(الصفحة 366)
الاستغراق بل التركة باقية على ملك الميت و الغرماء يتلقون المال من الميت لا
من الوارث و لا مانع يمنع عن ذلك و بين القول بالانتقال الى الوارث غاية الامر
ان التركة متعلقة لحق الغرماء و قد نسب الثانى الى الحلى و المحقق و بعض كتب
العلامة و عن المفاتيح و المسالك النسبة الى الاكثر و نسب الاوّل الى كثير من
كتب العلامة و جامع المقاصد و غيرها.
اما عدم الجواز على القول الاول فواضح لان منشأه عدم الملكية و عدم ارتباط
التركة بالورثة و اما عدم الجواز على القول الثانى فلان منشأه كونها متعلقة لحق
الغير و الغرماء و معه لا يجوز التصرف في متعلق حقهم من دون فرق بين ان يكون
التصرف متلفا او ناقلا كتصرف الراهن في العين المرهونة فالحكم في هذا المقام
ظاهر و مما ذكرنا يظهر انه لا مجال لما حكى عن بعض الاعاظم في حاشيته على
العروة من انه لا يبعد جواز التصرف حتى في المستغرق ايضا مع تعهد الاداء لكن
الاحوط ان يكون برضى الديان و الوجه فيه ان مجرد التعهد و الضمان مع عدم رضى
الديان لا يوجب جواز التصرف بوجه.
الثانى ما إذا لم يكن مصرف الحج مستغرقا
للتركة بل كان اقل منها و الحكم في هذا المقام محل اشكال و خلاف: ربما يقال
بالجواز و انه لا مانع من تصرف الورثة في التركة مع البناء على الاداء و يدل
عليه وجوه:
الاول: ان التركة لا تنتقل الى الورثة في
المقدار الزائد على الدين و لا مانع من ملكية الميت بمقدار الدين او مصرف الحج
الذى هو بمنزلة الدين فالميت يملك كليا معينا من التركة و الوارث يملك الباقى
من المال المتروك كما في بيع الصاع من الصبرة الذى يكون مقتضاه ملكية المشترى
للصاع منها على نحو الكلى في المعين
(الصفحة 367)
و بقاء ملكية البايع بالاضافة الى بقية الصبرة فكما ان البايع يجوز له هناك
التصرف في الصبرة قبل تسليم صاع المشترى اليه بمقدار ما يتعلق به و يملكه فكذلك
الوارث في المقام يجوز له التصرف في التركة في المقدار الزائد على الدين او
مصرف الحج و ليست الملكية بنحو الكلى في المعين كالملكية بنحو الشركة و الاشاعة
المقتضية لعدم جواز تصرف احد الشريكين او الشركاء في المال المشترك بدون رضا
الاخر و اذنه فمقتضى القاعدة بناء على هذا القول و هو بقاء ملكية الميت
بالاضافة الى مقدار الدين و شبهه جواز التصرف كما لا يخفى.
الثانى: السيرة القطعية القائمة على جواز
التصرف للورثة مطلقا و ان كان الميت مديونا كما هو الغالب لان الغالب ثبوت
الدين على الميت و لا اقل من مهر زوجته حيث لا يكون الاعطاء في حال الحيات
متعارفا.
الثالث: موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى
الحسن (عليه السلام) عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين اينفق عليهم من ماله؟
قال ان كان يستيقن ان الذى ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق، و ان لم يكن يستيقن
فلينفق عليهم من وسط المال(1) و نحوه خبر البزنطى من دون فرق الا في
قوله: ان كان يستيفن...فان فيه ان كان يستيقن ان الذى عليه يحيط بجميع المال
فلا ينفق(2) و هذا هو الظاهر لان احاطة التركة بالدين اعم من كون
الدين مستغرقا لها كما لا يخفى و ربما عبر عن خبر البزنطى بالصحيح و اورد عليه
بان الموجود فى التهذيب: «البزنطى باسناد له» اى بطريق له و الطريق مجهول
فالرواية غير معتبرة.
و لكن الظاهر عدم تعدد الرواية اصلا بل الرواية واحدة و عليه فيحتمل قويا ان
يكون من روى عنه البزنطى هو عبد الرحمن بن الحجاج الراوى في الرواية الاولى
-
1 ـ ئل كتاب الوصايا الباب التاسع و العشرون ح ـ 2
-
2 ـ ئل كتاب الوصايا الباب التاسع و العشرون ح ـ 1
(الصفحة 368)
و كيف كان فرواية ابن الحجاج معتبرة و مقتضاها التفصيل في التصرف المتلف و هو
الانفاق على العيال بين صورة استغراق الدين للتركة فلا يجوز و صورة عدم
الاستغراق فيجوز و من الواضح ان الاستيقان و عدمه لا دخل لهما في ذلك بل
المعيار هو الاستغراق الواقعى و عدمه.
و اما القول بعدم الجواز الذى جعله في المتن مقتضى الاحتياط اللزومى من دون فرق
بين ما إذا كانت التركة واسعة جدا و بين ما إذا لم تكن كذلك و ان فرق بينهما
السيد (قدس سره)فى العروة فيبتنى على القول بانتقال جميع التركة من الميت الى
الوارث غاية الامر تعلق حق الغرماء بجميعها و مقتضاه عدم جواز التصرف للورثة
بعد كون المجموع متعلقا لحق الغرماء و الظاهر ان حقهم انما هو من قبيل حق
الرهانة المتعلق بالمال بما انه ملك للشخص الخاص و انه باق على ملك ماله لا بما
هو هو و ليس من قبيل حق الجناية المتعلق بالمال بما هو هو فلو جنى العبد على
احد كان حق الجناية ثابتا عليه و يتبعه اين ما كان و لو بيع مرات و لا يكون
البيع كذلك منافيا لحق الجنابة و بالجملة مقتضى تعلق حقهم بالتركة كتعلق حق
الرهانة عدم جواز التصرف في شىء من التركة بدون اذن ذى الحق.
و اما السيرة فيمكن المناقشة فيها خصوصا مع ملاحظة جريانها على التصرف في
التركة مع تعدد الورثة و هو يقتضى تحقق الشركة المانعة عن جواز تصرف احد
الشريكين او الشركاء بدون رضا الاخر فلا مجال ـ ح ـ للاعتماد على السيرة و
الظاهر ان نظر السيد (قدس سره)في التفصيل الذى ذكره الى تحقق السيرة فيما إذا
كانت التركة واسعة جدا و عدم تحققها في غير هذه الصورة مع ان الظاهر انه لا فرق
بين الصورتين من ناحية السيرة اصلا كما لا يخفى.
و اما النص الخاص فالظاهر انه لا مجال لرفع اليد عنه بعد اعتباره سندا و ظهوره
دلالة و عدم ثبوت شهرة على خلافه و الظاهر انه المنشأ لقوله في المتن: «و ان لا
يخلو
(الصفحة 369)مسئلة 57 ـ لو اقر بعض الورثة بوجوب الحج على الميت و انكره الاخرون لا
يجب عليه الا دفع ما يخصه من التركة بعد التوزيع لو امكن الحج بها و لو ميقاتا
و الا لا يجب دفعها، و الاحوط حفظ مقدار حصته رجاء لاقرار سائر الورثة او وجدان
متبرع للتتمة بل مع كون ذلك مرجو الوجود يجب حفظه على الاقوى، و الاحوط رده الى
ولى الميت.
و لو كان عليه حج فقط و لم يكف تركته به فالظاهر انها للورثة نعم لو
احتمل كفايتها للحج بعد ذلك او وجود متبرع يدفع التتمة وجب ابقائها و لو تبرع
متبرع بالحج عن الميت رجعت اجرة الاستيجار الى الورثة سواء عينها الميت ام لا،
و الاحوط صرف الكبار حصتهم في وجوه البر1.
الجواز من قرب لانه برجع الى مطلق الدين غير المستغرق لا الى خصوص ما إذا كانت
التركة واسعة جدا نعم لا يبقى مجال للزوم الاحتياط بعد وجود الرواية المعتبرة و
ان كان مقتضى القاعدة خلافها على ما عرفت.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول: ما لو اقر بعض الورثة بوجوب الحج على
الميت و انكره الاخرون ففى المتن انه لا يجب عليه الا دفع ما يخصه من التركة
بعد التوزيع و المراد انه لا يجب عليه الا دفع مقدار من الدين بعد توزيعه على
التركة بنسبة السهام و عليه فلا يجب عليه دفع جميع حصته إذا كان الدين مستغرقا
لها ففى المثال الذى ذكره في الجواهر و هو ما إذا خلف الميت ابنين و بنتا و كان
مجموع التركة الفا و الدين الذى يدعيه احد الابنين ـ مثلا ـ خمسمأة لا يجب على
الابن المقر الا دفع مأتين مما يخصه من التركة و هو اربعمأة و يرد عليه انه مع
كون المراد ذلك لا يمكن فرض امكان الحج بها بعد توزيع مصارفه على الجميع كالدين
و لو فرض كون الحج من الميقات كما هو المشهور في اصل المسئلة و هو لزوم قضاء
الحج عن الميت بعد استقراره عليه من لزوم الحج من الميقات و عليه فكيف يمكن
الجمع بين توزيع مصارف الحج و بين امكان الحج
(الصفحة 370)
بما يخص سهم المقرّ من التركة و اصرح من المتن كلام السيد (قدس سره) في العروة
حيث قال بعد فرض المسئلة: لم يجب عليه الا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع و ان لم
يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته.
و كيف كان فقد ذكر في الجواهر بعد الحكم بتوزيع الدين بالنحو المذكور قوله:
«بلا خلاف محقق معتد به اجده في شىء من ذلك عندنا نصا و فتوى نعم يحكى عن
الشافعى وجوب دفع جميع ما في يده في الدين لانه لا ارث الا بعده و لا ريب في
بطلانه و مثل ذلك ياتى في الحج الذى قد عرفت كونه من الدين ايضا».
اقول الكلام يقع في مقامين:
المقام الاول فيما تقتضيه القاعدة و انه هل
هو لزوم دفع الوارث المقرّ ما يخصه من التركة بعد توزيع الدين او انه لزوم دفع
جميع ما في يده في الدين فنقول: يظهر من صاحب الجواهر و من بعض شراح العروة ان
مقتضى القاعدة في مسئلة اقرار احد الوراث بالدين و في مسئلة اقراره بوارث آخر
هى الاشاعة و الشركة كما فيما لو اقر احد الشركاء بشريك اخر فيكون ما في يد
المقر مشاعا بينه و بين المقر له فلو اقر احد الورثة باخ له و انكره الباقون او
اقر بدين و انكره الاخرون فمقتضى القاعدة تنصيف حصته فيكون انكار الباقى من
الورثة ضررا واردا على المقر و المقر له معا لما تقتضيه قاعدة الاشاعة من ان ما
بقى بقى لهما و ما تلف تلف منهما هذا و لكن الظاهر انه لا وجه للاشاعة في مسئلة
الاقرار بالدين و ان كانت صحيحة في مسئلة الاقرار بوارث اخر او شريك اخر لانه
لا مجال لدعوى ثبوت الدين في التركة بنحو الاشاعة و الشركة اصلا سواء قلنا بعدم
انتقال ما يساوى مقداره الى ملك الوارث و بقائه على ملك الميت او قلنا بانتقال
المجموع الى الوارث و تعلق حق الديان بالتركة كتعلق حق الرهانة على ما عرفت.
و الوجه في بطلان الشركة ان تلف بعض التركة بعد الموت لا يوجب الضرر