(الصفحة 501)
فى حج واجب غير فورى لا يجوز السفر من طريق البحر و لو مع وجود المانع في سائر
الطرق كذلك بل اللازم الانتظار و التأخير الى زمان رفع المانع و لعلّ التعبير
بالاضطرار في المتن يستفاد منه ما ذكرنا من التقييد.
و لو كان المانع موجودا من الاوّل لم ينعقد النذر و ان كان الناذر جاهلا به
لاعتبار التمكن من المتعلق في انعقاد النذر و صحته و يمكن القول بعدم الانعقاد
في الفرض الاوّل ايضا لان القدرة المعتبرة انما هى القدرة حال الوفاء لا حال
النذر و الالتزام و عروض المانع يكشف عن عدم التمكن كذلك فلا ينعقد من الاول.
الثانى في النذر المذكور لو كان في طريقه
نهر او شط لا يمكن العبور الاّ بالمركب ففى المتن ـ تبعا للمشهور ـ وجوب القيام
فيه و عدم جواز الجلوس و اختار السيد (قدس سره)فى العروة عدم الوجوب و مستند
المشهور ما رواه السكونى عن جعفر عن ابيه عن آبائه (عليهم السلام)ان عليّا
(عليه السلام) سئل عن رجل نذر أن يمشى الى البيت فعبر في المعبر، قال: فيلقم في
المعبر قائما حتى يجوزه.(1) و المعبر ـ بكسر الميم ـ هى السفينة
التى يركب عليها في البحر و نحوه.
و لكنه أورد عليه في العروة بضعف السند مع ان الظاهر اعتباره لوثاقة السكونى
بالتوثيق الخاص و النوفلى الراوى عنه بالتوثيق العام و على تقدير الضعف فهو
منجبر باستناد المشهور اليه و الفتوى على طبقه خصوصا مع كون الحكم فيه على خلاف
القاعدة سواء كان مورد السؤال فيه هو نذر المشى في جميع الطريق حتى ما فيه من
الشطوط و الانهار أو كان مورد السؤال هو نذر المشى في جميع أجزاء الطريق ما عدى
الشطوط و الانهار.
اما على الفرض الاّول فالظاهر عدم انعقاد النذر مطلقا أو في خصوص ما ذكر من
الشطوط و الانهار لفرض عدم التمكن من العبور عنها الاّ بالمعبر و المركب و لا
-
1 ـ ئل أبواب وجوب الحج الباب السابع و الثلاثون ح ـ 1
(الصفحة 502)مسئلة ـ 11 لو نذر الحج ماشيا فلا يكفى عنه الحج راكبا فمع كونه موسعا
يأتى به، و مع كونه مضيقا تجب الكفارة لو خالف دون القضاء و لو نذر المشى في حج
معين و اتى به راكبا صح و عليه الكفارة دون القضاء، و لو ركب بعضا دون بعض
فبحكم ركوب الكل1.
يمكن ان يتحقق المشى بالاضافة اليهما و بعد عدم الانعقاد لا يبقى وجه لوجوب
القيام عليه في المعبر.
و اما على الفرض الثانى فهما خارجان عن دائرة متعلق النذر فلا مجال ايضا لوجوب
القيام فيه فالرواية على كلا التقديرين مخالفة للقاعدة لكن استناد المشهور
اليها يوجب الفتوى على طبقها و الحكم بلزوم القيام.
ثم انه ذكر السيد (قدس سره) في العروة بعد الحكم بضعف الرواية ان التمسك بقاعدة
«الميسور» لا وجه له و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.
و مراده ان «المشى» يشتمل على خصوصيات ثلاثة: كون الرجلين على الارض و القيام و
التحرك فاذا صار الاوّل معسورا فالميسور و هو الامر ان الاخران لا يسقط بسقوطه
فمراده من القيام المنفى هو القيام فقط لا القيام مطلقا.
لكن المهم في عدم جريان القاعدة المزبورة ـ على فرض تماميتها و سعة دائرة
شمولها ـ ان القيام و لو كان مع التحرك لا يكون ميسورا للمشى أصلا فان القيام
كذلك في السفينة مع كون التحرك الى المقصد و القرب اليه انما يتحقق بها و لا
أثر للتحرك فيها قائما بوجه بالاضافة اليه فهو لا يكون ميسورا للمشى أصلا بنظر
العرف و لكن بعد تمامية الاستدلال بالرواية لا حاجة الى القاعدة بوجه فالأقوى
ما في المتن.
1 ـ الكلام في ركوب الكلّ في الفروض الثلاثة المذكورة في المتن يقع من جهتين:
تارة من جهة القضاء و الكفارة و اخرى من جهة صحة الحج الذى أتى به راكبا و
بطلانه.
اما الكلام من الجهة الاولى ففى الفرض الاوّل الذى يكون النذر موسعا
(الصفحة 503)
غير مضيق لا يتحقق الوفاء بالنذر بالحجّ راكبا بل يجب عليه الاتيان به بعده من
دون أن يتحقق بسببه موجب الكفارة او القضاء.
و في الفرض الثانى الذى يكون النذر مضيقا و مقيدا بالسنة التى أتى فيها بالحج
راكبا لا اشكال في ثبوت الكفارة لتحقق المخالفة العمدية للنذر و ثبوت الحنث و
اما القضاء فحكم بوجوبه السيد (قدس سره) في العروة و لكنه نفاه في المتن و في
الحاشية عليها مع انه حكم بوجوب القضاء فيما لو نذر الحجّ مقيدا بسنة خاصة و لم
يأت به فيها مع التمكن و القدرة و لم يعلم وجه الفرق بين المقامين فانه في
كليهما تحققت المخالفة للنذر و لذا حكم بثبوت الكفارة و مع تحقق المخالفة يكون
مقتضى الدليل ثبوت القضاء و دعوى ان الفرق هو عدم الاتيان بمتعلق النذر هناك
اصلا لأن المفروض ترك الحج رأسا في الزمان الخاص الذى أراده و الاتيان بذات
المقيد هنا و هو أصل الحج غاية الأمر عدم رعاية قيده و هو المشى و فى الحقيقة
قد روعى هنا أمران: أصل العمل و الزمان الخاص الذى قيده به و ترك قيده الاخر و
هو المشى مدفوعة بعدم اقتضاء ما ذكر لنفى وجوب القضاء بعد عدم تحقق متعلق النذر
فتدبر.
و في الفرض الثالث الذى يكون متعلق النذر نفس المشى في حج معين كحجة الاسلام ـ
مثلا ـ إذا أتى بالحج المزبور راكبا يتحقق مخالفة النذر عمدا و هى توجب الكفارة
و اما القضاء فلا مجال لوجوبه لكون الحج خارجا عن دائرة المتعلق لأن المنذور
مجرد المشى و المفروض تحقق الحج المعين فلا وجه لوجوب القضاء الاّ على تقدير
كون الحكم الوضعى فيما أتى به هو البطلان و سيأتى البحث فيه انشاء تعالى اللّه.
و اما من الجهة الثانية فلم يقع التعرض لها في المتن الا في خصوص الفرض الاخير
و حكم فيه بالصحة و الوجه فيه ان المشى الذى تعلق به النذر تارة يكون المراد به
هو خصوص المشى في الطريق و قبل الميقات كما إذا نذر ان يمشى الى المدينة في
طريق حجة الاسلام و اخرى يكون المراد به اعم منه و من المشى حال الاعمال
(الصفحة 504)
و الاتيان بالمناسك.
ففى الصورة الاولى لا يكون اىّ ارتباط بين الركوب الذى تتحقق به مخالفة النذر و
بين حجة الاسلام التى هى عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة التى شروعها في
الفرض المذكور من مسجد الشجرة و لا مجال في هذه الصورة لتوهم البطلان في الحج
لان العبادة لا دخل لها في مخالفة النذر بوجه و هذا من الوضوح بمكان و قد
صرّحوا بان الركوب على الدابة الغصبية لا يضر بالحج اصلا.
و في الصورة الثانية ربما يتخيل البطلان نظرا الى ان الامر بالوفاء بالنذر
يقتضى النهى عن ضده و هو يقتضى الفساد و لكن يدفعه ـ مضافا الى منع اقتضاء
الامر بالشىء للنهى عن ضده ـ انه على تقدير الاقتضاء يكون المنهى عنه هو الركوب
في حال الحج لا نفس الحج حتى يكون النهى متعلقا بالعبادة فتصير فاسدة و من
الواضح ان الركوب امر و العبادة آمر اخر و لا تسرى الحرمة منه اليها فالحكم في
هذه الصورة ايضا الصحة كما هو ظاهر.
و اما الفرضان الاولان فربما يتخيل البطلان فيهما نظرا الى ان المنوى هو الحج
النذرى و هو لم يقع و غيره لم يقصد.
و اجاب عنه السيد (قدس سره) في العروة بان الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في
ضمن قصد النذر و هو كاف الا ترى انه لو صام ايّاما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع
لا يبطل الصيام في الايام السابقة اصلا و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و
كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قرائته و اذكاره التى اتى بها من حيث كونها قرآنا
او ذكرا.
اقول اما الفرض الاول فان لم يكن من نيته
الوفاء بالنذر بالحج الذى اتى به راكبا بل قصده الوفاء به في بعض السنين الاتية
و المفروض كونه موسعا غير مضيق فلا يجرى فيه ما ذكر من ان ما قصد لم يقع و ما
وقع لم يقصد لانه ـ حينئذ ـ لم ينو الوفاء بالنذر به.و ان كان قصده الوفاء
بالنذر بالحج راكبا ـ و الظاهر انه المقصود من هذا الفرض لا الصورة الاولى و
لاجله لا مجال للاشكال على السيد بان تنظير المقام
(الصفحة 505)
بصوم الكفارة في غير محله لان المفروض انه لم يأت بالحج راكبا بداعى الوفاء
بالنذر بخلاف الصوم ـ و كيف كان: فان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا يكون
هنا عنوانان: احدهما عنوان الوفاء بالنذر الذى يكون متعلقا للوجوب و واجبا
توصليا غاية الامر كونه من العناوين القصدية كما مرّ سابقا و ثانيهما عنوان
الحج الذى يكون متعلقا للامر الاستحبابى العبادى و لا يسرى حكم احد العنوانين
الى الاخر اصلا و مجرد قصد تحقق عنوان الوفاء بالحج مع كون الحج مقصودا بعنوانه
و مأتيا به اتيان عبادة مستحبة لا يوجب ان يكون المقصود غير واقع و الواقع غير
مقصود نعم ما هو غير الواقع عبارة عن الوفاء بالنذر الذى قد قصده لانه لا ينطبق
على المأتى به و اما الحج المقصود بعنوانه و مأتيا به بعنوان انه عبادة مستحبة
فلا وجه لعدم وقوعه بعد عدم خلل فيه اصلا فلا وجه للحكم بالبطلان فيه.
و اما الفرض الثانى الذى يكون النذر مقيدا بسنة خاصة فالحكم بصحة الحج راكبا
فيها و عدمها يبتنى على ما مر في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق المتعرضة
لحكم من اتى بالحج تطوعا او نيابة عن الغير ـ تبرعا او اجارة ـ مع استقرار الحج
عليه و علمه بالاستقرار و بحكمه مع التمكن من الحج فان قلنا في تلك المسئلة
بالصحة ـ كما اخترناها و اخترنا صحة الاستيجار عليه ـ فاللازم الحكم بالصحة في
المقام لعدم الفرق بين المسئلتين من هذه الجهة، و ان قلنا فيها بالبطلان ـ كما
نفى البعد عنه سيدنا الاستاذ الماتن ـ قدس سره الشريف و اختار ايضا بطلان
الاجارة ـ فاللازم الحكم بالبطلان في المقام ايضا إذا كان البطلان هناك مستندا
الى اقتضاء القاعدة له و اما إذا كان مستندا الى خصوص بعض ما في الحجّ كالرواية
الواردة هناك ـ بناء على دلالتها على البطلان ـ فلا يستلزم ذلك الحكم بالبطلان
هنا، و ظاهر المتن هنا الصحة باعتبار نفى وجوب القضاء فانه لو كان الحج راكبا
باطلا لكان اللازم وجوب القضاء كما لا يخفى.
بقى الكلام في اصل المسئلة فيما وقع التعرض
له في الذيل و هو ما لو ركب