة في المثال المعروف في باب التزاحم و لكن
بعض الاعلام حيث زعم ان المفروض في هذا المقام صورة عدم وجود المحرم اصلا و لا
محالة لا تكون مستطيعة بنظره اورد على الحكم بالصحة فيما إذا كان الخوف حاصلا
عند الميقات و ما بعده من الافعال نظرا الى عدم التزاحم هنا بعد ما لم يكن في
البين الا حرمة السفر و الخروج من البيت المتحقق مع جميع الاعمال لعدم تحقق
الوجوب مع عدم تحقق الاستطاعة فاللازم الحكم بالبطلان الا في بعض الفروض و قد
عرفت ان المفروض فى هذا المقام الصورة التى ذكرناها لا ما زعمه.
(الصفحة 338)
مسئلة 54 ـ لو استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و اهمل حتى زالت او
زال بعضها وجب الاتيان به باى نحو تمكن، و ان مات يجب ان يقضى عنه ان كانت له
تركة و يصح التبرع عنه، و يتحقق الاستقرار على الاقوى ببقائها الى زمان يمكن
فيه العود الى وطنه بالنسبة الى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية، و اما
بالنسبة الى مثل العقل فيكفى بقائه الى آخر الاعمال.و لو استقر عليه العمرة فقط
او الحج فقط كما فيمن وظيفته حج الافراد او القران ثم زالت استطاعته فكما مر
يجب عليه باى وجه تمكن و ان مات يقضى عنه1.
1 - يقع الكلام في هذه المسئلة في مقامين:
المقام الاول في حكم من استقر عليه الحج و
الاستقرار في الجملة عبارة عن استكمال الشرائط ثم الاهمال و المسامحة و عدم
الاتيان حتى زالت ـ كلاّ او بعضا ـ و يتصور فيه صور:
الاولى: ما إذا لم يكن قادرا على الاتيان
بالحج بعد عام الاستطاعة و زوالها بوجه بحيث كان فاقدا للقدرة العقلية بعده و
من المعلوم انه لا مجال لوجوب الحج في هذه الصورة بعد فرض انتفاء القدرة
العقلية فقد تحقق منه عصيان التكليف من دون ان يكون له طريق الى جبرانه من غير
سبيل التوبة نعم لو مات يقضى عنه من تركته مع وجودها ـ على ما سيأتى ـ.
الثانية: ما إذا كان قادرا على الاتيان
بالحج بعد عام الاستطاعة و زوالها من دون ان يكون مستلزما للحرج غاية الامر مع
التسكع الذى هو عبارة عن السير و الحركة مع التعسف و التكلف و هذه هى الصورة
التى حكم فيها بوجوب الحج متسكعا و الدليل عليه ليس هى الاية و الادلة الدالة
على وجوب الحج على المستطيع لان ظاهرها مدخلية الاستطاعة في الوجوب ـ حدوثا و
بقاء ـ كسائر العناوين الظاهرة في ذلك مثل عنوانى «المسافر و الحاضر» بل الدليل
هى النصوص الواردة في التسويف و التأخير الى
|