(الصفحة 58)
الامر الثانى دعوى انصراف ادلة ثبوت الكفارة
عن الشمول للصبى.
و يرد عليها منع الانصراف بعد كون موضوع الحكم هو المحرم الذى اتى بمحرّم
الاحرام و لا فرق في المحرم بين البالغ و بين الصبى و لا مجال لدعوى كون احرامه
صوريا و كلا احرام فان المستفاد من الروايات الواردة في احجاج الصبى صيرورته
محرما حقيقة بسبب تحريم الولى اياه كما لا يخفى هذا و لكن السيد ـ في العروة ـ
استشهد لمنع الانصراف بقوله و الا فيلزم الالتزام به في الصيد ايضا مع ان لازم
الانصراف ليس ذلك ضرورة ان الالتزام به في الصيد لاجل ورود نص خاص فيه مضافا
الى كونه في الاهمية و العظمة بمرتبة لا يبلغها سائر المحرمات و لذا تثبت
كفارته في كلتا صورتى العمد و الخطاء.
الامر الثالث ان الامور المترتبة على الحج
من قبيل التكليف و الحكم التكليفى مرفوع عن الصبى لحديث رفع القلم و ليس ثبوت
الكفارات من الضمان كما في مورد اتلاف مال الغير الذى يوجب الضمان و يترتب عليه
الحكم الوضعى غير المختص بالبالغين.
و يرد عليه ـ مضافا الى ان مقتضى هذا الامر
عدم ثبوت الكفارة على الصبى لا عدم ثبوتها مطلقا و لو على الولى ـ ان ثبوت
الكفارة و ان كان بنحو الحكم التكليفى و لا مجال لتوهم كونه بمعنى الضمان كما
في اصل ثبوت الهدى في الحج فانه مجرد تكليف الا ان الكلام ليس في ذلك بل الكلام
في سببية الاتيان بمحرم الاحرام لهذا الحكم التكليفى فان المستفاد من الادلة
ثبوت هذه السببية شرعا و هى بلحاظ كونها من الاحكام الوضعية لا تختص بالبالغين
بل تعم الصبيان كسببية الجنابة لوجوب الاغتسال بعد البلوغ فان كون المسبب حكما
تكليفيا لا ينافى كون السببية شرعية غير مختصة بالبالغ و نظر العلامة في مسئلة
الصيد المتقدمة الى هذا المعنى غاية الامر انه لا مجال للاخذ به من جهة الصبد
بلحاظ ورود النص الخاص هناك
(الصفحة 59)
و اما المقام فغير مشمول لذلك النص.
الامر الرابع ما رواه الحميرى في قرب
الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر
(عليهما السلام) و فيه: و سئلته عن الصبيان هل عليهم احرام؟و هل يتقون ما يتقى
الرجال؟قال: يحرمون و ينهون عن الشىء يصنعونه مما لا يصلح للمحرم ان يصنعه و
ليس عليهم فيه شىء.(1) بناء على كون قوله (عليه السلام) يحرمون
مبنيا للمفعول حتى ينطبق على الصبى غير المميز الذى هو محل البحث و يؤيده قوله:
و ينهون الذى يكون مبنيا للمفعول لا محالة كما هو ظاهر و بناء على كون الذيل
ظاهرا في عدم وجوب الكفارة مطلقا لا عدم وجوبها على الصبى و يمكن ان يورد على
هذا الامر بمنع ظهور الذيل في ذلك و يؤيده الاتيان بكلمة «عليهم» فانه لو كان
المراد عدم وجوب الكفارة مطلقا لكان يقتصر على قوله و ليس فيه شىء فتدبر.
و قد تحقق مما ذكرنا انه لم يقم دليل في مقابل اطلاق ادلة الكفارات على تقييدها
بغير الصبى و لاجله تصل النوبة الى البحث في الجهة الثانية و هى ان الكفارة هل
تكون ثابتة على الصبى و في ماله او تكون على الولى؟مقتضى القاعدة، الاول لما
عرفت من ان مقتضى ادلة الكفارات ثبوتها على المحرم و المحرم الحقيقى في المقام
هو الطفل و الاتيان بمحرم الاحرام قد صدر منه فاللازم ترتب الكفارة عليه و
العجب من السيد (قدس سره) في العروة حيث انه استدل لاقوائية تكفل الولى بتضعيف
ادلة نفى الكفارة او عدم ارتباطها بالمقام مع ان ثبوت الكفارة امر و تكفل الولى
له امر اخر.
و كيف كان فيمكن ان يستدل على الثبوت على الولى بامرين:
احدهما ما يستفاد من صاحب الجواهر من الغاء
الخصوصية عما ورد في قتل الصيد
-
1 ـ ئل ابواب المواقيت الباب الثامن عشر ح ـ 2
(الصفحة 60)
و انه على ابيه كما في رواية زرارة المتقدمة و تقريبه ان ما ورد في الصيد يشتمل
على امرين احدهما اصل ثبوت الكفارة في الصيد و ثانيهما ثبوتها على الاب و لا
مجال لالغاء الخصوصية من الامر الاول بعد كون الصيد له اهمية خاصة فلا يمكن
استفادة ثبوت الكفارة في غير الصيد من الرواية الواردة فيه و اما لو استفيد
ثبوتها من الادلة الاخرى و ثبت اشتراك غير الصيد معه في اصل ثبوت الكفارة فلا
مانع من الغاء الخصوصية بالاضافة الى الامر الثانى و الحكم بثبوت سائر الكفارات
على الولى ايضا.
و هذا الامر و ان كان غير بعيد الا ان الغاء الخصوصية ليس بمثابة توجب
الطمانينة للنفس و الوثوق بها كما لا يخفى.
ثانيهما التسبيب لا بمعنى صيرورة الولى سببا
لتحقق محرم الاحرام من الصبى فان الولى و ان صار سببا لاحرامه فانه الذى احرمه
الا ان الاحرام لا يكون سببا و موجبا لصدور محرمه من التظليل و لبس المخيط و
اشباههما بل السبب له هو ارادة الصبى و قصده لاغراض مترتبة عليه فان كونه غير
مميز لا ينافى كونه مريدا و قاصدا و لذا اضيف العمد اليه في قوله (عليه السلام)
عمد الصبى و خطأه واحد بل بمعنى ان الولى كان مكلفا بعد الاحرام بالاتقاء عليهم
كما في رواية زرارة و النهى عنهم كما في رواية على بن جعفر (ع) و صدور محرم
الاحرام يكون دليلا غالبا على عدم تحقق المراقبة اللازمة و المحافظة الواجبة
نعم يمكن صدور محرم الاحرام من الطفل احيانا مع كمال مراقبة الولى و شدة
محافظته الا انه من الندرة بمكان.
و على ما ذكرناه فيمكن ان يقال بان عدم المراقبة ـ مع فرض كون الطفل غير مميز ـ
يوجب الاستناد الى الولى فكانه صدر هذا المحرم منه فيثبت عليه الكفارة و هذا
الامر و ان كان يمكن المناقشة فيه بان مخالفة الولى للتكليف المتوجه اليه
بالاضافة الى الاتقاء و النهى لا يوجب ثبوت الكفارة عليه بل يترتب عليها
استحقاق العقوبة و المواخذة الا انه طريق الى ان يكون مقتضى الاحتياط هو الثبوت
على الولى
(الصفحة 61)مسئلة 6 ـ لو حج الصبى المميز و ادرك المشعر بالغا و المجنون كمل قبل
المشعر يجزيهما عن حجة الاسلام على الاقوى و ان كان الاحوط الاعادة بعد ذلك مع
الاستطاعة1.
خصوصا مع ملاحظة الامر الاول ايضا فالحق ـ ح ـ ما في المتن من اقتضاء الاحتياط
اللزومى للثبوت على الولى.
1 ـ القول بالاجزاء في الفرضين هو المشهور بين الاصحاب و في الشرايع كالمحكى عن
المعتبر و المنتهى الاجزاء على تردد و في محكى المدارك: التردد في محله و عن
ظاهر النافع و صريح الجامع لابن سعيد هو المنع و في المستند نسب المنع الى
جماعة من متأخرى المتأخرين و جعله الاظهر.
و لا يخفى ان مقتضى القاعدة بعد شرطية البلوغ ـ مثلا ـ في حجة الاسلام هو عدم
الاجزاء لان مقتضاها اعتبار اشتمال جميع اجزاء الواجب على الشرط فكما ان مقتضى
اعتبار شرطية الطهارة في الصلوة لزوم تحققها في جميع اجزاء الصلوة من اولها الى
اخرها فكذلك لازم اعتبار البلوغ في حجة الاسلام عدم تحققها بدونه و لو في شىء
من اجزائها و عليه فاللازم على القائل بالاجزاء اقامة الدليل عليه فنقول قد
استدل عليه بامور:
الاول الاجماع الذى ادعاه الشيخ في محكى
الخلاف حيث استدل على الاجزاء باجماع الفرقة و اخبارهم و العلامة في محكى
التذكرة حيث قال: «و ان بلغ الصبى او اعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به او
بعرفة بالغا معتقا و فعل باقى الاركان اجزأ عن حجة الاسلام و كذا لو بلغ او
اعتق و هو واقف عند علمائنا اجمع» قال صاحب الجواهر بعد نقل العبارة: و هو
الحجة.
و يرد عليه منع الصغرى و الكبرى اما الاول فلعدم حجية الاجماع المنقول بخبر
الواحد و لو كان ناقله ثقة عدلا و قد حقق ذلك في محله و اما الثانى فلانه على
تقدير الحجية بل و على فرض التحصيل لا يكون له في مثل المقام اصالة لاحتمال
(الصفحة 62)
ان يكون مستند المجمعين شيئا من الوجوه الآتية فلا بد ملاحظتها.
الثانى الروايات المتعددة الواردة في العبد
إذا اعتق و ادرك المشعر بعده الدالة على اجزائه عن حجة الاسلام مثل رواية شهاب
عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل اعتق عشية عرفة عبدا له قال يجزى عن
العبد حجة الاسلام و يكتب للسيد اجران ثواب العتق و ثواب الحج.(1)
و رواية معاوية بن عمار قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) مملوك اعتق يوم
عرفة قال: إذا ادرك احد الموقفين فقد ادرك الحج.(2) و غيرهما من
الروايات الدالة على ذلك بتقريب ان المستفاد منها حكم عام بالاضافة الى كل من
كان ناقصا ـ و لاجله لا يكون عليه حجة الاسلام ـ إذا كمل و ادرك المشعر كاملا
يكون حجه مجزيا عن حجة الاسلام فلا فرق بين العبد و بين غيره من الصبى و
المجنون في هذه الجهة اصلا و يمكن الايراد عليه بانه مع عدم تعرض شىء من
الروايات الواردة في العبد لعلة الاجزاء حتى يتعدى عن موردها الى سائر موارد
وجود العلة لا بد من القطع بالملاك و المناط و من الواضح انه لا مجال لتحقق هذا
القطع خصوصا بعد ملاحظة عدم الاجزاء في بعض الموارد المشابهة كما قاله السيد فى
العروة حيث ذكر ان لازم الغاء الخصوصية الالتزام بالاجزاء فيمن حج متسكعا ثم
حصل له الاستطاعة قبل المشعر و لا يقولون به.
الثالث الاخبار الدالة على ان من لم يحرم من
مكة احرم من حيث امكنه مثل رواية على بن جعفر (عليه السلام) عن اخيه موسى بن
جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن رجل نسى الاحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما
حاله قال يقول اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم احرامه فان جهل ان يحرم يوم
التروية بالحج حتى رجع الى
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع عشر ح ـ 2