(الصفحة 503)
غير مضيق لا يتحقق الوفاء بالنذر بالحجّ راكبا بل يجب عليه الاتيان به بعده من
دون أن يتحقق بسببه موجب الكفارة او القضاء.
و في الفرض الثانى الذى يكون النذر مضيقا و مقيدا بالسنة التى أتى فيها بالحج
راكبا لا اشكال في ثبوت الكفارة لتحقق المخالفة العمدية للنذر و ثبوت الحنث و
اما القضاء فحكم بوجوبه السيد (قدس سره) في العروة و لكنه نفاه في المتن و في
الحاشية عليها مع انه حكم بوجوب القضاء فيما لو نذر الحجّ مقيدا بسنة خاصة و لم
يأت به فيها مع التمكن و القدرة و لم يعلم وجه الفرق بين المقامين فانه في
كليهما تحققت المخالفة للنذر و لذا حكم بثبوت الكفارة و مع تحقق المخالفة يكون
مقتضى الدليل ثبوت القضاء و دعوى ان الفرق هو عدم الاتيان بمتعلق النذر هناك
اصلا لأن المفروض ترك الحج رأسا في الزمان الخاص الذى أراده و الاتيان بذات
المقيد هنا و هو أصل الحج غاية الأمر عدم رعاية قيده و هو المشى و فى الحقيقة
قد روعى هنا أمران: أصل العمل و الزمان الخاص الذى قيده به و ترك قيده الاخر و
هو المشى مدفوعة بعدم اقتضاء ما ذكر لنفى وجوب القضاء بعد عدم تحقق متعلق النذر
فتدبر.
و في الفرض الثالث الذى يكون متعلق النذر نفس المشى في حج معين كحجة الاسلام ـ
مثلا ـ إذا أتى بالحج المزبور راكبا يتحقق مخالفة النذر عمدا و هى توجب الكفارة
و اما القضاء فلا مجال لوجوبه لكون الحج خارجا عن دائرة المتعلق لأن المنذور
مجرد المشى و المفروض تحقق الحج المعين فلا وجه لوجوب القضاء الاّ على تقدير
كون الحكم الوضعى فيما أتى به هو البطلان و سيأتى البحث فيه انشاء تعالى اللّه.
و اما من الجهة الثانية فلم يقع التعرض لها في المتن الا في خصوص الفرض الاخير
و حكم فيه بالصحة و الوجه فيه ان المشى الذى تعلق به النذر تارة يكون المراد به
هو خصوص المشى في الطريق و قبل الميقات كما إذا نذر ان يمشى الى المدينة في
طريق حجة الاسلام و اخرى يكون المراد به اعم منه و من المشى حال الاعمال
(الصفحة 504)
و الاتيان بالمناسك.
ففى الصورة الاولى لا يكون اىّ ارتباط بين الركوب الذى تتحقق به مخالفة النذر و
بين حجة الاسلام التى هى عبارة عن الاعمال و المناسك المخصوصة التى شروعها في
الفرض المذكور من مسجد الشجرة و لا مجال في هذه الصورة لتوهم البطلان في الحج
لان العبادة لا دخل لها في مخالفة النذر بوجه و هذا من الوضوح بمكان و قد
صرّحوا بان الركوب على الدابة الغصبية لا يضر بالحج اصلا.
و في الصورة الثانية ربما يتخيل البطلان نظرا الى ان الامر بالوفاء بالنذر
يقتضى النهى عن ضده و هو يقتضى الفساد و لكن يدفعه ـ مضافا الى منع اقتضاء
الامر بالشىء للنهى عن ضده ـ انه على تقدير الاقتضاء يكون المنهى عنه هو الركوب
في حال الحج لا نفس الحج حتى يكون النهى متعلقا بالعبادة فتصير فاسدة و من
الواضح ان الركوب امر و العبادة آمر اخر و لا تسرى الحرمة منه اليها فالحكم في
هذه الصورة ايضا الصحة كما هو ظاهر.
و اما الفرضان الاولان فربما يتخيل البطلان فيهما نظرا الى ان المنوى هو الحج
النذرى و هو لم يقع و غيره لم يقصد.
و اجاب عنه السيد (قدس سره) في العروة بان الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في
ضمن قصد النذر و هو كاف الا ترى انه لو صام ايّاما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع
لا يبطل الصيام في الايام السابقة اصلا و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و
كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قرائته و اذكاره التى اتى بها من حيث كونها قرآنا
او ذكرا.
اقول اما الفرض الاول فان لم يكن من نيته
الوفاء بالنذر بالحج الذى اتى به راكبا بل قصده الوفاء به في بعض السنين الاتية
و المفروض كونه موسعا غير مضيق فلا يجرى فيه ما ذكر من ان ما قصد لم يقع و ما
وقع لم يقصد لانه ـ حينئذ ـ لم ينو الوفاء بالنذر به.و ان كان قصده الوفاء
بالنذر بالحج راكبا ـ و الظاهر انه المقصود من هذا الفرض لا الصورة الاولى و
لاجله لا مجال للاشكال على السيد بان تنظير المقام
(الصفحة 505)
بصوم الكفارة في غير محله لان المفروض انه لم يأت بالحج راكبا بداعى الوفاء
بالنذر بخلاف الصوم ـ و كيف كان: فان كان قصده الوفاء بالنذر بالحج راكبا يكون
هنا عنوانان: احدهما عنوان الوفاء بالنذر الذى يكون متعلقا للوجوب و واجبا
توصليا غاية الامر كونه من العناوين القصدية كما مرّ سابقا و ثانيهما عنوان
الحج الذى يكون متعلقا للامر الاستحبابى العبادى و لا يسرى حكم احد العنوانين
الى الاخر اصلا و مجرد قصد تحقق عنوان الوفاء بالحج مع كون الحج مقصودا بعنوانه
و مأتيا به اتيان عبادة مستحبة لا يوجب ان يكون المقصود غير واقع و الواقع غير
مقصود نعم ما هو غير الواقع عبارة عن الوفاء بالنذر الذى قد قصده لانه لا ينطبق
على المأتى به و اما الحج المقصود بعنوانه و مأتيا به بعنوان انه عبادة مستحبة
فلا وجه لعدم وقوعه بعد عدم خلل فيه اصلا فلا وجه للحكم بالبطلان فيه.
و اما الفرض الثانى الذى يكون النذر مقيدا بسنة خاصة فالحكم بصحة الحج راكبا
فيها و عدمها يبتنى على ما مر في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق المتعرضة
لحكم من اتى بالحج تطوعا او نيابة عن الغير ـ تبرعا او اجارة ـ مع استقرار الحج
عليه و علمه بالاستقرار و بحكمه مع التمكن من الحج فان قلنا في تلك المسئلة
بالصحة ـ كما اخترناها و اخترنا صحة الاستيجار عليه ـ فاللازم الحكم بالصحة في
المقام لعدم الفرق بين المسئلتين من هذه الجهة، و ان قلنا فيها بالبطلان ـ كما
نفى البعد عنه سيدنا الاستاذ الماتن ـ قدس سره الشريف و اختار ايضا بطلان
الاجارة ـ فاللازم الحكم بالبطلان في المقام ايضا إذا كان البطلان هناك مستندا
الى اقتضاء القاعدة له و اما إذا كان مستندا الى خصوص بعض ما في الحجّ كالرواية
الواردة هناك ـ بناء على دلالتها على البطلان ـ فلا يستلزم ذلك الحكم بالبطلان
هنا، و ظاهر المتن هنا الصحة باعتبار نفى وجوب القضاء فانه لو كان الحج راكبا
باطلا لكان اللازم وجوب القضاء كما لا يخفى.
بقى الكلام في اصل المسئلة فيما وقع التعرض
له في الذيل و هو ما لو ركب
(الصفحة 506)
بعضا دون بعض و الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في ترتب حكم ركوب الكل عليه من
جهة لزوم القضاء و الكفارة في مورد ثبوتهما انما الاشكال و الخلاف في كيفية
القضاء و انه هل اللازم فيه المشى في جميع اجزاء الطريق كما في ركوب الكل او
يكفى المشى فى موضع الركوب فقط كما عن الشيخ و جماعة من الاصحاب، و المحكى عن
العلامة فى «المختلف» الاستدلال له بان الواجب عليه قطع المسافة ماشيا و قد حصل
بالتلفيق فيخرج عن العهدة ثم اجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق.
و الظاهر هو القول الاول لان المنذور بحسب نظر الناذر و ما هو المتفاهم عند
العرف قطعها كذلك في عام واحد.
ثم انه ورد في مشى بعض الطريق رواية معتبرة لا بد من ملاحظتها و هى رواية
ابراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه السلام) قال سئله عباد بن عبد اللّه
البصرى عن رجل جعل للّه عليه نذرا على نفسه المشى الى بيت اللّه الحرام فمشى
نصف الطريق او اقل او اكثر فقال: ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به.(1)
و السؤال في نفسه مجمل محتمل لان يكون المراد منه هو مشى المقدار المذكور ـ
نصفا او اقل او اكثر ـ مع الركوب في الباقى و لان يكون المراد منه هو الموت بعد
المشى بالمقدار المذكور و لا ترجيح لاحد الاحتمالين على الآخر.
و لكن ظاهر الجواب بلحاظ كون الافعال الواقعة فيه بصورة المبنى للمفعول ظاهرا و
هو لا ينطبق الا على موت الناذر و بلحاظ كون ظاهره لزوم التصدق بجميع ما ينفق
من ذلك الموضع الذى انقطع منه المشى ـ اعم مما ينفق في بقية الطريق و ما ينفق
في الاعمال و المناسك ـ و هو لا يلائم الا مع الموت يقتضى كون المراد من السؤال
هو الاحتمال الثانى و مرجعه الى بدلية التصدق عن الحج و يؤيده بعض الروايات
المتقدمة المشتملة على لزوم صرف التركة التى اوصى بها للحج الذى
-
1 ـ ئل ابواب النذر الباب الواحد و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 507)مسئلة ـ 12 لو عجز عن المشى بعد انعقاد نذره يجب عليه الحج راكبا مطلقا،
سواء كان مقيدا بسنة ام لا، مع اليأس عن بعدها ام لا، نعم لا يترك الاحتياط
بالاعادة في صورة الاطلاق مع عدم اليأس من المكنة، و كون العجز قبل الشروع في
الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك، و الاحوط المشى بالمقدار الميسور بل لا يخلو
عن قوة، و هل الموانع الاخر كالمرض او خوفه او عدو او نحو ذلك بحكم العجز اولا
وجهان و لا يبعد التفصيل بين المرض و نحو العدو باختيار الاول في الاول و
الثانى في الثانى1.
ظاهره حج التمتع مع عدم سعتها لها و كونها يسيرة في الصدقة مع عدم امكان حج
الافراد بها في مقابل فتوى بعض فقهاء العامة القائل بلزوم التصدق بمجرد عدم
السعة للحج الموصى به و عليه فالظاهر من الرواية غير ما هو محل البحث في المقام
و هو ركوب بعض الطريق و مشى البعض الاخر.
و يؤيد كون المراد من السؤال هو الموت هو ان السائل سئل عن قضية واقعة في
الخارج و لا مجال لحملها على كون الرجل الناذر قد مشى المقدار المذكور و انصرف
عن البقية و عن فعل الحج رأسا كما انه لا مجال لحملها على تحقق الركوب منه في
الباقى و تحقق اعمال الحج منه لانه لا يناسب لزوم صرف مقدار النفقة المصروفة
خارجا في بقية الطريق و الاعمال في التصدق فينحصر ان يكون المراد هو الموت بعد
تحقق المشى بالمقدار المذكور.
ثم انه على الاحتمال الاخر تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار لان مفادها معرض عنه
عند الاصحاب فتخرج عن الحجية.
1 ـ فى اصل المسئلة و هو ما لو عجز عن المشى بعد انعقاد نذره اقوال خمسة ذكرها
السيد (قدس سره) في العروة:
الاول وجوب الحج عليه راكبا مع سياق بدنة،
نسب هذا القول الى الشيخ و جماعة، و عن الخلاف دعوى الاجماع عليه.
الثانى وجوبه كذلك بلا سياق.و هو المحكى عن
المفيد و ابن الجنيد و ابن