(الصفحة 434)
و كيف كان فلا ينبغى الارتياب في ان المقدر المذكور في كلام صاحب الجواهر هو
المقدر بعد كلمة «مع» و انه هو الوجود او المعارضة و هذا لا يرتبط بمسئلة «لا»
التى هى لنفى الجنس في قوله: «لا يمين» اصلا.
و لا يكاد ينقضى تعجبى كيف حمل بعض الاعلام كلام صاحب الجواهر المتقدم على ان
المقدر ما يرتبط بلاء النافية الواردة على اليمين ثم تعرض للجواب عنه و لا بأس
بذكر ملخص كلامه في هذا المقام قال: «لا بد من تقدير كلمة الموجود او المنع و
المعارضة في الرواية كما هو الحال في نظائرها مثل لا اله الا اللّه و لا رجل في
الدار فقد ذكروا ان المقدر فيه هى كلمة الموجود و اما في هذه الجملات فيدور
الامر بين التقديرين فان قلنا ان المقدر هو الوجود فمعناه عدم انعقاد اليمين مع
الوالد الاّ باذنه و ان قلنا ان المقدر هو المنع و المعارضة فمعناه لا يمين مع
منع الوالد و لا دلالة له الاّ على جواز حل اليمين لا اعتبار اذنه فيه و ليس
تقدير كلمة الوجود اولى من تقدير كلمة المعارضة.
و اورد عليه اولا بان ما ذكر من تقدير الموجود في «لاء» النافية للجنس فيه
مسامحة واضحة لان الوجود و العدم انما يعرضان لنفس الماهية و هى بنفسها قد تكون
موجودة و قد تكون معدومة من دون فرق بين الوجود و العدم من جهة الواسطة و عدمها
ففى قولنا الانسان موجود يكون معروض الوجود نفس ماهية الانسان و في قولنا
العنقاء معدوم يكون المعروض ايضا نفس مهية العنقاء ففى مثل لا رجل في الدار
يتعلق النفى بجنس الرجل و ماهيته و لا مجال لتقدير الموجود و هكذا قوله صلّى
اللّه عليه و اله: «لا يمين» في الرواية.
و ثانيا: انه على تقدير التنزل نقول بعدم
دوران الامر بين تقدير الوجود او المنع و المعارضة فان تقدير الوجود لا بد منه
على اى حال و لو كان المراد المنع و المعارضة لان معنى: لا يمين مع المعارضة
انه لا وجود اليمين مع المعارضة و المنع بل لو فرض التصريح بكلمة المعارضة
لاحتاج الى تقدير كلمة الوجود»
(الصفحة 435)
و قد عرفت مما ذكرنا ان مراد صاحب الجواهر التقدير بعد كلمة «مع» غاية الامر
تردد المقدر بين امرين و لا ارتباط لذلك بقوله لا يمين من جهة لا النافية
لماهية اليمين مع ان المقدر في لا النافية هو الموجود لا الوجود و صريح كلام
الجواهر هو الوجود مع ان تغيير محل التقدير بجعل الوجود مقدرا بعد قوله لا يمين
و المعارضة مقدرة بعد كلمة «مع» كما هو مقتضى الجواب الثانى مما لا ينبغى ان
يصدر من مثله فالظاهر حينئذ ما ذكرنا من بيان عبارة الجواهر و توضيحها كما
عرفت.
نعم يرد على ما افاده الجواهر من الدليل الثانى منع اولوية تقدير المعارضة لعدم
كون الشهرة دخيلة في مرتبة الظهور و مقام دلالة الرواية بوجه بل منع التساوى
بين التقديرين فى مقام الاحتمال بل الظاهر اولوية تقدير الوجود لانه مضافا الى
ان اضافة الوجود الى الماهية اهون و اقرب من اضافة مثل عنوان المعارضة و
المزاحمة نقول ان الوجود لا يحتاج الى التقدير اصلا لانه كما ان قوله لا يمين
للولد لا يحتاج الى تقدير الوجود قبل كلمة الولد مع ان مفاده في نفسه هى المهية
و الطبيعة و ذلك لان المتفاهم منه هو الوجود من دون ان يكون مقدرا، كذلك الوالد
بعد قوله: «مع» فانه ايضا لا يحتاج الى التقدير اصلا بل له ظهور عند العرف في
الوجود و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الدليل الاول فتأمل
و التحقيق: في هذا المقام ان طرف احتمال
تقدير المعارضة و المنع ليس هو الوجود كما في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) بل
طرفه احتمال تقدير عدم الاذن السابق او الاعم منه و من الاجازة اللاحقة و الوجه
في عدم كونه هو الوجود مضافا الى ما افاده في المستمسك من انه لو كان المراد ان
وجود الوالد مانع كما يقتضيه الجمود على ما تحت العبارة كان قوله: «مع والده»
زائدا اذ الولد لا بد ان يكون له والد و كذا الزوجة و العبد لا بدّ ان يكون
لهما زوج و سيد فذكر الوالد و الزوج و السيد شاهد على عدم كون المقدر هو الوجود
و مضافا الى ما عرفت من ان المتفاهم
(الصفحة 436)
عند العرف من الوالد بلحاظ اتصافه ما هو المتفاهم عندهم من الولد بلحاظ هذه
الاضافة و ليس مرجع ذلك الى تقدير الوجود بوجه.
انه على تقدير كون المقدر هو الوجود يكون مفاد العبارة عدم صحة يمين الولد مع
وجود الوالد و مرجعه الى عدم الانعقاد ما دام كونه حيا و لا مجال للحمل على هذا
التقدير على كون المراد عدم الاذن لانه بعد فرض عدم ارادة وجود الوالد من حيث
هو تكون نسبة عدم الاذن و اضافته الى الوالد متساوية مع اضافة المنع و
المعارضة.
فالظاهر حينئذ ان الامر يدور بين تقدير عدم الاذن و بين تقدير المعارضة و المنع
و لا يرجع تقدير عدم الاذن الى قوله لا يمين للولد الا مع اذن والده حتى يقال
كما في بعض الكلمات بانه لا مجال لتقدير الاستثناء و ذلك لان المقدر نفس عدم
الاذن من دون حاجة الى الاستثناء اصلا.
و على ما ذكرنا لو فرض اجمال الرواية من جهة ما هو المقدر فاللازم الرجوع الى
اصالة العموم فيما إذا كان المخصص المنفصل مجملا مرددا بين الاقل و الاكثر كما
عرفت و لكن هنا قرينة على كون المراد هو عدم الاذن و هو ان العبد لا يكفى في
انعقاد يمينه مجرد منع المولى و معارضته بل يحتاج الى الاذن لانه لا يقدر على
شىء على ما وصفه به فى الكتاب العزيز فاذا كان الحكم في العبد كذلك فالظاهر عند
العرف بمقتضى وحدة السياق خصوصا مع وقوع قوله صلّى اللّه عليه و اله: و لا
للمملوك مع مولاه بين الجملتين ان المراد في جميع الجملات الثلاثة واحد و
المقدر هو عدم الاذن لا المعارضة و المنع و بما ذكرنا يظهر عدم صحة ما هو
المنسوب الى المشهور على ما مرّ.
و بعد ذلك يقع الكلام في ان المراد بالاذن هل هو خصوص الاذن السابق او الاعم
منه و من الاجازة اللاحقة؟ربما يقال بالاول نظرا الى انه من الايقاعات و ادعى
الاجماع على عدم جريان الفضولية فيها كالطلاق و العتق و نحوهما.
(الصفحة 437)
و لكنه اجيب عنه بان الاجماع حيث انه دليل لبى يؤخذ بالقدر المتيقن منه و هو
الايقاع الواقع على مال الغير كعتق عبده او ما يتعلق بالغير محضا كطلاق زوجة
الغير فان الاجازة اللاحقة لا تجدى في مثل ذلك من الامور الاجنبية عنه بالمرة،
و اما إذا كان الايقاع متعلقا بفعل نفسه مالا كان او غيره غاية الامر تعلق حق
الغير به كحق المرتهن و حق الغرماء او قيام الدليل على اعتبار رضا الغير فيه
كما في مثل المقام فلا دليل على عدم تأثير الاجازة اللاحقة فاذا اعتق الراهن
العبد المرهون ثم لحقته اجازة المرتهن لا دليل على بطلان عتقه و كذا لو اعتق
المفلس المحجور عليه عبده ثم لحقته اجازة الغرماء و الديان فانه ايضا كذلك و
كذلك إذا قام الدليل على مجرد اعتبار رضا الغير كما في العمة و الخالة حيث
يعتبر رضاهما في نكاح بنت اخيها او اختها من دون فرق بين السابق و اللاحق و
المقام ايضا من هذا القبيل فان الاجماع المذكور لا ينهض لاعتبار خصوص الاذن
السابق على ما عرفت فالاستناد اليه غير صحيح.
كما انه يمكن ان يقال بالثانى نظرا الى التعليل الوارد في الرواية الواردة في
تزويج العبد و هى ما رواه في الكافى و الفقيه عن زرارة عن الباقر (عليه السلام)
سئله عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذلك الى سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق
بينهما قلت اصلحك اللّه تعالى ان حكم بن عتيبة و ابراهيم النخعى و اصحابهما
يقولون ان اصل النكاح فاسد و لا يحلّ اجازة السيد له فقال ابو جعفر (عليه
السلام) انه لم يعص اللّه انما عصى سيده فاذا اجاز فهو له جائز.
فان موردها و ان كان هو النكاح الذى يكون من العقود الا ان مقتضى التعليل جريان
الحكم في الايقاعات ايضا فانه لا فرق من جهة عدم تحقق معصية اللّه و كذا تحقق
معصية المولى باىّ معنى فسرت المعصية به في الموردين بين العقود و الايقاعات و
لازمه كون الاجازة اللاحقة كافية كالاذن السابق.
(الصفحة 438)
هذا و لكن ورد في مورد طلاق العبد زوجته بعض الروايات التى استدل الامام (عليه
السلام)فيها بقوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شىء على افتقار طلاق العبد
الى اذن المولى نظرا الى ان الطلاق شىء فهو لا يقدر عليه اى لا يستقل به و لكنه
لا يعلم ان المراد بالاذن فيها هل هو خصوص الاذن السابق او الاعم منه و من
الاجازة اللاحقة و حيث ان الطلاق من الايقاعات فالظاهر جريان حكمه في يمين
العبد و بمقتضى وحدة السياق يجرى في يمين الولد و الزوجة فاللازم ملاحظة تلك
المسئلة.
بقى الكلام في ان اليمين التى تحتاج الى
الاذن او الاعم منه و من الاجازة او يجوز حلها هل تنحصر بموارد خاصة او تعم
جميع الموارد؟و في هذه الجهة اقوال ثلاثة:
احدها ما ذكره في الجواهر فانه بعد اختياره
كون المقدر هو المنع و المعارضة قال: «فالمراد ـ ح ـ من نفى اليمين مع الوالد
في الفعل الذى يتعلق بفعله ارادة الولد و تركه ارادة الوالد و ليس المراد مجرد
نهى الوالد عن اليمين...» و اوضحه السيد (قدس سره) في العروة بان جواز الحل او
المتوقف على الاذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا كما هو ظاهر كلماتهم بل
انما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى او الزوج و كان مما يجب فيه طاعة
الوالد إذا امر او نهى، و اما ما لم يكن كذلك فلا كما إذا حلف المملوك ان يحج
إذا اعتقه المولى، او حلفت الزوجة ان تحج إذا مات زوجها او طلقها، او حلفا ان
يصليا صلوة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى او حق الاستمتاع من الزوجة او
حلف الولد ان يقرء كل يوم جزء من القرآن او نحو ذلك مما لا تجب طاعتهم فيها
للمذكورين فلا مانع من انعقاده و هذا هو المنساق من الاخبار فلو حلف الولد ان
يحج إذا استصحبه الوالد الى مكة ـ مثلا ـ لا مانع من انعقاده و هكذا بالنسبة
الى المملوك و الزوجة فالمراد من الاخبار انه ليس لهم ان يوجبوا على انفسهم
باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين
|