(الصفحة 496)
و مرجع الاول الى كون القاعدة ناظرة الى رفع اصل اللزوم و اما المحبوبية و
المشروعية فهى باقية بحالها لا ترتفع بالقاعدة اصلا كما ان مرجع الثانى الى رفع
الحكم بالكلية و عدم ثبوت اللزوم و لا المحبوبية و المشروعية فالوضوء او الغسل
الحرجى يقع صحيحا على الاول دون الثانى لفقد انه للمشروعية رأسا في حال الحرج و
المختار عندنا هو الثانى و قد حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية.
الثانى ان قاعدة نفى الحرج كما تكون حاكمة
على ادلة التكاليف الاصلية الابتدائية التى لا مدخل للمكلف في اثباتها كاكثر
الاحكام الشرعية هل تكون حاكمة على ادلة التكاليف الثانوية التى يكون للمكلف
مدخل في ثبوتها كالاحكام الثابتة في موارد التزام المكلف كالنذر و مثله ام لا؟
ربما يقال بالثانى نظرا الى ان قاعدة نفى الحرج واردة في مورد الامتنان و لا
امتنان في نفى الحكم في مورد التزام المكلف و التفاته الى كون الملتزم به حرجيا
فاذا كان عالما بان المشى في الحج امر حرجى من حين الشروع فلا امتنان في رفع
الحكم بوجوب الوفاء بالنذر بالاضافة اليه و بعبارة اخرى منشأ الحرج في هذا
الفرض هو التزام المكلف مع التوجه و الالتفات لا حكم الشارع.
كما انه ربما يقال بالاول نظرا الى ان ما يكون موجبا للحرج في هذه الصورة ايضا
هو حكم الشارع بوجوب الوفاء بالالتزام الصادر من المكلف عليه لانه بدون هذا
الحكم لا يقع المكلف في الحرج اصلا فالقاعدة حاكمة على كلتا الادلتين و رافعة
لكلا التكلفين من دون فرق في البين و هذا القول هو الظاهر و هو المستند لمثل
المتن من جهة الحكم باعتبار عدم الاستلزام للحرج في انعقاد النذر و صحته.
إذا عرفت هذين الامرين فاعلم ان ما يمكن دليلا لمدعى السيد من الانعقاد في
الصورة المذكورة هو الامر الثانى الذى ذكرنا بناء على اختيار عدم كون القاعدة
حاكمة على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر و اما الامر الاول فلا يرتبط بمسئلة
انعقاد النذر ضرورة ان رفع وجوب الوفاء بالنذر مع الالتزام بالبقاء على
المشروعية
(الصفحة 497)
و المحبوبية لا معنى له اصلا لانه ـ مضافا الى كونه خلاف مدعاه من الحكم
بالانعقاد و لازمه وجوب الوفاء بالنذر لان المدعى ليس مجرد الاستحباب و الى ان
الاستحباب كان ثابتا قبل النذر و الا لا ينعقد النذر لاعتبار الرجحان في متعلقه
فالرجحان ثابت في المتعلق مع قطع النظر عن الالتزام النذرى و الى ان مقتضى ذلك
عدم الاختصاص بخصوص المدعى لان كون الرفع بنحو الرخصة لا العزيمة لا ينحصر
بمورد المدعى فانه في مورد الجهل و عدم العلم يجرى ذلك من دون فرق ـ.
نقول لا يجتمع الانعقاد مع استحباب الوفاء فان مرجع الانعقاد الى وجوب الوفاء
بالنذر و هذا كما في البيع و نحوه من المعاملات و العقود و الايقاعات فانه لا
يجتمع الصحة مع عدم لزوم الوفاء فالدليل لا ينطبق على مدّعاه أصلا.
ثم ان مقتضى ما ذكرنا من حكومة القاعدة على مثل دليل وجوب النذر ايضا انه لو
عرض الحرج في الاثناء يوجب ذلك سقوط التكليف بوجوب الوفاء بالاضافة الى الباقى
و مقتضى ما ذكره السيد (قدس سره) انه لو كان عالما من الاوّل بعروض الحرج في
الاثناء عدم السقوط كما لا يخفى.
الامر الثانى في مبدء المشى أو المشى حفاء و
منتهاه فنقول: امّا المبدء فلم يرد فيه رواية و نص خاص و اختلفت الفتاوى و
الاراء فيه على أقوال: 1 ـ القول بكون المبدء بلد النّذر و اختاره صاحب الشرايع
و حكى عن المبسوط و التحرير و الارشاد.
2 ـ القول بكونه بلد الناذر و هو المحكى عن ظاهر القواعد و الدروس و غيرهما و
عن الحدائق الميل اليه.
3 ـ اقرب البلدين الى الميقات و في الجواهر نسبه الى القول من دون أن يعرف
قائله و في المسالك: «هو حسن ان لم يدل العرف على خلافه».
(الصفحة 498)
ما في محكى كشف اللثام من انه يمكن القول بانه من اىّ بلد يقصد فيه السفر الى
الحجّ لتطابق العرف و اللغة فيه.و المراد من مساعدة اللغة ما عرفت في اوّل كتاب
الحج من انه في اللغة بمعنى القصد فينطبق على اىّ بلد كذلك.
5 ـ القول بانه اوّل أفعال الحج و في الجواهر: «انه الاصح» و الوجه فيه ـ كما
فيها ـ ان المشى في قوله للّه على ان احج ماشيا حال من الحج و الحج اسم لمجموع
المناسك المخصوصة فلا يجب المشى الاّ حاله.
6 ـ ما اختاره في العروة من انه مع عدم التعيين و الانصراف ان كانت العبارة هى
قوله: للّه على ان احجّ ماشيا فالمبدء اوّل أفعال الحج و ان كانت قوله: للّه
على ان امشى الى بيت اللّه او مثله فالمبدء حين الشروع في السّفر.
و اما ما في المتن من ان المبدء تابع للتعيين و لو انصرافا فهل المراد منه انه
لا يمكن الخلو عن التعيين و لو انصرافا غاية الامر انه لا بد من ملاحظة المنصرف
اليه و انه أيّ شيء و من أيّ مكان أو انه يمكن الخلو منهما و لكنه لم يقع
التعرض لحكمه في المتن كما قد وقع التعرض له في عبارة السيّد و الوجه في الاوّل
انه لا يتصور الابهام و الاجمال بالاضافة الى نفس الناذر مع ان حقيقة النذر
عبارة عن التزامه، كما ان الوجه في الثانى امكان أن يكون الالتزام مقصورا على
ما هو مفاد اللفظ و مدلول الصيغة من دون زيادة و نقصان.
و كيف كان فالظاهر ان المبدء ما ذكره في كشف اللثام من دون فرق بين العبارتين
اللتين وقع التفصيل بينهما في العروة فانه لا فرق بنظر العرف بين أن يقول
الناذر: للّه علىّ أن أزور مشهد الرّضا ـ عليه آلاف التحية و الثناء ـ ماشيا أو
يقول: للّه على أن أمشى الى زيارته (عليه السلام) كذلك و المراد من كليهما هو
محلّ الشروع لسفر الزيارة فهذا الوجه هو الظاهر.
و اما المنتهى فمع عدم التعيين فالمنسوب الى
المشهور انه طواف النساء و اختار السيد في العروة انه رمى الجمار و قيل ـ من
دون أن يعرف قائله: هى الافاضة
(الصفحة 499)
من عرفات.
وجه الاول ان طواف النساء و ان كان خارجا من
الحج و ليس من اجزائه الاّ انه بنظر العرف يكون معدودا من اجزائه و لا محالة
يكون مشمولا للالتزام النذرى.
و وجه الثانى جملة من الروايات الصحيحة التى
منها رواية اسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال: قال أبو عبد
اللّه (عليه السلام): في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت
راكبا و ليس عليه شىء.(1) و رواية جميل قال: قال أبو عبد اللّه
(عليه السلام): إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي.(2) و
رواية علي بن أبي حمزة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئلته متى ينقطع مشى
الماشى قال إذا رمى الجمرة العقبة و حلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا.(3)
و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.
و اما القول بان المنتهى هي الافاضة من عرفات فمستنده هي رواية يونس بن يعقوب
قال سئلت أبا عبد اللّه (عليه السلام) متى ينقطع مشى الماشى؟قال: إذا افضت من
عرفات.(4) قال فى الوسائل بعد نقل الرواية: «أقول: ينبغى حمله على
من أفاض و رمى لما مرّ و يمكن الحمل على التطوع بالمشى و عدم وجوبه بنذر و
شبهه».
و على تقدير عدم صحة شىء من الحملين تكون الرواية معرضا عنها لما مرّ من انه لم
يعرف القائل بمفادها، و اما الروايات المتقدمة فحيث انه لم يثبت اعراض المشهور
عنها لعدم ثبوت الشهرة فاللازم الأخذ بمفادها و الفتوى على طبقها كما في المتن.
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 3
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 4
-
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 6
(الصفحة 500)مسئلة 10 ـ لا يجوز لمن نذره ماشيا أو المشى في حجه أن يركب البحرو نحوه،
و لو اضطر اليه لمانع في سائر الطرق سقط، و لو كان كذلك من الاول لم ينعقد، و
لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور الا بالمركب يجب أن يقوم فيه على
الاقوى1.
و الاشكال في دلالتها بعدم التعرض فيها لجمرة العقبة عدا الرواية الاخيرة التى
لا تكون معتبرة من حيث السند مدفوع بان التعرض في كثير منها لزيارة البيت راكبا
قرينة على كون المراد هى تمامية أعمال منى بسبب رمى الجمار بحيث كان المراد
العود الى مكة للطوافّ فلا مناقشة فيها من حيث الدلالة و كونها مخالفة للقاعدة
المقتضية للعمل بالنذر ممنوع اوّلا لان المفروض عدم التعيين من ناحية الناذر
بالاضافة الى المنتهى و ثانيا ان المخالفة للقاعدة لا تقدح في لزوم العمل
بالرواية و الفتوى على طبقها كما لا يخفى.
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لأمرين:
الاوّل: انه لو نذر الحج ماشيا أو المشى في
حجه كما انه لا يجوز له أن يركب السيّارة و الطيّارة و الخيل و البغال و الحمير
و اشباهها كذلك لا يجوز أن يركب البحر و يسافر من طريقه لمنافاته للمشى الذي هو
متعلق النذر أو قيده فان مثل السفينة و الركوب عليها يكون من أقسام الركوب
المغاير للمشى و هذا ظاهر.
نعم لو اضطر الى طريق البحر لمانع في سائر الطرق سقط وجوب الوفاء بالنذر و ظاهر
المتن و ان كان هو السقوط مطلقا الاّ ان اللازم تقييده بما إذا كان الحج واجبا
فوريا في ذلك العام كما إذا نذر المشى في طريق حجة الاسلام التى تكون واجبة
عليه أو نذر الحج ماشيا مقيدا بهذه السنة و امّا إذا كان المنذور هو الحج ماشيا
من غير تقييد بهذه السنة ـ و قد عرفت ان الحكم فيه هو جواز التأخير الى
الاطمينان بالموت أو الفوت فالظاهر ان وجود المانع في سائر الطرق في هذا العام
لا يوجب سقوط وجوب المشى كما انه إذا نذر المشى فى حج التطوع أو