(الصفحة 494)
النفسى كما لا يخفى.
و عليه فاللازم ان يكون محطّ النظر في المتن هى حرمة الاضرار بالنفس بعنوانه
الاولى مطلقا او في خصوص ما إذا كان منجرّا الى الهلاك عادة و قد ادّعى قيام
الاجماع و غيره على ثبوت هذه الحرمة و ان وقع الاختلاف في متعلقها من حيث السعة
و الضيق كما اشرنا.
و على هذا التقدير فالوجه في اعتبار عدم الاضرار امّا خروج متعلق النذر عن
الرجحان بسبب الاضرار المحرّم لانه يصير بذلك مرجوحا فيكون النذر ـ ح ـ فاقدا
لشرط الصحة و هو الرجحان فيحكم بعدم انعقاده و يظهر هذا الوجه من بعض الاعاظم
على ما فى تقريراته في شرح العروة و امّا ما ذكره بعض الاعلام كذلك من ان
الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فيصير الوجه في البطلان عدم التمكن من المنذور مع
انك قد عرفت اعتباره.
اقول و في كلا الوجهين نظر:
اما الوجه الاول فلانّ متعلق الحرمة هى نفس
عنوان الاضرار بالنفس ـ مطلقا أو في الجملة ـ و لا يتعدى الحكم من عنوان متعلقه
الى شىء آخر و مجرد تحقق عنوان الاضرار فى الخارج بالمشى لا يستلزم سراية
الحرمة الى المشى اصلا بل هو بعنوانه ذات رجحان و مزية و قد دلّ عليها قول
المعصوم و فعله كما انّك عرفت ان تعلق النذر بالمشى لا يوجب صيرورة المشى واجبا
بل هو باق على ما كان عليه قبل النذر و الواجب بالنذر انّما هو عنوان الوفاء به
فالمشى لا يسرى اليه الوجوب من ناحية النذر و لا الحرمة من ناحية حرمة الاضرار
فلا مانع من ثبوت الوجوب و الحرمة غاية الامر وقوع التزاحم بين التكليفين لعدم
امكان رعايتهما في مقام الامتثال و الموافقة، و اللازم الرجوع الى قاعدة
التزاحم كما لا يخفى و من الواضح ان المزاحمة امر و عدم الانعقاد الذى هو
المدعى امر اخر.
(الصفحة 495)
و اما الوجه الثانى فمضافا الى انه لم يقم
دليل على ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا بل كلماتهم خصوصا في كتاب الاجارة
ظاهرة في ان الممنوعية امر و الامتناع امر اخر الا ترى ان استيجار الحائض لكنس
المسجد انما يكون الوجه في بطلانه عندهم هى الممنوعية الشرعية و كون العمل
محرّما لا الامتناع و الاستحالة و المعتبر في الاجارة امران: كون العمل مقدورا
و كونه محلّلا فيظهر ان الممنوعية الشرعية امر مستقل و الامتناع امر أخر.
نقول بما ذكرنا من عدم كون المشى الذى تعلقّ به النذر ممنوعا شرعا فان الممنوع
انما هو عنوان الاضرار بالنفس و هو لا يكون متعلقا للنذر فما هو المتعلق غير ما
هو الممنوع.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه على تقدير كون الاضرار بالنفس محرما مطلقا أو
في الجملة لا يوجب ذلك خللا في صحة النذر و انعقاده.
ثالثها عدم كون المشى المطلق او المشى حافيا
حرجيّا على الناذر لانه على تقدير الحرجية يكون مقتضى قاعدة «نفى الحرج» التى
تكون حاكمة على أدلة التكاليف اللزومية ـ وجوبية كانت أو تحريمية ـ عدم لزوم
الوفاء بالنذر إذا كان مستلزما للحرج كما هو المفروض.
ثم انّ السيّد (قدس سره) في العروة قال: «لا مانع منه ـ اى من انعقاد النذر ـ
إذا كان حرجا لا يبلغ حدّ الضرر لان رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة هذا
إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و امّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر
كونه مسقطا للوجوب» و لا بد قبل ملاحظة مدّعاه و دليله و انّ دليله هل ينطبق
على مدّعاه ام لا؟من التعرض لامرين في قاعدة الحرج:
الاول ان مقتضى قاعدة نفى الحرج التى يدل
عليها مثل قوله تعالى: «ما جعل عليكم فى الدين من حرج» هل هو نفى الحكم اللزومى
على سبيل الرخصة او على نحو العزيمة
(الصفحة 496)
و مرجع الاول الى كون القاعدة ناظرة الى رفع اصل اللزوم و اما المحبوبية و
المشروعية فهى باقية بحالها لا ترتفع بالقاعدة اصلا كما ان مرجع الثانى الى رفع
الحكم بالكلية و عدم ثبوت اللزوم و لا المحبوبية و المشروعية فالوضوء او الغسل
الحرجى يقع صحيحا على الاول دون الثانى لفقد انه للمشروعية رأسا في حال الحرج و
المختار عندنا هو الثانى و قد حققناه في كتابنا في القواعد الفقهية.
الثانى ان قاعدة نفى الحرج كما تكون حاكمة
على ادلة التكاليف الاصلية الابتدائية التى لا مدخل للمكلف في اثباتها كاكثر
الاحكام الشرعية هل تكون حاكمة على ادلة التكاليف الثانوية التى يكون للمكلف
مدخل في ثبوتها كالاحكام الثابتة في موارد التزام المكلف كالنذر و مثله ام لا؟
ربما يقال بالثانى نظرا الى ان قاعدة نفى الحرج واردة في مورد الامتنان و لا
امتنان في نفى الحكم في مورد التزام المكلف و التفاته الى كون الملتزم به حرجيا
فاذا كان عالما بان المشى في الحج امر حرجى من حين الشروع فلا امتنان في رفع
الحكم بوجوب الوفاء بالنذر بالاضافة اليه و بعبارة اخرى منشأ الحرج في هذا
الفرض هو التزام المكلف مع التوجه و الالتفات لا حكم الشارع.
كما انه ربما يقال بالاول نظرا الى ان ما يكون موجبا للحرج في هذه الصورة ايضا
هو حكم الشارع بوجوب الوفاء بالالتزام الصادر من المكلف عليه لانه بدون هذا
الحكم لا يقع المكلف في الحرج اصلا فالقاعدة حاكمة على كلتا الادلتين و رافعة
لكلا التكلفين من دون فرق في البين و هذا القول هو الظاهر و هو المستند لمثل
المتن من جهة الحكم باعتبار عدم الاستلزام للحرج في انعقاد النذر و صحته.
إذا عرفت هذين الامرين فاعلم ان ما يمكن دليلا لمدعى السيد من الانعقاد في
الصورة المذكورة هو الامر الثانى الذى ذكرنا بناء على اختيار عدم كون القاعدة
حاكمة على مثل دليل وجوب الوفاء بالنذر و اما الامر الاول فلا يرتبط بمسئلة
انعقاد النذر ضرورة ان رفع وجوب الوفاء بالنذر مع الالتزام بالبقاء على
المشروعية
(الصفحة 497)
و المحبوبية لا معنى له اصلا لانه ـ مضافا الى كونه خلاف مدعاه من الحكم
بالانعقاد و لازمه وجوب الوفاء بالنذر لان المدعى ليس مجرد الاستحباب و الى ان
الاستحباب كان ثابتا قبل النذر و الا لا ينعقد النذر لاعتبار الرجحان في متعلقه
فالرجحان ثابت في المتعلق مع قطع النظر عن الالتزام النذرى و الى ان مقتضى ذلك
عدم الاختصاص بخصوص المدعى لان كون الرفع بنحو الرخصة لا العزيمة لا ينحصر
بمورد المدعى فانه في مورد الجهل و عدم العلم يجرى ذلك من دون فرق ـ.
نقول لا يجتمع الانعقاد مع استحباب الوفاء فان مرجع الانعقاد الى وجوب الوفاء
بالنذر و هذا كما في البيع و نحوه من المعاملات و العقود و الايقاعات فانه لا
يجتمع الصحة مع عدم لزوم الوفاء فالدليل لا ينطبق على مدّعاه أصلا.
ثم ان مقتضى ما ذكرنا من حكومة القاعدة على مثل دليل وجوب النذر ايضا انه لو
عرض الحرج في الاثناء يوجب ذلك سقوط التكليف بوجوب الوفاء بالاضافة الى الباقى
و مقتضى ما ذكره السيد (قدس سره) انه لو كان عالما من الاوّل بعروض الحرج في
الاثناء عدم السقوط كما لا يخفى.
الامر الثانى في مبدء المشى أو المشى حفاء و
منتهاه فنقول: امّا المبدء فلم يرد فيه رواية و نص خاص و اختلفت الفتاوى و
الاراء فيه على أقوال: 1 ـ القول بكون المبدء بلد النّذر و اختاره صاحب الشرايع
و حكى عن المبسوط و التحرير و الارشاد.
2 ـ القول بكونه بلد الناذر و هو المحكى عن ظاهر القواعد و الدروس و غيرهما و
عن الحدائق الميل اليه.
3 ـ اقرب البلدين الى الميقات و في الجواهر نسبه الى القول من دون أن يعرف
قائله و في المسالك: «هو حسن ان لم يدل العرف على خلافه».
(الصفحة 498)
ما في محكى كشف اللثام من انه يمكن القول بانه من اىّ بلد يقصد فيه السفر الى
الحجّ لتطابق العرف و اللغة فيه.و المراد من مساعدة اللغة ما عرفت في اوّل كتاب
الحج من انه في اللغة بمعنى القصد فينطبق على اىّ بلد كذلك.
5 ـ القول بانه اوّل أفعال الحج و في الجواهر: «انه الاصح» و الوجه فيه ـ كما
فيها ـ ان المشى في قوله للّه على ان احج ماشيا حال من الحج و الحج اسم لمجموع
المناسك المخصوصة فلا يجب المشى الاّ حاله.
6 ـ ما اختاره في العروة من انه مع عدم التعيين و الانصراف ان كانت العبارة هى
قوله: للّه على ان احجّ ماشيا فالمبدء اوّل أفعال الحج و ان كانت قوله: للّه
على ان امشى الى بيت اللّه او مثله فالمبدء حين الشروع في السّفر.
و اما ما في المتن من ان المبدء تابع للتعيين و لو انصرافا فهل المراد منه انه
لا يمكن الخلو عن التعيين و لو انصرافا غاية الامر انه لا بد من ملاحظة المنصرف
اليه و انه أيّ شيء و من أيّ مكان أو انه يمكن الخلو منهما و لكنه لم يقع
التعرض لحكمه في المتن كما قد وقع التعرض له في عبارة السيّد و الوجه في الاوّل
انه لا يتصور الابهام و الاجمال بالاضافة الى نفس الناذر مع ان حقيقة النذر
عبارة عن التزامه، كما ان الوجه في الثانى امكان أن يكون الالتزام مقصورا على
ما هو مفاد اللفظ و مدلول الصيغة من دون زيادة و نقصان.
و كيف كان فالظاهر ان المبدء ما ذكره في كشف اللثام من دون فرق بين العبارتين
اللتين وقع التفصيل بينهما في العروة فانه لا فرق بنظر العرف بين أن يقول
الناذر: للّه علىّ أن أزور مشهد الرّضا ـ عليه آلاف التحية و الثناء ـ ماشيا أو
يقول: للّه على أن أمشى الى زيارته (عليه السلام) كذلك و المراد من كليهما هو
محلّ الشروع لسفر الزيارة فهذا الوجه هو الظاهر.
و اما المنتهى فمع عدم التعيين فالمنسوب الى
المشهور انه طواف النساء و اختار السيد في العروة انه رمى الجمار و قيل ـ من
دون أن يعرف قائله: هى الافاضة
|