(الصفحة 411)
صلاحية وقوع حج آخر في هذا الزمان و الا يلزم ان يكون كذلك في مسئلة الصلوة و
الازالة لان المفروض فيها كون وجوب الازالة فوريا فالفورية امر و عدم القابلية
امر آخر.
ثانيتها: الروايتان الواردتان في المقام:
احديهما: صحيحة سعد بن ابى خلف قال: سئلت
ابا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت قال نعم إذا لم
يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى
يحج من ماله، و هى تجزى عن الميت، ان كان للصرورة مال، و ان لم يكن له مال.(1)
و الظاهر ان السؤال انما هو عن الحكم التكليفى و ان الصرورة باعتبار انه لم يحج
اصلا هل تجوز له النيابة عن الميت ام لا تجوز بل اللازم ان يكون النائب قد حج
قبلا و لازمه ان يكون عارفا بالمواقف و المشاعر و المناسك و الخصوصيات الاخر
فالجواب ناظر الى انه لا مانع من نيابة الصرورة مقيدا بعدم كونه مستطيعا و
مفهومه عدم الجواز في صورة تحقق الاستطاعة للنائب و هذا هو الحكم التكليفى الذى
ذكرنا انه لا شبهة في ثبوته.
و اما الحكم الوضعى الذى هو محل البحث فالدلالة عليه انما هى بالجملة التى
فرعها على الجملة الاولى و ظاهرها باعتبار رجوع الضمير في «عنه» الى النائب
كالضمائر في قوله «له» و قوله: «عن نفسه» و قوله: «من ماله» انه ان كان النائب
مستطيعا و له ما يحج به عن نفسه لا يكون الحج النيابى مجزيا عن حجة الاسلام
الواجبة على النائب و قوله (عليه السلام) في الذيل: «و هى تجزى عن الميت» تدل
على صحة الحج النيابى و وقوعه عن الميت سواء كان النائب مستطيعا يجب عليه الحج
ام لا، و اما احتمال رجوع الضمير في «عنه» الى الميت المنوب عنه بحيث كان
مدلولها انه مع استطاعة النائب لا يكون الحج النيابى مجزيا عن الميت فتدل على
البطلان في المقام فمصافا الى عدم ملائمته
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس ح ـ 1
(الصفحة 412)
مع قوله: «حتى يحج من ماله» مخالفة لقوله في الذيل «و هى تجزى عن الميت» و
العجب ممن استدل بها على البطلان بل لا مجال لدعوى كون دلالتها على الصحة اولى
كما ذكره السيد (قدس سره) في العروة فانه لا اشعار فيها بالبطلان بل دلالتها
على الصحة واضحة
ثانيتهما: صحيحة سعيد بن عبد اللّه الاعرج
انه سئل ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة ا يحج عن الميت؟فقال، نعم إذا
لم يجد الصرورة ما يحج به فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله و هو
يجزى عن الميت كان له مال او لم يكن له مال(1) و البحث في دلالتها
كالبحث في الرواية السابقة و ان كان قوله (عليه السلام) هنا: «فليس له ذلك»
بيان للمفهوم المستفاد من الجملة الاولى المتعرضة للحكم التكليفى كما لا يخفى.
الثالثة: ما حكى عن المحقق النائينى (قدس
سره) من ان الترتب لا يجرى في الحج لان الترتب انما يجرى في الواجبين المقيدين
بالقدرة العقلية و اما إذا كان احد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية فلا يجرى
فيه الترتب لانه في فرض العصيان لا يبقى موضوع للواجب المقيد بالقدرة الشرعية و
لا امر له اصلا كما هو الحال في الوضوء فانه مقيد بالقدرة الشرعية بالتمكن من
استعمال الماء شرعا فلو وجب صرف الماء في واجب آخر اهمّ و عصاه و توضأ به لا
يحكم بصحة وضوئه بالامر الترتبى لانه في فرض العصيان لا موضوع لوجوب الوضوء
اصلا و هكذا الحج فان المأخوذ فيه القدرة الشرعية بمعنى انه اخذ في موضوعه عدم
عصيان واجب آخر اهمّ فاذا عصى لا يتحقق موضوع الحج اصلا.
و الجواب عنه منع المبنى فان المأخوذ في الحج مجرد الاستطاعة المركبة من
الاستطاعات الاربعة: المالية و البدنية و الزمانية و السربية و لا يعتبر فيه
شىء آخر زائد على ذلك فالقدرة الشرعية بالمعنى المذكور و هو عدم استلزامه
لعصيان
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس ح ـ 3
(الصفحة 413)
واجب لا تكون مأخوذة فيه بوجه كما مر الكلام فيه مرارا فلا فرق بين الحج و بين
الازالة في المثال المعروف لان المفروض في هذه الصورة التمكن من حج نفسه و لو
متسكعا و كونه عالما بالوجوب و الفورية.
و اجيب عنه بوجه آخر و هو انه لو سلم اخذ القدرة الشرعية في الحج فانما هى
مأخوذة في حج الاسلام لا في سائر اقسام الحج من التطوعى و النيابى و النذرى فلا
مانع من جريان الامر الترتبى في غير حجة الاسلام و الحكم بصحته في صورة العصيان
و عدم الاتيان بحجة الاسلام.
و يمكن المناقشة في هذا الجواب بان مدعاه (قدس سره) عدم كون احد الواجبين مقيدا
بالقدرة الشرعية من دون فرق بين الواجب الاهم و الواجب المهم فمجرد كون حجة
الاسلام مشروطة بالقدرة الشرعية يكفى على مبناه (قدس سره) في الخروج عن الامر
الترتبى و ان كان غير حجة الاسلام كالتطوعى و النيابى غير مشروط بذلك.
و يمكن الجواب عنه بوجه آخر و هو انه على فرض اشتراط حجة الاسلام بالقدرة
الشرعية يمكن ان يقال بكون المشروط بها هى حجة الاسلام التى اريد الاتيان بها
في عام الاستطاعة و اما إذا استقرت و اريد الاتيان بها في العام الثانى فلم يقم
دليل على الاشتراط بالقدرة الشرعية كما انه غير مشروط ببعض الاستطاعات الاربعة
كالاستطاعة المالية لوجوبه مع التسكع ايضا و كيف كان فهذه الخصوصية الثالثة
ايضا غير ثابتة.
الرابعة: ان اللام في قوله تعالى: و للّه
على الناس حج البيت....لما كانت ظاهرة في الملك كانت الآية دالة على كون الحج
الذى هو فعل المكلف و عمله يكون مملوكا للّه تعالى و ـ ح ـ لا يجوز التصرف فيه
بنحو لا يكون مأذونا فيه من قبل اللّه تعالى فاذا حج نيابة عن الغير او عن نفسه
تطوعا يكون تصرفا فيه بغير اذنه تعالى فيقع باطلا و «دعوى» انه إذا كان مفاد
الاية ما ذكر فلا دلالة لها ـ ح ـ على الوجوب
(الصفحة 414)
«مدفوعة» بانه لا مانع من ذلك لان وجوب الحج يستفاد من الروايات الدالة على انه
احدى الدعائم الخمسة للاسلام او الاخبار الواردة في التسويف و ان تركه ترك
شريعة من شرايع الاسلام بل لا حاجة الى ذلك بعد كون وجوب الحج من ضروريات الفقه
بل الاسلام.
كما ان «دعوى» انه يلزم بناء على تفسير الاية بما ذكر ان يكون الاتيان به بقصد
اداء المملوك كما في وفاء الدين «مدفوعة» ايضا بان لزوم قصد اداء الدين انما هو
من جهة ان اداء المملوك يمكن ان يكون على وجه آخر مثل الهبة و الصلح و الوديعة
فاللازم قصد الاداء و هذا لا يجرى في الحج لان حجة الاسلام لا يكون الا مملوكا
و لا يجرى فيها وجوه متعددة فقصدها بمجرده يكفى في كون ادائه اداء المملوك و لا
يلزم قصد اداء المملوك كما لا يخفى.
و الجواب انه قد ذكر في كتاب الاجارة بعد تقسيمها الى اجارة الاعيان و الاجارة
على الاعمال ان الاجير في الاجارة على الاعمال تارة يكون اجيرا خاصا و اخرى
يكون اجيرا عاما و المراد من الاول ما إذا كانت منفعته الخاصة او جميع منافعه
ملكا للمستأجر كما إذا استأجر شخصا بنحو يكون منفعته كذلك في مدة معينة ملكا له
و المراد من الثانى ما إذا كان المملوك عملا في ذمة الاجير كما إذا استأجره
لخياطة ثوبه ـ مثلا ـ و في هذا القسم لا مانع من العمل للغير و وقوعه اجيرا له
و ان كان العمل الاول مقيدا بوقت معين لا يسع لغيره كما إذا استأجره لخياطة
ثوبه في يوم خاص فصار اجيرا لعمل للاخر سواء كان هى الخياطة او غيرها من
الاعمال الاخرى في نفس ذلك اليوم فانه لا مجال للمناقشة في صحة الاجارة الثانية
بخلاف الاجير الخاص حيث ان الاجارة الثانية تحتاج الى اذن المستأجر الاول او
اجازته و مسئلة الحج من هذا القبيل اى من قبيل الاجير العام لظهور الاية في كون
المملوك هو العمل و هذا هو المتحقق في الاجير العام فكونه مملوكا للّه تعالى
بمقتضى الاية الشريفة لا يقتضى بطلان الحج غير حجة الاسلام سواء كان تطوعا او
نيابة عن الغير
(الصفحة 415)
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الخصوصيات الاربعة الموجودة في مسئلة الحج لا
يقتضى شىء منها البطلان لو قلنا بالصحة في مسئلة الصلوة و الازالة و عليه فيشكل
ما في المتن من نفى البعد عن البطلان مع الحكم بالصحة في تلك المسئلة فان
الخصوصية المحتملة قويّا لان تكون منشأ للبطلان بنظره (قدس سره) هى الروايتان
الواردتان في المقام المتقدمتان بناء على دلالتهما على البطلان كما استدل
للمشهور بهما فانه ـ حينئذ ـ و ان كان مفادهما على خلاف القاعدة المقتضية للصحة
الا انه لا محيص عن الالتزام بهما مع اعتبار هما سندا و ظهورهما في البطلان على
ما هو المفروض.
و لكنك عرفت ان دلالتهما على الصحة اولى من دلالتهما على البطلان بل لا مجال
لهذا الاحتمال كما عرفت و على هذا التقدير يبقى الكلام في وجه التفكيك بين
المسئلتين بالقول بالصحة هناك و بالبطلان في المقام فهل الوجه فيه الاجماع الذى
ادعاه صاحب الجواهر (قدس سره) او الشهرة الفتوائية المحققة على البطلان؟.
لا مجال للاول لانه ـ مضافا الى ان الاجماع المنقول بخبر الواحد لا يكون واجدا
لشرائط الحجية و الاعتبار ـ يكون معقده خصوص الحج النيابى مع ان المدعى اعم منه
و من الحج التطوعى.
كما انه لا مجال للثانى ايضا لان الشهرة الفتوائية و ان كانت مرجحة في باب
التعارض بل هو اول المرجحات كما حققناه في محله و كذا تكون جابرة للضعف، و
اعراض المشهور يوجب الوهن في الرواية و لو كانت في اعلى درجة الصحة الا انها
بنفسها لا تكون حجة و عليه فلا يكون وجه للتفكيك المزبور بل الظاهر الحكم
بالصحة في المسئلتين كما هو مقتضى القاعدة و يدل عليه الرواية ايضا في المقام
فتدبر جدا.
ثم انه لو قلنا بالصحة في هذه الصورة اى صورة التمكن من الحج و العلم بوجوبه
عليه فورا فاللازم الحكم بالصحة في بقية الصور الخالية عن فرض التمكن