(الصفحة 6)
و حج كف عنه و قد يأتى بمعنى الغلبة بالحجة يقال حجه يحجه حجا إذا غلبه على
حجته و في الحديث فحج ادم موسى اى غلبه بالحجة و قد يأتى ببعض المعانى الاخر.
و يستفاد من هذه العبارات ان الحج إذا استعمل وحده يكون بمعنى القصد او القصد
الى من يعظم و ليس المراد من القصد مجرد النية و الارادة بل القصد الذى يتعقبه
السعى و الحركة للايجاد و لذا عطف السعى على القصد في عبارة المجمع و كذا عطف
«يقصدونه» على «يزورونه» فيما حكى عن المخبل و إذا استعمل مع على او الى يكون
بمعنى القدوم و إذا استعمل مع عن يكون بمعنى الكف و الاعراض.
كما ان الظاهر انه لا فرق بين الحج ـ بالفتح ـ و الحج ـ بالكسر و انهما بمعنى
واحد و يؤيده اضافة الحج ـ بالكسر ـ الى البيت في آية الحج في القرائة المعروفة
لعدم ملائمة اسم المصدر مع الاضافة الى البيت كما لا يخفى.
و
اما الثانى فقد قال الشيخ في المبسوط:
«الحج لغة القصد و في الشريعة كذلك الا انه اختص بقصد البيت الحرام لاداء مناسك
مخصوصة عنده متعلقة بزمان مخصوص».
و اورد عليه المحقق بانه يخرج عنه الوقوف بعرفة و المشعر لانهما ليسا عند البيت
الحرام مع كونهما ركنين من الحج اجماعا كما انه قد اورد عليه بان مقتضاه حصول
الحج بالقصد و لو لم يتحقق منه شىء من المناسك و لكن لا مجال لهذا الايراد بعد
ما ذكرنا من معنى القصد في الكلمات المتقدمة كما لا يخفى.
و قال المحقق في الشرايع و المختصر: «انه اسم لمجموع المناسك المؤداة في
المشاعر المخصوصة» و اورد عليه في التنقيح بانه ان كان المراد من المناسك هى
المناسك الصحيحة يكون قيد «المؤداة...» لغوا و ان كان المراد اعم يلزم ان يكون
الحج الفاسد داخلا في التعريف و بانه يشمل العمرة ايضا و بان الآتى بالبعض
التارك للبعض الذى لا مدخل له في البطلان يصدق عليه اسم الحاج مع عدم شمول
(الصفحة 7)
التعريف له.
كما انه اورد الشهيد في الدروس على هذا التعريف بانه يلزم عليه النقل و يلزم
على تعريف الشيخ التخصيص و هو خير من النقل و الظاهر ان هذا الايراد عجيب لان
النقل يتحقق على كلا التعريفين لانه لا فرق في تحققه بين ان يكون المنقول اليه
مغايرا للمنقول عنه بالكلية او يكون مغايرا بالعموم و الخصوص على ان تعريف
الشيخ ينطبق على تعريف بعض اهل اللغة فقد عرفت في كلام لسان العرب و في كلام
القاموس تعريفه بانه قصد مكة للنسك و الظاهر انه تعريف لغوى و الا لا مجال
لذكره في اللغة فتدبر و الذى يسهل الخطب ما افاده صاحب الجواهر من ان الغرض من
امثال هذه التعاريف هو الكشف في الجملة فهى اشبه شىء بالتعاريف اللغوية و الامر
فيها سهل و بعد ذلك يقع الكلام في الامور الثلاثة المذكورة في المتن فنقول
احدها: الوجوب و هو ثابت بالكتاب و السنة و
الاجماع من المسلمين بل بضرورة من الدين و قد وقع التعبير عن وجوبه في الكتاب
بما لم يقع عن غيره فان الواجبات و الفرائض قد عبر عن وجوبها و الالزام المتعلق
بها اما بمثل صيغة افعل مثل الصلوة و الزكوة و اما بمثل كتب عليكم كما في الصوم
و نحوه فان هذا التعبير ايضا ظاهر في الوجوب و قوله تعالى: كتب عليكم القصاص
ناظر الى القاتل فانه يجب عليه قبول القصاص إذا اختار ولى الدم ذلك و اما
بالاضافة الى ولى الدم فالتعبير بقوله تعالى و لكم في القصاص حيوة يا اولى
الالباب.
و كيف كان فالتعبير الوارد في الحج المختص به هو التعبير الوارد في الدين و
ثبوت الحق و هو قوله تعالى
(و للّه على الناس حج
البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين)(1)
و الظاهر انه انشاء للوجوب بهذه الكيفية و بهذه الصورة لا اخبار كما ربما
يحتمل.
(الصفحة 8)
و اما قوله تعالى في الذيل:
«و من كفر فان اللّه
غنى عن العالمين» فيحتمل فيه وجوه:
الاول: ان يكون المراد هو الكفر المتحقق
بالترك و المسبب عنه و هو الذى يظهر من بعض الروايات الاتية و اختاره صاحب
الجواهر (قدس سره) و عليه فهل المراد هو تحقق الكفر بالترك حقيقة او ان المراد
اهمية شأن الترك بحيث يمكن ان يطلق عليه الكفر و لو بالعناية و المسامحة و قد
ذكرنا في اول بحث الصلوة من هذا الكتاب انه يستفاد من القرآن ان ترك الصلوة
موجب للكفر الذى يتعقبه وجوب القتل و هو قوله تعالى
(فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و
اقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان
اللّه غفور رحيم)(1). نظرا الى ان مقتضى اطلاق الصدر وجوب
قتلهم في جميع الحالات و مع كل الخصوصيات و قد خرج منه في الذيل صورة واحدة
فالصور الباقية داخلة تحت اطلاق الصدر فالاية تدل باطلاقها على وجوب قتل
المشركين في غير تلك الصورة و من مصاديقه التوبة و الخروج عن الشرك و عدم اقامة
الصلوة كما لا يخفى
الثانى: ان يكون المراد هو الكفر المسبب عن
انكار وجوب الحج و كونه فرضا و قد حكاه في مجمع البيان عن ابن عباس و الحسن.
الثالث: ان يكون المراد بالكفر هو الكفران
في مقابل الشكر لا الكفر المقابل للاسلام و الايمان نظير قوله تعالى:
(انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا)(2).
نظرا الى ان التكاليف الالهية المتوجهة الى العباد كلها نعم انعمها اللّه على
العباد و تفضلها عليهم لان المصالح و المفاسد كلها راجعة الى العباد و لا حقة
بهم و عليه فكل تكليف نعمة كما ان اصل الهداية المذكور في الاية لطف و نعمة، و
شكر كل تكليف هو العمل على طبقه و الاتيان بمتعلقه كما ان كفرانه هو المخالفة و
الترك و عليه فيحتمل
- 1 ـ سورة التوبة آية 5
- 2 ـ سورة الانسان آية 3
(الصفحة 9)
فى آية الحج ان يكون المراد بالكفر فيها هو الكفران الحاصل بالترك و يظهر هذا
الاحتمال من مجمع البيان ايضا.
الرابع: ما افاده بعض الاعلام في شرح العروة
ـ على ما في تقريرات بحثه ـ مما هذا الفظه: «ان الظاهر من قوله تعالى: و من
كفران من كفر باسبابه و كان كفره منشأ لترك الحج فان اللّه غنى عن العالمين لا
ان انكار الحج يوجب الكفر فان الذى يكفر يترك الحج طبعا لانه لا يعتقد به و
نظير ذلك قوله تعالى:
(ما سلككم في سقر قالوا لم نك
من المصلين و لم نك نطعم المسكين و كنا نخوض مع الخائضين و كنا نكذب بيوم
الدين)(1) فان عدم صلوتهم و عدم اتيانهم الزكوة لاجل كفرهم و
تكذيبهم يوم القيامة و لا تدل الايات على ان ترك الصلوة موجب للكفر بل الكفر و
تكذيب يوم القيامة منشأ لترك الصلوة و عدم اداء الزكوة فلا تدل الاية على ان
منكر الحج كافر».
و يرد عليه ان تفسير الكفر بالكفر المتحقق
باسبابه و جعله مقدما للجزاء الذى قام مقامه قوله فان اللّه غنى عن العالمين
يوجب عدم الارتباط بمسئلة الحج و وجوبه اصلا مع ان ظهور الاية في الارتباط مما
لا مجال لانكاره فلا محيص من جعل الكفر باىّ معنى كان مرتبطا بالحج ـ تركا او
انكارا ـ فاذا حمل على الكفر الاصطلاحى فلا بد من ان يكون سببه اما الترك و اما
الانكار.
و اما التنظير بقوله تعالى: ما سلككم في سقر الى اخر الاية فعجيب فان هذه الاية
لا تكون في مقام بيان الكفر و تطبيق عنوان الكافر بل في مقام السبب الموجب
للسلوك في النار و هما امران احدهما التكذيب بيوم الدين الذى يكون موجبا للكفر
و الثانى ترك الصلوة و الزكوة و قد ثبت في محله ان الكفار مكلفون و معاقبون على
الفروع كالاصول و هذه قاعدة فقهية مذكورة في محلها و من جملة ادلتها هذه الاية
فلا ارتباط لها بالمقام الذى لا بد ـ كما عرفت ـ من الارتباط بين صدر الاية و
ذيلها
-
1 ـ سورة المدثر آية 42 ـ 46
(الصفحة 10)
و تحقق المناسبة بين الكفر و الحج كما لا يخفى فهذا الاحتمال في كمال الضعف ثم
ان هذه الاحتمالات مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسير الاية و اما مع
ملاحظتها فنقول:
منها: صحيحة معوية بن عمار عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) قال: قال اللّه: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا
قال هذه لمن كان عنده مال (الى ان قال) و عن قول اللّه عز و جل و من كفر يعنى
من ترك.(1) و قد وقع فيها تفسير الكفر بالترك يعنى ان المراد من
الكفر هو الترك و حيث انه لا محيص عن وجود المناسبة بين الامرين و الا لا
ارتباط بينهما بوجه لا بد اما من القول بان المناسبة هى السببية و المسببية
بمعنى ان ترك الحج سبب للكفر و قد استعمل اللفظ الموضوع للمسبب في السبب و عليه
فيكون المراد بالكفر هو الكفر الاصطلاحى المقابل للايمان و اما من القول بان
المراد بالكفر هو الكفر بالمعنى اللغوى الذى هو عبارة عن الستر و الاخفاء و قد
وقع الاستعمال بهذا المعنى في الكتاب في مثل قوله تعالى:
(اعجب الكفار نباته) فان المراد بالكفار هو
الزراع لاجل انهم يسترون الحبة في بطن الارض و يخفونها فيها و في المقام يكون
ترك الحج و عدم الاتيان به سترا له و اخفاء كما لا يخفى.
و منها: ما رواه الصدوق باسناده عن حماد بن
عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليه السلام) في
وصية النبى (صلى الله عليه وآله) لعلى (عليه السلام) قال يا على كفر باللّه
العظيم من هذه الامة عشرة: القتات و الساحر و الديوث و ناكح المرئة حراما في
دبرها، و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعى في الفتنة، و بايع السلاح
من اهل الحرب، و مانع الزكوة، و من وجد سعة فمات و لم يحج يا علىّ تارك الحج و
هو مستطيع كافر يقول اللّه تبارك و تعالى و للّه على الناس حج البيت من استطاع
اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين يا على من سوف الحج حتى يموت
بعثه اللّه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 2