(الصفحة 114)
لااستحقاق العقوبة على ارتكاب شرب الخمر، كما بيّن ذلك في محلّه ، فتدبّر .
وعدم استبعاد صاحب العناوين عن تحقّقها بدون تحقّقه ممّا لاينبغي أن يصغى إليه ، وممّا يؤيّد ما ذكرناه أنّه لو قصد المعين الإعانة على الإثم، ثمّ انكشف عدم كونه إثماً من رأس; كما إذا أعطى السيف زيداً بقصد صدور القتل المحرّم منه، ثمّ انكشف كونه ـ أي المقتول ـ مهدور الدم وجائز القتل للقصاص ونحوه، فهل يتحقّق عنوان الإعانة على الإثم، أو لايكون في البين إلاّ مجرّد التجرّي ؟ فتدبّر .
وما أبعد ما بين ما أفاده الاُستاذ، وبين ما تقدّم عن بعض الأعلام (قدس سره) من أنّه لايعتبر في صدق الإعانة إلاّ وقوع المعان عليه في الخارج وإن كان لا يمكن الالتزام بما التزم به; من أنّ مسير الحاجّ ومتاجرة التاجر مع العلم بأخذ المكوس والكمارك، وهكذا عدم التحفّظ على المال مع العلم بحصول السرقة منه، فكلّها داخل في عنوان الإعانة; فإنّه لا وجه لجعل أمثالها من قبيل الموضوع للإعانة وخروجها عن عنوانها، كما زعمه شيخنا الاُستاذ(1) والمحقّق الايرواني(2)، كما لا وجه لما ذهب إليه المصنّف(رحمه الله)من إخراجها عن عنوان الإعانة، من حيث إنّ التاجر والحاج غير قاصدين لتحقّق المعان عليه; لما عرفت من عدم اعتبار القصد في صدقها (3)، انتهى.
وقد ذكر المحقّق الايرواني (قدس سره) أنّ الإعانة عبارة عن مساعدة الغير بالإتيان بالمقدّمات الفاعليّة لفعله، دون مطلق المقدّمات الشاملة للمادّية، فضلاً عن إيجاد نفس الفاعل أو حفظ حياته، فتهيئة موضوع فعل الغير والإتيان بالمفعول به لفعله ليس إعانة له على الحرام ، ومن ذلك مسير الحاجّ وتجارة التجّار وفعل ما يغتاب
- (1) المكاسب والبيع تقرير أبحاث المحقّق النائيني 1: 27، ومنية الطالب في شرح المكاسب 1: 37ـ 38.
- (2) حاشية كتاب المكاسب للمحقّق الايرواني(رحمه الله) 1: 97 ـ 98.
- (3) مصباح الفقاهة 1: 290 ـ 291.
(الصفحة 115)
الشخص على فعله . نعم ، ربما يحرم لكن لا بعنوان الإعانة، ومن ذلك القيادة(1) ، انتهى موضع الحاجة .
أقول : لو قلنا بأنّ مسير الحاجّ ومتاجرة التاجر في الفرض المزبور ومثلهما من مصاديق الإعانة وهي حرام، يلزم انسداد هذه الأبواب في زماننا هذا، خصوصاً بالنسبة إلى الحجّ والتجارة ، فكلّ من الأمرين يترتّب عليهما الحرام وتحقّق المعصية، ولا يمكن الالتزام به .
ودعوى المنع من حرمة الإعانة كما عرفت(2) من بعض، يدفعها أنّها خلاف ظاهر النهي في الآية(3) .
ودعوى أنّ وجوب الحجّ في الفرض المزبور إنّما هو لأجل مزاحمته مع حرمة الإعانة، وتقدّمه عليها لأجل الأهمّية ، مدفوعة بوضوح خلافه، مضافاً إلى أنّه على فرض التماميّة يجري في الحجّ ولا يجري في التجارة، خصوصاً مع عدم توقّف معيشته عليهما، كما لايخفى .
وتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ اعتبار تحقّق المعان عليه الحرام في صدق الإعانة وتحقّق ماهيّتها ممّا لاتنبغي المناقشة فيه .
وأمّا اعتبار القصد فقط زائداً على ما ذكر، فينفيه إسناد الإعانة إلى من لا قصد له، أو شيء لا يمكن في حقّه القصد لعدم الشعور، كما مرّ في الأمثلة المتقدّمة ، وقدعرفت(4) أنّ الإسناد المجازي المسامحي مع أنّه مخالف للظاهر تنفيه كثرة
- (1) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 98.
- (2) في ص 93.
- (3) سورة المائدة 5: 2.
- (4) في ص111 ـ 112.
(الصفحة 116)
الاستعمالات المذكورة.
وتوجيه الاستعمالات الشرعيّة بأنّ صدق الإعانة على مواردها إنّما هو بنحو الحكومة، مثل «أكل الطين» المحكوم بالإعانة على النفس، يدفعه كثرة الاستعمالات العرفيّة، ووجود بعض الاستعمالات الشرعيّة غير القابلة للحمل على الحكومة، كقول عليّ (عليه السلام) لشيعته : أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد(1) ، ومثله.
فاللاّزم أن يقال باعتبار أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ، إمّا القصد، وإمّا الصدق العرفي كما اختاره الأردبيلي (قدس سره) ، كالأمثلة المذكورة في كلامه المتقدّم(2)، وقد عرفت أنّ كلام صاحب العناوين إمّا راجع إليه أو قريب منه .(3)
نعم ، الظاهر أنّه لا يعتبر العلم بتحقّق المعان عليه في الخارج ، بل لو ظنّ ذلك أو احتمل احتمالاً عقلائيّاً، وصدر منه فعل بعض مقدّماته بقصد تحقّق الحرام في الخارج وتحقّق الحرام منه، تتحقّق الإعانة ولو لم يكن عالماً به، كما لايخفى .
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه لا مجال للتفصيل المتقدّم(4) المحكي عن حاشية الإرشاد من منع صدق الإعانة على بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً، وصدقها فيما إذا باعه لذلك; أي مشترطاً عليه الصرف في الخمر، مع أنّ الظاهر أنّ التفصيل بالعكس كان أولى; فإنّه في صورة الاشتراط قد مرّ أنّه لا داعي للمشتري للعمل بالشرط، خصوصاً إذا كان عالماً بالمسألة الفقهيّة، وأنّ مثل هذا الشرط غير لازم الوفاء به; لاستثنائه من عموم «المؤمنون عند شروطهم»(5) وأنّ الشرط الفاسد
- (1) نهج البلاغة (صبحي الصالح): 417، من كتاب له (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري: الرقم 45.
- (2 ـ 4) في ص109 ـ 111.
- (5) تقدّم في ص92.
(الصفحة 117)
لايسري فساده إلى أصل المعاملة المشروطة به.
وهذا بخلاف ما إذا علم بأنّه يصرف المبيع في الخمر خارجاً وإن لم يكن هناك اشتراط لذلك; فإنّ صدق الإعانة في هذه الصورة أولى لو لم نقل بعدم صدقها في الصورة الاُولى، كما ذكرناه سابقاً ، فتدبّر .
كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا عدم تماميّة ما تقدّم من المحقّق الأردبيلي(1) من أنّه لا يعلم صدق الإعانة في بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً; فإنّك عرفت أنّ الظاهر الصدق العرفي وإن لم يكن البائع قاصداً لحصول الإثم من المشتري .
وعليه: فالظاهر تماميّة هذا الأمر الأوّل ; للحكم بالحرمة التكليفيّة.
الأمر الثاني : ما تقدّم من سيّدنا الاُستاذ الماتن (قدس سره) (2) في مورد خصوص الخمر من دلالة الأخبار المستفيضة ـ الدالّة على لعن عشرة أشخاص ـ على حرمة الشراء للتخمير، ولا شبهة في أنّ البيع إعانة على الشراء المحرّم .
ولكنّا وإن ناقشنا في شمول هذا الدليل بالنسبة إلى الفرع الأوّل، ولكن تماميّته بالإضافة إلى الفرع الرابع الذي نحن فيه غيرقابلة للمناقشة . نعم، ذكرناأنّه لايختصّ بالخمر، بل يجري في بيع الخشب للصنم أو الصليب بطريق أولى، كما عرفت(3) .
الأمر الثالث : حكم العقل بأنّ تهيئة مقدّمات فعل الغير الحرام مع العلم أو الاطمئنان بصدوره منه قبيح ـ سواء كان من قصده ذلك أم لا ـ وموجب لاستحقاق العقوبة عليه ، وقد اُيّد ذلك بأنّ القوانين العرفيّة متكفّلة لجعل الجزاء على معين الجرم وإن لم يكن شريكاً في أصله، وقد ورد نظيره في الشرع فيما
- (1) في ص109 ـ 110.
- (2 ، 3) في ص102 ـ 103 .
(الصفحة 118)
لو أمسك أحد شخصاً وقتله الآخر، كان الثالث مراقباً لهما، وإن اختلفوا في العقوبة من حيث القصاص والحبس إلى الموت وتسميل العينين(1) .
قال سيّدنا الماتن (قدس سره) بعد ذلك : ولا منافاة بين ذلك، وبين ما حرّرناه في الاُصول من عدم حرمة مقدّمات الحرام مطلقاً ; لأنّ ما ذكرناه في ذلك المقام هو إنكار الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدّماته ، وما أثبتناه هاهنا إدراك العقل قبح العون على المعصية والإثم لا لحرمة المقدّمة، بل لاستقلال العقل على قبح الإعانة على ذي المقدّمة الحرام وإن لم تكن مقدّماته حراماً (2).
وأنا أَزيدْ عليه بأنّ القبح المذكور ثابت وإن لم يكن من قصده وصول الغير إلى المحرّم وارتكابه له، كما في المقام ، فإذا علم بأنّ السارق يريد السرقة ويريد ابتياع السلّم لذلك، يكون تسليم السلّم إليه قبيحاً وإن لم يكن التسليم لذلك، وإن كان الأوّل أشدّ قبحاً .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الفرق بين هذا الأمر والأمر الأوّل ـ مضافاً إلى ما عرفت(3) من أنّ المستند للحكم بالتحريم في الأمر الأوّل هي الآية الناهية عن التعاون على الإثم والعدوان، وفي هذا الأمر هو حكم العقل; ولذا صار سيّدنا الماتن (قدس سره) بصدد بيان الفرق بين المقام، وبين مسألة المقدّميّة التي يكون البحث فيها عن حكم العقل بالملازمة وعدمه ـ أنّك عرفت(4) أنّه لايبعد صدق الإعانة ولو مع عدم العلم
- (1) الكافي 7: 288 ح4، الفقيه 4: 88 ح281، تهذيب الأحكام 10: 219 ح863 ، وعنها وسائل الشيعة 29:50، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب17 ح3.
- (2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 194ـ 195.
- (3) في ص108، 109 .
- (4) في ص 116.