(الصفحة 491)
النذر بالنسبة اليه فالروايتان متفقتان على سقوط خصوصية الحفاء و بطلان النذر
بالنسبة اليه، و اما المشى المتعارف فيقع التعارض بين صحيح الحذاء و صحيح رفاعة
لان المستفاد من صحيح الحذاء مرجوحية المشى ايضا لامره (صلى الله عليه وآله)اخت
عقبة بن عامر بالركوب و قال (صلى الله عليه وآله): فان اللّه غنى عن مشيها و
حفاها، و اما صحيح رفاعة فيدل على سقوط الحفاء فقط و بقاء المشى على رجحانه
لقوله (عليه السلام): «فليمش» و بعد التعارض لا يمكن الرجوع الى الادلة العامة
الدالة على وجوب الوفاء بالنذر لان المفروض ان النذر مقيد بالحفاء و المنذور هو
المشى حافيا و العمل ببعض النذر دون البعض الاخر لا دليل عليه فلم يبق موضوع
للوفاء بالنذر فالنتيجة سقوط النذر.
و على التقدير الثانى تقع المعارضة بين الصحيحتين و تتساقطان و اللازم ـ ح ـ
الرجوع الى عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر و تصير النتيجة صحة نذر المشى حافيا
كما هو مقتضى القاعدة على ما عرفت و لكن هذا التقدير خلاف ظاهر الرواية و قد
استبعده العلامة المجلسى (قدس سره) ثم انه قد جمع صاحب «المستمسك» بين صحيحة
الحذاء و رواية سماعة و حفص بحمل الاخيرة على الاستحباب بقرينة الصحيحة مع ان
الظاهر ان الحمل على الاستحباب انما هو فيما إذا كان الاختلاف بين الروايتين في
الحكم التكليفى المحض كما في قوله: اغتسل للجمعة ـ مثلا ـ فانه يحمل على
الاستحباب بقرينة ما ظاهره نفى الوجوب، و اما في مثل المقام ممّا إذا كان في
البين حكم وضعى مشكوك كانعقاد النذر و عدمه و صحته و بطلانه فلا مجال للحمل على
الاستحباب فان احدى الروايتين ظاهرة فى البطلان و الاخرى في الصحة و لا جمع
بينهما و بعبارة اخرى النذر ان كان منعقدا و صحيحا فلا محيص عن وجوب الوفاء به
و ان لم ينعقد فلا يكون حكمه الاستحباب من جهة تعلق النذر بل يقع المنذور على
ما كان عليه قبل النذر من الحكم من دون ان يكون النذر مؤثرا في شىء اصلا كما لا
يخفى.
(الصفحة 492)
ثم انه يغلب على الظن في اصل المسئلة ان رواية سماعة و حفص التى رواها احمد بن
محمد بن عيسى في نوادره هى نفس رواية رفاعة و حفص بمعنى ان سماعة ذكر اشتباها
لاجل التشابه مع رفاعة فلا يكون هناك روايتان بل رواية واحدة.
و ايضا فالظاهر ان رواية رفاعة و حفص المذكورة في كتاب الوسائل في ابواب النذر
هى رواية رفاعة المروية في كتاب الحج بهذه الكيفية محمد بن الحسن باسناده عن
موسى بن القاسم عن ابن ابى عمير و صفوان عن رفاعة بن موسى قال: قلت لابى عبد
اللّه (عليه السلام)رجل نذر ان يمشى الى بيت اللّه قال: فليمش قلت: فانه تعب
قال: فاذا تعب ركب.(1) و يؤيد اتحاد الروايتين ـ مضافا الى كون
الراوى عن رفاعة و حفص في كتاب النذر هو ابن ابى عمير ايضا و ان اضيف اليه
صفوان هنا و اضيف الى المروى عنه حفص هناك الا انه لا يقدح في الاتحاد اصلا كما
هو الظاهر ـ انه لو كان قيد الحفاء مذكورا في السؤال و لم يكن السؤال متمحضا في
نذر المشى فقط كما في رواية و حفص لكان الجواب بقوله: فليمش ناقصا سواء اريد به
هو المشى المقيد بالحفاء او المشى من دون حفاء اما على الاول فلانه كان اللازم
ان يضاف اليه كلمة «الحفاء» او «كذلك» للدلالة على لزوم مراعات النذر بجمع
خصوصياته و اما على الثانى فلانه كان اللازم ان يضاف اليه مثل كلمة: «دون حفاء»
لانه الغرض المهم لا اصل لزوم المشى و بعبارة اخرى محط نظر السائل على تقدير
كون مورده هو نذر المشى حافيا هو التقييد بالحفاء و عليه فالجواب لا بد و ان
يكون ناظرا اليه نفيا و اثباتا و لا يلائمه الاقتصار على قوله: فليمش،
فالاقتصار عليه في الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو نذر المشى من دون قيد و
عليه يحصل الاطمينان بان الروايات الثلاثة متحدة و ان السؤال فيها انما هو عن
مجرد نذر المشى و الجواب منطبق عليه من دون نقيصة و عليه تنحصر
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1
(الصفحة 493)
الرواية الواردة في المشى حافيا بصحيحة الحذاء و لا معارض لها اصلا و المراد من
قوله (صلى الله عليه وآله) فيها: «فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها» مع انه
تعالى غنى عن العالمين و عن عبادة الخلائق اجمعين هو عدم المشروعية و عدم
الرجحان و ـ ح ـ ان قلنا بان الرواية معرض عنها كما ربما يقال و يؤيده حكاية
الفتوى بالبطلان عن الدروس فقط فاللازم طرحها بناء على كون الاعراض قادحا و ان
لم نقل بصغرى الاعراض او لم نقل بقادحيته فى اعتبار الرواية و حجيتها فاللازم
الاخذ بها و الحكم ببطلان نذر الحفاء و ان كان على خلاف القاعدة.
ثمّ انه بقى الكلام في اصل المسئلة فيما يتعلق بنذر المشى المطلق او المشى
حافيا فى امرين:
الاوّل في الامور المعتبرة في انعقاد
النذرين و هى عدّة اشياء:
احدها التمكن فانه مع عدم التمكن من متعلق
النذر لا يقع صحيحا كما في ساير الامور المتعلقة للنذر و قد عرفت في بعض
المسائل السّابقة ان الاستطاعة المعتبرة في نذر الحج هى الاستطاعة العقلية لا
الاستطاعة الشرعية ـ كما اختاره في الدروس ـ و مرجع ما ذكرنا الى انه لا فرق
بين كون المنذور هو الحج أو غيره من الأعمال الراجحة و المعتبر في الجميع هى
القدرة العقليّة.
ثانيها عدم تضرّره بالمشى أو المشى حافيا و
الظاهر ان المراد هو التضرر النفسى و عليه فالظاهر عدم ارتباط هذا الأمر بقاعدة
«لا ضرر» المعروفة و ان كان عطف عدم الحرج عليه يؤيد كون المراد تلك القاعدة
لكن حيث انّ مبنى الماتن (قدس سره) في القاعدة كونها حكما ناشيا عن مقام ولاية
الرسول و حكومته و زعامته و تصدّيه لادارة نظام المسلمين لا مرتبطا بمقام
رسالته و نبوته حتى يكون حكما الهيا ناظرا الى الاحكام الاوليّة الثابتة
للموضوعات بعناوينها الواقعية فلا بد من عدم كون النظر في المتن الى هذه
القاعدة مضافا الى عدم اختصاصها بالضرر
(الصفحة 494)
النفسى كما لا يخفى.
و عليه فاللازم ان يكون محطّ النظر في المتن هى حرمة الاضرار بالنفس بعنوانه
الاولى مطلقا او في خصوص ما إذا كان منجرّا الى الهلاك عادة و قد ادّعى قيام
الاجماع و غيره على ثبوت هذه الحرمة و ان وقع الاختلاف في متعلقها من حيث السعة
و الضيق كما اشرنا.
و على هذا التقدير فالوجه في اعتبار عدم الاضرار امّا خروج متعلق النذر عن
الرجحان بسبب الاضرار المحرّم لانه يصير بذلك مرجوحا فيكون النذر ـ ح ـ فاقدا
لشرط الصحة و هو الرجحان فيحكم بعدم انعقاده و يظهر هذا الوجه من بعض الاعاظم
على ما فى تقريراته في شرح العروة و امّا ما ذكره بعض الاعلام كذلك من ان
الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فيصير الوجه في البطلان عدم التمكن من المنذور مع
انك قد عرفت اعتباره.
اقول و في كلا الوجهين نظر:
اما الوجه الاول فلانّ متعلق الحرمة هى نفس
عنوان الاضرار بالنفس ـ مطلقا أو في الجملة ـ و لا يتعدى الحكم من عنوان متعلقه
الى شىء آخر و مجرد تحقق عنوان الاضرار فى الخارج بالمشى لا يستلزم سراية
الحرمة الى المشى اصلا بل هو بعنوانه ذات رجحان و مزية و قد دلّ عليها قول
المعصوم و فعله كما انّك عرفت ان تعلق النذر بالمشى لا يوجب صيرورة المشى واجبا
بل هو باق على ما كان عليه قبل النذر و الواجب بالنذر انّما هو عنوان الوفاء به
فالمشى لا يسرى اليه الوجوب من ناحية النذر و لا الحرمة من ناحية حرمة الاضرار
فلا مانع من ثبوت الوجوب و الحرمة غاية الامر وقوع التزاحم بين التكليفين لعدم
امكان رعايتهما في مقام الامتثال و الموافقة، و اللازم الرجوع الى قاعدة
التزاحم كما لا يخفى و من الواضح ان المزاحمة امر و عدم الانعقاد الذى هو
المدعى امر اخر.
(الصفحة 495)
و اما الوجه الثانى فمضافا الى انه لم يقم
دليل على ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا بل كلماتهم خصوصا في كتاب الاجارة
ظاهرة في ان الممنوعية امر و الامتناع امر اخر الا ترى ان استيجار الحائض لكنس
المسجد انما يكون الوجه في بطلانه عندهم هى الممنوعية الشرعية و كون العمل
محرّما لا الامتناع و الاستحالة و المعتبر في الاجارة امران: كون العمل مقدورا
و كونه محلّلا فيظهر ان الممنوعية الشرعية امر مستقل و الامتناع امر أخر.
نقول بما ذكرنا من عدم كون المشى الذى تعلقّ به النذر ممنوعا شرعا فان الممنوع
انما هو عنوان الاضرار بالنفس و هو لا يكون متعلقا للنذر فما هو المتعلق غير ما
هو الممنوع.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه على تقدير كون الاضرار بالنفس محرما مطلقا أو
في الجملة لا يوجب ذلك خللا في صحة النذر و انعقاده.
ثالثها عدم كون المشى المطلق او المشى حافيا
حرجيّا على الناذر لانه على تقدير الحرجية يكون مقتضى قاعدة «نفى الحرج» التى
تكون حاكمة على أدلة التكاليف اللزومية ـ وجوبية كانت أو تحريمية ـ عدم لزوم
الوفاء بالنذر إذا كان مستلزما للحرج كما هو المفروض.
ثم انّ السيّد (قدس سره) في العروة قال: «لا مانع منه ـ اى من انعقاد النذر ـ
إذا كان حرجا لا يبلغ حدّ الضرر لان رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة هذا
إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و امّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر
كونه مسقطا للوجوب» و لا بد قبل ملاحظة مدّعاه و دليله و انّ دليله هل ينطبق
على مدّعاه ام لا؟من التعرض لامرين في قاعدة الحرج:
الاول ان مقتضى قاعدة نفى الحرج التى يدل
عليها مثل قوله تعالى: «ما جعل عليكم فى الدين من حرج» هل هو نفى الحكم اللزومى
على سبيل الرخصة او على نحو العزيمة